بعد فوز بايدن.. ماذا سيتغير في الحرب على اليمن؟
موقع أنصار الله || مقالات || طالب الحسني
حتى تكونَ المقارباتُ أوضحَ، سأبدأ من الافتراض الذي يقول: ماذا لو أضيف لترامب 4 سنوات جديدة في البيت الأبيض بالنسبة للحرب العدوانية على اليمن؟
هذا الافتراض مبنيٌّ على كيف ينظر ترامب وإدارته إلى هذه الحرب التي وصل إلى البيت الأبيض بعد حصلوها بأزيد من عام ونصف وفي عهد الحزب الديمقراطي وعهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، لقد وجد ترامب نفسَه منخرطاً فيها كجُزءٍ من تركة سلفه وعليه أن يستمر فيها من واقع دعمه للسعودية ولنفس الدوافع والتكاليف والأثمان من جهة، والاستراتيجية الأمريكية في عدم السماح لليمن بالانتقال إلى محور آخر والخروج من مربع الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
ثم إنها -أي الحرب على اليمن- جزءٌ من الحرب الأمريكية الإسرائيلية السعودية على إيران، وعلى هذا أخذت اليمن والعدوان عليها ضمن المسار الإقليمي والدولي والحل ضمن هذا المسار نفسه، على أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض لم يغيّر في واقع الحرب شيئاً لا عسكريًّا ولا سياسيًّا رغم استمرار تدفق السلاح وتوفير الغطاء وإفشال أي توجّـه لوقف الحرب، لقد استخدم ترامب الفيتو مرتين أمام مشروع قرار تبناه أعضاءٌ في مجلس الشيوخ الأمريكي لوقف الدعم الأمريكي للسعودية في الحرب على اليمن وإنهاء المشاركة فيها.
في أقسى ضربة يمنية على السعودية بعد استهداف مصافي أرامكو السعودية في بقيق وخريص سبتمبر 2019 جنوب شرق المملكة باستخدام طائرات مسيَّرة وصواريخ باليستية، وتسببت في إيقاف خط الإنتاج السعودي النفطي وتقليصه إلى النصف، كُـلّ ما تمكّن ترامب من تقديمه للسعودية هو إرسال دفاعات جوية وتعزيز الوجود العسكري بعد إرسال ما يقارب 150 جنديا، لقد فُهم خليجيا سعوديا وإماراتيا أن ثمة عجزاً أمريكياً في تغيير المسار العسكري ودفعه باتّجاه مساعدتها في حسم الحرب عسكريًّا، بينما تضاعفت قوةُ اليمن العسكرية، بالتزامن مع تراجع وتفكك التحالف العسكري الذي تقوده السعودية منذ 2015.
لقد تكوّنت قناعةٌ أمريكية في عهد ترامب، وربما لدى السعودية والإمارات وكيان العدوّ الإسرائيلي، أن إضعافَ ما يعتبرونهم ”أذرع إيران في المنطقة” وهي نظرية تضليلية لمحاولة شيطنة القوى الوطنية الرافضة للهيمنة الأمريكية، يقتضي الذهابَ إلى إضعاف إيران نفسها، بعض الأجنحة المتشدّدة والقاصرة في دول الخليج كانت لديها رغبةٌ جامحة في حدوث حرب أمريكية إيرانية عسكرية، في حين أن ذلك كان في عقل ترامب مع مخاوفَ كثيرةٍ من نتائج هذه الحرب؛ ولهذا تم اختيارُ العقوبات الاقتصادية وانتظار نتائجها وتداعياتها على إيران، وبالتالي على حلفائها في المنطقة وضمنهم اليمن، الاعتقاد بهذا الرهان كان ينطلق من زاويتن: الأول أن إيران ستخضع وتستسلم أمام أقسى العقوبات الأمريكية وتدخل في مفاوضات جديدة بشأن الاتّفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه ترامب، وهذه المرة بشروط أمريكية خليجية إسرائيلية.
الثاني: سينتج من هذا الاتّفاق المفترض: أن توقف إيران علاقتها مع محور المقاومة، وبالتالي -وأنا هنا أفكر من زاوية سعودية- يمكن التمكّن من الانتصار في المناطق والدول التي تريد تشكل تهديدا على استمرار الهيمنة الأمريكية وبإمْكَان الرياض إعادة اليمن تحت وصايتها.
هذا التقييم هو أحد أوجه القصور في الرؤية الواقعية للصراع، إن كان في اليمن أَو فلسطين أَو لبنان أَو سوريا أَو العراق، فالدفاع في هذه البلدان هو دفاع وجودي، بمعزل تماماً إن كانت إيران موجودة وحليفةً أَو لم تكن، إن حدثت تسوية أَو لم تحدث، المقاومات في هذه المناطق والبلدان ليست حالات طارئة ستزول بمُجَـرّد حدوث تسويات إقليمية أَو دولية، والقوة في هذه المقاومات نابعةٌ من فلسفية بنيوية عقائدية ووطنية، إذ أن البيئةَ الشعبيّة التي ترفد المقاومات في هذه البلدان تفعل ذلك بدافع ليس من ضمنه إيران، بل بدوافعَ عقائدية ووطنية لها علاقة بالبلدان والشعوب نفسها، على أن شعار محاربة إيران في هذه البلدان أثبت أنه لا يجذب أحدا ولا يعزل أحدا، وهو أحد الشعارات الفاشلة في الحملة العسكرية السعودية الأمريكية في اليمن.
ونعود إلى الافتراض الأول: ماذا كان سيحدث لو ربح ترامب وبومبيو مرة أُخرى البقاءَ في البيت الأبيض؟
وببساطة شديدة كانوا سينتظرون لنتائج أقسى العقوبات على إيران والاستمرار في الضغط الاقتصادي مع بقاء الحرب مفتوحة ضد اليمن ودون البحث عن حلول سياسية؛ ولهذا يمكن رؤية هروب الرياض من الحل السياسي في اليمن باستمرار على الرغم أن الطريق إلى صنعاء عسكريًّا مغلقة وباتت شبه مستحيلة.
والآن.. ماذا سيفعل بايدن والحزب الديمقراطي إزاء هذه الحرب؟
بايدن يقول إنه سيوقف دعم الولايات المتحدة الأمريكية للسعودية للاستمرار قتل الأطفال والنساء، هذا لا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست شريكة، ولا يعني أَيْـضاً أن الديمقراطيين وبايدن نفسَه طيورُ سلام، وبالتالي لا يمكن التكهن والبناء على هذه التصريحات؛ باعتبَارها مفتاحَ فهم مستقبل الحرب وموقف الولايات المتحدة الأمريكية منها، ولكن يمكن الاعتقاد بأن إدارة بايدن ستتعامل مع الحرب العدوانية التي تشارك فيها بلاده منذ 2015 بواقعية، والواقعية تقول: إن هذه الحرب بلا أفق وإن السعودية في متاهة كبيرة وأنتجت فجوة عميقة لا يمكن إصلاحها حتى بحل سياسي، إذ أن الحل السياسي بات من أعقد المسائل في اليمن الذي يشهدُ تحولاً كَبيراً لصالح العاصمة صنعاء، من يشكك في ذلك عليه أن يقارن بين القوى الثورية الحاكمة اليوم، واعني أنصار الله الحوثيين وحلفائهم السياسيين والقبليين، وبينهم عندما بدأت أَو غارات على العاصمة صنعاء.
لن نكون متفائلين بأن بايدن سيوقف فورًا الدعم الأمريكي للسعودية، فاليمن ليست المِلف الأول في جعبة الرئيس الأمريكي الجديد، لكنه سيترك السعودية تواجه تحديات هذه الحرب بمفردها مع عجز الرياض في إحداث أي تغيير لصالحها، فالحرب تسير باتّجاه مضاد وفي ذات الوقت هي غير قادة على رسم خارطة طريق نحو السلام مع اليمن إلا إذَا قرّرت أن تستلم للواقع، والواقع أنها خسرت الحرب، وهذه الخسارة لن تكونَ دون تكلفة باهظة مثلما أن اليمن دفع تكلفة باهظة في حرب ظالمة عليه
سيتوجّـه بايدن نحوَ عودة التسوية مع إيران، وكيفما كان شكل هذه التسوية ستكون على حساب السعودية أَيْـضاً، وبالتالي تأثيراتها سترتد على المستوى الإقليمي، وبما أن استراتيجية الحزب الديمقراطي والبيت الأبيض ستبدأ بمعالجة الداخل الأمريكي مع التأثيرات التي تركها كوفيد 19 الصحية والاقتصادية فَــإنَّ العامين القادمين لن يشهدا أيةَ تحولات في مختلف المِلفات مع توقف سياسة العقوبات التي سلكها ترامب، هذا الجو المعتدل لن يكون مناسباً مع سخونة الأزمات السعودية وتعقيداتها في اليمن، بينما سيكون هذا الوقت متاحا لاستكمال استعادة صنعاء للمناطق التي لا تخضع لسيطرتها بالتزامن مع انخفاض الدعم الأمريكي للسعودية.