اتّفاقُ الخيانة
// مقالات // علي الدرواني
(مَن يوالي أمريكا ويقبل بأمريكا ويتعاون مع أمريكا سيقبل بإسرائيل ويتعاون مع إسرائيل، وسيخدم إسرائيل، هذه حقائق وسيثبتها الواقع)..
بهذه الكلمات لخّص السيد القائد عبدالملك الحوثي طبيعة العلاقة التي تربط الأنظمة مع أمريكا وتعديها تلك العلاقات حتماً إلى علاقات مع العدوّ الإسرائيلي، ويأتي ذلك التوصيفُ بالصوت المرتفعِ؛ للتحذير من التورط في العلاقات، وما يسبقها من تمهيد بتغيير حالة العداء مع الكيان الغاصب، وهي الحالة المتعمقة في وجدان الشعوب العربية من بداية الاحتلال الإسرائيلي، بدايات القرن الماضي، وخلق عدوٍّ جديد للأُمَّـة، وتوجيه بوصلة العداء نحوه، والتغاضي عن العدوّ الحقيقي، الذي احتل فلسطينَ وشرّد أهلها وارتكب آلاف المجازر بحقهم ولا يزال إلى اليوم.
من هنا فَإنَّ تطبيع الإمارات مع العدوّ الإسرائيلي لم يكن مفاجئاً لكثيرين، بقدر ما كانَ فضيحة، وإخراج علاقة طالما ظلت سريةً إلى حَــدٍّ ما بين الإمارات وكيان الاحتلال، فهي إذن خطوةٌ متوقعةٌ، وقد تم التمهيد لها خلال الأعوام القليلة الماضية بعددٍ من الفعاليات المشتركة السياسية والعسكرية والأمنية والثقافية والرياضية، وقد كانت جميعُ تلك مؤشراتٍ على اقتراب هذا اليوم وتحقيق الإعلان الرسمي للعلاقة الخيانة لكل الثوابت والمقرّرات العربية، قمة الخرطوم أَو قمة اللاءات الثلاث 1967 (لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل).
صحيحٌ أن الإماراتِ إنما ظهرت على الخارطة في العام 1971، لكن انضمامَها إلى الجامعة العربية في العام التالي، يجعلها ملزمةً بقراراتها، وهناك قمة بيروت 2002 والمبادرة العربية للسلام، التي اشترطت قيامَ الدولة الفلسطينية، كشرط أَسَاسي للتطبيع وفتح علاقات مع كيان الاحتلال، والاعتراف العربي بإسرائيل، رغم ما انطوت عليه المبادرةُ من تنازلٍ غير مشروع وتخاذُلٍ عن تحرير الأرض وخيانة لدماء الشهداء، إلَّا أن اتّفاقيةَ اليوم تمثلُ خيانة الخيانة، وتنازلاً دون مقابل، ودونَ أثمان، ولا يمكنُ بحالٍ من الأحوال وضعها إلَّا في خانة القفز والانقلاب على الثوابت العربية، والتي خطوها بأيديهم، وصاغتها أقلامهم.
يتبجح حاكم الإمارات محمد بن زايد بتغريدة مضلِّلة؛ لتبرير التطبيع وأنها أوقفت خطةَ الضم الصهيونية لأراضٍ في الضفة وغور الأردن، وهنا الكثيرُ من المغالطات، فالضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية بشكل فعلي، ولم يتبقَّ سوى الإعلان بشكل رسمي فقط، وجهود العدوّ متواصلة في قضم الأراضي والسيطرة عليها بواسطة ما يسمى “فتيان التلال” الذين يواصلون الاستيلاءَ على الأراضي والتلال وبساتين الزيتون المملوكة للفلسطينيين وبناء بؤر استيطان جديدة ونشر الأغنام والماعز، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فقد أكّـد نتنياهو بعد ساعات قليلة تكذيبَ ادِّعاء بن زايد بأنه لم يُلغِ خطة الضم، وأن ما حصل هو تأجيلٌ فقط بطلب من ترمب.
ومن جهة ثالثة فيصح أن نقول: إن إسرائيل قد تركت اللقمة الأقل دسماً، مع التسامح في العبارة، والتهمت لقمةً دسمة، هي الإمارات، وضمتها إلى من سبق في قطار السلام المزعوم.
وقبل هذا وذاك، هل أخذت الإماراتُ رأي الفلسطينيين بهذا القرار، وهي تدّعي أن خيانتها مِن أجلِهم؟!، الإجَابَة: لا، وقد رأينا المواقفَ الفلسطينية المندّدة سواءً من حركات المقاومة، أَو من السلطة الفلسطينية التي تقول الإمارات إنها تعترفُ بها، وهذا مؤشرٌ آخر أنه لا علاقةَ للاتّفاق بمصلحة الشعب الفلسطيني، بل هو جزءٌ من محاولات تصفية القضية، وإلغاء حقوق الشعب الفلسطيني لصالح الكيان الغاصب.
ثم أيُّ حديث عن السلام لدى الإمارات وهي شريكٌ وفاعلٌ أَسَاسيٌّ في حروب المنطقة على العرب والمسلمين في اليمن وليبيا، وما خلّفته من مآسٍ ودمار، وقبلها في سوريا والعراق، والآنَ اللهُ وحدَه يعلمُ ماذا يحضرون للبنان؟، أليس السلام هنا موضعَ شك، أليس سلاماً أمريكياً، سلاماً لإسرائيل، وليس للعرب، والدليل أن اتّفاقيةَ السلام المزعومة ومع أول لحظات إعلانها شنت طائرات العدوّ الإسرائيل عدةَ غارات، وقبلها كانت إسرائيل قد قرّرت إغلاقَ معبر كرم أبو سالم ومنعت دخولَ المواد الأَسَاسية والوقود، وبإزائها تهدم بيوت المقدسيين وتصدر تصاريحَ بناء جديدة لمستوطنين، بما يعني أنه لا سلامَ ولا يحزنون، العدوانُ مستمرٌّ والضم مستمر، ولكن بطريقة أُخرى.
هذا الاتّفاقُ المدانُ يرادُ له أن يُخرِجَ بعضَ أطرافه من أزمات تعصفُ بهم، نتنياهو وترامب، أزمات ترامب الانتخابية واضحة وهي بحاجة لدفعة كبيرة تعدل الموازين مع منافسه جو بايدن، الذي يتفوقُ عليه في نتائج استطلاعات الرأي الأمريكية بفارقٍ ليس بالسهل تجاوزه، كذلك الحالُ بنتنياهو المثقَل بالأزمات الاقتصادية والقضائية ومِلفات الفساد، والمظاهرات المتواصلة والمتنامية ضده، والمطالبة بمحاكمته، بالإضافةِ إلى ارتفاعِ معدلات البطالة وانعكاسات كورونا، ويجد نتنياهو المأزوم في هذا الاتّفاق ورقةً لتحسين وضعه في الداخل، لكن ماذا عن بن زايد، لماذا هذه الهرولة، ولماذا هذا الحماس، ما هو المقابل، ولماذا يصر العرب على بيع قضيتهم دون ثمن، وبلا مقابل.