كورونا: طوق نجاة السعودية أم مسمار أخير في نعشها؟
|| مقالات || اسماعيل المحاقري
لم يكن حال المملكة السعودية منذ تأسيسها كما هو حالها اليوم من الوهن والضعف والانحلال والتفكك. حرب مكلفة في اليمن تراوح مكانها ولا مناص من ارتداداتها، وأزمة نفطية خانقة قل نظيرها. ووباء عالمي يحاصر ابن سلمان، ويهدد مستقبله السياسي ويجعل من خططه وأوهامه الاقتصادية في مهب الريح.
في حربها المجنونة لم تعد السعودية في وارد الترويج لانجازاتها الميدانية وتعداد طلعاتها الجوية والتباهي بقتلاها وجرحاها، فالمعادلة تبدلت والأمر تجاوز مرحلة الصراخ والعويل من الهجمات المضادة “الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة” إلى حد استجداء التهدئة والحديث المتكرر عن الالتزام بأعلى درجات ضبط النفس وكأن مملكة آل سعود في موقع الدفاع لا موقع المعتدي.
وفي ظل غياب التقديرات الرسمية يجمع المتابعون وخبراء الاقتصاد أن خسائر السعودية في اليمن كبيرة والأثمان باهظة وتشير التقارير الغربية إلى أن تكلفة الحرب في اليوم الواحد تقدر بنحو 200 مليون دولار أي ما يقارب 72 مليار دولار في السنة الواحدة مضروبة في خمسة، ومضافا إليها قيمة صفقات أسلحة كان للولايات المتحدة الأمريكية نصيب الأسد منها بما يزيد عن 450 مليار دولار، عدا عن الصفقات الفرنسية والبريطانية والروسية والكندية والألمانية ودول أخرى شاركت إما بمواقفها الداعمة أو الدفع بالآلاف من جنودها مقابل مليارات الدولارات، وما جعل من فاتورة الخسائر مفتوحة هي حالة الاستقطاب الدائمة في صفوف مرتزقة الداخل.
وفي جانب واحد من أشكال الدعم الغربي، أشارت مجلة “فورين بوليسي” إلى أن نفقات قمرين اصطناعيين للأغراض العسكرية بلغت 1.8 مليار دولار في الأشهر الستة الاولى للحرب، والمعلوم أن تحالف العدوان استأجر أيضا بوارج حربية والتزم بكل تكاليف الخدمات اللوجيستية الأمريكية والبريطانية من تدريب وتأهيل ورصد وتجسس وتزويد الطائرات بالوقود في الجو.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى كما يقال فالإخفاق العسكري في اليمن ليس نهاية المطاف بنظام تتجاذبه الأخطار وتحاصره الأزمات من كل جانب. فالوباء العالمي المستجد يشغل السعودية أكثر من غيرها وإن كانت تجد فيه طوق النجاة للخروج من المأزق اليمني إما بالدفع نحو التهدئة بدعوى توحيد الجهود لمواجهته أو من خلال المساعي المكشوفة لإدخال هذا الوباء للبلد لاشغال خصومها به والنيل من عزيمتهم وثباتهم عبر فتح منافذها البرية أمام الوافدين وترحيل المغتربين اليمنيين والأفارقة بالآلاف دون أي سابق إنذار.
وما يزيد الطين بلة هو العجز السعودي في الحد من انتشار هذا الوباء واستمراره في تعميق الأزمة لأن تأثيراته لا تقتصر على سوق الأسهم السعودية بما فيها شركات الطيران والسياحة ولا على قطاع الحج والعمرة كمصدر مهم لانعاش الخدمات ورفد الخزينة العامة بمليارات الدولارات، بل إن التداعيات على الاقتصاد العالمي في ظل تراجع أسعار النفط الخام إلى مستويات وصلت إلى أقل من 25 دولارًا للبرميل مدمرة وكارثية وقد تجعل استقرار المملكة وكل دول الخليج على المحك لاعتماد هذه الدول على النفط في تحقيق إيراداتها المالية الرئيسية.
ورغم توصل منظمة “أوبك” وكبار منتجي النفط إلى اتفاق بتخفيض صادراتها بواقع عشرة ملايين برميل يوميًا، لجلب الاستقرار إلى أسواق النفط العالمية إلا أن السعودية تتجه إلى الاقتراض من الأسواق الدولية عبر طرح سندات جديدة، لمواجهة تراجع الإيرادات المالية جراء التخفيضات التي قد تمحو نحو 40 مليار دولار من إيراداتها لهذا العام وفق مراقبين استندوا إلى متوسط سعر للنفط يبلغ 40 دولارا للبرميل.
ورفعت الرياض سقف الدين لديها إلى 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، في ديسمبر كشفت المملكة عن موازنة 2020 بإنفاق 272 مليار دولار (أقل من عام 2019)، مقابل إيرادات بـ222 مليار دولار، بينما وصل الدين العام للسعودية إلى 181 مليار دولار حتى نهاية 2019م.
ومع أخذ جميع هذه العوامل بعين الاعتبار فإن تأخر عودة الانتاج من النفط إلى شكله الطبيعي قد يفضي إلى تعاظم الخسائر السعودية بارتفاع حجم العجز في الميزانية العامة والحساب الجاري مع تراجع النمو في ناتجها المحلي الإجمالي وفق دراسات سعودية.
وهناك خسارة أخرى أقل قابلية للقياس مع ما سبق ولكنها بنفس القدر من الأهمية. فالولايات المتحدة الامريكية لم تقدم نفسها كحليف وثيق للسعودية لا في منع التهديدات على منشآتها النفطية ومطاراتها وقواعدها العسكرية ولا في حربها النفطية مع روسيا إذ اضطر النظام السعودي تحت الضغط الأمريكي الى الانحناء والقبول باتفاق قد لا يضمن استقرارا في أسعار النفط في حال استمر وباء كورونا في اجتياح دول العالم وتقطيع اوصالها.
امام ذلك يبدو أن الراعي الأمريكي ليس كأي راع يهتم برعاية بقرته قبل حلبها، فترامب لا يهمه إلا كيفية استدرار أموال الخليج ومصالح بلاده بما فيها ضمانة بيع وتسويق النفط الصخري بشكل مربح.
ولتخفيف الأعباء وتلافي السقوط المدوي، ليس للمملكة السعودية من مفر سوى التفرغ لمشاكل الأسرة الحاكمة وأزماتها الداخلية ولن تجد فرصة كهذه – التي تهيأت بسبب كورونا – للخروج من المستنقع اليمني بماء الوجه شرط أن توقف عدوانها وترفع حصارها لتبدأ في معالجة تداعيات هذا الوباء الذي يكاد ينهش في عظمها ويكون المسمار الأخير في نعشها.