القطاع الزراعي في اليمن خلال حكم الخائن عفاش.. من الاكتفاء الذاتي إلى الاندثار!
// صحافة // صحيفة المسيرة
كان الاكتفاء الذاتي بمحاصيل الحبوب والفواكه والخضروات في سبعينيات القرن الماضي باليمن يتجاوز 96% وكان القطاع الزراعي يعتبر العمودَ الفقري للاقتصاد الوطني آنذاك
الرئيس الشهيد الحمدي أطلق مشروعَ التشجير وكان حريصاً على تدشين الموسم بنفسه وتم في المرحلتين الأولى والثانية من المشروع غرس أكثر من 6 ملايين شجرة في معظم المحافظات
اليمن شهد في عهد الحمدي “اكتفاءً ذاتياً” لا نظير له من المنتجات الزراعية، لدرجة أنه تم إصدارُ عُملة معدنية ذهبية في العام 1974م نقشت عليها عبارة “لزيادة إنتاج المحاصيل الغذائية”.
أنشئت في عهد الحمدي أول محطة للبحوث الزراعية وكذلك معاهد زراعية ومحطة بحوث زراعية وتم تدريب المرشدين الزراعيين وتم إنشاء بنك التسليف الزراعي سنة 1975
القطاع الزراعي في اليمن خلال فترة الخائن عفاش واجه سيلاً جارفاً من الفساد والإهمال وتحديات رسمية دفعته نحو الانهيار
نظام الخائن عفاش كان له دورٌ رئيسٌ في زيادة الجفاف واتساع التصحر وانجراف التربة الزراعية وفي عهده لجأ اليمن إلى الاستيراد للمدخلات الزراعية بتوجيهات أمريكية
المساحة الزراعية في اليمن منذ فترة السبعينيات وحتى عام 2014 تقلصت بمقدار 500 ألف هكتار من الأراضي التي توقفت عن الزراعة أَو اختفت
السفير الأمريكي كان يسيطر على الشأن الاقتصادي في عهد عفاش وكان يرفُضُ تطويرَ الجانب الزراعي أَو الاستثمار فيه بما يخدم اعتماد البلد على نفسه
خلال فترة الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي كان القطاع الزراعي يمثل العمود الفقري لليمن وتم إنشاءُ محطة للبحوث الزراعية وبنك التسليف الزراعي والاتّحادات الزراعية
تبذُلُ حكومةُ الإنقاذ الوطني مساعيَ كبيرةً للنهوض بالقطاع الزراعي وإحيائه من جديد، ويحرِصُ قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في كثيرٍ من المناسبات على شحذ همم المجتمع للتوجّـه نحو الزراعة؛ باعتبَاره أهم القطاعات التي ستشكل رافداً قوياً للاقتصاد اليمني.
وخلال السنوات الماضية وتحديداً في عهد نظام الخائن عفاش مر اليمن بمرحلة ضعف لا نظير لها في التاريخ، وانحدرت البلادُ إلى الهاوية في كافة المجالات؛ بسَببِ التدخلات الخارجية في الشأن اليمني.
وتؤكّـد الكثيرُ من الدراسات أن اليمن لم يمر بضعف إلا حين قل الاهتمامُ بالجانب الزراعي، وفي عهد الحكومات المتعاقبة لنظام عفاش فَـإنَّ الزراعةَ والاهتمام بها وصل إلى مرحلة الإهمال الانحطاط والإهمال المتعمد.
السبعينيات.. اكتفاءٌ ذاتي
ومنذ سبعينيات القرن الماضي كان القطاع الزراعي في اليمن يشغل أكثر من 75% من حجم العمالة اليمنية، وكان الاكتفاء الذاتي بمحاصيل الحبوب والفواكه والخضروات يتجاوز 96%.
وبحسب تقارير محلية، فقد كانت مساحةُ الأراضي الزراعية اليمنية المنتجة في فترة السبعينات تبلغ حوالي مليون ونصف مليون هكتار من مجموع المساحة الكلية للبلاد والتي تقدر بنحو 20 مليون هكتار.
وخلال فترة السبعينيات، اتصف النمطُ الزراعي في اليمن، بسيادة محاصيل الحبوب، حَيثُ شكّل إنتاج الحبوب مكان الصدارة سواء من حَيثُ المساحة المزروعة أَو من حَيثُ حجم الإنتاج، وكانت مساحة زراعة محاصيل الحبوب تشغل نسبة 80% من المساحة المزروعة في البلاد، حَيثُ شهدت فترة الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي للجمهورية العربية اليمنية سابقًا التي لم تتجاوز الثلاث سنوات إنجازاتٍ كبيرةً ومشاريعَ هامة أسّست لبناء الدولة اليمنية الحديثة على الأرض، منها القطاعُ الزراعي الذي كانت له الأولويةُ الهامةُ وبدرجة رئيسية لدي الرئيس الحمدي حتى أصبح ذلك القطاع العمود الفقري للاقتصاد الوطني خلال تلك الفترة.
وخلال تلك الفترة، أطلق الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي مشروع التشجير الذي كان يتم تنفيذُه خلال ثلاث مراحل، وشهدت المرحلة الأولى غرس ثلاث ملايين شجرة في كُـلّ محافظات ومديريات ونواحي اليمن الشمالي، في حين كان المفترَض أن يتم غرسُ ثلاثة ملايين شجرة أُخرى خلال الفترة من 1977 – حتى 1978 غير أن أياديَ الخيانة العفاشية والسعودية طالت الشهيدَ الحمدي وحالت دون إتمام المشروع.
لقد كان الرئيس الحمدي حريصاً في كُـلّ عام على تدشين موسم التشجير بنفسه، بالإضافة إلى دفعِ جميعِ فئاتِ الشعب اليمني للتشجير، بما في ذلك الموظفون في القطاع العام وطلاب المدارس والجامعات وإشراك المواطنين في الأرياف، كما تم إشراكُ كافة أفراد الجيش في عملية الزراعة في تلك الفترة.
ولم يقتصر الأمرُ عند هذا الحد، بل شهد اليمن في عهد الحمدي “اكتفاءً ذاتياً” لا نظير له من المنتجات الزراعية، لدرجة أن تم إصدارُ عملة معدنية ذهبية في العام 1974م نُقشت عليها عبارة “لزيادة إنتاج المحاصيل الغذائية”.
لقد أدركت حكومةُ الشهيد الحمدي أن قطاعَ الزراعة هو القطاع الأَسَاسي الذي لا يتأثر كَثيراً بالتقلبات والعوامل الخارجية والدولية، كما هو عليه الحالُ في المصادر الاقتصادية الأُخرى كالنفط، والسياحة، وغيرها، ولهذا قطع اليمن أوائل السبعينيات شوطاً كَبيراً في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والزراعية في المدن والأرياف، حَيثُ حقّق الناتجُ المحلي الإجمالي معدلَ نمو قدره 7% سنوياً، خلال فترة تنفيذ البرنامج الإنمائي الثلاثي من 1974 حتى 1976، في حين أنه بلغ نسبة 6% سنوياً خلال فترة تنفيذ الخطة الخمسية الأولى من 1976 إلى 1981.
وتشير دراسةٌ قديمةٌ حول تقييم “تجربة الجمهورية العربية اليمنية سابقًا في التنمية الريفية” للدكتور ناصر العولقي، المنشورة في مجلة (دراسات يمنية) العدد 11 مارس 1983، إلى أن مساهمةَ القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي كانت في الفترة 1972-1974 تتراوح بين 50 إلى 55 %. ثم انخفضت مساهمة الزراعة بالناتج المحلي الإجمالي إلى 44% خلال الفترة 1978-1979م بداية حكم عفاش ثم وصلت إلى حوالي 30 % في الفترة 1980-1981، وفقاً لدراسة العولقي.
وَاعتمدت الزراعةُ في الجمهورية العربية اليمنية في معظمها على مياه الأمطار، حَيثُ كانت الرقعةُ الزراعية التي تعتمد على الأمطار تبلغ حوالي 84% من مجموع الرقعة الزراعية بالبلاد، ذلك أن المياه الجوفية والسطحية لا تكفي في ذلك الوقت إلَّا لزراعة نحو 16% من الأرض الصالحة للزراعة.
وبحسب وزارة الزراعة والري، فقد تم إنشاءُ أولِ محطة للبحوث الزراعية أوكل لها إجراءُ البحوث في المجال النباتي في العام 1973، والقيام بتدريب المرشدين الزراعيين لتلبية الاحتياجات من المرشدين المؤهلين للتنمية الريفية. وأنشئ مشروعُ وادي زبيد، وكان من مهامه إجراءُ البحوث الزراعية الخَاصَّة بتلك المنطقة، وتدريب المرشدين الزراعيين لها، وقد أنشأت الدولة آنذاك معاهدَ زراعيةً ثانويةً في مناطق إب ووادي سردد، وباشرت مهمة التدريب الزراعي.
وبعد سنتين من إنشاء محطة البحوث الزراعية، تم إنشاءُ بنك التسليف الزراعي في العام 1975، برأسمال قدرة مِئة مليون ريال، كما تم إنشاء المؤسّسة العامة للحبوب سنة 1976، ومع تعاظم وازدهار الحركة التعاونية في اليمن والتي انطلقت في العام 1972، وتكللت بقيام الاتّحاد العام لهيئات التعاون الأهلي للتطوير في العام 1977.
وخلال تلك الحقبة، كانت الزراعة في اليمن تشكل أولويةً سياسيةً واقتصادية واجتماعية، وأنشأت الحكومة اليمنية عدداً من المؤسّسات والهيئات الزراعية، كما أن القيادة السياسية آنذاك أطلقت مشروعَ “التشجير” العام للمدن اليمنية، والذي خصص تدشينه في الأول من مارس من كُـلّ عام، وتم إنجاز هذا المشروع خلال مرحلتين فقط (المرحلة الأولى والثانية)، حَيثُ تم زراعة 6 ملايين شجرة في كُـلّ محافظات اليمن الشمالي (آنذاك) من العام 1975 حتى العام 1977، في حين أن المرحلة الثالثة منه من 1977-1978 والتي كان مخطّط لها غرس 3 ملايين شجرة، لم تُنفذ؛ نتيجة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي.
وتشير الكثيرُ من الدراسات إلى أن إنتاج الفواكه والخضروات ارتفع نتيجةَ الحماية والدعم والمساندة الحكومية كسياسة انتهجتها حكومة الجمهورية العربية اليمنية سابقًا كأولوية، لحماية الإنتاج المحلي، حتى وصلت إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي. وفق ما تشير وثائق تقارير مجلس الوزراء اليمني لعام 1975.
وشملت أهدافُ القطاع الزراعي في الخطة الخمسية الأولى: تحقيق زيادة صافية في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي لا يقل عن 5,5% خلال سنوات الخطة الخمسية الأولى، والسير في طريق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وتأمين احتياجات الصناعات الزراعية المحلية، والحد من العجز المتزايد في ميزان المدفوعات بالنسبة للسلع الزراعية، ودعم صغار المنتجين الزراعيين، والعمل على تحقيق العدالة والاستقرار في نظام الحيازة والعلاقات الزراعية.
وبحسب البيانات، فقد استهدفت الخطةُ الخمسية الأولى تطوير القطاع الزراعي، باستثمارات بلغت قيمتها 2643,5 مليون ريال، أي بنسبة 14,3% من إجمالي استثمارات الخطة لكل القطاعات، ونفذ منها مبلغ 866 مليون ريال، أي ما نسبته 7,5% من إجمالي الاستثمارات المنفذة خلال الخطة.
ووفقاً للمصادر، كان النمطُ الزراعي في اليمن الشمالي خلال تلك الحقبة، يتصفُ بسيادة محاصيل الحبوب، حَيثُ إنتاج الحبوب مكان الصدارة سواء من حَيثُ المساحة المزروعة أَو من حَيثُ حجم الإنتاج، حَيثُ كانت محاصيل الحبوب الغذائية المختلفة، ومحاصيل القطن، هي أبرز السلع الزراعية التي كانت اليمن تصدرها للخارج بنسبة 63%. وفقاً لتقرير رئاسة مجلس الوزراء، لسنة 1975.
وبحسب المعلومات، كانت أبرز المحاصيل الزراعية الرائجة في اليمن، هي: الدخن والذرة والقمح، والمانجو، والموز، والبابايا، والبطيخ، والحمضيات مثل: البرتقال، والليمون، والكمثرى والتفاح، والخوخ، وأصناف العنب اليمني الشهير. إلى جانب كافة أنواع الخضروات. كما يزرع اليمن البن الأجود عالميًّا، والذي بدأت تجارته حول العالم عن طريق اليمن، وانتشرت في القرن السادس العشر لتبلغ مصر وتركيا وفارس وإندونيسيا وأُورُوبا والأمريكيتين عن طريق ميناء المخاء التاريخي الشهير.
من جانبه، كشف تقرير نمو الإنتاج الزراعي خلال الخطة الخمسية الأولى في اليمن، للفترة من 1975-1981 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء، أن من تلك الفترة؛ وحتى منتصف التسعينيات، وبحسبِ تقارير حكومية أشَارَت إلى تراجع الاكتفاء الذاتي إلى 15% وتدنت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 13% في العام 1994، وهي ما تزال مستمرة في التدني والإخفاق، لدرجة أن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2001 -2010 ظلت متذبذبة وغير مستقرة ما بين 20% إلى 15%، حتى جاءت ثورة 21 سبتمبر وأحيَت القطاع الزراعي من جديد ممثلة بالقيادة الثورية والسياسية.
وبحسب نشرة المستجدات الاقتصادية الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، العدد 38، للعام 2018، يساهم قطاع الزراعة بحوالي 20 % من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليمن، ويشغل قرابة 40,9 % من إجمالي قوة العمل، وينتشر جغرافياً في المناطق الريفية، حَيثُ تتركز جيوب الفقر في البلاد. وخلال السنوات الأخيرة أصبح القطاع الزراعي يوفر قرابة 25 % فقط من الاستهلاك الغذائي في اليمن.
انحسار الزراعة
دخل اليمنُ إلى مرحلةٍ سوداويةٍ بعد اغتيال الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي، وقُضِي على مشروعه الوطني النهضوي في كافة المجالات، ليصبح عفاش هو حجرَ عثرة أمام المشاريع الوطنية على كافة المستويات.
وتراجع الاكتفاء الذاتي مباشرة إلى 15% مع بداية صعود الخائن صالح إلى الحكم، كما تدنت مساهمةُ الناتج الزراعي في الدخل المحلي الإجمالي إلى 13%؛ بسَببِ فساد تلك الحكومات.
وَعبر العصور لم يضعف اليمنُ إلا في تلك المراحل التي قل فيها الاهتمام بالزراعة، وهي مراحل الحكومات السابقة التي أنهت الزراعة.
لقد تعمَّدَ عفاش إنهاءَ وتدميرَ القطاع الزراعي في اليمن بشكل مقصود؛ ولهذا واجه القطاعُ الزراعي في بلادنا في عهد الحكومات السابقة، سيلاً جارفاً من الفساد والإهمال، وتحدياتٍ رسميةً دفعته نحو الاندثار، بدلاً عن استمراره في الإنتاج للحفاظ على الأمن الغذائي للبلاد، حَيثُ شهد تراجعاً كَبيراً منذ السبعينيات.
ويعزو اقتصاديون أسبابَ انخفاض نسبة التنفيذ في استثمارات القطاع الزراعي في عهد حكومة عفاش، إلى عدة أسباب، أهمها: قلة الكوادر الفنية والإدارية، والصعوبة أَو التأخير في الحصول على الأراضي، وقصور التمويل اللازم لبعض المشروعات.
كما تعودُ أسبابُ التدهور والتراجع التاريخي للقطاع الزراعي اليمني في حكومة الخونة إلى عدة أسباب، أهمها: إهمال الدولة للقطاع الزراعي، وتراجع دعم المؤسّسات الزراعية لصغار المزارعين، وتصفية عدد من المؤسّسات الزراعية المملوكة للدولة، وتعرض غالبيتها للفساد الممنهج، وتقليص مهام بعضها مقابل تزايد الأهميّة النسبية للقطاعات الأُخرى كالتجارة والنقل والاشغال والخدمات والرياضة، وتعطيل عمل المؤسّسات الزراعية الحكومية، وضعف التشريعات، وعدم وجود خطط وسياسات عامة لرفد الأنشطة الزراعية، إضافة إلى استيراد الدولة بتوجيهات أمريكية لمدخلات الزراعة الحديثة كالأسمدة، والبذور المحسَّنة التي تسببت في قتل الزراعة وانخفاض الإنتاج في القطاع الزراعي نفسه نتيجة الاستخدام المتباين والضعيف لذلك.
ويضيفُ الاقتصاديون أن نظام عفاش كان له دورٌ رئيسٌ في زيادة الجفاف واتساع التصحر وانجراف الترب الزراعية، نتيجة عدم الاهتمام بالزراعة وعدم تطوير مصادر المياه الموسمية، وقلة بناء وتأهيل السدود المائية وإن تم بناء بعض السدود لكنها تسرب المياه ولم تستفد الزراعة منها.
ويبلغ إجمالي المساحة المزروعة في اليمن اليوم حوالي 1,084,008 مليون هكتار، وفقاً لبيانات جهاز الإحصاء للعام 2017، أي أن المساحة الزراعية في اليمن منذ فترة السبعينيات وحتى عام 2014م، تقلصت بمقدار 500 ألف هكتار (نصف مليون هكتار) من الأراضي التي توقفت عن الزراعة أَو اختفت نتيجة الفيضانات، وتغير المناخ والتصحر وغيرها، مما يجسد حجم الكارثة التي تتعلق بمستقبل الأمن الغذائي في اليمن.
وأخذت الأهميّةُ النسبيةُ للقطاع الزراعي اتّجاها متناقصاً، بشكل لافت منذ 4 عقود لتتشكل بذلك فجوة كبيرة بين نمو هذا القطاع، وزيادة النمو السكاني، الذي يصنف ضمن أكبر المعدلات في العالم، الأمر الذي كان ينذر بمخاطرَ متزايدةٍ على استقرار البلاد نتيجة ازدياد الجوع، وتفشي الفقر، وارتفاع نسبة البطالة؛ بسَببِ فساد الحكومات السابقة
ولأن استراتيجيات التنمية المستدامة تعد في الحقل الزراعي المفتاحَ الحقيقي لتحقيق التنمية الاقتصادية الواعدة والوسيلة الفاعلة للتخفيف من حدة الفقر وتقليل نسبة البطالة في بلادنا التي تتمتعُ بمقومات كبيرة وظروف مناخية تؤهلُها لتحقيق أكبر نهضة اقتصادية زراعية على مستوى الوطن العربي، وهذا ما تشهد به وقائع التاريخ وشواهده على امتداد العصور.
وعلى الرغم من ذلك لم تشهد بلادنا خلال العقود الماضية في فترة الأنظمة الخائنة والحكومات الفاشلة أيةَ رؤية استراتيجية فاعلة تهدفُ لتنمية هذا القطاع والاستفادة منه لتحقيق نقلة نوعية في مجال الاستثمار الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتج الزراعي ومشتقاته لأسباب، أهمُّها افتقادُ الرؤية والحِس الوطني لدى تلك الأنظمة السابقة والمتعاقبة على حكم اليمن من جهة، ورضوخها للمنظمات الدولية التي تسببت في الإهمال المتعمد للقطاع الزراعي الوطني والاعتماد على المنتجات الزراعية الخارجية من جهة أُخرى.
والمتأملُ لمفردات الرؤية العامة لمظاهر التنمية الشاملة وآليات تحقيقها في اليمن خلال العقود الزمنية الماضية يدرك طبيعة ارتهان الأنظمة المتعاقبة على حكم اليمن لقوى الاستكبار العالمي وخضوعها وتبعيتها للإدارة الأمريكية واستراتيجيتها الخارجية في التعامل مع اليمن ذي البعد الاستراتيجي الهام، حَيثُ أسهمت بشكل كبير في خلق فجوة حقيقية بين متطلبات الواقع التنموية وطموحاته في تحقيق الرخاء والاستقرار الاقتصادي والاكتفاء الذاتي من جهة، وحوَّلت الشعبَ اليمني إلى سوقٍ استهلاكية لمنتجات الغرب والمنتجات الوافدة من المناطق والدول الأُخرى، الأمر الذي عطّل جميعَ المشاريع التنموية التي كانت الأنظمة السابقة تتشدَّقُ بها من خلال منابر الإعلام لتلميعِ صورتها أمام أبناء الشعب اليمني المغلوب على أمره حينها.
لم يكن استسلامُ أبناء اليمن لوطأة تلك السياسة غير البريئة في تدمير البُنية الاقتصادية الزراعية المتوارثة منذ عهود الأسلاف عن قناعة، ولكنه كان أمراً مفروضاً واستراتيجية ممنهجةً لإضعاف اليمن والحيلولة دون تحقيقِ نهضةٍ حقيقية تؤهله للفوز بحريته واستقلاله وتحقيق اكتفائه الذاتي من المواد الغذائية كما كان عليه في السابق.
لقد كان السفير الأمريكي يسيطرُ على الشأن الاقتصادي، وهو من يحدّد القطاعاتِ الاستثماريةَ في مجالات لا تخدم مصالحَ البلد، فكان مثلاً يرفض تطويرَ الجانب الزراعي أَو الاستثمار فيه بما يخدم اعتمادَ اليمن على نفسه في المنتجات الزراعية؛ وذلك حتى تبقى البلاد مستوردة لكل شيء وغير قادرة على الاعتماد على نفسها، وكان ذلك بموافقة الحكومات السابقة التي اتَّجهت نحو التناغم والتماهي والتواطؤ معهم، والاسترضاء لهم، في مقابل الحفاظ على المناصب والمصالح الشخصية والمساعدات المقدمة مقابل استيراد المنتجات الخارجية من الدقيق والقمح وغيرة وإهمال القطاع الزراعي (الحبوب) وتدميره.
وكونه منتجاً محلياً فقد شكّل خطراً على السياسة الأمريكية التي تعرف أن مقوماتِ النهضة الاقتصادية في اليمن كبيرة ومتعددة وتتيح لصانعي السياسات الاقتصادية في ظل وجود إرادَة سياسية قوية مجالاً واسعاً لوضع الأولويات والانطلاق من الأهم فالأهم وفق الاحتياجات الوطنية؛ ولهذا فاليمن كان يعاني من تراجعٍ حاد في إنتاج الحبوب الذي يعد العمود الفقري للأمن الغذائي الوطني ويشكل انعدامها أَو قلتها تهديداً مباشراً للأمن القومي؛ نظراً لارتباط الحبوب بأنواعها، ومنها القمح، بأَسَاسيات البقاء.
وتشيرُ الدراساتُ الاقتصاديةُ إلى أن اليمن كان يستورد نحو 95 % من الاحتياجات الاستهلاكية المحلية من القمح من الأسواق الخارجية، وهو ما جعلها عُرضةً للمتغيرات المناخية والسياسية الدولية، فهذا البلد الذي حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي كان يأكل مما يزرع ولم يكن يعتمدُ حتى بنسبة 5 % من احتياجاته على الأسواق الخارجية، أصبح في عهد النظام السابق يستوردُ قرابةَ 3 ملايين طن من مادتي القمح والدقيق من 22 دولة، على رأسها أستراليا وكندا وأمريكا وروسيا، بفاتورة تتجاوز مليارَي دولار سنوياً، بينما مساحةُ اليمن المستغلة زراعيا لا تتجاوز 2 % بعدَ ما كانت خلال السنوات الماضية 3%، وهو ما يتيح فرصاً متعددةً للاستثمار الزراعي في مجال إنتاج الحبوب.
وبحسب مركز الدراسات السياسية الاستراتيجية اليمني، فَـإنَّ غيابَ الإرادَة السياسية الصادقة نحو إنتاج الغذاء وتأمين الاكتفاء هو السببُ الأولُ والفاعلُ في تدهور القطاع الزراعي وإنتاج الحبوب مقابل النمو في إنتاج الفواكه أَو المحاصيل النقدية.
ويضيف المركز أنه لم يحصل القطاعُ الزراعي على الاهتمام الذي حظيت به قطاعاتٌ لا تغني من جوع كالرياضة والشباب وغيرها من القطاعات التي لا تقارن بالزراعة أهميّة، ولا تضاهيها الزراعة في عشر مخصصاتها من الأموال المستثمرة لصالح الزراعة.
ولم تعدم الحكومات السابقة الحُجّـةَ والعذرَ في التنصل من مسؤوليتها أمام المواطن، فكمية الأمطار الهاطلة والتغيرات المناخية، أَو ارتفاع أسعار الوقود، أَو عزوف منتجي القمح والذرة عن زراعتها؛ بسَببِ تدني الجدوى من إنتاجها وغياب قوانين تحمي المنتج المحلي أَو الأسعار التشجيعية التي تعتمدها حتى أكبر الدول تقدماً كانت كافية لذلك.
إضافة إلى قائمة من الأسباب التي لن يُجهَدَ المسؤولُ في توفيرها، يبقى دائماً السببَ الرئيسَ هو غيابُ القرار السياسي، وهو ما يفسر اتّفاقُ الحكومات السابقة مع منظمات أجنبية على عدم الزراعة وتبديد الجهود والإمْكَانات التي سخرت لتوقف هذا القطاع الزراعي؛ لأَنَّ اليمن تعتبر واحدة من ضمن 7 دول في العالم، صُـنـفت على أنها مهدُ الزراعة القديمة، وهذا بحسب تصنيف القبو الدولي للبذور في سفالبارد بالنرويج الذي افتتح في 2008م.
بالإضافة إلى أن العالمَ الروسي الكبير “نيكولاي فافيلوف” الذي حدّد البذورَ اليمنية في أوائل القرن العشرين، ضمن أبحاثه الهامة في مضمار أصول النباتات والبذور، وهو الأمر الذي كشفت عنه مجلةُ “ناشيونال جيوجرافيك” العربية، في عددها العاشر، يوليو 2011.
وقال العالم “فافيلوف”، في أبحاثه: “إن جميع المحاصيل الزراعية التي نأكُلُها اليوم، طورت ونوعت قبل حوالي 10 آلاف عام، في 7 مناطق في العالم اعتبرت بأنها أصلُ منشئ النباتات السبعة المزروعة على الأرض، ومن ضمن تلك المناطق اليمن ومصر والحبشة وأجزاء من أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية، بالإضافة إلى أجزاء من أُورُوبا وآسيا. وهذا ما يوضح عن الدراسات الغربية المستمرة التي تعرفُ عن اليمن كمنطقة زراعية يجب إيقافُها وتحويلُ اليمن إلى مستورد بدلاً عن ما يكون منتجاً.
إضافةً إلى إن خريطة “منشئ المحاصيل المزروعة”، التي وثّقها القبو الدولي للبذور بالنرويج (وهو أكبر بنك في العالم لحفظ البذور من الانقراض)، أوضحت أن اليمن يعد منشئاً لمحاصيل القمح والشعير والشوفان والقطن.
وقديماً، اعتمدت اليمنُ على محاصيلها الزراعية كاحتياطي نقدي للبلد، حتى فترة الخمسينيات، وتشير إحدى المصادر التاريخية أن اليمن إبان حكم الإمامة، اشترت بعض المشتقات النفطية من بينها مادة الكيروسين “الجاز” التي كان يستخدمها السكان لإنارة المصابيح، من الجارة الحاقدة السعودية عن طريق مقايضتها بمحاصيل البن والحبوب عوضاً عن المال.
وما تبقى من إرثِ اليمن الزراعي في الوقت الراهن، يكمُنُ في كونه امتلك بنكاً لحفظِ البذور والأصول الوراثية منذ الخمسينيات (ضمن 1400 بنك بذور في العالم)، والذي يعُرف باسم المركز الوطني للأصول الوراثية، والذي يحتفظ بأكثر من 5000 نوع وعينة نباتية و60 محصولاً زراعياً، وهو يتبع هيئة البحوث والإرشاد الزراعي، التي لم تتعافَ بعدُ من أضرار الفساد والإهمال الحكومي المتعمد خلال فترة النظام السابق.
من جانب آخر فَـإنَّ عدمَ الاهتمام بزراعة أهم محصول وهو القمح والذي يعتمدُ عليه السكانُ بدرجة أَسَاسية في عمل مختلف أنواع الخبز، حَيثُ يتم استيرادُه من الخارج بشكل كبير جِـدًّا، وهذا بدوره جعل من اليمن سوقاً للدول التي تصدّر القمح إلى اليمن، بحيث ساعد ذلك على ازدهار الجانب الزراعي والاقتصادي للدول المصدّرة للقمح وجعل من الشعب اليمني شعباً يعتمدُ على غيره في مأكله، وأدى ذلك إلى عدم الاهتمام بزراعة القمح في بلادنا