المصلحة السياسية وأيديولوجيا “اليهودي الخالص” في ظل التطبيع
موقع أنصار الله || مقالات || طه العزعزي
“تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتآمرون”، هذا النص الذي وجد في سفر (أشعيا: 61/ 5-6)، يؤكّـد حقيقة السياسَة اليهودية الواضحة في تعاملها مع بقية الأمم، سياسة ساعية لأجل نزع مصلحة معينة بالقوة وبالتآمر الكيدي القائم على نسفِ كُـلِّ الحضارات وتجريدها من مبادئها الأَسَاسية وتشويه تاريخها، وسعي حثيث يأتي من قبل اليهود كما هو راهن الآن إلى تخريبِ شعوب الحضارات الأُخرى بما يوافق أن تكون خادمة وطيّعة لليهودية فقط كنزع ثابت.
ليس من فكرة يمكنها أن تكون مقنعة تستطيع أن تقدم اليهودي على أنه سيقبل بفكرة التطبيع، التطبيعُ ذاتُه آتٍ من الأنظمة العربية، كفكرة قاربت فيها أمريكا في عهد ترامب بشكل عملي بين الكيان الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية، ولكن ليس هنالك أَيْـضاً من فكرة يمكنها أن تزيل خوف الإسرائيلي وبشاعة نفسيته ضد العرب، سواء ظهر مفهوم التطبيع أَو لم يظهر.
المجتمع اليهودي ذاته كنفسية ضيقة وكارهة للشعوب ترفض الآخر مهما كان شكله ولونه، لكنها أكثر تكره العربي وتحذر منه وترفض حتى الاعتراف به وترسم له صورة سيئة في الأدبيات الإسرائيلية ومدارس تعليم النشء.
يعتبر مصطلح الأغيار أَو “الجوييم” كما في العبرية هو المصطلح الرائج لدى الشخصية الإسرائيلية، وليس يعني ذلك سوى مدى ما وصلت إليه العنصرية الصهيونية من تعبئة في أوساط المجتمع اليهودي، إن الصغير قبل الكبير يمكنه أن يهذر ويتكلم عن الآخر أَو الأغيار بلغة واطية جِـدًّا وبسخرية لاذعة مهما كان هذا الآخر قريباً أَو بعيدًا عن إطار الواقع اليهودي والحديث المتناول.
الزيارات المتكرّرة لدى بعض العرب من المطبعين لإسرائيل المحتلّة والزيارات الأُخرى الإسرائيلية إلى دول عربية مطبعة نجد أنها أَسَاساً لا تمثّل سوى المصلحة وتحقيقها من قبل طرف واحد، ويمكن له أن يكون الوحيد من حَيثُ أنه استطاع الوصول إلى غاياته، كُـلّ زيارات المطبعين العرب تستقبلها إسرائيل في أماكن الرقص والدعارة وفي منتزهات ساحلية مشبوهة، وبالعكس، زيارات إسرائيل تصل إلى أطهر الأماكن الإسلامية المقدسة وأبرز المآثر العلمية والدينية والتاريخية.
إن جلوسَ العربي إلى جانب الإسرائيلي فِعْلٌ يغضب الشعب اليهودي بأكمله، سابقًا تم تأكيد ذلك كفعل عداء في أَيَّـام النازية، كان مُجَـرّدُ جلوس شخص يهودي مع آخر ألماني شيئاً يوصم بالخيانة، خيانة الشعب اليهودي، وهذا أغرب ما يتوقع، في نظر بعض اليهود الآن تطبيع نتنياهو مع الأنظمة العربية خيانة، إلا أن نتنياهو ذاته يؤكّـد ويطمئن اليهود أنفسهم من جانب يتفق عليه الجميع أن تطبيعه مع الأنظمة العربية لأجل مصلحة الشعب ذاته ولأجل تسخير أموال ذلك “الخادم العربي” كما يتم وصفه في الأدبيات الإسرائيلية لأجل العقيدة اليهودية والكيان المغتصب.
في التطبيع الحاصل الآن والهرولة للتسابق نحو ذلك، يمكننا اعتبارُ السياسة الإسرائيلية شيئاً والأيديولوجيا شيئاً آخرَ أَو طرفاً، صحيح أن هناك قناعة لدى الإسرائيليين أنفسهم بأن مسيرة حربهم المباشرة وغير المباشرة منذ بدء الاحتلال لم تستطع إسرائيل فيها تحقيقَ نصرٍ مثلما أمكن تحقيقه من خلال التطبيع وصفقة القرن في الراهن هذا، الأمر هنا له فوارق كبيرة، بينما تعتبر الأنظمة العربية التطبيع وصفقة القرن سياسة فَـإنَّ إسرائيل ومواطنيها يعتبرون ذلك نصراً على العرب كنتيجة حروب سياسية اقتصادية وعسكرية، الأيديولوجيا هي من تؤكّـد لهم ذلك، فالأيديولوجيا اليهودية نفسها لن تقبل بالتطبيع مع العرب بينما المصلحة السياسية ستقبل بذلك، وستعتبرها خطةً ضمن حرب، ومضياً باتّجاه إما نصر أَو هزيمة.
المرض الأخلاقي أكبرُ الأمراض التي أصابت المجتمع اليهودي، واستعصاءُ وجود حَـلٍّ لذلك سببٌ ناتجٌ عن الثقافة والمرجعية اليهودية ذاتها، مهما تباعد الزمن بين الأجيال اليهودية، إلا أن الفكرة نجدها في مراحل فكرة مختمرة وواحدة وعملية أَيْـضاً، لا يمكن ليهودي اليوم رفع راية بيضاء في وجوه الأغيار من حوله، لقد نشأ على أنه الوحيد صديق نفسه وصديق حضارته وابنها، بينما الآخرون من شعوب وحضارات أعداء، وأيُّ أعداء؟!، هم أعداء له بالتحديد.
إن أحد تصريحات حاخامات القيادة المركزية لإسرائيل تقضي بتطهير الآخر، سواءٌ أكان مدنياً أَو عسكريًّا مسلحاً محارباً أَو صديقاً، المهمُّ في ذلك هو كونيته المغايرة التي لا تنتمي لليهودية في شيء؛ لذلك يذهب الحاخام ابراهام أفيدان في تصريحه للجيش الإسرائيلي إلى أنه “يجب عليكم قتل أفضل الأغيار”، والفكرة المبرّرة التي يدفع بها حاخامات اليهود ومفكروهم هي عدم الثقة والخوف من الآخر لتربية السلوك والوصول إلى أرضية عاطفة يهودية صلبة جِـدًّا.
لقد حجبت الخلفيةُ السياسية لظاهرة التطبيع أقنعة كثيرة، ووسيلة الاحتلال في توطين نفسه في المنطقة غاية لتطويع فكري، فالبنيوية العقائدية التي تقوم عليها الشخصية الإسرائيلية وتطفح بها على نحوٍ عنصري لأمرد من ممارستها كفعل نفسي في وجه العرب المطبعين لإسرائيل المحتلّة ضمن اعتبار ميكانزمات الدفاع عن الجوهر لليهودي الخالص والمختلف.