مرة أخرى .. وفرصة أخيرة

 

|| مقالات || عبدالرحمن الأهنومي

 

على الدوام تبرهن اليمن في رغبتها الجادة وسعيها لتحقيق السلام المشرف والعادل من خلال ما تقدمه من مبادرات وخطوات ومقترحات للحلول السياسية الشاملة ، واتساقا مع هذا التوجّه الجاد قدمت القيادة السياسية المبادرات والحلول وحتى التنازلات المجحفة ، ولم تدخر جهدا ولا وسيلة ممكنة لتوفير مخارج متاحة للحل السياسي ، وفي هذا الصدد سبق وأن أعلن فخامة الرئيس المشاط وقفا كاملا للعمليات العسكرية الصاروخية والجوية على الأراضي السعودية من طرف واحد ، وأطلق مبادرة سلام تاريخية عشية العيد الخامس لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ، وبدلا من رد التحية بمثلها اتجه النظام السعودي إلى تصعيد الغارات الجوية بالطيران مستهدفا المنازل والمنشآت والمزارع والطرقات والمدنيين ، ولا جديد في تعاطيه مع الرؤية الوطنية للحل المعلنة أمس الأربعاء ، إذ أن الهدنة الوقتية التي أعلنها تؤكد أنه ما زال فاقدا للرؤية يناور بالسلام كمفردات يستخدمها من قبيل العناوين الشعاراتية ، ويتخذها ستارا للتصعيد والتحشيد واستمرار العدوان والحصار، وهو على الدوام ما فتئ يبرهن بأن لا رغبة لديه ولا جدية في إحلال السلام ووقف الحرب والعدوان ورفع الحصار.

 

من جديد تؤكد اليمن على خيارها واستراتيجيتها الثابتة في السعي نحو السلام للجميع ، ومن جديد تجدد أنها وبقدر حرصها على استخدام حقها المكفول في الدفاع عن النفس ، فإنها تسعى إلى أن يتحقق السلام المشرف والعادل ، ومن جديد يؤكد النظام السعودي استمراره في إشعال فتيل الحرب وأنه لم يتخل عن نواياه العدوانية ، وأن حديثه عن الحل السياسي والسلام ليس إلا شعارا وتكتيكا وقتيا يستخدمه للمناورة والتذاكي.

 

جاءت الرؤية الوطنية لتؤكد المؤكد بالنسبة لليمن وتكتسب المبادرة أهميتها من كونها أولا انطلقت من حاجة ملحة وضرورية ، ومن قناعة راسخة أن السلام الشامل والعادل هو الضامن الحقيقي لأمن الجميع ، كما أنها تكتسب أهمية من حيث توقيتها المتزامن مع انتشار وتفشي جائحة كورونا في العالم ، وما رافقه من دعوات لإحلال السلام في أنحاء العالم ،وقد كان النظام السعودي بحاجة إلى خطوة مماثلة لتأكيد استعداده في التوجه نحو السلام ، على الأقل لتحسين سمعته الساقطة أخلاقيا وإنسانيا على كثرة الأخطاء والموبقات التي وقع فيها وهو يعتدي على اليمن ويقتل ويروع ويدمر ويعيث فسادا في بلاد الإيمان ، كما أنه مُطالب اليوم لأن يثبت أنه قد تغيّر وأن تعاطيه مع دعوات السلام والإخاء قد تجاوز المناورة والمقامرة والكبر التي ظلت الطابع الطاغي على ممارساته خلال السنوات الماضية!

 

ولربما يفوت دائما على النظام السعودي المعتدي ومرتزقته وتحالفاته المشبوهة والممولة نفطا وأموالا ورمالا ، أن ما بنى عليه من الحسابات والرهانات لا تعدو عن كونها أضغاث أحلام تبخرت بما لم يكن يتوقعه من مفاجآت سبقت ، وتاهت ببقاء الشعب اليمني العظيم متماسكا وعلى درجة عالية من القوة والمنعة ووحدة الموقف وتوحيد الصفوف ، عليه أن يدرك بأن الشعب اليمني ورغم التحديات والأخطار التي واجهها على طول سنوات العدوان والحصار ، أقوى من أن تهزه عواصف الرمال ، وأنه شعب يعشق صناعة المفاجآت ، وما ليس في حسبان آل سعود.. قادم لا محالة.

على أنه وهو يكرر المغالطات والخدع الشعاراتية إنما يعرض نفسه ومصالحه لما قد يسبب زوالها ، فلا الظروف هي الظروف التي تمنحه فرصا للنجاة ، ولا مآلات الحرب وفائض القوة لديه ستمنحه ما يريد وتضمن له برطعة مجانية في سماء اليمن وبحارها ومدنها ، وفي الوقت التي تتعاظم فيه خسائره ، وتتوالى هزائمه وانتكاساته ، وتتآكل حشوده من المرتزقة والعملاء وتتساقط أوهامه العدوانية ، ينبغي عليه أيضا أن يستوعب الرسائل التي وجهها قائد الثورة في خطابه بمناسبة ليوم الوطني للصمود 26 مارس ، إذ لم يعد مجديا له أن يحاصر شعبا ، ويستبيح بلدا بالغارات والطيران ، ثم ينجو بجلده ويستطيع الهرب دون دفع ثمن فعائله وجرائره السابقة واللاحقة.. فاليمن أصلب عوداً مما مضى.. ، وعدم استغلاله الفرصة الجديدة التي تتيحها الرؤية الوطنية للسلام ، سيدفع ثمنه باهظا.

 

وبكل تأكيد فكما أن السلام في مصلحة النظام السعودي، فإن تلكؤه في القبول سابقا بمبادرة الرئيس المشاط ، وتذاكيه راهنا في القبول بالمبادرة الوطنية للسلام التي أعلنت أمس لا مصلحة له فيه ، لأنه بذلك يغلق آفاقا واسعة للحل ، وقد كان المطلوب منه إعلان واضح وصريح بوقف الغارات ورفع الحصار ، ودون ذلك حرب قد لا يكون في استطاعته تحمل كلفها الباهظة جدا.

 

رغم ما تبديه اليمن من حرص على السلام ، لا يتورع النظام السعودي المعتدي على اليمن في ممارساته التي تؤكد أنه لا يزال محكوما بالهواجس والنوازع العدوانية ، وكان عليه أن يمد يده للسلام الذي سيقيه مصارع السوء..وقبل البكاء على الأطلال.. فلتجيبوا داعي السلام.

 

قد يعجبك ايضا