ما وراء استراتيجية تشديد الحصار واحتجاز سفن المشتقات النفطية؟!
موقع أنصار الله || مقالات || منصور البكالي
كُلُّ ساحة حرب مشتعلةٍ في العالم هي مشهدٌ تنفيذيٌّ لخطط كُتبت على طاولة أَو في مذكرة ورقية أَو إلكترونية توافق عليها عددٌ من الخُبراء العسكريين الاستراتيجيين واقتنعوا أنَّـها تلبي توجيهاتِ وأهدافَ قيادتهم العسكرية واحتياجاتها الميدانية.
كما أن مواجهتها في الميدان العسكري انطلقت كذلك من خطط ودراسات كُتبت على طاولة الطرف المقاوِم وتعمق خبرائها في تحليلها ودراستها؛ ليخرجوا بتوصيات وخطط تحقِّقُ لهم القدرة على إفشال العدوّ.
فمَن يخطط لها ويرسم معالمها ويحدّد مساحتَها والأرض التي تشتعل فوق ترابها بلا شك يدرك حجمَ ومقدارَ ما يحتاجه من العتاد العسكري والموارد البشرية والمعلومات اللوجستية والاستخباراتية، ويمكنه تحديدُ مَن سيكون ضحاياها ومنهم وعلى أي طرف يُحسبون.
وما لم نلتفت إليه اليوم ونحن في العام السادس من مواجهة العدوان والحصار هو أن العدوّ قبل أية خطة يحضّرها تسبقها دراساتٌ نفسية تدخل فيها معرفة احتياجات الخصم في الميدان ومعرفة طبيعة التفكير الذي سيتوصلُ إليه لتلبيتها، وِفْـقاً لمجموعة من الخيارات الافتراضية والمحتملة وكذا الخيارات المتاحة أمامه في الميدان.
فمَن يعرف اليوم مدى أهميّة العمق في الإعداد والتحضير لمعركة هنا أَو معركة هناك سيدرك ما وراء استراتيجية قوى العدوان الواقفة خلف استراتيجية تشديد الحصار واحتاز سفن المشتقات النفطية.
وإذا ما بدأنا بالدخول في تفصيل المشهد الذي يفكر فيه الخصم وخبراؤه العسكريون على طاولة التخطيط لا بد علينا من التعريج إلى معرفة الأهداف وقوة وحجم الأذرع التي يستخدمها العدوّ ضد شعبنا اليمني، إضافةً إلى معرفة قدر النجاحات والمكاسب التي حقّقها العدوّ على الميدان وكيف يمكنه الحفاظ عليها وتحويلها إلى مكتسبات استراتيجية تطيل من احتلاله لها حالَ استمْرَرْنا على ذات النهج الذي نحنُ عليه وبذات النظرة للطرق المختصرة نحو الحل الأمثل.
فالمحافظاتُ الجنوبية وكذا السواحل والموانئ والجزر اليمنية ذاتُ أهميّة استراتيجية وتقفُ عليها أضعفُ فصائل المرتزِقة من ناحية العُدة والعتاد وكذا العقيدة القتالية، وتجنيبُ العدوّ لها نجاحٌ يُحسَبُ له من ناحية، ومن ناحية أُخرى يحتم عليه التفكير بتحويل مسار المواجهة نحو مكان آخر وعلى مناطق أُخرى وبين أطراف تملك مقوماتٍ كافيةً لإطالة الحرب في زاوية ذات أهميّةٍ أقلَّ في نظره.
ومن يراجع المشهد العسكري على الأراضي اليمنية وثقل القوى اليمنية المقاتلة الواقفة على ترابها وربطها بثقل وتواجد قوى الغزو والاحتلال، وكيف سعى ويسعى لاستمرار إضعاف كُـلِّ المكونات في صفوف المرتزِقة وإفشالهم في المناطق المحتلّة يدرك كذلك الهدفَ العسكري للعدو الذي يأمل تأخيرَ المواجهة العسكرية في الساحل الغربي وكذا المحافظات الجنوبية، وسعيَه الحثيثَ من وراء تشديد الحصار إلى منع أي نجاح ممكن للجنة المصالحة الوطنية بين حكومة صنعاء ومرتزِقة حزب الإصلاح وكذا القبائل الموالية لها في محافظة مأرب، وبين مختلف القوى والتيارات السياسية والقبائل اليمنية بشموليتها.
ومن المؤكّـد أن الحصارَ جعل صنعاء بحاجة للمشتقات النفطية وهذا سيدفعها لتحرِّرَ مأرب التي تعتبر الملاذَ الأخير لقيادات وقواعد ومقاتلي حكومة الفنادق، وبداخلها أكبر مخزون لمرتزِقة حزب الإصلاح، ويمكن للعدو الاستفادة منها في الحصول على الكثير من التنازلات من قبل مرتزِقته تمس بالسيادة الوطنية وتنال من الهُـوِيَّة اليمنية وثرواتها ومقدراتها وقراراتها السيادية.
ومن الشواهد على ذلك أنه حين حقّق مجاهدو الجيش واللجان الشعبيّة تقدماً كبيراً في تحرير ما بقي من محافظة مأرب شهدنا العدوّ يصرُخُ من أعلى مكان، في محاولة لوقف ذلك التقدم، وقام بتقديم بعض التنازلات التي طالما تعنت في تنفيذها، ومنها على سبيل المثال صفقات تبادل الأسرى، ومحاولة إعادة إنعاش طاولة المفاوضات والبحث عن الحلول السياسية، في مشهد مخادع يجسِّدُ لهاثَ عدوٍّ خسيس يشعر بنهايته القريبة وفشل مخطّطاته الماكرة.
ومن هذا المنطلق بات من المسلَّمات والضروريات للخروج مما وضعنا العدوان الأمريكي السعودي فيه، وفي هذا التوقيت بذات، أن ننعشَ جهودَ لجنة المصالحة الوطنية ونضخ فيها دماءً جديدة تمثل كُـلَّ ألوان الطيف السياسي والقبَلي؛ لنتمكَّنَ من تفويت الفرصة على العدوان وإفشال مخطّطاته، مع التخلي عن اللُّغة النابية الحادة في وسائلنا الإعلامية تجاه مختلف الأطراف اليمنية التي وصلت إلى طريقٍ مسدودة وباتت اليوم بحاجة لمن يمنحها فرصةً أخيرةً تحفظُ لها ماءَ الوجه، وتقبلُ منها التوبة.
وهذا لن يكونَ ما لم نتخذ خطواتٍ شجاعةً تنطلق من وعي عميق وإرادَة وطنية صلبة هَمُّها المصلحة الوطنية العليا، قادرة على ترجمة رغبة وتطلعات كُـلّ أبناء شعبنا اليمني في الشمال والجنوب، ممن كانوا أَو لا يزال البعضُ منهم مخدوعاً أَو تربطه مصالحُ شخصية أَو حزبية ضيقة، أَو ممن هم منذ اللحظة الأولى للعدوان في خندق الوطن وقدموا أرواحَهم ودماءَهم في سبيل الله وحرية وكرامة هذا الشعب العظيم.
وفي الأخير جميعُنا يدركُ أن أبناءَ شعبنا في المحافظات والمناطق المحتلّة ضاق ذرعاً بالغزاة والمحتلّين وباتوا قاب قوسين أَو أدنى من إعلان التحامهم مع الوطنيين وولائهم لصنعاء أُمِّ كُـلّ يمني وحضن الوطن الدافئ، إلا أنهم لا قرارَ لهم، والقرارُ كُـلُّ القرار بيد الأحرار وأصحاب الصدور الواسعة والقلوب الصافية ممن قال اللهُ فيهم: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).