ثمرة الاصغاء والتفهم لهدى الله
موقع أنصار الله | من هدي القرآن | 13 شوال 1441هـ
فثمرة أن يكون الإنسان مصغياً لهدى الله، ومتفهماً، ومركزاً، وحريصاً على أن يفهم، أن يستوعب؛ ليلتزم، دافعه أن يفهم بهدف الالتزام، لديه هذا الدافع، لديه هذا الهدف، فالله -سبحانه وتعالى- يزيده هدايةً، أمَّا الآخر الذي لم يكن يصغي، لم يكن يتفهم، لم يكن يركز، لم يكن عازماً على العمل، لم يكن جاداً في الالتزام، فإنَّ الله يطبع على قلبه، لاحظوا هذه النتيجة الخطيرة جدًّا: يطبع على قلبه، إذا طَبَع الله على قلبك؛ فقدت تفاعلك مع هدى الله، قسى قلبك، غاب عنه النور الإلهي والهداية الإلهية، فقدت التوفيق من الله في أعمالك، في تصرفاتك، في قراراتك، في مواقفك، أو في الكثير منها، حالة خطيرة للغاية أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى، وقرأنا التحذيرات أيضاً فيما يتعلق بهذا الجانب: إذا لم يتجه الإنسان على أساس هدى الله في الواقع العملي، وفي الالتزام العملي، وفي الطاعة، قرأنا الآيات المباركة من سورة الأنفال، من مثل قوله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}[الأنفال: 20-23]، فنلاحظ هنا كيف أكَّد القرآن الكريم على أن تكون النتيجة لما نسمعه من هدى الله -سبحانه وتعالى- هي الطاعة، هي الالتزام العملي، وإلَّا كانت النتيجة خطيرة علينا، النتيجة هي هذه التي حكاها في القرآن الكريم: أن يخذل الإنسان، أن يكون من شر الدواب على هذه الأرض، إنساناً فقد حتى الاستفادة مما مكَّنه الله به، من المدارك التي تساعده على أن يكون على درجة عالية من الوعي، والفهم الصحيح، والنظرة الصائبة، والتمييز، والإدراك، إذا تفاعل مع هدى الله، يفقد حتى الإدراك الطبيعي، حتى النظرة الطبيعية في مستواها العادي كإنسان بحجم ما مكَّنه الله وما أعطاه وزوَّده به من ملكة معرفية، ملكة معينة للمعرفة من وسائل تساعده على المعرفة، فلا يستفيد من سمعه ولا من بصره، ويكون كأنه أصم، وكأنه أعمى، وكأنه أبكم، حالة رهيبة جدًّا.
كما أيضاً لاحظنا التحذير الشديد ما بعد هذه الآيات المباركة في قوله -جلَّ شأنه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال: 24-25]، تحذير رهيب جدًّا في هذه الآيات المباركة؛ لأن ما يدعونا إليه الله -سبحانه وتعالى- فيه الحياة لنا على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الجماعي، فيه الحياة لنا، حتى على مستوى تربية هذا الإنسان، في تزكية نفسه، في رفع مستوى الإنسانية لديه، في مستوى فهمه، معرفته، نظرته الصائبة، حكمته، رشده، هذه ثمرة مهمة جدًّا تتحقق من خلال العلاقة الإيجابية مع هدى الله، الالتزام، السماع، الطاعة، الاستجابة العملية، ثمرة مهمة، بركة كبيرة في نفس الإنسان، في نفسه، تنمو فيه كل مكارم الأخلاق، تتجذر جذورها في مشاعره ووجدانه، تسمو نفسه، وتزكو، يصبح في اهتماماته يحمل اهتمامات عالية، ونفساً عظيمة، ومشاعر إيجابية، ويمتلك المزيد من الوعي، والفهم، والإدراك الصحيح، والنظرة الصائبة، والحكمة، والرشد، هذا مكسب كبير جدًّا على مستوى نفس الإنسان، وأمتنا الإسلامية هي في أمسِّ الحاجة إلى ذلك، الخسارة كبيرة جدًّا، كثير من الناس يعيشون حالة أن يطبع الله على قلوبهم، أن يكونوا في نظرتهم وفهمهم متخبطين، لا يمتلكون رؤيةً صائبة، ولا نظرةً صحيحة، المشاكل الكبيرة التي يعاني منها الناس في واقعهم النفسي عندما ينقص زكاء النفس، عندما تفسد النفسيات، عندما تمتلئ النفوس بالأنانيات، والهوى، والمزاج الشخصي، عندما يتحول الإنسان إلى إنسان غريزي، يتحرك بالغريزة كما الحيوان، وفقاً لمزاجه الشخصي: لغضبه، لانفعاله، لرغباته، لشهواته، لمخاوفه، يفقد الرشد، فالقرآن الكريم هو يربينا تربيةً عظيمة، تربيةً مهمة، وفيه الحكمة، وفيه النور، وفيه الهداية.
المحاضرة الرمضانية الأخيرة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1441هـ