البُعد العالمي في خطابات السَّـيِّـد عَبدالملك الحوثي
موقع أنصار الله || مقالات وآراء || وجدي علي الصراري
الـيَـمَـنُ جُزءٌ لا يتجزَّأُ من هذا العالم، وسواءٌ حاولنا قراءةَ هذا العالم لإبعاده المختلفة من الاقتصاد إلَـى السياسة نحو الجغرافيا وباتجاه الجغرافيا السياسية وحتى الثقافية نجده بلداً مهماً شارك في صنع التأريخ وفي تغيير العالم من مرحلة باتجاه أُخْــرَى، وكان مطمعاً لقوى الغزو والاحتلال في التأريخ القديم على حَـــدٍّ سواء.
ومن هذه الأَهميّة الاستراتيجية والتأريخية تتمظهر حركة العالم للتدخل في شئون هذا البلد ومحاولة التحكّم بظروفه الموضوعية والمحيطة؛ بُغيةَ التحكُّمِ به بما يتماشى مع مصالح قوى الغزو والاحتلال، ومصالح هذه القوى الإمبريالية الظلامية تنعكسُ بؤساً على واقع البلد المعاش، وَأَيْـضاً وعياً في أذهان الجماهير بدورهم وأَهميّة نضالهم في مقارعة هذه المشاريع التي تصطدمُ مع مصالحهم الوطنية بداية بالمشروع الصهيوني وحتى الأميركي مروراً بحلفِ هذا الخندق الرجعي المعادي للإنْسَـانية والحرية.
هذا الوعيُ يتناوله السَّـيِّـدُ عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه يوم القدس العالمي قائلاً: (شعبُنا الـيَـمَـني العظيم يزداد وعياً ويزداد ثباتاً على مبادئه وتمسكاً بقيمه واخلاقه وإدراكاً لمسئوليته، وهو يعي كُلَّ ما يحصل سواء من خلال هذا العُـدْوَان الذي يستهدف البلدَ بشكل مباشر ومن كُلّ ما يجري في المنطقة بكلها أيضاً.
وحين يقول السَّـيِّـد في خطابه (شعبنا يزداد وعياً ويزداد ثباتاً) هو باستخدامه الازديادَ كمفهوم يترجم عملياً تراكم الثروة والمصالح في قطب القوى الامبريالية وانعكاسها بؤساً على واقع البلد وتصادمها مع مصالحه الوطنية التي ستفضي في النهاية لتراكم الوعي بها في أذهان الجماهير وازدياد (تراكم) وعيها بأَهميّة تحررها الوطني.
فلسطين القضية المركزية للأُمَّــة ولا انفصامَ لها عن القضية الـيَـمَـنية
إنَّ الـيَـمَـنَ ليس منعزلاً عن محيط العالمي، والـيَـمَـن خلال الحسّ الوطني لأبنائه يستمر بالتطور مستشعرا أَهميّة تحرُّره الوطني في إطَـار الثورة العالمية آخذا بعدا قوميا وأُمَــميا بقضيته التحرُّرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
يقولُ قائدُ الثورة في خطاب يوم المولد النبوي الشريف: (نؤكّدُ على موقفنا الثابت المبدئي والديني والإنْسَـاني والأخلاقي في التضامن مع شعب فلسطين المظلوم وحقه في الحرية والاستقلال واستعادة كامل أرضه واستعادة مقدسات الأُمَّــة واعتبار العدو الإسْــرَائيْلي عدواً لكل الأُمَّــة وخطراً على الأمن والاستقرار في العالم أجمع.
: العُـدْوَانُ على الـيَـمَـن جزءٌ من العُـدْوَان على المنطقة
إن الوعيَ السديدَ الذي يتمتع به هذا الخطاب، هو من يربطُ المعطياتِ بعضها ببعض، ويفهم طبيعة العلاقة بين المكونات المختلفة وحين نضعُ الـيَـمَـن مركَزاً ومنطلقاً في صناعه الوعي ندرك حقيقة الخصم وحقيقة الأَدْوَات التي يستخدمُها وكيف يرتبط بها مصلحياً بشكل خاص، فأَدْوَات الصهيونية العالمية السياسية منها والعسكرية من القاعدة وداعش مروراً بالنظام السعودي وبلاك ووتر وغيرها تعمَلُ ببرنامج متناسق وطبيعة ازدواجية في خدمة العدو الحقيقي للعالم العربي والإسْــلَامي (إسْــرَائيْل).
يقول السَّـيِّـد عبدالملك الحوثي في خطابه يوم القدس العالمي: (إن ما تقومُ به الأَدْوَات الإجْــرَامية والنظام السعودي في المنطقة، بالتأكيد هو في المحصلة يخدُمُ إسْــرَائيْل).
إسْــرَائيْل وككيان مغروس في الخاصِرة العربية تتناقض مع الصالح العربي العام وبُنيته القومية، وحين نتفحص (إسْــرَائيْل) بأبعادها السياسيةِ والاقتصادية والثقافية نجدها تعبيراً صريحاً لمشروع استعماري توسعي عابر للقوميات ويوظف الأيديولوجية في الصراع، ويساهم عبر أَدْوَاته وسياسته في خلط المفاهيم وحرف الصراع ليأخذ أبعاداً مشوهة في الذهنية العربية بشكل خاص والعالمية عموماً.
يقول السَّـيِّـد عبدالملك الحوثي في خطاب رابع له بعد العُـدْوَان بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك: (اليوم أضفوا لقباً جديداً على القاعدة في البلد سموها “المقاومة الشعبية” مع أنهم لا يحبذون في الأصل اسم المقاومة، ولهم موقف من المقاومة اللبنانية، والمقاومة الفلسطينية).
وهذ اللعب في حيّز الوعي يهدف لتشويه مفاهيم النضال التحرري الأُمَــمي في العالم.
ويضيف السَّـيِّـد في ذات الفهم: (بالتأكيد هم يؤسّسون لمسميات جديدة ومسارات جديدة في المنطقة، سيكون فيها من يخدم إسْــرَائيْل ويعمل ما تريده امريكا هو في سعيهم لقلب الامور والمفاهيم والحقائق).
إسْــرَائيْل وأمريكا أعداءٌ لكل أحرار العالم
القضية العربية والإسْــلَامية والإنْسَـانية تتصادمُ مع هذا المشروع وفي إطَـار ما يجري لحرْف مسار هذا الصراع العربي الإسْــرَائيْلي والإنْسَـاني تضخُّ ماكيناتهم الإعْـلَامية تصنيفات (رافضة، زيود، سنة، شيعة، إيرانيين، أكراد… إلخ) في محالة لتكريسها في الذهن، ثم بتكريسها على الأرض من خلال ما تصنعه داعش كما في سوريا لفرض هذه التقسيمات.
واستشعاراً لخطورة هذا الخطر المروّع يقول السَّـيِّـد في خطاب ذكرى استشهاد الامام زيد عليه السلام: (ما أحوج أمتنا إلَـى هذه الثقافة وإلى الوعي بهذه الحقائق؛ لأن غياب الوعي بهذه الحقائق وبأَهميّة هذه المبادئ كمبادئ أساسية في دين الله تعالى جعل الكثير من المنتميين للإسْــلَام لا يتورعون أن ينصروا الظالمين في هذه الحياة رغم فظائعهم التي يسوّدون بها وجه التأريخ).
وموضحاً لخطره هذا المشروع بمثال حي يقول السَّـيِّـد في خطابه يوم المولد النبوي الشريف: (إن أهمّ دور تلعبه داعش في المنطقة هو تقويضُ الكيانات القائمة وتمزيق المجتمعات وتهيئه الدول للقبول بالسيطرة الأمريكية والإسْــرَائيْلية المباشرة كمنقذين مقبولين).
فالاستعمارُ يتحرّكُ بما يتوافق مع مصالحه الخاصة، لذلك هو لا يرغب بمستعمرات مستقرة وتنعم بالأمان؛ لأن القليل من الأمان يمكن أن ينعكسَ على الانتاج المحلي للبضائع التي يرغب هو أَي (الاستعمار) باحتكارها ومحاولة نسف أَي انتاج محلي منافس والاستمرار بتشويه الناتج المحلي وضربه.
وفي الأخير إن حالة الفوضى وإدارَتَها تهيئ له الجو للتحكم بطبيعة السوق ونوع البضائع من حيث الجودة والنوعية ونهاية بخلق اشكال مختلفة للأسواق كسوق السلاح الذي يحقق أرباحاً خيالية لدول الإمبريالية العالمية.
يقولُ السَّـيِّـد عبدالملك الحوثي في خطابه بمناسبة شهر رمضان المبارك: (هَمُّهم واضح ومؤامرتهم مكشوفة وواضحة، تدمير هذا البلد، وتركيع هذا الشعب وإهانته، ثم دفعه إلَـى الاستسلام، والهيمنة الكاملة على ارضه ومقدراته وموقعه الجغرافي).
ولأن الاستسلام يتنافى أَوَّلاً مع قضية التحرُّر الوطنية ويتنافى مع المصالح الشعبية يبقى خياراً مرفوضاً من الحراك الاجتماعي الـيَـمَـني الداخلي، سواءٌ أكان الحراك الاجتماعي يدرك مآلاته ونتائجه أم لم يدرك، فالاستسلامُ يعيد ترتيبَ التناقضات والصراع بل وَأَيْـضاً يعيد فرز المشاكل ويعيد تراكمها، ويضيف السَّـيِّـد عبدالملك الحوثي في هذا الصدد: (حتى لو استسلم الشعب الـيَـمَـني، حتى لو ركع، حتى لو كانت أَدْوَاتهم ودُماهم هي التي تتحكم على رقاب هذا الشعب، سيظل هذا الشعب لا ينعم باستقرار ولا بأمن ولا بأي شيء).
طبيعةُ النظام العالمي ورؤية السَّـيِّـد للهيئات الأُمَــمية ومنظمات حقوق الإنْسَـان الأمريكية
إنَّ الفاعلَ الحقيقيَّ في الحراك الاجتماعي الـيَـمَـني الآن هو واقعه الموضوعي وحركته الداخلية وتناقضاته الذاتية، وليست حركة العالم من حوله، لكنه متصل بالعالم بالرغم من كُلّ شيء فتنعكس حركته على العالم ليعود العالم ويتفاعل معه ويؤثر عليه في سلسلة التأثير الجدلية بين واقعه المحلي والعالم الخارجي.
يقولُ السَّـيِّـد عبدالملك الحوثي بمناسبة المولد النبوي الشريف: (نحن أَصْحَـابُ قضية أصيلة ولسنا في موقف البغي والتعدي ولا نلعب دوراً لصالح أحد، ونقاتل عن حريتنا).
على عكس النظرة السائدة المخدوعة بالهيئات والمنظمات الدولية، يرى قائد الثورة بأنها أَدْوَات قوى الاستعمار العالمية وترفع شعارات زائفة وتتعاطى مع القضايا العالمية وَالإنْسَـانية بازدواجية بما يخدم مصالحها وبهذا الفهم يقول قائد الثورة frown رمز تعبيري أن ما يسمى مجلس الأمن هو مجلس أمن الدول المستكبرة وَليس مجلس أمن للمستضعفين من الشعوب).
وهنا يجبُ أن ينالَ العقلُ في حيز إدراكه ما يتوافق مع واقعه وَما يلامس حقيقة مشاكله وَيجب أن يدرك حقيقة الديمقراطية الأمريكية وَحقوق الإنْسَـان كما يقدمها الغرب لشعوب البلدان النامية يقول السَّـيِّـد في خطابه بيوم الشهيد frown رمز تعبيري على الأحزاب السياسية في بلدنا التي تنظر بإيجابية إلَـى الدول الحديثة وَالمدنية وَلمنظمات المجتمع المدني وبإعجاب للغرب وَلأمريكا هذه هي الحضارة الأمريكية رأيتموها في أشلاء أطفالكم).
لذلك ومن إدراكنا بحقيقة واقعنا وتناقضنا مع الخارج، يجب ألا نراهن على أَي أَطْـرَاف خارجية لا على الأُمَــم المتحدة ولا على غيرها من المنظمات الحقوقية والهيئات كونها وبالرغم من طابعها التقدمي والحداثي ذات توجُّه رجعي يتناسب مع مصالحِ قوى الامبريالية العالمية ويتصادم مع واقعنا الموضوعي ومصالح الجماهير المسحوقة، ويمكننا الاستدلال هنا بما يجري في المحافظات الجنوبية وخصوصاً عدن في مشهدنا المحلي وما يجري في فلسطين والعراق وليبيا في مشهدنا الإقْليْمي والعالمي.
وباختصار ما ذكرناه هو الديمقراطية ووعود الحرية والتقدم بالطريقة الصهيونية والأمريكية وبطريقه منظماتهم لحقوق الإنْسَـان وقرارات أُمَــمهم المتحدة، وبهذا نكون قد حددنا طريقنا وخط سيرنا كما يشير السَّـيِّـد عبدالملك الحوثي في خطابه بمناسبة المولد النبوي الشريف: (الصمودُ والثبات خيارُنا وقدرنا، فمهما كانت الأحداث، التجارب أثبتت أن الشعوب الصابرة والصامدة تنتصر في النهاية وهذه حتميه الانتصار الذي ينتظر شعبنا الـيَـمَـني).