آيزنكوت: الانسحاب من لبنان أكد أن القوّة تُحقّق الإنجازات بوجه “إسرائيل” وليس المفاوضات
في مقابلة مع صحيفة “إسرائيل هيوم”، تحدّث رئيس الأركان الاسرائيلي السابق غادي آيزنكوت عن تجربته منذ تولّى قيادة سرية في حرب لبنان الأولى أو اجتياح عام 1982 ثمّ خدم فيها كقائد كتيبة وقائد لواء، حتى أصبح السكرتير العسكري لرئيس الحكومة الصهيونية عام 2000 إيهود باراك.
تُعرّف الصحيفة آيزنكوت (60 عامًا) بأنه أحد القادة البارزين بما يُعرف في جيش الاحتلال بـ “جيل لبنان”، وتقول عنه “فَقَدَ الكثير من الأصدقاء والمرؤوسين ووقف عند مفترق مصيري، أثناء قرار الإنسحاب من لبنان وفي وقت الإنسحاب عملياً قبل 20 عامًا تمامًا. وفي نظرة إلى الوراء، هو مقتنع أن هذا القرار كان صائبًا”.
آيزنكوت يروي قصة دخوله لبنان فيصرّح “عندما دخلتُ إلى لبنان عام 82 كقائد سرية في الكتيبة 51، كان الهدف هو إبعاد منظمة التحرير الفلسطينة ووقف إطلاق الصواريخ على الشمال، ومنع التسلّل إلى المستوطنات. في نهاية سنوات الـ80 حصل التحول، لأنه خلافًا للفلسطينيين، حزب الله لم يذهب إلى السياج، كان هدفه إخراج الجيش الإسرائيلي وإعادة لبنان إلى اللبنانيين. لذلك الأهداف التي حُددت بالخروج إلى حرب لبنان الأولى كانت غير ذي صلة”.
وأكد آيزنكوت أن “البقاء الطويل في لبنان كان خطأ إستراتيجيا، كلّف “إسرائيل” ثمنًا باهظًا. إتفقتُ تمامًا مع الهدف الذي قدّمه إيهود باراك حينها: إخراج الجيش من لبنان، وكان المطلوب إتفاق مع ترتيبات أمنية، وإذا لم يكن
هناك خيار، حينها (إنسحاب) أحادي الجانب”.
وردًا على سؤال حول نقطة الإنكسار في ثقة الجمهور في تبرير البقاء في لبنان، يُجيب آيزنكوت “في عام 1997، كارثة المروحيات، الحريق في السلوقي، كارثة الشييطت- هذه الأحداث الثلاثة أمالت الكفة في المجتمع الإسرائيلي”.
ويُخاطب المحاور في الصحيفة آيزنكوت قائلًا “أنتَ تقول أن قرار الإنسحاب كان صائبًا. عندما خرجنا من هناك حزب الله كان منظمة صغيرة، حيث كانت تواجهه فرقة ونصف. اليوم هو وحش يشغل كل دولة “إسرائيل”، فيردّ الرئيس السابق للأركان “اليوم نحن ندرك أن الأمر ليس حزب الله فقط، هناك شيء أكبر منه بكثير. الفكرة التي تقدمها إيران هي معركة مقياسها التاريخي هو معركة صلاح الدين ضد الصليبيين. هم يريدون القيام بعملية جراحية تضرب “إسرائيل” كما فعل صلاح الدين بالصليبيين. هذا شيء أكثر بكثير من المواجهة مع حزب الله، ومنطقها هو العمل على تدمير “إسرائيل””.
ويُتابع “نحن دفعنا هناك ثمنًا إستراتيجيًا كبيرًا، أدى إلى ضرب الإتفاق القومي الواسع وخلق تصدعات في المجتمع الإسرائيلي.. أنا لستُ من أولئك الذين يعتقدون بأن الإنسحاب خلق حافزية لعمليات خطف ولحرب لبنان الثانية، لكنني أعتقد بأن هذا الأمر أدى إلى أن يُدرك الفلسطينيون أن الطريق لتحقيق الإنجازات مع “إسرائيل” هو بالعنف وليس بالمفاوضات”.
آيزنكوت يُسأل “متى أدركتَ أن الإنسحاب سيحصل واقعًا”، فيُجيب “في بداية عام 99 بدأت وظيفتي في منصب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة.. في الأسبوع الأول كان هناك نقاش عن الإنسحاب من لبنان. كان نقاش كامل، في نهايته استكمل رئيس الأركان شاؤول موفاز الحديث بشكل منفرد مع إيهود باراك الذي قال له إذا لم يحصل إنسحاب وفق تسوية، فإنه يجب أن يحصل بشكل أحادي الجانب. في نهاية آذار من العام 2000، بعد فشل قمة كلينتون-الأسد في جنيف، أدركتُ أن الموضوع حُسم”.
وبحسب الصحيفة، يقول آيزنكوت، الذي كان حاضرًا في كل النقاشات كممثل للجيش في المستوى السياسي وممثل المستوى السياسي في الجيش، إن معارضة طبقة الضباط الرفيعة في الجيش لإنسحاب أحادي الجانب كانت مُطلقة.
وتشير “اسرائيل هيوم” الى أن الإنسحاب نفسه كان من المخطط أن يتم في نهاية شهر تموز/يوليو. في منتصف شهر أيار/مايو أخلى جيش الاحتلال موقعين ونقل مسؤوليتهما إلى “جيش لبنان الجنوبي (جيش العميل أنطوان لحد)، لكن الأخير لم ينجح في تنفيذ المهمة، فأدرك المعينون في الجيش أنهم دخلوا في دوامة وخافوا من فقدان السيطرة على الأرض”.
هنا، يستذكر آيزنكوت “في 22 من أيار وصلتُ مع باراك للإحتفال بعيد الأنوار في متسبيه في الشمال، وبعد ذلك توجهنا للنقاش مع رئيس الأركان وقيادة الجيش في موقع عسكري متاخم. النقاش خُطط له لمناقشة طلب الجيش بـ”معالجة” (إغتيال) مسؤول كبير في حزب الله، كان من المفترض أن يأتي إلى جنوب لبنان. في غضون ذلك بدأت مواكب اللبنانيين، وأدركنا أن الساعات تتسارع بشكل جوهري.. الجيش أوصى بإنسحاب فوري. باراك طلب التريّث إلى حين القيام بعدة خطوات في الساحة الدولية، والتوصل إلى إتفاقيات. تطور نقاش طويل دام أربع إلى خمس ساعات، وبعده أخذ باراك إستراحة للتفكير بذلك، وعندما عاد، سأل الحاضرين إذا كانوا مستعدين للإنسحاب في تلك الليلة”.
وعن مقاومة حزب الله للاحتلال في جنوب لبنان، يصرّح آيزنكوت “أنا أذكر المرة الأولى التي تواجهت معهم هناك، عندما كنتُ قائد كتيبة قمت بتبديل كتيبة المظليين التي كان بني غانتس مسؤولًا عنها.. قتلنا عددًا من “المخربين” عبر إطلاق قذائف الدبابات.. عندما وصلنا، وجدنا مخربين مقطعي الأوصال مع شعار أخضر على الجبين. أنا أذكر أنه في التحقيقات قال أحدهم أنهم تابعين لمنظمة “عابرة” تُسمى حزب الله”.