الإنسانية.. بين مزاعم بيزلي وصراحة محمد علي
موقع أنصار الله || مقالات || سند الصيادي
في كلمته التي ألقاها خلال جلسة لمجلس الأمن قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي بأن ما وصفه بالعوائق تحول دون ثقة المانحين لدعم الشعب اليمني بالمساعدات الإنسانية، قبل أن يستطرقَ في خطابه إلى الحديث للمانحين عن رقم المبلغ الذي يحتاجه برنامجُه لتجنب المجاعة لعام 2021.
الردُّ اليمني كان صريحاً كعادته، وَهذه المرةُ على لسان الأخ محمد علي الحوثي الذي وجه اتّهامًا مباشرًا لبيزلي، وتعاطيه مع الوضع الإنساني في اليمن بخلفية سياسية، ومساهمته في قتل الشعب اليمني، بمنع وصول المساعدات إلى مناطق سيطرة حكومة المجلس السياسي، وبأن مَن يدّعي إنقاذ الشعب من الموت هو نفسُه من يقتله، وأشَارَ إلى أن بيزلي أوقف المساعدات بدافعٍ سياسيٍّ، وَأن برنامجه المزعوم يوزع مساعداته وفقاً لتصنيف سياسي فيمنعُها عمن يرفض سياسات أمريكا.
هذه المصارحةُ التي تلخص حقيقة وَتاريخاَ من الدلائل على صدقها لم تخلُ من دعوة لبيزلي والمانحين إلى وضع ضوابط شديدة تحد من ممارسة برنامج الغذاء العالمي غير الإنسانية وَإلى ضرورة أن يبقى العمل الإنساني إنسانياً.
وَالحوثي بدعوته هذه لا يستجدي التفاتةَ ولا يتوسَّلُها وإنما يخاطبُ الإنسانيةَ الدولية، في مسعىً لإحياء مفهومها الميت الذي أصبح مدعاةً للنقد وَالتندر حينما يتعلق الأمرُ بملامسة ومعايشة واقعه على الشعوب.
وَرغم ضجيج هذا الشعار الذي ترفعه السياسةُ الدولية في كُـلّ محفل وتسوّق له وسائل الإعلام الغربية في كُـلّ صراع، إلَّا أن الحالة اليمنية المضافة إلى كثير من أمثالها في التاريخ المعاصر قد شهدت أكبرَ انتكاسة وسقوط لهذه النزعة التي باتت مغيبةَ الأثر، وَصارت مُجَـرّد مفردة رخيصة تلوكُها أفواهُ النازعين إلى الوحشية وَالهيمنة وَبناء مصالحهم الخبيثة على وقع الحروب وَالدماء، وَعلى صراخ الأطفال والنساء في ما يسمى بالعالم الثالث المتخَم بالمؤامرات وَالمطامع، وَالمفخخ بالجهل والفقر وَالنزاعات الجانبية التي يصنعها أدعياء الإنسانية.
وَالقائمة تطول، وَمن مجازر الإبادة الجماعية لأصحاب الأرض من الهنود الحمر وَالسود في القارة الأمريكية مُرورًا بطبقية وإقطاعية القارة الأُورُوبية واسترخاص حيوات الفلاحين والضعفاء، وَعبودية إفريقيا وحروبها الدامية، وَاستذكاراً لصناعة النصر على الطريقة الأمريكية في هيروشيما ونجازاكي اليابان، ثم وُصُـولاً إلى صناعة الأزمات في الشرق الأوسط بهوس الثروات وَنظرة الدونية للشعوب، وقائعُ مضت وَأُخرى لا تزال راهنة باتت بالتكرار مكشوفة النوايا مشهودة النتائج، متعددة النماذج، متنوعة الضحايا، والقاتل واحد وَمتسلسل عبر المراحل وَالأماكن برسم القوة الجاثمة على صدر هذا العالم وما تفرع منها من مجالس وَمنظمات وَهيئات وَبرامج، كلها تتكامل باختلاف وسائلها ودعاويها لتخدم القاتل وتنصف الجلاد فيما تدين الضحية.
ولطالما كان الضحية مداناً بجُرم الطموح إلى الحرية والخلاص وبجناية الرفض لهذه الأجندة التي ما فطر عليها وَلا خلقه الله مطوعاً لها، وَكان قدرُ شعبنا اليمني الثائر على الطغاة الباحث عن كرامته وعزته وَاستقلال أرضه وقراره، أن ينال هذا الاستهدافَ المتعددَ الوسائل؛ بغيةَ تركيعه وَإثنائه عن إرادته وعزيمته، بالبارود وَالحصار وَقطع الأرزاق، ثم تقديمها كمساعداتٍ شحيحة ملحوقة بعصا الاشتراطات المهينة.
غير أن ما فات على بيزلي وَلوكوك حقيقة مفادها أن شعباً لم يركعه أَو تثنِ عزائمَه أهوالُ القتل والدمار أَو ترعبه أحدث الصناعات العسكرية التي حُشدت لتطويعه وواجهها بالإيمان والبندقية، لن تنطليَ عليه أَو تحد من عزائمه تلك السياساتُ المتبعةُ في توظيف الإنسانية والمساعدات، وَسيحبطها حتماً بصموده وَسعيه لزراعة أرضه وَتنمية مقدراتها وَتحقيق الاكتفاء متسلحاً بالإيمان وَالمنجل.. ولن يكون ذلك بأكثرَ مشقةً مما قد حدث.