ترحيل مجنّدين وعمّال من دون إخضاعهم للفحوصات: السعودية «تنشر» الوباء في اليمن؟
|| صحافة ||
سجّل اليمن، قبل أيام، أول إصابة بفيروس «كورونا». قبل وصوله، شكّل الوباء هاجساً كبيراً في الأوساط السياسية والطبّية، بسبب اهتراء المنظومة الصحّية غير المؤهّلة أساساً، قبل أن تدمّر الحرب السعودية ما تبقّى منها. وتصاعدت المخاوف من أن يؤدّي تفشّي الوباء إلى تعميق المأساة الإنسانية، في ظل تواضع الإمكانات المحلّية وانهيار الخدمات بعد ستة أعوام من العدوان الذي أدّى، بحسب تقرير لوزارة الصحة في صنعاء، إلى تدمير أكثر من 469 منشأة صحّية وخسائر بعشرات المليارات من الدولارات للقطاع الصحي. وحال الحصار دون صيانة 97 في المئة من الأجهزة والمعدّات التي انتهى عمرها الافتراضي، فيما لم يحصل أكثر من 48 ألف موظف في القطاع على مرتّباتهم، وانقطع كثير من الأطباء والموظفين عن العمل جراء النزوح والظروف الاقتصادية، وغادر البلاد 95 في المئة من الكادر الطبي الأجنبي.
وكان وزير الصحة في اليمن طه المتوكل، حذّر الأسبوع الماضي من «كارثة إنسانية كبيرة» في حال وصول الوباء. وأكد في كلمة أمام مجلس النواب أن الدولة لن تتمكن من مواجهته بالشكل المطلوب لأنه سيتجاوز قدراتها الاستشفائية والمالية، مشيراً إلى أن عدد الأسرّة في المستشفيات هو 1500 فقط، إلى جانب 400 جهاز تنفّس اصطناعي فقط، فيما غالبية معامل الأوكسجين متوقّفة وتحتاج إلى صيانة. وطالب المنظمات الدولية بتوفير 1000 جهاز تنفّس اصطناعي بصورة عاجلة.
على أية حال، ما كان متوقّعاً حصل، إذ أعلنت «اللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا»، الجمعة الماضي، اكتشاف أول إصابة في مدينة شحر الساحلية في محافظة حضرموت الخاضعة لسيطرة التحالف. وقالت مصادر طبية إن المصاب الذي يعمل في ميناء شحر التقط العدوى بعد التواصل مع عامل هندي على متن باخرة رست في الميناء.
ولئن كان «كورونا»، بحدّ ذاته، يُعدّ خطراً يتهدّد اليمن بمناطقه كافة بمعزل عن خريطة سيطرة القوى، إلا أن الأخطر منه محاولات النظام السعودي الاستثمار في الأزمة وجعلها واحدة من أدوات الحرب كبقية الأوراق غير العسكرية، كالحصار والتجويع والتلاعب بالوضع المالي والاقتصادي. وهي محاولات تكرّرت في محطات كثيرة من عمر الحرب، لإجبار صنعاء على رفع الراية البيضاء.
توافر 1500 سرير و400 جهاز تنفّس بعدما دمّر العدوان معظم المستشفيات
وتوقّف مراقبون عند توقيت الإعلان عن الإصابة اليتيمة، حتى الآن، إذ أتت بعيد إعلان السعودية وقف إطلاق النار المؤقّت (لأسبوعين فقط) من طرف واحد. وتزامن مع حملة إعلامية سعودية تزعم أن صنعاء تخفي وجود الوباء لأسباب سياسية. وركّز الإعلام السعودي والإعلام المموّل خليجياً، مع اكتشاف الإصابة الأولى، على الوضع الإنساني في اليمن، وروّجت إحدى المحطّات السعودية التي تبثّ من دبي لاكتشاف 125 إصابة دفعة واحدة، ما طرح علامات استفهام، ليس من قبل حكومة صنعاء فقط، بل في صفوف وكلاء التحالف وبين الناشطين المحسوبين عليه.
وقد وضع النظام السعودي وقف إطلاق النار من طرف واحد في إطار إتاحة الفرصة لمكافحة الوباء، ما زاد الشكوك حول أهداف ادّعاءاته. فإذا لم يكن الإعلان حفلة لتلميع الصورة أمام المجتمع الدولي، كان الأجدى رفع الحصار لتمكين اليمنيين من مكافحة الوباء ومعالجة المرضى الممنوعين من السفر للعلاج. غير أن صنعاء ترى أن الاستجابة السعودية المؤقتة لمبادرة الأمم المتحدة لوقف النار هي بسبب الأعباء المتلاحقة والمتاعب الجذرية التي تلاحق الرياض، وهي بحاجة إلى استراحة محارب للتخفّف من تلك المتاعب، وسعياً إلى كسب الوقت.
وفي هذا الإطار، عمدت المملكة، في الأيام الماضية، إلى إجراءات تتناقض وخطوتها، يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
– طرد آلاف الآسيويين والأفارقة من الأراضي السعودية إلى الأراضي اليمنية، ولا سيما منافذ صعدة. وقد تفاعل ناشطون يمنيون مع مقاطع فيديو تظهر أعداداً كبيرة من المهاجرين الأفارقة في منطقة الرقو التابعة للمحافظة (شمالي اليمن) على الحدود مع السعودية، ما دفع حكومة صنعاء للتعامل مع حملات الطرد بحسم ومنع دخول المهجّرين إلى الأراضي اليمنية.
– إعادة مئات الجنوبيين المتطوّعين، الذين جنّدتهم السعودية، من معسكرات التدريب في الأراضي السعودية عبر مطار عدن، وتوزيعهم على معسكرات تابعة للتحالف من دون إجراءات الفحص الطبي. ولم تتورّع فعّاليات سياسية ومسؤولون في القطاع الصحي في هذه المناطق التي يسيطر عليها التحالف السعودي من تحميل الأخير مسؤولية انتشار الوباء.
– ترحيل آلاف اليمنيين العاملين في السعودية إلى بلادهم، بشكل عشوائي ومن دون تنسيق مع الجهات الرسمية أو منظمات الأمم المتحدة المعنية بالشؤون الإنسانية. وقد شكّل تدفّق المرحّلين عبئاً على حكومة صنعاء التي باشرت على الفور بترتيب استقبالهم من خلال إنشاء مخيمات للحجر الصحي، رغم شحّ الإمكانات، وباشرت بإخضاع العديد منهم للفحوصات اللازمة.
– عودة المئات من المقاتلين اليمنيين الذين يخدمون مع السعودية في الحدّ الجنوبي إلى بلادهم، في ظل تقارير عن انتشار الوباء في صفوف مشغّليهم من ضباط وجنود سعوديين.
الأخبار اللبنانية/ لقمان عبد الله