حتى العقل البشري تتم برمجتُه!!

موقع أنصار الله || مقالات وآراء ||  أحمد ناصر الشريف

ليسَ هناك فرقٌ بين برمجة عقل بشري بفكر يخدُمُ توجُّهاً معيناً وبين برمجة جهاز الكتروني بالريموت على حالة محددة؛ لأن النتيجة تكون واحدة.. وفي الحالتين لا يمكن تحريكهما إلَـى وضع آخر ما لم تفك الشفرة المتحكمة في برمجتهما.
وقفت متأملاً أَمَــام هذا الوضع وقفزت إلَـى ذهني عدة حالات لا يستطيع أَصْحَابها أن يتقدموا خطوة واحدة في غير الاتجاه الذي رسم لهم..

من هذه الحالات أُولئك الشباب البريء صغار السن الذين تتم السيطرة على عقولهم من قِبَلِ مَن يدّعون أنهم أوصياء على المذاهب الدينية سواء أكانوا سلفيين أم شيعة أم وهابيين أم أَصْحَاب الفكر الجهادي كتنظيم القاعدة مثلاً وتنظيم داعش وغيرهم من الجماعات الدينية الأُخْــرَى المتطرفة.. ولذلك فهم مستعدون التضحية بأنفسهم تنفيذا لما يؤمرون به.. لكن الأخطر من ذلك على الأَوْطَان هو عندما يتم برمجة سياسيين وإعْــلَاميين ومثقفين على فكر وتوجه معين لا يحيدون عنه مهما كان خاطئاً؛ لأنهم تشبعوا به وشكل لديهم قناعة بأنهم على حق فيما يعتقدون. وأَكْبَر دليل ما يجري في الـيَـمَـن هذه الأيام في ظل التغيير الذي ينشده الجميع حيث ما يزال بعضُ الإعْــلَاميين والسياسيين من الذين فقدوا مصالحهم وتم برمجتهم على فكر أُحادي وحشروا في دائرة ضيقة يصعب عليهم الخروج منها بل وأعلنوا صراحةً أنهم مع العُـدْوَان ويقفون في صفه ضد وطنهم وشعبهم متمسكين ومتعصبين لآرائهم غير المواكبة لعملية التغيير التي يشهدها الـيَـمَـن اليوم رغم الفضاء الواسع والمفتوح الذي يتيح لكل سياسي وإعْــلَامي في ظل الوضع الجديد أن يقول رأيه بحرية كاملة إزاء أية قضية من القضايا تكون قابلة للنقاش والأخذ والرد حولها بما يخدم الشَّـعْـب الـيَـمَـني وقضاياه الوطنية.
لكن أن يظلَّ البعض مبرمجاً ومصراً على رأي أحادي التوجه يخدم وضعا ثار الشَّـعْـب عليه وتخلص منه وأسقط رموزه الفاسدة ومراكز النفوذ ويحاول فرضه بالقوة على الآخرين ومن يخالفهم توجه الاتهامات اليهم بمختلف المصطلحات المسيئة التي وردت في قاموس لغة الشتائم فهذا لا يعبر إلَّا عن ضيق الأفق لدى من يحمل هذا الفكر المحدود ويعكس الأنانية وحب الذات عنده.. ربما شعوراً منه بعدم الثقة في نفسه أَوْ بعقدة نقص قد تجعله صغيرا حسب اعتقاده إذا ما تخلى عن أُسْلُـوْبه ومنهجه الذي سار عليه مستوحشاً من الجديد ومستأنسا بالقديم.
صحيحٌ أن ثقافة العقود الماضية لا يمكن أن تمحى آثارها في سنة أَوْ سنتين أَوْ ثلاث ولكنها تحتاج إلَـى فترة قد تطول ليتم استبدالها بثقافة وطنية تسخر لخدمة الوطن وقضاياه..

وعلى كُلٍّ من لا يزال متمسكاً بثقافة الماضي مغلباً مصلحته الذاتية على المصلحة العليا للوطن نقول له: الوطن أَكْبَر وأغلى من أية مصلحة يجنيها المرء مهما كبر حجم مردودها المادي؛ لأنها في النهاية زائلة ولا ترقى أبداً إلَـى حجم المصلحة الوطنية التي يمكن أن يتم خدمة الوطن من خلالها..

إن مشاركة الجميع في بناء مستقبل زاهر وآمن للـيَـمَـن الجديد معناه صنع مستقبل الاجيال الـيَـمَـنية الواعدة ومنهم أبناؤنا وأحفادنا وتأمين حياة حرة كريمة لهم بعيداً عن المشاكل والمآسي التي عشناها نحن الآباء بسبب صراعات السياسيين والنافذين على الحكم وعلى مقدرات الامور السياسية والاقْتصَـادية والتعامل مع الوطن وكأنه مزرعة خَاصَّـة بهم يمتلكونها أباً عن جد غيرَ مدركين أن الـيَـمَـن هي الوحيدة في منطقة الجزيرة والخليج من يمتلك كُلّ مقومات الدولة بفضل موقعها الاستراتيجي وما يمتلكه شعبها من إرث حضاري وتأريخي عظيم وكان له دوره البارز في الفتوحات الإسْـلَامية ونشر الإسْـلَام ونصرة الرسول الأعظم عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام الذي دعا له ووصفه بالحكمة والإيمان والأرق أفئدة بل انه قال: (إن نفَسَ الرحمنِ يأتي من الـيَـمَـن).. لكن مع الأسف الشديد أتى من أَبْنَـاء جلدتنا من حاولوا تحجيم الـيَـمَـن وإلغاء دورها من خلال وجودهم على رأس الحكم مستخفين بأَبْنَـاء شعبها الذين اطاعوهم احتراماً وليس خوفاً لأنهم كانوا مسترجين منهم خيراً فاستغلوا ثقتهم فيهم ليدمروا الدولة بالكامل ويفرضوا عليهم وضعا لم يقبلوا به وهو الأمر الذي جعلوا يكسرون حاجز الخوف ويثورون عليهم للتخلص منهم على أمل أن يتم على إنقاض عهدهم بناء يمن يولد من جديد يستعيد دوره ومجده الذي عرف به عبر التأريخ.. ولكن مع الأسف فمن جاء بعدهم كانوا أشد منهم سوءاً فأدخلوا الـيَـمَـن في دوامة انتهت باستدعاء الخارج للتدخل عبر عُـدْوَان بربري سافر دمر الأخضر واليابس وكان يعتقد من استعانوا بالخارج انه سيعيدهم إلَـى الحكم على ظهر دباباته فخاب ظنهم وظن دول العُـدْوَان بعد أن وجدوا في مواجهتهم والتصدي لهم شعباً جباراً استطاع بإمكانياته المحدودة وعبر توجيهات قيادة حكيمة لثورة 21 سبتمبر الشَّـعْـبية أن يقلب المعادلة ويذهل العالم بصموده وانْتصَـاراته العظيمة التي يحققها يومياً الجيش واللجان الشَّـعْـبية في مختلف الجبهات الداخلية وفيما وراء الحدود بدعم شعبي منقطع النظير.. وقريباً جداً بإذن الله ستكون الـيَـمَـن وشعبها هما من سيغيران وجه المنطقة ويخلقان وضعاً مختلفاً عما كانت تخطط له دول العُـدْوَان وعملاؤهم ومرتزقتهم الذين استعانوا بهم وحين ذلك لا ينفع الندم.

قد يعجبك ايضا