ما هي الابعاد الحقيقية للقرار الالماني تجاه حزب الله؟
” مقالات ” شارل ابي نادر مستغربا جاء القرار الاخير بحظر حزب الله في المانيا واعتباره منظمة ارهابية، مع أن بريطانيا كانت قد سبقتها في قرار مماثل، وايضاً كان هناك حراك سياسي داخلي في المانيا يضغط في هذا الاتجاه، ولكن ربما كان القرار منتظرا من فرنسا او من اية دولة او اكثر من دول الاتحاد الاوربي قبل المانيا، خاصة أن الاخيرة كانت تتميز بكونها اقرب دولة لحزب الله ديبلوماسا على الاقل، حيث قادت في السابق اكثر من عملية تبادل بين الكيان الصهيوني وحزب الله، وخاصة تلك العمليات الحساسة، والتي كانت تحضن العدد الاكبر من الاسرى او الاكثر اهمية منهم بالنسبة للعدو الاسرائيلي.
النقطة الاخرى التي تدعو للاستغراب من القرار الالماني، اكثر من موضوع التوقيت الخطأ الآن، والمرتبط بتزامنها مع إنشغال العالم والمانيا خاصة بمواجهة جائحة كورونا، والتي تخطت تداعياتها كل الملفات الجانبية الاخرى، هي انه عمليا، لم يتغير شيء في الوقائع التي لو حصلت مثلا، كان يمكن ان تبني عليها السلطات الالمانية قراراها، من عمليات تعتبرها المانيا او غيرها من الدول “ارهابية ” مثلا، خاصة، وبحسب احدى وسائل الاعلام الخليجية، والمتعطشة لاكتشاف او لنشر اية واقعة لتبني عليها اي اتهام لحزب الله، فانها لم تجد الا عملية واحدة حصلت في المانيا عام 1985، اتُهم فيها الحزب آنذاك باختطاف طائرة بين برلين وبين اثينا، وبقي هذا الاتهام مثل غيره، سياسيا ودون اثبات قانوني.
هذا لناحية عدم وجود اي تطور او طارىء لناحية العمليات التي ممكن ان تشكل سببا للاتهام بالارهاب، أما ان يكون السبب “معاداة السامية وتدمير اسرائيل” فهذا موضوع سياسي دائم، يتعلق بعقيدة ثابتة ترتبط مباشرة بالصراع العربي الاسرائيلي وباحتلال واغتصاب الكيان الصهيوني اراضيَ ومقدسات عربية، مسيحية واسلامية، وهذا الموضوع ليس جديداً، ايضاً، ربما المانيا تستطيع ان تفهمه او ان تستوعبه اكثر من غيرها، حيث تاريخها في الصراع القومي ضد اليهود لم يكن سلمياً، اذا لم نقل غير ذلك.
من جهة اخرى، واذا ربطنا ايضا العلاقة الايرانية الالمانية غير الصدامية حاليا، بالرغم من الضغوط الاميركية بهدف توتيرها، وهذه العلاقات والتي تجاوزت بهدوء تداعيات الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي مع ايران، حملت مؤخرا عدة مؤشرات ايجابية ارتبطت بدور الماني ايجابي مع طهران، في تقديم مساعدات لمواجهة كورونا، او في الموقف الالماني الرسمي المؤيد لطلب ايران الغاء العقوبات الاميريكة عليها، ولطلبها مساعدة من صندوق النقد الدولي، فإن هذا الامر كان يجب ان يحمي حزب الله اكثر لناحية تأخير صدور القرار الالماني، حيث من ضمن اللائحة الاميركية الاوروبية لاتهام حزب الله، هناك بند اساسي انه ذراع ايرانية وينفذ سياساتها، وايضا، ايران كدولة ومرجعية دينية وسياسية، تنادي دائما بمواجهة “اسرائيل” المغتصبة للحقوق والاراضي في فلسطين المحتلة.
إذاً، الموضوع هو في مكان آخر، لا يرتبط بعمليات “ارهابية” في المانيا او في اوروبا، حيث لا وجود لتلك العمليات حاليا، ولا يرتبط بعقيدة حزب الله بقتال ومحاربة “اسرائيل”، حيث انها ثابتة تاريخيا ومنذ تواجد الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة… بماذا اذاً يرتبط القرار الالماني وما هي ابعاده الحقيقية؟
في الواقع، كان لافتا الدور الذي لعبه حزب الله مؤخرا في لبنان، لناحية دعم الدولة اللبنانية بشكل فعال في عملية مواجهة جائحة كورونا، وهذا الدور الذي لعبه حزب الله، من خلال خطة خاصة به، نفذها بواسطة قدراته الذاتية، في التنظيم وفي التمويل وفي وضع كافة قدراته وجهوده في مواجهة الوباء، في العناصر وفي الامكانيات اللوجستية من اليات ومن مرافق شعبية وحزبية، او من خلال مساهمته الفعالة في انجاح خطة الحكومة اللبنانية، في مناطق بيئته او في اغلب المناطق اللبنانية الاخرى، كل ذلك لعب دورا مؤثرا في وضع الدولة اللبنانية في مصاف الدول الاولى في التغلب على الوباء.
هذا الدور الذي لعبه حزب الله، لم تكن نتائجه الايجابية للدولة اللبنانية فقط، مع ان هذا الموضوع هو مهم وتأثيراته ضخمة وطنيا في لبنان، ولكن، ربح الحزب شخصيا في ذلك الكثير، معنويا وشعبيا وسياسيا، الامر الذي جاء صادما وعلى عكس ما هدفت وتهدف اليه كل السياسات الاقليمية والغربية تجاهه، والتي كانت وما زالت تعمل ولفترة طويلة، ماليا واعلاميا وديبلوماسيا، بهدف اضعافه شعبيا وسياسيا، بعد فشلها في اضعافه عسكريا او امنيا، فكانت نتائج دوره المذكور في مواجهة كورونا، فرصة لاثبات نفسه، مكونا اساسيا وفاعلا وصادقا ومؤثرا في كل الازمات والاخطار والكوارث التي تستهدف لبنان، تماما كما كان دوره اساسيا في عمليات التحرير ضد اسرائيل وفي مواجهة الارهاب.
وهنا بيت القصيد في القرار الالماني، والذي يدخل بتقديرنا من ضمن منظومة دولية، موجهة اميركيا وبمساهمة اقليمية، اسرائيلية ـ سعودية ـ وهذا تفسير حماسة الاخيرتين للقرار الالماني ـ بهدفين، اولا لتعرية حزب الله من موقعه الشعبي الوطني المحترم والذي فرضه في الازمة الاخيرة، وثانيا لاقفال مصدر مهم من مصادر اموال بيئته الاجتماعية في المانيا، والتي ساهمت وتساهم بالحد الادنى، مثل غيرها من المصادر في دول اخرى، ولاكثر من بيئة لبنانية اخرى غير بيئة حزب الله، في تحقيق بعض التوازن المالي للعائلات اللبنانية، والتي تعاني اليوم من انهيار مالي واقتصادي يضرب كافة المجتمع اللبناني.