نظرةٌ في “بِدعة ” المولد النبوي
|| مقالات || اكرم ابو منصر
أولاً:
* مناقشة البدعة والحسنة ( في ثلاثة نقاط):-
1- أين الضلالة؟
هل ما لم يفعله النبي ص، أو الصحابة، أو أهل البيت، أو التابعين دليلٌ على البدعة الضلالة؟!؟!
إن ما يجبُ فيه أن يؤخذ بعين الاعتبار لوضع الحكم الشرعي عليه هو وجود نص أو فعل او تقريرٌ من النبي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم بخصوص امورٌ يتم الامتناع عنها أي محرمة أو منهي عنها .. واما ما لم يرد فيه نصٌ لا من القرآن ولا من السنة بحرمتها فالرجوع إلى المبدأ الشرعي:
“أن اصل في الأشياء الإباحة، ما لم يرد فيها نصٌ على تحريمها” ..
وهذا يعني أن القول بأن الـ آل والصحب لم يعملوها ليست حجة على بدعتها أو ضلالتها، بل بوجود الأسباب التي تجعل من الفعل منهياً عنه مثل وجود نص قرآني أو نبوي ..
2- عدم ورود نصوص على عمل كل خير باسمه وصفته ونوعه:
المعروف أن الله تعالى أمر بعمل الصالحات وما يُقرب إلى طاعته ورضاه .. رغم أنه تعالى لم يُسمي كل خيرٍ في هذه الدنيا يمكن القيام به..
لذلك فأنواع الخير والعمل الصالح كثيرٌ جداً ليس محصوراً في قائمة مكتوبة مُسبقاً ..
وهنا نقف على حقيقة أن بعض الصحابة قاموا بأشياء كثيرة حُسبت لهم سنن حسنة.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من سنَّ في الإسلامِ سنَّةً حسنةً فلَهُ أجرُها وأجرُ من عملَ بِها من غيرِ أن ينتقصَ من أجورِهم شيئًا، ومن سنَّ في الإسلامِ سنَّةً سيِّئةً فعليْهِ وزرُها ووزرُ من يعملُ بِها من غيرِ أن ينتقصَ من أوزارِهم شيئًا.”
وقال الله تعالى:
“ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين ابتعوه رأفة ورحمة ورهبانيةً ابتدعوها ما كتبنا عليهم إلا إبتغاء رضوان الله…”
* الملاحظ أن الله تعالى وصف الرهبانية بأنها مبتدعة زائدة عما كتب الله عليهم ومن أجلها تصوفوا وتكروا الزواج رغبة عن الملذات، وجعل الله هذا الإستثناء منهم بالزيادة لما فيه رضوان لله..
“رهبانيةً ابتدعوها ما كتبنا عليهم إلاّ ابتغاء رضوان الله” فإن تكلمنا عن المولد النبوي الشريف فهو مما فيه رضاً لله .. كثيرٌ فيه ذكر الله ونبيه صلوات الله عليه وعلى آله..
3- ما هي البدعة الضلالة:
البدعة الضلالة ما أضرت بالدين وعارضت القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة…
– الترك أو عدم القيام بالشيء في الدين لا يقتضي القول ببدعته لأن:
– العمل في أصله مباحٌ في الدين حتى يظهر نصٌ بمنعه. ولا يوجد نص يحرم أو يمنع ذلك لا في القرآن ولا السنة بل بالعكس هناك آيات تحثنا على ذكر رسول الله (ص) وآيات تحثنا على الإحتفال.
كما أن البدعة في الشرع هو ما تعارض مع القرآن والسنة، وكما ذكرت سابقاً فلم يتعارض الاحتفال برسول الله (ص) مع القرآن والسنة بل بالعكس أكد القرآن على الاحتفال بما ينفع وحثنا على ذكر رسول الله (ص).
ففي السنة وكما نقلها لنا آل البيت والصحابة رضوان الله عليهم فهم أنفسهم نقلوا لنا أحاديث عن رسول الله (ص) وأكدوا لنا أن مجالسنا يجب أن تكون عامراً بذكر رسول الله (ص) أي أنهم هم يعملون ما يقولون وما ينقلون لنا، ونحن بذكرى مولد رسول الله (ص) نذكر رسول الله (ص) أي لم نخالف ما قام به الصحابة رضوان الله عليهم.
ثانياً:
*هل هناك ضرر؟
هل الفرح بدعة هل هناك ضرر على الإسلام أو على مستوى إيمان وإسلام الأشخاص؟
الصاحب والمخالف سيقولون لا..
فالفرح ممكن شرعاً وخير مثال على ذلك فرحة الأنصار (أهل المدينة) بقدوم رسول الله صلوات ربي عليه وآله إلى المدينة واستقبلوه بالأهازيج والفرح والطبول ولم يأمرهم بذلك:
بل وننشد لليوم ما أنشده الأنصار احتفاءً لمقدم النبي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم:
– ” طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. ووجب الشكر علينا ..”
فاستحسن رسول الله ذلك وهكذا تكون سنته مستحسنه لما له زيادة في شأن نبي الله ودين الله…
* فكما فرح الناس بمقدمه إلى المدينة .. فالأولى أن العالم أجمع يفرح بمقدمه إلى هذه الدنيا.. كرحمة الله للعالمين..
ثالثاً:
* رد احتجاج من يحتج البعض بقوله صلوات الله عليه وعلى آله:
“لا تُطْروني ، كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريمَ ، فإنما أنا عبدُه ، فقولوا : عبدُ اللهِ ورسولُه”
وكأنهم لم يقرأوا في حياتهم اللغة العربية ولا يفهمون بلاغة الكلام، فالرد عليهم في الحديث نفسه، قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله لا تطروني وهذا أمرٌ توضح بما بعده،
فقال تعقيباً كما: أي مثل، أطرت النصارى إبن مريم: وإلى هنا يمكن الإستدلال بما يدعونه،
لكن هناك توضيح بعده يقول كيف أطرت النصارى إبن مريم عليه السلام وهو بأن جعلوه إلهاً وقال رسول الله (ص) لا تطروني أي لا تجعلوني إلهاً كما عملت النصارى مع عيسى عليه السلام فإنما أنا عبده، وقولوا عبدالله ورسوله…
رابعاً:
*الدروس والفوائد:
الدروس المرافقة لمولد النبي الأعظم صلوات ربي عليه وآله هي إتباعاً لقوله تعالى :”وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ”
وهذه أفضل ذكرى أليس قد كُتبت الكتب حوله وأنُشدت الأشعار له، أليس كل ذلك فرحة به وحمدا لله على إرساله..
أليس الله عز وجل قال: – “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”
أليس فضل الله ورحمته إرسال رسول الله (ص) رحمة للعالمين:
– ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”
خامساً:
* التعليم والتثقيف:
عندما تعلم أبنائك عن النبي الأعظم (ص) فأفضل وقت هو في المناسبات التي يستشعر الأبناء فيها من هو رسول الله فتعمل الخير وتقول هذا بفضل رحمة الله المولود في هذا اليوم، وتحثه على الصدقة والإكثار منها في هذا اليوم حمداً وشكراً على نعمة ولادة هذه الرحمة.
سادساً:
* أعمال الخير والصالحات:
زيارتك لأرحامك في يوم كهذا يجعلهن يحببنك ويحببن من علمك ذلك ويحببن اليوم الذي جعلك بهن واصلاً..
لا أقول أن تكون الأعمال صالحة في المناسبات والشعائر فقط بل تكون دائمة.. القصد الأثر الذي تتركه المناسبة في مشاعر الناس وتأثيرها عليهم في زيادة حب النبي وآله صلوات ربي عليهم.
سابعاً:
* القرآن إحتفى برسول الله في آيات جمة وأذكر إحداها قوله تعالى:
– “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ”..
* كما أن هناك آيات كريمات تحثنا على الاحتفال والذكرى قال الله تعالى:
– “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”
– “وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ”
– “فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ”
.* بل إن هناك آيات كريمات ذكرت عظمة أيام المولد والموت والبعث كما جاء في قوله تعالى:
– “وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا”
– “وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا”
ثامناً:
روايات عن رسول الله (ص) تُكرم الأيام وتحتفي بها، مما يدل على أن بعض الأيام يُفرح فيها:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سُئِلَ عن صيام يوم الاثنين:
” ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُّ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ -أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ- فِيه”
فذاك يوم فضله الله ورسوله (ص).. ويدل الحديث على أن للأيام درجات في التفضيل…
وما يفضلها على غيرها هي أسباب للتفضيل، مثل مولد النبي (ص) أو يوم بُعث، أو حين أنزل عليه القرآن، أو غير ذلك….
ومثال على ذلك من القرآن ذكر الله عز وجل قوله بسلامه على الشخص في أيام معدودات لبركتها بمولد صاحبها أو موته أو بعثه، كما جاء في سورة مريم:
“وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا”
” وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا”
فإن عملنا بالقرآن كاملاً وفرحنا وقلنا سلاماً لإيام الله لأن لله فضلاً فيها لخلقه أفضل البشر فيها وأنزل القرآن عليه فيها، فليست بدعة:
“قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”
هو من أمر الله من في السماء ومن في الأرض أن يصلوا عليه:
“
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”
اللَهُمّ صَلِ وَ سَلِمْ عَلَى مُحَمّدٍ وَ عَلَى آلِ مُحَمّدٍ