الإمارات تشهد عمليات تسريح قاسية للعمالة الوافدة
سلطت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، الضوء على ما تشهده الإمارات من عمليات تسريح قاسية للعمالة الوافدة إلى الدولة بفعل الأزمة الاقتصادية وتداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد.
وقالت المجلة، إن عمليات الإغلاق الطويلة والركود الاقتصادي في الإمارات أدت إلى ترك ملايين من العمالة الوافدة عاطلين عن العمل أو في إجازة غير مدفوعة الأجر، بينما أجبرت الكثيرين منهم على العودة إلى أوطانهم التي تعاني بالفعل من الفقر وارتفاع معدلات البطالة.
وذكرت المجلة أن المرتبات التي كان يحصل عليها هؤلاء العمال المهاجرون الآسيويون والأفارقة تتدفق إلى أوطانهم في شكل قروض لأشقائهم لفتح الأعمال التجارية الصغيرة، ولبناء منازل لآبائهم المسنين، ودفع الرسوم المدرسية لأطفالهم.
وفي الوقت الراهن، لا شك أن بطالتهم سيكون لها تأثير مضاعف أيضا، حيث سيؤدي انخفاض التحويلات المالية إلى تراجع الاستهلاك ووقوع المشاريع المحلية في المصاعب.
قيود كورونا
ومن المتوقع أن يتسبب المشهد التجاري سريع التغير بسبب القيود المتعلقة بفيروس كورونا جنبا إلى جنب مع انخفاض أسعار النفط، في ارتفاع البطالة في دول النفط الخليجية بنسبة 13%، مع إمكانية أن يقع العبء الأكبر على الأجانب، ذلك أن المواطنين الخليجيين يعملون بشكل رئيسي في القطاع العام.
هذا وجعلت شركة طيران الإمارات دولة الإمارات مركزا عالميا للسفر الجوي، ولكن مع تعليق الرحلات الجوية واقتصارها على التنقلات الأساسية في المستقبل المنظور على الأقل، قررت الشركة تسريح آلاف الموظفين لتوفير المال.
ونشرت الهند الطيران الوطني والسفن البحرية لنقل المواطنين العالقين، ومن بين جميع مصدري رأس المال البشري، لدى الهند سبب خاص للقلق بشأن عودة المهاجرين، حيث يعمل في الخليج الفارسي 8.5 ملايين هندي، ومن المتوقع أن يعود 500 ألف هندي إلى ولاية أو مقاطعة واحدة فقط، وهي كيرلا.
التحويلات النقدية
وما بين 2014 و2018، شكلت التحويلات النقدية التي أرسلها المهاجرون العاملون في دول الخليج الفارسي 35% من الناتج المحلي الإجمالي للولاية و39% من الإيداعات المصرفية.
وقال كبير الاقتصاديين في مؤسسة البحوث أكسفورد إيكونوميكس”، سكوت ليفرمور: “ربما اعتقد صناع السياسة في الخليج الفارسي أن طرد العمالة الأجنبية من شأنه أن يحل مشكلة معدلات البطالة المرتفعة على المستوى المحلي، لكن هجرة المواطنين الأجانب ستتسبب في انخفاض حاد لأسعار العقارات والإيجارات في منطقة الخليج الفارسي وستقلل الطلب على قطاعي التجزئة والضيافة اللذين يعانيان بالفعل.
وقبل أيام أبرز تقرير دولي جحيم الوافدين للعمل في دولة الإمارات وحرمانهم من شبكة أمان اجتماعي رغم أنهم يمثلون ما يصل إلى نحو 90% من السكان.
وأشارت وكالة رويترز العالمية للأنباء إلى أن أزمة فيروس كورونا المستجد أثارت القلق لدى العمالة الوافدة في الإمارات، الذين وجدوا أنفسهم عاطلين فجأة عن العمل، وتراكمت الديون على كثيرين منهم، وهم في انتظار صرف أجورهم.
وكانت لأزمة فيروس كورونا تداعيات كبيرة على اقتصاد منطقة الخليج الفارسي، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على العمالة الوافدة بأجور زهيدة.
الوافدون عصب الاقتصاد
ويمثل العمال الوافدون عصب الاقتصاد في الإمارات، حيث يعملون في مجالات البناء والخدمات والنقل، ووجدوا أنفسهم الآن وجها لوجه مع الحقائق التي أوجدتها الجائحة.
وقال أحد العاملين، ويدعى قابيل، إنه رحل عن قريته في نيبال وترك زوجته وابنه البالغ من العمر 5 سنوات للعمل في رصّ البضائع بأحد المطارات في دولة الإمارات، واعتقد أنه ضمن مستقبلا آمنا لنفسه ولأسرته.
غير أنه أصبح يتساءل -بعد مرور أقل من عام على وصوله إلى مركز السياحة والأعمال في الشرق الأوسط- هل كان سفره من بلاده قرارا صائبا بعد علمه أنه لا عمل له هذا الشهر؟
وحاورت رويترز أكثر من 30 عاملا في دبي وأبو ظبي والشارقة، وقالوا جميعا إنهم يتحملون الآن آثارا نجمت عن انتشار فيروس كورونا، وتراكمت الديون على كثيرين منهم، بل بلغ الأمر بهم حد الجوع، لولا مساعدات الجمعيات الخيرية، وهم في انتظار العمل وصرف الأجور.
وقال بعضهم إنه لا يجد مبررا للبقاء من دون عمل، ويريد العودة إلى وطنه رغم عدم تقاضي أجوره منذ أشهر، بل سافر بالفعل مئات الآلاف إلى بلادهم.
وقال عامل كاميروني يعمل في خدمات المغاسل إنه لم يتسلم أجره منذ أشهر، ويبيع الآن الفاكهة والخضراوات في الشارع ليحصل على ما بين 30 و40 درهما في اليوم (ما بين 8 و11 دولارا). ولم يرد مكتب الاتصال لحكومة الإمارات على استفسارات للوكالة بالبريد الإلكتروني عن أوضاع العمالة الوافدة.
أكثر العاملين عرضة للتأثر بالأزمة هم الذين يعملون في الأعمال اليدوية، فهؤلاء يحصلون على أجور منخفضة، ويعملون ساعات طويلة، ويقيمون في أغلب الأحوال في عنابر مزدحمة، كانت مراكز لانتشار فيروس كورونا.
ويدفع كثيرون منهم أيضا رسوما لمكاتب التوظيف في أوطانهم، وهو أمر شائع لتشغيل من يعملون في وظائف منخفضة الأجور بالخليج الفارسي.
وقال قابيل، إنه دفع لوكيل التوظيف في بلاده 175 ألف روبية نيبالية (1450 دولارا) للحصول على عمل في الإمارات، لكنه غير واثق الآن مما إذا كان سيعمل مرة أخرى، فقد قال صاحب العمل للعاملين إنهم لن يحصلوا على الأجر إلا عندما يعودون للعمل مرة أخرى.
وأضاف قابيل أن أجره كان نحو 600 دولار في الشهر، أي 6 أمثال الراتب الذي كان يتقاضاه من العمل بالتدريس في نيبال، مقابل العمل ما يصل إلى 12 ساعة يوميا، 6 أيام في الأسبوع بالمطار.
وتابع أن توقف العمل أصابه بالتوتر، وأعجزه عن إعالة زوجته وابنه ووالديه المسنين في نيبال، وطلب قابيل -الذي عرض على رويترز عقد العمل ووثائق أخرى- عدم نشر اسمه بالكامل أو اسم صاحب العمل؛ خوفا من العواقب التي قد يواجهها.
وكان قابيل وصل إلى الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واعتقد أنه سيعمل في المطار بضع سنوات قبل أن يجد عملا أفضل ربما يستغل فيه مهاراته في التدريس، والآن أصبح كل أمله العمل حتى نهاية العام لسداد ديونه.
واستطرد قابيل “الاقتصاد العالمي يتدهور، وهذا يؤثر على كل الأعمال، أعتقد أن من الصعب العثور على وظيفة أخرى في الوقت الحالي”.
الإحصاءات الرسمية
ولا تتوفر إحصاءات رسمية عن عدد من غادروا الإمارات، غير أن ما لا يقل عن 200 ألف عامل -معظمهم من الهند وباكستان والفلبين ونيبال- عادوا لبلادهم، وفقا لما تقوله البعثات الدبلوماسية لهذه الدول.
وتعاني قطاعات مثل البناء وتجارة التجزئة من متاعب قبل أزمة كورونا التي تسببت في تفاقم مصاعب العمال المعرضين من قبل لتأخر صرف الأجور.
وقال محمد مبارك إنه لم يتقاض أجره منذ نحو 11 شهرا عن العمل في مجال الأمن بأحد المتنزهات في دبي، وأضاف مبارك (وهو غاني الجنسية) “الشركة لا تعرف متى ستتمكن من صرف الأجور لنا ونحن نعاني”.
وبدأت الإمارات في مايو/أيار الماضي تخفيف القيود الحكومية التي فرضت لاحتواء فيروس كورونا، وأرغمت الكثير من الأعمال على الإغلاق لأسابيع، وعاودت مراكز التسوق والمتنزهات المائية والمطاعم -وكلها تعمل بها عمالة وافدة- فتح أبوابها؛ الأمر الذي أثار الآمال في عودة الأعمال.
وقال باكستاني -اسمه ذو الفقار يعمل في دبي منذ 12 عاما- إنه أعاد أسرته إلى وطنه في بداية الأزمة، لكنه بقي على أمل العودة للعمل، وتقاسم الغرفة التي يعيش فيها وما تبقى من مال مع نحو عشرة آخرين من العاطلين عن العمل.
900 ألف فقدوا وظائفهم
وقبل ذلك، قالت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، إن الإمارات يمكن أن تفقد 900 ألف وظيفة من الوافدين للعمل، وهو أمر مرهق لدولة يبلغ عدد سكانها 9.6 ملايين نسمة.
وحسب محلل شؤون الشرق الأوسط في “ستراتفور” ريان بول، فإن نزوح سكان الطبقة الوسطى يمكن أن يخلق دوامة موت للاقتصاد، حيث ستعاني القطاعات التي تعتمد على هؤلاء المهنيين وعائلاتهم مثل المطاعم والسلع الفاخرة والمدارس والعيادات.
ودون دعم الحكومة، يمكن لهذه الخدمات تسريح بقية الموظفين الذين سيغادرون بدورهم البلاد بعد ذلك ويخلقون مزيدا من موجات الهجرة.
ومع اضطراب الاقتصاد العالمي، فإن قرار المغادرة ليس واضحا، وتقول منظمة العمل الدولية إن أكثر من مليار عامل على مستوى العالم معرضون لخطر كبير فإما خفض الأجور أو فقدان وظائفهم بسبب الجائحة.
ومن المرجح أن تسرّع الأزمة جهود الإمارات للسماح للمقيمين بالبقاء بشكل دائم، مقارنة بالمزايا الواسعة التي اعتاد المواطنون الحصول عليها منذ اكتشاف النفط، فيما يكمن التحدي الرئيسي الذي تواجهه دبي في القدرة على تحمل التكاليف، فقد أصبحت المدينة التي بنت سمعتها كملاذ ضريبي قاعدة مكلفة بشكل متزايد للشركات والمقيمين على حد سواء.
في عام 2013، صُنفت دبي في المرتبة 90 من حيث التكلفة بالنسبة للمغتربين وفقا لمؤشر ميرسر، وهي تحتل الآن المرتبة 23، مما يجعلها أغلى مدينة في الشرق الأوسط، رغم تراجعها من المرتبة 21 عام 2019 على خلفية انخفاض أسعار الإيجار بسبب زيادة العرض.
وتقوم مجموعة الإمارات -أكبر شركة طيران في العالم لمسافات طويلة- بتسريح الموظفين، ومن المرجح أن تخفض فنادق دبي 30% من طاقتها التشغيلية، كما قام مطورو الجزر الاصطناعية في دبي وأطول برج بتخفيض الأجور، وألغت وحدة كريم التابعة لشركة أوبر في الشرق الأوسط ما يقرب من ثلث الوظائف في مايو/أيار الماضي.
وصرحت شركة “موف إت كارغو أند باكجينج”، ومقرها دبي، بأنها تتلقى حوالي سبع مكالمات في اليوم من سكان يرغبون في شحن ممتلكاتهم إلى الخارج، مقارنة باثنين أو ثلاث مكالمات أسبوعيا في الوقت ذاته من العام الماضي.