أنصار الله والدورات الثقافية
موقع أنصار الله || مقالات || خالد العراسي
سمعت الكثير عن الدورات الثقافية الخَاصَّة بأنصار الله، حتى أنني تمنيت ألَّا يسوقني القدر لحضور إحداها.
وكَثيراً ما سمعت بأنها دوراتٌ إجبارية ولا يمكن لأحد أن يرفض الالتحاق بها. وفي أحد الأيّام وصلتني رسالة من أحد زملائي في العمل مضمونها “ما رأيك يا أُستاذ خالد بحضور دورة ثقافية مع بعض زملائك من موظفي المالية، وأرجو الرد إن كنت لا تمانع”.
بمُجَـرّد قراءتي للرسالة أدركت أنني كنت كغيري ضحية الكذب والتدليس في كُـلّ ما سمعته عن الدورات الثقافية، فالإجبار صيغته وطريقته معروفة، علماً بأن الكثير ممن تم اختيارهم في تلك الدورة اعتذروا عن الحضور، بمعنى أن الحضور كان اختيارياً. وانتابني الفضول لمعرفة المزيد فسارعت بالرد على زميلي: “لا مانع وسأحضر بإذن الله”، وكانت أول دورة ثقافية أحضرها، ومثّلت أياماً مميزة من حياتي، حَيثُ ذكرت فيها الله عز وجل كَثيراً دون أن يشغلني شيء عن عبادته. كما أقمت جميع الفروض في أوقاتها بخشوع فارقني كَثيراً، وقرأتُ فيها القرآنَ الكريم بشكل يومي بروحانية وانسجام لا أعهدها إلا إن كنت في خلوة وأقرأ بقلب لا يفكر في شيء من الدنيا الفانية.
لم يمر يومٌ دون أن نستغفرَ على الأقل لنصف ساعة قبل المغرب ونصف ساعة قبل الفجر، وكانت أغلب مواضيع المحاضرات اليومية عن الخطر الذي يواجهنا، وكيف يجب أن نتصدى له من خلال معرفة الله عز وجل حق معرفته والثقة واليقين الكامل بتأييده ونصره، وضرورة استمرار تطوير الذات علمياً وعمليًّا والإخلاص والاجتهاد وعما يحيكه الأعداء لتدمير أوطاننا ونهب ثرواتنا. وفي هذا المجال لم أجد أيَّ خلاف بين ما أؤمن به وما سمعته خلال الدورة، حتى أنني عند سماعي لموضوع معين حول ذلك كنت أقول لزميلي الذي بجواري: لو أنه يتم الآن عرض المقطع الفلاني لتأكيد هذه الفكرة، فلا تمر دقائق إلا وأفاجأ بعرضه. وربما كان ذلك نتيجة اهتمامي بمتابعة الأحداث السياسية وتفاصيلها.
كنا نصحو من نومنا قبل أذان الفجر، نتوضأ ونستغفر الله العظيم ونسبحه إلى وقت الصلاة فنصلي ثم نقضي طوال يومنا في ذكر وعباده وصلاة واستغفار وتسبيح. وكان أغلبنا يضم في صلاته ويقول (آمين) بعد الفاتحة. فلم أسمع أحداً ينهى عن ذلك، كما لم يفرضوا علينا أي شيء.
كل ما في الأمر أنهم أبلغونا بوجهة نظرهم حول بعض الأمور الدينية وحول أهميّة الطهارة وشروطها. ولم يأخذوا حيزاً كَبيراً للخلافات الجانبية. وفي الأخير كانوا يقولون لنا هذه وجهة نظرنا وأنتم أحرار فيما تقتنعون به، وما علينا إلا أن نوضح رأينا وما استندنا عليه وأنتم من تختارون ما تقبله عقولكم وترتاح له قلوبكم. فالكل مسلم ومؤمن بالله عز وجل رباً وبمحمد نبياً وهذا هو الأَسَاس، وأية خلافات في كيفية أداء العبادات أَو غيرها من الخلافات البسيطة لا تخرج المسلم من الملة. وحتى غير المسلم، فديننا الحنيف لا يدعونا إلى قتالهم إن كانوا مسالمين ولم يعتدوا علينا.
تفاصيل كثيرة جِـدًّا لا أريد أن أكثر من الحديث عنها، لكنها إجمالاً تأتي في السياق المذكور سابقًا وبنفس المعنى.
عدت بذاكرتي قليلًا إلى الوراء وتذكرت ما كنت أسمعه عن أنصار الله أَيَّـام الحروب الـ6، وكيف أن الكثير كان يكفرهم ويخرجهم من الملة ويتهمهم بادِّعاء النبوة وغيرها من الاتّهامات الباطلة. وتذكرت أَيْـضاً تلك المقاطع المفبركة التي نشرها إعلامنا الرسمي (أيام التبعية) عن أحد أفراد أنصار الله المعتقلين في سجون الأمن السياسي وهو يقول سيدي حسين ونبي الله واحد ولا فرق بينهما، وبعدها ظهر المقطع الحقيقي واتضح أنه يقول كلاماً مختلفاً عن ذلك المعنى تماماً، وتم فبركة الفيديو بالقص واللصق ليظهر بالشكل المطلوب لتشويه الأنصار.
عدت بذاكرتي أكثر، فتهت وغرقت في كُـلّ ما تعلمته وترسخ في ذهني من تاريخ مزور وكثير من قصص السيرة والأحداث المدسوسة وأحاديث موضوعة وثقافة مغلوطة. وتذكرت أنني قبل 20 عاماً تقريبًا من حضوري لتلك الدورة، كنت في أحد الأيّام أستمع إلى محاضرة مسجلة لشخص يصرخ كَثيراً عرفت بعدها أنه وهَّـابي، وسمعته وهو يتحدث عن بعض المذاهب وكيف أنها أخطر على الإسلام من الصهاينة. فسأله أحد طلابه أثناء المحاضرة السؤال الآتي: “لماذا لا نقرأ كتبهم وبالتأكيد سنجد بيننا وبينهم عاملاً مشتركاً فنجتمع عليه ونترك ما يفرقنا؟”، فصرخ داعية الفتنة والتعصب قائلاً: “لا تقرب الكير من النار”.
عرفتُ لماذا حذرونا من قراءة كتب مَن يختلف معهم وحرصوا على عدم اقترابنا من خصومهم، وأكّـدوا حتمية الاستناد بشكل حصري إلى تلك المراجع المشكوك في أمرها والمكفرة لكل من ليس منهم.
عرفت لماذا وصفوا الاقتراب من الآخر بمثابة الاحتراق.
عرفت لماذا عملوا وما زالوا يعملون على تشويه الآخر بكل قبح وسفه، مع أن الوقائع أثبتت أن كُـلّ ما اتهموا به غيرهم كانوا هم أبرز ممارسيه، عرفت سبب تفريق المسلمين وبث الفتنة فيما بينهم.
كنت وما زلت أعرف من المستفيد من نشر الكراهية والبغضاء فيما بيننا، عملوا على تشويه كُـلّ نقي ليصبح كُـلّ شخص بنظر الآخر كافراً وفاجراً وعدواً، وبذلك لن نفكر بأعدائنا الحقيقيين، بل إنه سيأتي اليوم الذي يتحالف بعضنا معهم ضد إخوتهم، وهذا ما يحدث حَـاليًّا، وهو نتيجة لكثير من العوامل المنتجة لهذا التناحر الفظيع الذي نسفك به دماء بعضنا بسلاح مشترى من أعدائنا، ولم يكن ذلك بغائب عما يدور في ذهني منذ فترة طويلة، لكن الجديد بالنسبة لي هو أنني عرفت سببَ الرعب الذي أصاب تحالفَ الشر من فكر أنصار الله، وعرفت كيف أن الغربَ لم يتمكّن من شرائهم أَو إخضاعهم أَو إجبارهم على ترك مشروعهم القرآني الجامع للأُمَّـة.