سلاح المقاومة و”دعابات” العدو
هناك دعابات بحاجةٍ إلى فطنة لتستفز عقلك فتضحك، بينما هناك دعابات غاية في البساطة والمبَاشرة، لا تحتاج أيّ فطنة أو علم سابق بالوقائع، ويضحك منها أشد الناس فقراً إدراكياً وبلاهة، كدعابة “نزع سلاح المقاومة”، وأنّى لمن لا يستطيع إدراك أفول العصر الأمريكي أو على الأقل اقتراب انسحابه من المنطقة، أن يستطيع إدراك أن شعار “نزع سلاح المقاومة” مجرد دعابة، وكما تقول العبارة الشهيرة “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”، لأنّ العبارات مهما تكللت بالبلاغة، لن تستطيع إقناع هؤلاء بأنها دعابة لا تستحق كل هذا التشنج، ولكن يبدو أنّ الولايات المتحدة لديها قدرات فذّة على الإقناع، أو الأرجح أنهم ليسوا بحاجةٍ إلى إقناعٍ أصلاً.
أطلقت الولايات المتحدة ما يمكن اعتباره الطلقة الأخيرة في جعبتها، وهو ما يسمى بـ”قانون قيصر”، حيث أنّه تعبير صريح عن العجز العسكري والأمني لمواجهة أو قطع عُرى محور المقاومة وترابط حلقاته، وهو العجز الذي دفعت الولايات المتحدة لتجنبه 10 سنوات من الحرب في سوريا، وهو العجز الذي أصبح مزمناً وبلا علاج، بل أصبح عجزاً يهدد الجسد الأمريكي برمته، وإذ يستهدف القانون من ضمن ما يستهدفه قطع طريق دمشق بيروت، يصبح من نافل القول أنّ قطع هذا الطريق كان ومنذ معركة السلطان يعقوب وحتى عدوان تموز 2006 هدفاً “إسرائيلياً” خالصاً، وسيظل كذلك حتى زوال “إسرائيل”، لأنّه لن يتحقق مهما بقيت”إسرائيل”، فما عجزت آلة الحرب عن تحقيقه، لن تحققه آلة العقوبات ولا حتى آلة الدعابات.
الحقيقة أنّ التاريخ قلما يجود بجهةٍ تمتلك قوةً قاهرة، ثم تمتلك قوة أخلاقية توازيها بل تتفوق عليها، فحتى في الأمثلة الشعبية يُقال “القوة عمياء”، ولأنّ هذا العمى سيكون في لحظةٍ ما، أشد مواطن ضعف القوة، فإنّ حزب الله بنى قوة مبصرة، قوة قاهرة لكل خطرٍ خارجي يتهدد لبنان بحدوده وبحره وبره، وبالتوازي أخلاقاً متعالية كاظمة داخلياً، ولأنّ الولايات المتحدة تدرك أنّ هذه القوة العسكرية غير قابلةٍ للتحطيم، فإنها تحاول الدفع ببعض الداخل لاستفزاز القوة الأخلاقية، التي يعتقدون أنّها قد تكون قابلة للاختراق مع شدة الضغط، خصوصاً أنّ هناك بيئة جماهيرية حاضنة لهذه القوة العسكرية، وهي بالقطع ليست كلها ذات انتسابٍ تنظيمي، وعليه فهي تتصرف انطلاقاً من مشاعرها الوطنية والدينية، وهذه التصرفات اللاتنظيمية العفوية، قد تشعل شرارةً ما في زمنٍ ما أو واقعةٍ ما، وهذا هو الرهان الأمريكي “الإسرائيلي”، وحتى لو كانوا يدركون أنّ القوة الأخلاقية للمقاومة ليست هشة، وأنّها ليست وليدة براغماتية سياسية بقدر ما هي وليدة عقيدة دينية، فإنهم لن يتوانوا عن التصويب عليها لسببٍ وحيد، وهو أنّهم لا يمتلكون ترف الخيارات العسكرية، فنتن ياهو لن ينسى إهانة الوقوف وكيانه على”إجر ونص” لإسبوعٍ كامل، ولو نسي العالم كله، لذلك فهو يعرف أنّ الخطأ الأول شمالاً هو الخطأ الأخير.
إنّ سلاح المقاومة ليس مجرد فوهة بندقية أو قاعدة صواريخ، وليس مجرد رجالٍ أعاروا لله جماجمهم، إنّ السلاح الأمضى الذي يمتلكه الحزب هو الوعي بذاته، الوعي بوجوده والوعي بأهداف وجوده، الوعي بحيزه الجغرافي والوعي بضرورته التاريخية، إنّ الهدية الأثمن الذي ينتظرها الكيان الصهيوني هو أن يُصاب حزب الله بلوثة السلوك الحزبي والمصالح الحزبية والشخصية على الطريقة اللبنانية، كما استشهد السيد نصرالله بقولٍ للإمام موسى الصدر عن بعض ساسة لبنان بأنهم “بلا قلب”، ويصبح الدم اللبناني في أدنى درجات السلم الحسابي بل والكيان اللبناني كله، لذلك فإنّ التشويش على هذا الوعي بكل روافده هو الهدف، ومحاولة خلق أعداء وهميين لينحرف وعي الحزب بعدوه وعنه، ولكن سيظل الفشل هو الرفيق الوفيّ للولايات المتحدة ولكيان العدو، فالحزب في حالة صعود والعدو في حالة انحدار، وهو يجيد العمل فيما العدو ركيك الثرثرة كثيرها، وأخيراً فإنّ من ينصح العدو بـ”ضب كلاكيشه” والرحيل، لا وقت لديه لملاحقة الدعابات.
العهد
ايهاب زكي