وصية الملك السعودي الهالك عبدالعزيز وبندقيته.. تجسيد رمزي وانعكاس لمأزق عُقدة النقص
“” صحافة “” الثورة
لقد حارب الملوك السعوديون اليمن وهي ملكية، ثم حاربوها جمهورية، وتصدوا لها جنوبية وشمالية، وموحدة ، يقول الكاتب علي حسين المتخصص في العلاقات اليمنية السعودية ويضيف “على الطريق السريع من “مكة”، الى “الرياض”، وعلى بُعد60 كم، تعترض وجوه المسافرين “بندقية”، ناهضة تكاد تلامس خشومهم “البارودة”، أو “البندقية”، طولها ( 200 متر). وهي عبارة عن مجسم ضخم، وُضعتْ بكيفية مائلة، على نحو قتالي متأهب، يتناسب مع تصويب دقيق باتجاه “اليمن” كـ”نشان”.
ويعتبر الباحث أن التجسيد الرمزي، لـ”بندقية”، من نوع “مُقمع”، التي كانت على كتف عبدالعزيز آل سعود، عشية دخوله “الرياض”، سنة 1902م، تختزل في جوهرها، دلالات ومعان كثيرة، لا تزال مستقرة في الجانب العميق من وعي العائلة السعودية المالكة: أبناء الملك المؤسس وأحفاده.
ويؤكد الباحث بأن “أحد أخوة الملك فهد، أخبر الصحفي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، بأن والدهم، أي الملك عبدالعزيز أوصى أبناءه ، وهو على فراش الموت، قائلا:” احذروا من يمن موحد، فهذا خطر عليكم وعلى المملكة”.
وأضاف، الى ذلك، قول الملك المؤسس لأبنائه الأمراء المتحلقين حوله:” عليكم أن تتذكروا دوماً أن ضمان رخاءكم مرهون ببؤس اليمن”.
يتساءل الكاتب والباحث حسين، هل هذه البندقية تأكيد، على الالتزام الحرفي بنص “وصية” الملك الراحل؟! وهل هذا النهج الثابت في السياسة العدائية، تجاه اليمن، أو بتفسير أدق: الخائفة منه ، هي التجسيد العملي لفحوى ومضمون تلك الوصية من الملك لأولاده الملوك من بعده؟!
يرد الباحث على تساؤله بقوله (قبيل “عاصفة الحزم”، جاء في كلمة تنصيب الملك الجديد، سلمان بن عبدالعزيز ، هذه الجملة القطعية الحاسمة:” إن المملكة لن تحيد عن النهج القويم الذي رسمه لها الملك عبدالعزيز”. وفي بلد لا يحكمه، نهج دستوري، ولا تقاليد ملكية حديثة، فما هو “النهج القويم” الذي يقصده ملك العربية السعودية، الحالي؟!)
يعتقد الباحث أن الملوك المتعاقبون من أبناء الهالك عبدالعزيز يراجعون وصية والدهم دائما، ويحتكمون إليها، ليس فقط كالتزام يضبط الضمير الأخلاقي للعائلة المالكة، ويستأنسون بها، ولكن الأهم من ذلك؛ كاستراتيجية ثابتة يحكمون بها، وكـ”يقين” وتلك، هي جذر المشكلة، وأساس تاريخ العداء السعودي الدائم لليمن أي؛ إنها استراتيجية قرن كامل في العلاقة التي بنت السعودية عليها وجودها كنظام.
منذ تأسيسها، الدولة السعودية الثالثة، على يد الهالك عبدالعزيز آل سعود، وجغرافية هذا الكيان الجديد، الناهض من وسط صحراء الجزيرة العربية، تتسع. وعلى طول الخط الزمني للقرن العشرين، عصفت باليمن عشرات الحروب والنزاعات، وظلت بائسة طوال العهود الملكية، ولم تستقر اليمن في العهد الجمهوري طويلا، ولم تكن السعودية، على جانب بعيد من هذه الحروب والإعاقات في طريق أجيال حركة التحرر الوطنية، سواء في الشمال أو الجنوب، فقد وقفت السعودية دائما على الضد في وجه أي تحول يجري في اليمن.
وأمام حقائق القوة الجديدة، فإن الدولة السعودية، التي لاتزال تحتكم الى “هيئة البيعة”، في اختيار ملوكها، تبدو خائفة ، بالفعل. خائفة من هذا الجار الذي يضج بالحيوية والحركة، خلف تلالها الجنوبية.
“اليمن”، هي القلب الديمغرافي، لسكان شبه الجزيرة العربية، وفقا لـ”روبرت كابلان”. والخوف الذي تضمنته، وصية الملك الراحل، صار مبدأ أصيلا من مبادئ السياسة الخارجية السعودية، تجاه جارها الجنوبي ولم تعد اليمن معنية بارتدادات هذه “الهواجس الخائفة”، بل على السعودية نفسها اليوم أن تغير من نهجها حتى تبقى وإلا فإن استمرار هذا النهج تهديد جدي لاحق بها.
لقد حارب الملوك السعوديون اليمن وهي ملكية، ثم حاربوها جمهورية، وتصدوا لها جنوبية وشمالية، وموحدة!
بالنسبة لكيان سياسي حديث التبلور، وجد ذاته سريعا، مستلقيا بجوار “كعبة”، وممتداً فوق مساحات صحراوية مترامية الأطراف، وسهوب وثروة نفطية ضخمة، فإن فرضية هذا “الخوف”، تبدو منطقية ، ليس فقط في زمنها ، وبحسابات المصالح والقوى الرأسمالية الكبرى، ولكن أيضا من ناحية سيكولوجيا التاريخ: عقدة النقص الحضارية.
فاليمن، كهوية سياسية وكمكان وكأمة وتاريخ، هي أرض سبأ ومعين وذو ريدان ، وحمير، وهي أرض العربية السعيدة، في كتب الإغريق، وهي المدن القديمة والوديان، وتلك الجبال الشاهقة التي لا تزال تحتفظ بالأصول الأولى لبدايات العرب، وجذورهم العتيقة. وهم أيضا، أي الشعب اليمني، أهل بأس وحرب، فالاتراك الذين طوعوا أوروبا وعبروا هضبة الهند وصولا الى الصين، كانوا يلقون بأنفسهم من شواهق الحيود اليمنية، هربا من بنادق ومعاول المواطنين.
المؤكد اليوم أن اليمن الفقير، لا يمكنه التفريط في مكتسباته السياسية والثقافية وفي ثوابته الوطنية: وحدته، ونظامه الجمهوري، الديمقراطية والتعددية السياسية وجملة الحقوق السياسية المكتسبة وحقوق المواطنة، التي أنجزها على طول مشوار كفاحه الطويل. وتلك قيم صار المساس بها، بالنسبة للمواطنين اليمنيين، في مستوى المس بالكرامة الشخصية وسيادة الأوطان. وهي كذلك، بالنسبة لتلك الشعوب والأمم التي اجتازت مرحلة “التحول الحرج”، بعد نضال طويل وحروب ونزاعات وتحديات مماثلة: كالمكسيك، والألمان والهنود وسواها، من التجارب الإنسانية.