التربية الإيمانية والاستعداد للتضحية في سبيل الله
موقع أنصار الله | من هدي القرآن | 27 جمادى الأولى 1442هـ
(..عندما نأتي للحديث عن الشهادة من نافذةٍ أُخرى، هي من جانب: فوز عظيم ومهم، ومن جانبٍ آخر: في إطار التربية الإيمانية والالتزام الإيماني، ينبغي أن يصل الإنسان في التزامه الإيماني وفي تربيته الإيمانية إلى مستوى الاستعداد التام للتضحية في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، فهي ذات أهميّة كبيرة من هذا المنظار، من هذا الزاوية: من زاوية التربية الإيمانية والالتزام الإيماني، في إطار انتمائك الإيماني، لا يتحقّق لك أن تصل إلى المستوى الإيماني المطلوب، إلَّا إذَا تحقّق هذا في واقعك: أن تصبح على استعداد تامٍّ للتضحية بحياتك، بنفسك، بروحك في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، هذا أمرٌ يلزمُك من جوانبَ كثيرة: على مستوى الالتزام العملي الإيماني؛ لأَنَّ هناك التزاماتٍ عمليةً، وهناك أَيْـضاً على مستوى الارتقاء الروحي والأخلاقي، الإنسان إذَا وصل إلى هذا المستوى الإيماني: إلى مستوى الاستعداد التام، والجهوزية الكاملة للتضحية بحياته في سبيل الله، فهذا يعبِّر عن ارتقاء روحي، وارتقاء أخلاقي، معنى ذلك: أنَّ نفسك قد زكت إلى مستوى جيد فوصلت إلى هذه المرتبة، وأنَّ مكارم الأخلاق العظيمة والكبيرة تجذَّرت في وجدانك، وفي مشاعرك، وفي وعيك، حتى وصلت إلى هذا المستوى من الاستعداد للعطاء والتقدمة والبذل، وهذا يهيِّئُك عمليًّا للقيام بمسؤوليات هي من صميم التزاماتك الإيمانية؛ لأَنَّ هناك في الالتزام الإيماني مسؤوليات مهمة جِـدًّا، ولكن قد يرد الناس عنها الخوف من أن يقتلوا، الخوف من التضحية، التهرب من التضحية.
عندما نأتي إلى جُملةٍ من المسؤوليات والالتزامات الإيمانية ذات الأهميّة الكبيرة إيمانياً، وذات الأهميّة الكبيرة في واقع الحياة، وفي أثرها الإيجابي في واقع الحياة. مثلاً: من المبادئ الإيمانية الأَسَاسية والضرورية التي لا يكتمل الإيمان إلا بها: التحرّر من الطاغوت، التحرّر في حياتنا هذه من سيطرة الطاغوت علينا، من سيطرة الطواغيت الظالمين، المجرمين، المستكبرين، الذين يسيطرون على الناس فينحرفون بهم عن تعليمات الله وعن توجيهات الله، ينحرفون بهم عن الحق، وينحرفون بهم عن العدل، ويمارسون الظلم لهم، والاستعباد لهم، والاستغلال لهم، هؤلاء الطواغيت سواءً تمثلوا بكيانات: دول ظالمة متجبرة، أنظمة متسلطة، أَو شخصيات مُضِلَّة… أَو أيًّا كان شكلهم، لا بدَّ في التحرّر من سيطرتهم وهيمنتهم إلى أن نصل إلى ما يؤهلنا إلى ذلك، وهو الاستعداد التام للتضحية؛ لأَنَّهم يستخدمون أُسلُـوب الجبروت والظلم والقمع، والاستهداف للناس في حياتهم، والترويع، وارتكاب الجرائم بحق البشر، وسفك الدماء، كأُسلُـوب للسيطرة على الناس، لإخضاعهم، للهيمنة عليهم، لزرع الخوف في نفوسهم، وحينها تصبح حالة الخوف من الطاغوت حالةً تكبِّل المجتمعات لهم، تقيدها عن الحرية، تقيدها عن الاستقلال والكرامة، تقيدها حتى طاعتها لله، فتجعل طاعة أُولئك الطغاة والظالمين والمستكبرين والمجرمين فوق طاعة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”؛ نتيجةَ الخوف الشديد، ونتيجة التهرب الكبير من التضحية، من الثمن الذي قد ندفعه في سبيل أن نتحرّر من طغيانهم وظلمهم وجبروتهم وهيمنتهم وشرهم، وتكون النتيجة أسوأ، تكون الخسارة أكبر، يكون مستوى ما يقدِّمه الناس وهم في إطار الهيمنة، والخضوع، والاستسلام للطغاة والظالمين والمستكبرين، أكبر بكثير مما كانوا سيضحُّون به في سبيل الله، في أن يحصلوا على العزة، والكرامة، والحرية في مفهومها الصحيح، فيتحرّرون من هيمنة الطغاة والظالمين والمجرمين والمستكبرين.
هناك التزامٌ لإقامة العدل، علينا أن نسعى لإقامة العدل، وأن نتصدى للظلم والظالمين، وهذا معناه: أن نكون في مشكلة مع الظلم والظالمين، والظلم والظالمين معنى ذلك: أن يتحَرّكوا لاستهدافنا، لإلحاق الشر بنا، للإضرار بنا، وهذا يستدعي أن نكون على مستوى عالٍ من التجلد، من العزة، من الاستعداد للتضحية، من الإباء، القيم التي ترتبط بالشهادة، مثل: قيمة العزة والإباء، قيم عظيمة، والمبادئ التي ترتبط بالشهادة مبادئُ عظيمة، وفي مقدمتها: التحرّر من هيمنة الطغاة والمستكبرين، وكلها إيمانية، تلك المبادئ مبادئ إيمانية، وتلك القيم قيم إيمانية، فنجد في مسألة الشهادة في سبيل الله، والتربية على الاستعداد لها، والشغف بها، والمحبة لها، والتطلع إليها؛ باعتبَارها فوزاً عظيماً، وباعتبارها مقاماً عاليًا عند الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، ومرتبة كبيرة عند الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، وباعتبارها ضرورةً لالتزاماتنا الإيمانية على المستوى المبدئي، وعلى المستوى القيمي والأخلاقي، ثم على المستوى العملي.
عندما نتحَرّك في كثيرٍ من الأعمال المهمة والأَسَاسية، لا نستطيع أن نتحَرّك بالشكل المطلوب، وأن يكون أداؤنا أداءً فاعلاً، مجدياً، مثمراً، منتجاً، إلَّا إذَا تحرّرنا من قيود الخوف، ومن أغلال المذلة، وامتلكنا الجرأة الكافية للعمل في مختلف الظروف، في مختلف الأوقات، وهذا مما يفيد عندما تتربى الأُمَّــة على الشهادة، وعلى حب الشهادة في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، وعلى الاستعداد العالي للتضحية في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى“.
كما أنَّ الإنسانَ إذَا ارتقى إلى هذا المستوى من الاستعداد للبذل والعطاء، فتترسخ في نفسه روحية العطاء إلى أعلى المراتب، وأرقى المستويات، وحينها يصبح إنساناً معطاءً في هذه الحياة، تجذَّرت في روحيته حالةُ العطاء وروحية العطاء، فيصبح إنساناً خَيِّراً، وعنصراً فاعلاً، وإنساناً مثمراً، ومنتجاً، ومساهماً، وفاعلاً، مصدر خيرٍ لأمته ومجتمعه ومحيطه، وهذه كلها ذات أهميّة كبيرة بالاعتبار الإيماني والإنساني والأخلاقي، فهكذا نجد الثمرة العظيمة من كُـلّ الجوانب، وبكل الاعتبارات، وبكل الحيثيات لهذه المسألة.
ثم إنها أرقى تعبير، وأكبر دلالة على مصداقية الإنسان في انتمائه، في انتمائك الإيماني، في انتمائك الأخلاقي، في انتمائك إلى المبادئ الإلهية، عندما تصل إلى مستوى الاستعداد للتضحية في سبيل الله، ثم إلى مستوى أن تتوفق لنيل ذلك، فتضحي في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، ما قبل التضحية هو الاستعداد النفسي، هو القرار الذي يتخذه الإنسان، هو التصميم والعزم وقوة الإرادَة التي تجعل الإنسان ينطلق وهو حاضر في أية لحظة، في أي ظرف، في أي موقف، في أن يبذل حياته في سبيل الله، في مثل هذا الظرف أنت ستكون الإنسان الذي ينال التوفيق من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى .
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي – خطاب الذكرى السنوية للشهيد 1442هـ