مركَــــزُ الأطراف والعلاج الطبيعي بصنعاء.. بارقةُ أمل للجرحى والمعاقين في زمن العدوان والحصار!

|| صحافة ||

يعملُ 215 من الأطباء والممرضين والفنيين والإداريين ذكوراً وإناثاً على قلب رجل واحد داخل مركز الأطراف والعلاج الطبيعي التابع لوزارة الصحة في العاصمة صنعاء.

ويتحَرّك هذا الطاقم؛ مِن أجلِ تقدم الخدمة لشريحة من المجتمع اليمني، بدءاً من تقديم العلاج الطبيعي والمساج وانتهاء بتقديم الأطراف الصناعية لمبتوري الأطراف والأجهزة المتحَرّكة والكراسي والعكاكيز.

يبدأ كُـلّ موظفي أقسام المركز الذي يعج بالمئات من المواطنين رجالاً ونساءً وأطفالاً باستقبال الحالات التي تحتاج للعلاج من ساعات الصباح الباكر وحتى الساعة الخامسة ليلاً بشكل يومي، في ظل افتقارهم لكثير من الإمْكَانيات؛ نتيجة استمرار الحرب والحصار.

ولعل ما يميز المركز هو استقلالية كُـلّ قسم عن الآخر ووجود مركز مستقل للعلاج الطبيعي خاص بالنساء والأطفال.

 

صعوباتٌ وإنجازات

وفي زيارة ميدانية قامت بها صحيفة “المسيرة” لمركز الأطراف والعلاج الطبيعي للاطلاع عن كثب على جهود الموظفين والخدمات التي يقدمونها، يشير الأُستاذ علي الأعوج -مدير عام المركز-، إلى أبرز الصعوبات والعوائق التي يواجهها مركز الأطراف الوحيد في العاصمة صنعاء، وتتمثل في انقطاع الرواتب منذ سنوات بعد نقل البنك المركزي إلى عدن، ما جعل الكادر والعاملين يعيشون أوضاعاً معيشية صعبة.

ويحذر الأعوج من نفاد المواد الخام التي تحتاجها ورش المركز في صناعة الأطراف المختلفة بعد أن باتت على وشك الانتهاء داخل المخازن، وعدم توفرها في السوق المحلي؛ بسَببِ الحصار المفروض على اليمن من قبل دول التحالف، مبيناً أن جميع الموظفين والموظفات يؤدون واجباتهم بكل مسئولية ووطنية وإخلاص ولم تؤثر عليهم كُـلّ تلك الظروف، لا سيما بعد رحيل الكادر الأجنبي من المركز بداية الحرب والذين كانوا جميعاً من الجنسية الهندية وقد تم إحلال بدلاً عنهم كادر يمني متخصص ومن خريجي المعاهد الصحية.

ويؤكّـد مدير مركز الأطراف أن الدعم الوحيد الذي يتلقاه المركز في الوقت الحالي هو مقدم من منظمة الصليب الأحمر الدولية التي تكفلت بتوفير المواد الخام الضرورية السنة الماضية، وقد شارفت على الانتهاء، مشيداً بدور الدكتور طه المتوكل وزير الصحة العامة والسكان في دعم المركز وإيلاء الجرحى اهتماماً خاصاً إلى جانب بقية المرضى.

 

خدمات المركز في أرقام

وتوضح الإحصائيات الحديثة التي حصلت عليها صحيفة “المسيرة” عدد المستفيدين من خدمات مركز الأطراف خلال العام الفائت 2019، حيث بلغ عدد المبتورين الذين قدمت لهم خدمات ما يقارب 5716 بينهم نساء وأطفال، فيما بلغ عدد المرضى الجدد الذين قُدمت لهم أطراف بديلة حوالي 398 بينهم 168 طفلاً.

وتؤكّـد الإحصائيات أن عدد الأطراف المستلمة للذكور والإناث والأطفال بلغت 618، بينما بلغ عدد المرضى غير المبتورين الذين قدمت لهم خدمات في جميع أقسام المركز حوالي 67904، بينهم أكثر من 24 ألف طفل وأكثر من 32 ألف رجل وامرأة، فيما بلغ عدد المرضى الذين استلموا أجهزة 7910 مرضى، وعدد الأجهزة المستلمة للمرضى 52198، بينهم 13 ألف طفل.

وتبين الأرقام أن عدد العكاكيز والعصي المسلَّمة للمرضى بلغت 598 بينهم 207 أطفال، فيما بلغ عدد الذين تلقوا العلاج الطبيعي في المركز من الرجال والنساء والأطفال حوالي 27257 مريضاً، أما المرضى الجدد الذين تلقوا العلاج الطبيعي 2118 من مختلف الأعمار.

 

الورشة الفنية تسابقُ الزمن

ويتحدث محمد جياش -مدير الإدارة الفنية بمركز الأطراف- لصحيفة “المسيرة” عن أهم الخطوات والمراحل التي تبدأ داخل الورشة الفنية بدءاً من أخذ قياسات المريض الذي يحتاج إلى الأطراف الصناعية والجبائر والأحذية الطبية، مروراً بعمل القوالب والجبس والفرن وانتهاء بمعامل الجلد.

ويشير جياش إلى حجم الضغط الذي يتلقاه كُـلّ العاملين والعاملات في الورشة الفنية؛ نتيجة زيادة عدد المرضى بشكل كبير وارتفاع الأرقام كُـلّ يوم، الأمر الذي دفع إدارة المركز إلى زيادة عدد ساعات العمل، حيث تبدأ من الساعة 8 صباحاً وحتى الخامسة مساء، وبالتالي زيادة الإنتاج وتجهيز أكبر قدر من الأطراف التي يحتاجها المريض، منوّهاً إلى أنهم يسابقون الزمن؛ مِن أجلِ ذلك.

ويبين مدير الإدارة الفنية بمركز الأطراف، أن الجميع داخل المركز عموماً وداخل الورشة الفنية خصوصاً يعملون كخلية نحل، ومعظمهم لا يزال متعاقداً؛ مِن أجلِ تلبية احتياجات المرضى، ويبذلون جهوداً كبيرة ومضنية، مثمناً جهود الإدارة التي تولي كُـلّ أقسام المركز اهتماماً وعناية كبيرة وتحرص على تذليل كُـلّ الصعاب والعوائق أمام الجميع.

 

صناعة محلية تنافس المستورد

أما دحان الجندبي -رئيس قسم المشغولات الجلدية-، الذي يضم العشرات من العاملات فوق مكائن الخياطة، والعمال على أجهزة خَاصَّة لصناعة الأحذية الطبية للمرضى من ذوي القصور، فيؤكّـد أن قسم المشغولات الجلدية من أهم الأقسام في الورشة والإدارة الفنية، التي يحتاجها المرضى وهي مصنعة محلياً وتضاهي المستورد من الخارج وتهدف إلى تغطية احتياجات المرضى.

ويستعرض الجندبي خلال حديثه لـصحيفة “المسيرة” بعض المنتجات التي يصنعها القسم على مدار 10 ساعات يومياً، طالباً من “فاطمة الوصابي” إحدى العاملات في قسمه، عرض أحد الجاكيتات الطبية التي يحتاجها مريض العمود الفقري، والذي بدا ذات جودة عالية فائقة الدقة وتساهم في علاج المريض، ناهيك عن ثمنها الزهيد مقارنة بالمستورد من الخارج، بالإضافة إلى الجزمات الطبية المصنوعة من الجلد التي يتم صناعتها في الورشة وبيعها للمريض بمبلغ رمزي، كما يتم صناعة الأحزمة الطبية لمن يعاني آلام الظهر والعمود الفقري.

ويضيف رئيس قسم المشغولات الجلدية في مركز الأطراف، أن العاملين يبذلون جُهداً كبيراً؛ مِن أجلِ تلبية احتياجات المرضى، وبالتالي فقد يتطلب ذلك زيادة ساعات العمل والإنتاج، مبيناً أن كُـلَّ عامل وعاملة يقومون بإنتاج 5 أصناف يومياً من تلك المشغولات الجلدية.

 

مناشداتٌ عاجلةٌ بدعم المركز

وفي حديثها الخاص لصحيفة “المسيرة”، تشير الدكتورة شيخة الحسني -رئيسة قسم النساء والأطفال في قسم العلاج الطبيعي-، إلى الدورِ الكبيرِ الذي يلعبُه قسمُ النساء والكادر النسوي في تقديم العلاج الطبيعي للنساء والأطفال، أسوةً بالخدمات التي يقدمُها قسمُ الرجال بالمركَز.

وتنوّه الدكتورة الحسني إلى أبرز المعالجات التي يقدمها المركز والمتمثلة في تأهيل الأطفال المصابين بشلل الدماغي والضمور والتي يتم تحويلُها من مختلف الأطباء المتخصصين في المستشفيات الحكومية والخَاصَّة بشكل يومي، مبينة أن هناك شحةً في الكادر النسوي بقسم النساء والأطفال؛ نتيجة ازدحام وكثره المرضى المرتادين للمركز من جميع أنحاء الجمهورية؛ كونه يعد القسم الوحيد الذي يقدم خدمات العلاج الطبيعي بكادر نسائي متخصص ومؤهل، وهذا بفضل الله وبجهود وزير الصحة الدكتور طه المتوكل، وكذلك جهود مدير عام المركز السابق رحمه الله، والمدير الحالي الأُستاذ علي الأعوج الذي يولي قسمَ النساء والأطفال اهتماماً خاصاً ورعاية دائمة.

وترجع رئيسةُ قسم النساء والأطفال في مركز الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي، سببَ الازدحام الشديد وكثرةَ المرضى إلى الإصابات والإعاقات التي يخلّفها العدوان السعودي الأمريكي جراء قصف الطيران المتواصل على مدى خمس سنوات واستهداف المنازل المكتظة بالنساء والأطفال، الأمر الذي يجعل الكثير من الناجين في عِداد المصابين والجرحى وذوي الإعاقات الجسدية التي تحتاج إلى أطرافٍ صناعية وعلاج طبيعي مستمر، لا سيما النساء والأطفال.

وتدعو الدكتورة الحسني القيادةَ السياسيةَ ممثلةً بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ والمنظمات الدولية والمحلية ورجال المال والأعمال، وأصحاب الأيادي البيضاء، لسرعة دعم مركز الأطراف والعلاج الطبيعي وجعل ذلك من أولوياتهم واهتماماتهم؛ كون المركز يقوم بعلاج المواطنين والمعاقين وجرحى العدوان، ومعظمهم من الشريحة الفقيرة الذين يتم تقديمُ الخدمات لهم مجانا أَو برسوم رمزية.

 

الحصارُ يشكل عائقاً

وفي السياق، يقول محمد حسين الجوفي -مدير إدارة العلاج الطبيعي في مركز الأطراف-: إن القسم الذي يديره هو من أهم الأقسام في المركز؛ كون إدارة العلاج الطبيعي هي من تقوم باستقبال جميع الحالات المرضية التي تحتاج الي الخدمات العلاجية والتأهيلية بجميع أنواعها، والتي تتوافد من كُـلّ محافظات الجمهورية.

ولفت الجوفي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” إلى أن مركَز الأطراف والعلاج الطبيعي هو المركَزُ الوحيدُ في البلد الذي ما زال يعمل بكل طاقته الاستيعابية بدون توقف رغم تزايد الحالات التي تتردّد على المركز بشكل يومي، مثل إصابات حوادث السير وجرحى العدوان ومرضى الشلل الجزئي والنصفي والشلل الرباعي وإصابات الحبل الشوكي والعصب السابع والانزلاق الغضروفي في الفقرات القطنية والعنقية، كذلك حالات الشلل الدماغي الذي يصيب الأطفال بشلل كامل الجسم، وكذلك استقبال حالات البتور وتأهيلها قبل تصنيع الطرف الصناعي عبر تقويةِ العضلات بالتمارين الرياضية.

ويؤكّـد مديرُ إدارة العلاج الطبيعي استقبالَ حالات الإصابات الطرفية؛ نتيجة الطلقات النارية أَو الالتهابات المزمنة، كما يقومُ قسمُ العلاج الطبيعي بمعالجة التشوُّهات الخَلقية وتأهيلها مثل حالات ليونة العظام وانحراف القدم وتقوسها، كذلك معالجة الحالات المرضية التي تعاني من الاعتلال العضلي وضعف العضلات وحالات الخلع الولادي عند الأطفال الصغار، وكذلك الخلع عند الكبار ومعالجة هشاشة العظام ومسمار القدم وفقدان التوازن والتأهيل الحركي، حيث يعتبر العلاجُ الطبيعي هو العلاجَ المكملَ لعلاج معظم الحالات المرضية التي تحتاج لإعادة التأهيل بعد خروجها من المستشفيات والعيادات وتشخيصها من قبل الأطباء.

ويواصل الجوفي الحديث قائلاً: “تصل إلينا الحالات المرضية مشخصة ونحن في قسم العلاج الطبيعي نقوم باستقبال الحالات بعد مرورها على الطبيب المختص في قسم الاستقبال وتحديد نوعية العلاج لكل حالة حسب برنامج العلاج المقرّر للمريض”.

وبيّن الجوفي أن قسم العلاج الطبيعي يصنف الحالات المرضية كُلٌّ في المكان والقسم المحدّد لها حسب نوعية العلاج، موضحاً أن قسمَ العلاج الطبيعي يقدم خدماتٍ عديدةً أبرزها الفحصُ بالأجهزة الطبية الكهربائية والحرارية والموجات فوق الصوتية والموجات القصيرة مثل الميكرو ويف الحراري وكذلك التحفيز الكهربائي والذبذبات المسكنة للألم والكمّادات الباردة والحارة وأجهزة شد الفقرات القطنية والرقبة والأشعة تحت الحمراء والأشعة البنفسجية وأجهزة المغناطيس المجال المغناطيسي الدائري وأجهزة الليزر والمعالجة بالهواء البارد، إضافةً إلى أجهزة ضغط الهواء للأطراف العلوية والسفلية التي تساعد في تأهيل حركات المفاصل المتصلبة بجميع أنواعها، وأجهزة التأهيل الحركي الهوائية.

ويضيف الجوفي: “ونظراً لتزايُدِ الحالاتِ التي تتردّدُ على المركز بصورة يومية جراء الحوادث المختلفة وضحايا قصف طيران العدوان أصبح المركزُ يواجهُ صعوباتٍ كبيرةً؛ بسَببِ كثرة الحالات، وصعوبة الحصول على الأجهزة الطبية؛ نتيجة الحصار الظالم الذي يفرضُه تحالُفُ العدوانِ على البلاد، ومنع دخول الأجهزة الطبية والأجهزة المساعدة، مما يشكل عائقاً على أقسام العلاج الطبيعي وأعباء فوق طاقته الاستيعابية، الأمر الذي دفعنا لتمديدِ العملِ فترة مسائية؛ كي نستطيعَ تقديمَ الخدمة لجميع المرضى بالقدر المتاح والأجهزة المتاحة.

 

صحيفة المسيرة | هاني أحمد علي

 

قد يعجبك ايضا