“ابن سلمان” وكرسي العرش.. لماذا يبذل الأمير المدلل الكثير من الجهود لاستعراض قوته؟
|| صحافة ||
كشفت الباحثة الإيطالية “سينزيا بيانكو” المتخصصة في شؤون الخليج والشرق الأوسط في تقرير نشرته مؤخراً أن السعودية أجرت تعديلاً في بعض المناصب السياسية والوزارات الرئيسة، في محاولة لإدخال تعديلات تخدم مصلحة “محمد بن سلمان” ولي العهد السعودي وتعزز دائرة نفوذه. واعتبر التقرير الذي نُشر قبل عدة أيام أن مثل هذه التغييرات التي تجري في الرياض لها قيمة دولية قوية، لأنها تؤثر على بلد مهم في الشرق الأوسط وواحد من أبرز المستثمرين العالميين. وأشارت “بيانكو” أن التعديل الوزاري له ثلاثة أبعاد، فهو محاولة لضمان الاستقرار وهو اختبار لقوة “ابن سلمان”، وهو أيضا نصف خطوة إلى الوراء في محاولة توسيع تقاسم السلطة مع الجيل الثالث.
وفي سياق متصل، ذكرت بعض المصادر الاخبارية بأن السعودية شهدت مؤخراً أزمات داخلية عديدة، كأزمة اعتقال الأمراء، وصولاً إلى الهبوط الحاد الذي شهدته البورصة المحلية، بفعل تراجع أسعار النفط، وما رافق ذلك من انتشارٍ لفيروس “كورونا”. وفي ظل الصمت الرسمي حيال الأحداث التي حصلت خلال الآونة الأخيرة في السعودية، وعلى الرغم من القمع الذي فرضته السلطات على وسائل الإعلام، وأيضاً على مواقع التواصل إلا أن هناك حملة اعتراض واسعة على الممارسات داخل السعودية. ولفتت تلك المصادر الاخبارية إلى أنه بعد أن اقترحت منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، على روسيا، خفضاً إضافياً في إنتاج النفط اليومي، بهدف إيقاف انخفاض أسعار النفط المتواصل، رفضت روسيا الاقتراح وذلك بعدما لم تتمكن هذه الاخيرة من التوصل إلى اتفاق مع السعودية.
وأشارت تلك المصادر إلى أن إخفاق مساعي التوصل إلى اتفاق بشأن خفض الإنتاج بين الطرفين دفع “ابن سلمان” إلى محاولة تضييق الخناق على روسيا قبل أن يطلب من وزرائه الاستعداد لسيناريو إلغاء الاتفاق الذي بموجبه لا تلتزم السعودية بأي تخفيض في الإنتاج على الرغم من تراجع الطلب العالمي على النفط بسبب فيروس كورونا ولفتت تلك المصادر إلى أن الرسالة التي أراد “ابن سلمان” إرسالها للروس من خلال الزيادة غير المسبوقة في إنتاج السعودية من النفط، هي إما أن توافقوا على تقليص إنتاج النفط أو لن نقلص إنتاجنا على الإطلاق. ولقد نتج عن ذلك أزمة مستجدة في الاقتصاد السعودي، استفزت السعوديين بعد الانهيار الذي شهدته أسهم البورصة المحلية، وخصوصاً أسهم شركة “أرامكو”، التي كانت طرحت جزءاً من أسهمها للاكتتاب العام في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ضمن خطة “ابن سلمان” المعروفة بـ”رؤية 2030″ وهذه الأزمة أفرزت خسائر كبيرة، لكثير من المواطنين السعوديين، الذي اكتتبوا على أسهم الشركة، فعبروا عن انزعاجهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد تراجع سعر السهم.
وعلى صعيد متصل، انتقد العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي السعوديين، السلوك والممارسات داخل السعودية من اعتقالات وقمع، رافضين تلك السياسات المتبعة وشرح أحدهم عن سبب اختيار ولي العهد السعودي، لهذا التوقيت بالذات للقيام بالاعتقالات، معتبراً أن ولي العهد السابق “محمد بن نايف”، وعمه “أحمد بن عبد العزيز”، يشكلان تهديداً مباشراً عليه لأسباب أهمها أن ابن نايف لا يزال يتمتع بشعبية وحضور جماهيري وفي السياق نفسه صورت بعض المصادر السعودية التحرك بأنه محاولة لمواجهة انقلاب كان في طور الإعداد أو أنها تذكير بأن ولي العهد يتعامل بقسوة مع أي شخص يشكك في قدرته على الحكم وبعيدا عن هذا فإن الاعتقالات تعبير عن سياسة القبضة الحديدية، أياً كان السبب.
ومن جهتها أشارت بعض المصادر الاخبارية إلى أن توقيت اعتقال الأميرين “محمد بن نايف” و”أحمد بن عبد العزيز”، اللذين اعتقلا الجمعة الماضية، ما زال عصياً على التفسير في ظل المعلومات التي تؤكد عدم تصرف أي من الأميرين بطريقة توحي بأنه معرض للاعتقال، فقد اعتقل الأمير “أحمد” بعد عودته إلى منزله من رحلة صيد دامت أسابيع. وترى تلك المصادر أن التوقيت ربما يعود إلى اعتقاد الديوان الملكي السعودي بأن أخبار الاعتقال ستمر دون اهتمام يذكر في ظل انشغال العالم بتفشي فيروس كورونا وتأثير انهيار أسعار النفط على أسواق المال العالمية. ومن جهتها رجحت الباحثة الإيطالية “بيانكو”، أن تكون هناك علاقة وثيقة بين اعتقال الأمراء السعوديين وقرار “ابن سلمان” زيادة إنتاج النفط لمستوى غير مسبوق، حيث قالت إنه “من غير المنطقي جدا رؤية الاعتقالات الملكية في سياق انهيار مفاوضات النفط مع روسيا” وأضافت إن ولي العهد “يدرك أن الأمور ستصبح صعبة للغاية من الناحية الاقتصادية ويريد التأكد من أن الجميع على الرأي نفسه قبل التحديات الجديدة”.
وعلى خطٍّ موازٍ، لم تغب أزمة فيروس كورونا عن السعودية، حيث عبّرت معظم التغريدات التي نشرت على “تويتر” عن الامتعاض من التكتم الذي اعتمدته الجهات الرسمية وسجّلت هذه التطورات حالة من الاعتراض بين السعوديين، الذين طرحوا تساؤلات عديدة حول دوافعها وتوقيتها وفي هذا السياق أورد تقرير الباحثة الإيطالية “بيانكو” أن قضية تفشي فيروس “كورونا” في البلاد وعجز الحكومة السعودية عن السيطرة على هذا الفيروس خلق أجواء سلبية ومشاعر استياء من “بن سلمان” داخل البيت السعودي. وأضافت “بيانكو”، يحاول “ابن سلمان” إنجاح رؤيته الاقتصادية وعلى سبيل المثال نأخذ تعيين إبراهيم العساف، وزير المالية السابق وهو واحد من الحرس القديم، ولكنه واحد من القلائل الذين يؤمنون برؤية 2030″، وهو مشروع ولي العهد بن سلمان لمستقبل السعودية في مرحلة ما بعد النفط وكان العام الماضي ضمن الشخصيات السعودية التي تم اعتقالها بسبب الفساد في فندق ريتز كارلتون في الرياض. وهي خطوة أعلن عنها ولي العهد باعتباره صراعاً شديداًَ مع مظاهر الفساد في النظام السياسي الاقتصادي القديم، لكنّه قرأ من قبل العديد من المحللين أنه نوع من الحملة ضد المعارضين الداخليين في المؤسسة القديمة.
وفي ختام تقريرها، ذكرت الباحثة الإيطالية “بيانكو” أن الجو العام الذي يسود عائلة “آل سعود” في السعودية يشير إلى التحضير لأمر كبير خلال الفترة المقبلة، قد يصل إلى الاصطفاف خلف شخصيّة توافقيّة ودعمها للقيام بتحرّك مدروس ضدّ الملك سلمان وابنه وأشارت “بيانكو” إلى أن “ابن سلمان” بدأ يشعر بتهديد وجوديّ له أكثر من ذي قبل.
الوقت التحليلي