الإمام زيد.. الثائرُ العظيمُ في الزمن العقيم
موقع أنصار الله || مقالات || منير الشامي
مثّلت ثورةُ الإمَام زيد بن علي بن الحسين -عَلَيْـهِم السَّــلَامُ- الامتدادَ الطبيعيَّ لثورة جده السبط الإمَام الحُسَين -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- وهي على نهجه ومساره الثوري التحرّري ضدَّ الظلم والطغيان الأموي اليزيدي، فهشام هو يزيد في ثورة الإمَام زيد، ويزيد هو هشام في ثورة الإمَام الحُسَين وثورة كربلاء عام 61 هجري هي نفس ثورة الكوفة عام122هجرية.
سببُهما واحدٌ وهو انطلاقٌ في سبيل الله لإصلاح دينه واستجابةً لأمر الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورفع ظلم الطغاة عن كاهل الأُمَّــة.
وهدفهما واحد- تشريعٌ للأُمَّـة بالخروج على الظالمين والطغاة في كُـلّ زمان ومكان لإعلاء كلمة الله وإقامة قسطه والتضحية؛ مِن أجلِ عزة الأُمَّــة وكرامتها.
ونتيجتُهما واحدة – أشرفُ وأطهر قرابين قُدمت؛ لإحياء الأُمَّــة من غفلتها وإعادتها إلى دينها المحمدي الحنيف.
فالثورتان متطابقتان في كُـلّ شيء، وثورةُ الإمَام زيد كانت تجديداً لنهجِ جده السبط الإمَام الحُسَين -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- ولمبادئ دين الله بعد 61 عاماً منها، وكأن هذه الفترة في حقيقتها ليست سوى العشرة الأيّام من شهر محرم التي تفصل بين يوم شهادة كُلٍّ منهما -عَلَيْـهِما السَّــلَامُ-، إذَا استثنينا الفترة التي تولّاها عُمَرُ بن عبدالعزيز (99 -101هجري)؛ لأَنَّ واقع الأُمَّــة بين الثورتين لم يختلف أَو يتحسن إلى الأفضل إلا في هذين العامين أما في الـ 59 عاماً الباقية فتمثل الزمن العقيم وكان كُـلّ ولاتها كيزيد ونظائرَ تطابِقُ يزيدَ.
ولذلك كان خروجُ الإمَام زيد -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ-، من المدينة المنورة مكرهاً لنفس الهدف الذي مِن أجلِه خرج جَدُّه الإمَام الحُسَين -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- من مكة..
وصل دمشق فتجاهله الطاغيةُ هشام لأكثرَ من شهر، ولم يدخل -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- إلى مجلسِ الطاغية هشام بن عبدالملك إلا ثلاثَ مرات لقّنه في كُـلّ مرة درساً قاسياً، لدرجة أنه في المرة الثالثة والأخيرة أجج غضبَ هشام وجعله يصرُخُ بإخراج الإمَام زيد -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- من مجلسه، فخرج وهو يقول: “سأخرج ولن تجدني واللهِ إلا حيثُ تكره”، ثم مضى وهو يردّد “واللهِ ما كره قومٌ قَطُّ حَرَّ السيوف إلا ذلوا”، وتوجّـه بعدها إلى العراق.
وفي العراق، بدأ التحَرُّكُ في ثورته، وأقبل الناس على مجلسه يختلفون إليه، ويبايعونه حتى أحصى ديوانُهُ 15 ألف رجل من أهل الكوفة وحدَها، وقد أقام فيها بضعة عشر شهراً ظل فيها داعياً إلى الله وناصحاً إلى سبيله وآمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر مبينًا للسبيل الذي انتهجه ولفضله ووجوبه من الله على الناس، فكانت بيعة الناس له على هذا النهج.
وكان -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- قد حدّد لمن بايعوه موعدَ الثورة في أول يوم من شهر صفر إلا أن بني أُمَيَّـةَ اكتشفوا خطتَه وأدركوا أن ظهورَه قريبٌ فتحَرّكوا في طلبه، مما جعله يضطر إلى التعجيل في خروجه في الـ22 من محرم 122هجري ولم يوافِه ممن بايعوه سوى 200 وبضعة عشر رجلاً، وأدرك الخذلان الكبير وقلة المستجيبين وقلة الإمْكَانيات، ومع ذلك مضى في ثورته بالقلة من المؤمنين وواجه بهم جيشاً قوامُه 12 ألف مقاتل قُتل منهم في اليوم الأول أكثرُ من 2000 مقاتل، واستمر يقاتل ذلك الجيش لثلاثة أَيَّـام متواصلة وأُصيب في نهاية اليوم الثالث بسهمٍ في جبينه، فاستبشر بالشهادة، ونالها مساءَ ذلك اليوم.
وفي ثلاثة أَيَّـام فقط، لخّص نهجَ حيدرة ونهجَ الحسين وصاغ أروعَ البطولات وخلَّد أعظمَ مواقف الحق وجسّد مواقفَ العظماء الأعلام، وسلك درب آبائه الطاهرين الكرام، وحوّل مقولته الشهيرة “من أحب الحياةَ عاش ذليلاً” إلى مبدأ خالد من مبادئ الإنسانية ونهج لكل العظماء والأحرار فيها إلى يوم الدين.
فسلامُ الله عليه وعلى آبائه وعلى أصحابِه المؤمنين الذين ثبتوا معه وعلى أتباعه وكل الثائرين على نهجه، فقد كان الثائرَ العظيمَ في الزمن العقيم، وسيبقى كجده السبط الإمَام الحُسَين -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- عَلَماً من أعلام الأُمَّــة وعظيماً من عظمائها.