في عيتا الشعب: هكذا دخلت نخبة العدو الى مصيدة الموت

|| صحافة || العهد  

على بعد أربعة عشر عاماً من مذكرات الموت الذي لاحق وحدات النخبة في جيش الاحتلال عند حدود عيتا الشعب، يقف الحاج علي الضابط في المقاومة الإسلامية الذي كان يعمل ضمن غرفة عمليات ميدانية تدير عمليات التصدي لمحاولات العدو المتكررة للسيطرة على البلدة لا سيما عند محور ما عُرف بتلة أبو طويل.

مراراً في حرب تموز سعى العدو لتأمين التلة ليؤمن محور تقدم لقواته المتوغلة من نقطة خلة وردة باتجاه بلدتي رشاف ودبل للوصول إلى الطيري والالتقاء بقوات أخرى متقدمة من بنت جبيل، ولكن سارت الأمور بما لم تشتهِ حينها مخططات قيادة العدو التي زجّت لهذه المهمة بكتيبة من وحدة المظلّيين وكتيبة أخرى من وحدة نحال، ودعمتهما برتل من دبابات الميركافا والجرافات العسكرية لإنجاز المهمة في وقت سريع، فوقعت في المحظور ودخلت في كمين الرعب الذي كانت تنفذه مجموعة من مجاهدي المقاومة الإسلامية.

يسترجع الحاج علي تفاصيل المعركة عند أبو طويل، فيشير إلى أن المقاومة رصدت التحرك المعادي منذ لحظة اختراقه للحدود الدولية في منطقة خلة وردة، وعندما وصلت إلى التلة أعطينا الأمر لرمايتها بمختلف أنواع الأسلحة المناسبة فتحولت من قوة تأمين إلى قوة بحاجة لتأمين ما أجبرها على الانسحاب بشكل معاكس واللجوء إلى مبنى قريب لمدرسة لذوي الحاجات الخاصة للاحتماء بداخله.

وصلت القوة إلى المدرسة التي كانت مؤلفة في ذلك الوقت من طابق أرضي فقط، فاتخذت المقاومة قراراً بمواصلة ضربها لإيقاع المزيد من الخسائر في صفوفها، في تكرار لنسخة جديدة من المحرقة التي وقع بها جنود آخرون في كاراجات أحد المنازل في بلدة دبل على بعد مئات الأمتار من عيتا الشعب. وعندما ظن الجنود أن المدرسة مانعتهم من رجال الله بدأت تتساقط عليهم حمم نيران المقاومين فشتتت جمعهم وأوقعتهم بين قتيل وجريح.

يلفت الحاج علي هنا إلى أن الرماية تركزت يومها على نقطة كان يتجمع فيها الجنود عند مدخل المبنى تماماً، فتعالى صراخ وعويل من بقي على قيد الحياة منهم حتى سمعه كل من كان في الحارات المشرفة على المدرسة من الاهالي والمجاهدين، حتى اضطر العدو إلى ادخال قوات إضافية نحو المكان لسحب إصاباته فوقع من وصل منهم في مصيدة محبكة أمطرها المجاهدون بالأسلحة المناسبة، ومنها صاروخ مضاد للدروع دمر دبابة ميركافا من الجيل الرابع كان يتغنى العدو بتفوقها الميداني.

ويقول الحاج، القوة التي تقدمت باتجاه المدرسة كانت تريد سحب الإصابات فوقعت في كمين زاد من إرباك العدو الذي لم تكفِ حمالات من بقي من فريق إجلائه لسحب القتلى والجرحى من المكان فرأيناهم يحملون على أكتافهم من استطاعوا ويهرعون باتجاه نقطة الانسحاب ليتركوا خلفهم عتاداً وأشلاء تحكي عن العجز الصهيوني على التموضع في نقطة لا تبعد أكثر من خمسمئة متر من حدود كيان العدو.

وإلى جانب علي يقف صديق دربه احمد، الذي يسهب في الحديث عن الخوف الذي كان يراه في عيون الجنود المتقدمين للالتفاف على عيتا الشعب والسيطرة عليها بالنار من مرتفع أبو طويل. يبتسم عندما يروي لنا كيف تحولت دبابة الميركافا إلى تابوت لجنود إسرائيل. ويشير إلى أن المقاومين استدرجوا نخبة العدو إلى أكثر من نقطة لضربهم وإلحاق أكبر الخسائر في صفوفهم، فأحرقوا دباباتهم وأجبروهم على تركها والإيمان بأنها لم تعد آمنة لتحركم وأدخلوهم بفعل قوة النيران إلى مدرسة ذوي الحاجات الخاصة وقذفوا بهم من هناك إلى الموت الذي لاحقهم حتى آخر شبر من هذه الأرض.

ويتفق الاثنان بعد تجارب طويلة خاضاها على امتداد مسيرة المقاومة الإسلامية على أن العدو الذي كان يتغنى بقوته إنما كان يعتمد في نظرته التفوقية على ضعف الجيوش العربية، نظرة بدّلها تماماً عندما وجد هنا مقاومة لديها ما يكفي من الإيمان الراسخ بقضية محقة لتدافع عن ارضها وسيادتها فأعاد حساباته حتى بدأ يفكر بشكل فعلي بمصير كيانه الذي أسسه وفق نظرية فائض القوة التي لا يمكن مواجهتها، ووصلت به الحال للاعتقاد بأن المقاومة الإسلامية في لبنان ستسيطر على الجليل وتصل إلى نقاط متقدمة في فلسطين المحتلة في أي مواجهة مقبلة خاصة وأنها تملك أضعافاً مما كانت تملكه عندما ألحقت به الهزيمة في تموز ألفين وستة.

نظرة العدو لا تقف عند هذه الحدود، فهو يرى ما تريد أن تكشفه هي من تعاظم انجازات وقدرات في حين أن ما خفي أكبر بكثير مما ظهر إلى العلن، ويرى أيضاً تآكل قوته وقدرته على الردع وضعف وحداته القتالية التي لم يشارك أغلب ممن يخدم في صفوفها اليوم بأي حرب وميدان قتال حي، وما الخوف الذي يعيشون على امتداد الحافة الحدودية مع لبنان سوى صورة من صور الهزيمة التي يحصدها من بذر حقداً واحتلالاً ولن يجني إلا خراباً وزوالا.

 

قد يعجبك ايضا