الدرس التاسع من دروس رمضان

دروس من هدي القرآن الكريم
سورة البقرة
من الآية (185) إلى الآية (214)
[الدرس التاسع]
 
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 9 رمضان 1424هـ
الموافق: 3/11/2003م
اليمن – صعدة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
في الآيات التي ذكر الله فيها تشريع الصيام ذكر بالنسبة لشهر رمضان أنه الشهر {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}(البقرة: من الآية185) ويدل على عظمة القرآن الكريم وأهميته أن يكون الشهر الذي أنزل فيه هو موضع عبادة، هي تعتبر ركناً من أركان الإسلام وهي الصيام.
بمناسبة نزول القرآن في شهر رمضان أصبح شهر رمضان شهراً مقدساً وشهراً عظيماً وهذه الأهمية، أهمية القرآن الكريم هي تتمثل في أهمية وعظمة البينات والهدى التي هي مضامين، وهي الغاية من إنزاله، والبينات والهدى هي في الأخير لمن؟ للناس. فيدل على الحاجة الماسة، الحاجة الملحة بالنسبة للناس، حاجتهم إلى هذه البينات، وهذا الهدى. أن تكون الفريضة التي فرضت في هذا الشهر العظيم هي الصيام، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، يدل على أن هناك علاقة ما بين الصيام، وما بين القرآن الكريم من حيث أن ما في القرآن الكريم من البينات والهدى، أن الالتزام بهذه البينات والهدى، أن القيام بالدين على أساس هذا القرآن العظيم يحتاج من الإنسان إلى أن تكون لديه قوة إرادة، وكبح لشهوات نفسه، وترويض لنفسه على الصبر، وعلى التحمل.
فالصيام له أثره في هذا المجال، في مجال ترويض النفس. لأنك في أثناء نهار شهر رمضان تكبح شهوات نفسك، وتعود نفسك الصبر، والتجلد، والتحمل، تعود نفسك أنك أنت الذي تسيطر عليها، أنك الذي تسيطر عليها. فمن المهم جداً بالنسبة لنا عندما نصوم في شهر رمضان، عندما نصوم أن يستشعر الإنسان هذه الغاية من شرعية الصيام، يستشعر أنه يتجلد، ويتصبر، ويتحمل، ليعلم نفسه، يعلمها أنه هو الذي سيسيطر عليها بناءاً على توجيهات الله، بينات الله، هدى الله. تعود نفسك أنت الذي تقهرها، وتخضعها لهدى الله وبيناته. لا يكون شهر رمضان ندخل إلى هذا الشهر بعفوية، ونخرج دون أن نحسس أنفسنا بأننا قد قهرناها، من خلال نهار شهر رمضان، عندما نحس بالجوع، عندما نحس بالعطش نقول: لا. أليست هذه عملية تسلط على النفس؟ نوع من الترويض للنفس؟ وللجسم بكله على الصبر؟.
لأنه هكذا بالنسبة للقرآن الكريم، بالنسبة لبينات الله وهداه، يحتاج من الإنسان إلى أنه يخضع نفسه في مجال الاستجابة لها، والالتزام بها، والقيام بها، وهي تعتبر فترة قصيرة بالنسبة للسنة، شهر واحد من السنة، كلها تعتبر فترة قصيرة. ولهذا شرع أيضاً على سبيل التطوع صيام أيام أخرى، كصيام الست الصبر، وصيام الثلاث البيض من كل شهر، إضافة إلى أن الصيام كما يذكر الأطباء: أنه له فوائد كبيرة من الناحية الصحية. ومعنى هذا: بأن دين الله يتناول بناء الإنسان من كل جهة، أن في تشريعات الله ما الهدف منها أو من أهدافها: الجانب الصحي بالنسبة لجسم الإنسان، والجسم الصحيح، والجسم السليم، أو نقول: الصحة، وسلامة الجسم هي أيضاً هامة في مجال الالتزام بهدى الله، في مجال العمل في سبيل الله، في إقامة دين الله. هذه تساعدنا على فَهم: أن مسألة المرض، أنه لا يصح أن نقول دائماً: المرض، كل مرض ننسبه إلى الله، ونحن نرى في تشريعاته ما هي ذات أهمية كبرى في مجال صحة الجسم.
نحن نرى في تشريعاته ما هي بحاجة للنهوض بها إلى أجسام صحيحة وسليمة، كالجهاد في سبيل الله، هذه متنافية مع أن نقول: أن الله هو الذي يصب الأمراض صباً على الناس، أو الإنسان المؤمن، علامة أنك مؤمن عندما يصب الله عليك الأمراض، والمصائب صباً صباً كما في بعض الروايات. ولهذا تجد أن كثيراً من الأشياء الموجودة في هذه الأرض من النباتات، والمعادن، وحتى الشمس والهواء، يكون لها أثر كبير. أعني: تعتبر أدوية، نسبةً كبيرةً جداً من الموجودات في محيط الإنسان فيها أدوية، هي نفسها تدل على أنه مراد للإنسان أن يكون جسمه سليماً، أن يكون صحيح البدن.
لأن كثيراً من المسؤوليات في دين الله تحتاج إلى هذا الشيء، إلى صحة الجسم، إذا كان الجسم منهك تتأثر أيضاً في الغالب. أعني بالنسبة لغالب الناس، تتأثر حتى اهتمامات الإنسان، تقصر نظرته، يكون قريباً من الملل والضجر. إذا كان جسمه سليماً كانت ذهنيته صافية، متفتحة. وفي نفس الوقت تعتبر صحة الجسم نعمة كبيرة على الإنسان، نعمة كبيرة. ويجب أن يعرف أي إنسان منا بأنه، أي نعمة هو فيها بما فيها نعمة الجسم، نعمة صحة البدن، أنه يترافق معها مسؤولية. إذا كنت ذكياً، إذا كان لديك حافظة قوية، إذا كان جسمك سليماً فهي تعتبر نعماً يجب أن توظفها في سبيل الله. ودين الله سبحانه وتعالى، والعمل في سبيل إعلاء كلمته مجال واسع جداً يستوعب كل القدرات، ويستوعب كل المواهب، وهذا من النعمة الكبيرة على الإنسان: أن يكون متمكناً من أن يوظف كل طاقاته في مجال تعتبر عائداته كلها له في الدنيا وفي الآخرة، أليست هذه نعمة كبيرة؟.
إذا لم يتذكر الإنسان هذه النعمة قد يحصل العكس، إذا كان ذكياً، إذا كان عنده نفس طموحة، وذكاء في نفس الوقت، هي حالة إيجابية، إذا وظفها في هذا المجال، إذا لم يوظفها في هذا المجال، إذاً أصبح معرضاً قد يتحول ذكاؤه إلى شر عليه، وعلى الناس، قد يتحول إلى منافق، وغالباً ما يكون المنافقون من طبقة الأذكياء، في الغالب ما يكون المنافقون من طبقة الأذكياء، أما الغبي المسكين هو لا يستطيع بأن يكون عنده خبرة في مجال الذكاء والتضليل أو الخداع، أو أشياء من هذه. لكن الغبي يكون ضحية هذا، متى ما أصبح الذكي منافقاً كان الغبي نفسه عُرضة لأن يضل، لكن بالنسبة لمن نقول: غبي هو في الواقع إنسان قابل لأن تتطور معارفه، وتتفتح ذهنيته، أن يعطيه الله نوراً فيتحول إلى إنسان فاهم، إلى إنسان ذكي.
إذا توجه، ومسألة التوجه هي قضية يعرفها كل إنسان، الذكي من الناس، والبسيط في ذكائه يستطيع أن يفهم، أن يكون مخلصاً لله، أن يكون مستجيباً لله، أن يلتزم بهدي الله، حينها سيحصل على ما وعد الله به من كان على هذا النحو {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}(الأنفال: من الآية29) {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ}(الحديد: من الآية28) بنوا إسرائيل عندهم نوع من الذكاء، باقي المؤهلات، باقي مؤهلات، وراثة الكتاب، عندهم نوع من الذكاء، لكن لاحظ كيف أصبحوا يمثلون شراً كبيراً على البشر، وعلى أنفسهم في المقدمة، عندما لم يوظفوا ذكاءُهم في الاستجابة لله، وفي العمل في سبيل الله.
العمل في سبيل الله هو بالشكل الذي تزداد أنت فهماً، ومعرفة، وذكاء، وفطنة أعني: ليست عملية تقول: أنها تستنفد طاقاتي. هذه من الأشياء العجيبة في دين الله قد تكون كثيرٌ من الأعمال مثلاً، كثيرٌ من المهام، تستنفد طاقاتك، أما العمل في سبيل الله فهو بالشكل الذي تتنمى معه، وتنموا معه مواهبك، طاقاتك فعلاً. أليست هذه نعمة أيضاً كبيرة؟ نعمة أخرى كبيرة جداً. لهذا قال في الأخير: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}(البقرة: من الآية185) تعظمونه، وتكبرونه، وتجلونه، وتقدسونه على هدايته لكم، على ما هداكم إليه. هذه تعني: بأن الإنسان كلما وجد شيئاً من هدى الله، يجب أن يستحضر في ذهنيته: أن يكبر الله على ما هداه إليه، مهما بدت القضية كبيرة أمامك، يحاول كل إنسان أن ينسف من ذهنيته استثقال أي شيء، لا.النظرة الصحيحة هو في مقابل ما يبدوا وكأنه شاق، ما يبدو وكأنه صعب، ما يبدو وكأن النفس تحس بنوع من العنا في سبيل أدائه، يجب أن تلحظ بأنه من النوع الذي يجب أن تكبر الله على ما هداك إليه.
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة: من الآية185). ليس هناك في دين الله، ليس هناك في ما هدى الله الناس إليه، ما هو خارج عن هذه القاعدة، وعن ما يجب أن تنظر إليه على هذا النحو، ما هي القضية التي يمكن أن تجعلها مصيبة؟ كل تشريع من تشريعات الله، كلما هدى الله الناس إليه هو كله من هذا النوع، من النوع الذي يجب أن تكبر الله على أن هداك إليه، وتشكره يعني هذا في الأخير: أنه نعمة كبيرة عليك، نعمة كبيرة عليك. أليس الصيام يبدو وكأنه يريد أن نجوع ونظمأ طول النهار؟ فتنظر إليه بأنه يعني: قضية مصيبة علينا؟ لا. يجب أن تكبر الله على ما هداك إليه، أن شرع لك هذه الفريضة لأنه عندما يشرع شيئاً لك، ويشرع لعباده، فكل ما يشرعه لهم، كلما يهديهم إليه، كلما هو نعمة كبيرة جداً عليهم، نعمة عظيمة جداً عليهم.
الصيام له أثر فيما يتعلق بصفاء وجدان الإنسان، وذهنيته، ويحس الإنسان في شهر رمضان، أليس الناس يحسون وكأنهم أقرب إلى الله من أي وقت آخر؟ هذه فرصةً للدعاء، تلاحظ كيف أن الصيام مهم فيما يتعلق بالقرآن الكريم، القرآن الكريم مهم فيما يتعلق بمعرفة الله حتى يجعلك تشعر بالقرب من الله سبحانه وتعالى.
إذاً فمن الإيجابيات الكبيرة له: أن تلمس في نفسيتك صفاء لذهنك، مشاعرك مشاعر دين، مشاعر قرب من الله، أن تدعو الله سبحانه وتعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}(البقرة: من الآية186). هذه من النعم العظيمة لا يحتاج الإنسان أولاً يبحث عن جهاز اتصال، يبحث كم الرقم التابع للسماء الفلانية، أو تحتاج إلى أن تصعد إلى أعلى قمة من الجبال تدعوه. أينما كنت، وفي أي وضعية كنت، فهو قريب منك. هذه من الأشياء التي ينفرد بها المؤمنون، ينفرد بها المؤمنون عندما يكونون بالشكل الذي ينقطعون عن تولي أي طرف آخر إلا تولي الله سبحانه وتعالى، ومن أمر بتوليهم في سبيل توليه، أو كمظاهر لتوليه لأن الناس يتولون من هو قريب منهم، من ليس هناك حجاب فيما بينه وبينهم، من يسمعهم في أي مكان كانوا، وفي أي وضعية كانوا {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(البقرة: من الآية186). كل داع وليس نقول: القبيلة الفلانية.. يتجمعون، ويكلفون واحداً لأنه سنحتاج لذلك نتجمع كلنا لأنه لو أن كل واحد يدعو من عنده، وكل واحد يدعو بحاجته، وكل واحد يدعو بكذا، ربما تختلط. الله سبحانه وتعالى هو عليم، وحكيم لا تلتبس عليه الأصوات.
{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(البقرة: من الآية186) أي داع، وكل داع بمفرده. عندما ترى الناس في عرفات، هذه من الآيات العجيبة، وهي من مظاهر سعة علم الله، والناس في عرفات يدعون، كل واحد يدعو بلهجات متعددة، وبلغات متعددة، وأصوات مختلفة، وكل واحد يدعو! لو تسجل مجموع أصواتهم لما عرفت أنت ربما كلمة واحدة تميزها تسمع ضجة فقط. {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(البقرة: من الآية186) هذا تذكير للإنسان كإنسان، الفرد الواحد من الناس، أن يعرف بأن بإمكانه أن يدعو الله وهو قريب منه، لا يحتاج لأن يتجمع مائة شخص ثم نقول: نريد نكلف واحداً يمثلنا من أجل يدعو لنا، فإذا دعونا كلنا فإنه لن يسمعنا، لا.
{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}(البقرة: من الآية186). هذا الأساس في إستجابة الدعوة، وهي قضية منطقية، أعني قضية طبيعية، هي الحق، أنك تريد من الله أن يستجيب لكل ما تدعوه به، وأنت في نفس الوقت لا تستجيب له! هذه ليست قضية صحيحة. {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}(البقرة: من الآية186) فيما دعانا إليه نستجيب له، ومما دعانا إليه، أن ندعوه. الدعاء هام، الدعاء يجعل مشاعرك قريبة من الله، الدعاء يعبر عن أن نفسيتك في حالة مستمرة في الالتجاء إلى الله، والتوكل على الله، والاستعانة بالله.
الإنسان الذي يذهل عن موضوع الدعاء معنى هذه بأنه ماذا؟ مسيطر على مشاعره نسيان الله، عندما تكون ذاهلاً عن الدعاء لله ألست بطبيعة الحال في كثير مما يمر بك ستتلفت يمين وشمال وإلى الناس، وإلى الناس كيفما كانوا، وتكون حريصاً على أن تقضي حاجتك ولو على يد إنسان لا يقضي حاجتك إلا بما يقابلها من دينك؟. فعندما يكون الإنسان منقطعاً إلى الله، ويدعو الله باستمرار، وكلما مر به من ظروف، كلما مر به من مهام، في كل أمر من أموره، في كل قضية من قضاياه دائم الالتجاء إلى الله، هذه نفسها تمثل حالة من الاستغناء عن أطراف ربما قد يكون رجوعك إليهم فيه إذلال لك، وفيه بيع لدينك، وفيه دخول في باطل.
{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي}(البقرة: من الآية186) مسألة الإيمان بالله كما نقول أكثر من مرة: الناس جميعاً مؤمنون بالله، مؤمنون بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله، وأن الذي خلقنا هو الله، وأن الذي يدبر شؤوننا هو الله، لكن يوجد هنا مطلب في الآية هذه، وآيات أخرى، تذكير بأن المطلوب إيمان حقيقي، وإيمان واعي.
أنت عندما يقول الله سبحانه وتعالى لك: أن تؤمن به، أن تؤمن ماذا؟ يعني أنه إلهنا. وما يترتب على هذه القضية من أشياء كبيرة في علاقتك به، وفي علاقتك بالحياة هذه كلها، أنه الإله، أنه الملك، أنه رحيم، أنه عزيز، أنه قوي، كلما تعني أسماؤه الحسنى، إيمان عملي، إيمان واعي. هذا الإيمان الذي يجعلك بشكل تنقطع إلى الله سبحانه وتعالى، وتنطلق بقوة في هذه الحياة، عندما يدعوك إلى أن تنصره كما قال سبحانه وتعالى في آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14). أليست هذه دعوة من جهة الله يريد منا أن نستجيب له فيها؟ هي قضية، قضية الاستجابة متوقفة على نسبة الإيمان لدي ولديك، الإيمان به. فإذا كنت مؤمناً حقيقة بالله سبحانه وتعالى، بأنه هو ملك السماوات والأرض، وله ما في السماوات وما في الأرض، وهو الغالب على أمره، وهو القاهر فوق عباده، وهو القوي، وهو العزيز.
الإيمان الواعي سيجعلك تنطلق، تنطلق في سبيله، لأنك تعرف أنه دعاك من هو أقوى من كل قوي، وأعز من كل عزيز، وأكبر من كل كبير، ومن هو غالب على أمره، والقاهر فوق عباده. هنا علاقة هامة جداً، وعلاقة متينة بين الاستجابة والإيمان به. الاستجابة متوقفة على الإيمان به.
إذا كان هناك ضعف في موضوع معرفة الله سبحانه وتعالى، جهل بالله فيما تعنيه أسماؤه الحسنى، فيما يعنيه إيماننا به، هذا يؤثر على الاستجابة لاشك في ذلك، يؤثر على الاستجابة. كلنا نقرأ، وكلنا نؤمن بقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14). هل هناك أحد ينكر هذه الآية؟ لكن لماذا لاتصل الإستجابة! لأن هناك ضعفاً في موضوع الإيمان به ولهذا قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة: من الآية186) لاحظ هنا كلها إيجابيات، كلها أشياء هامة جداً، الغاية من ورائها كلها للناس.
الصيام، هناك قال فيه: {لَعَلَكُمْ تَتَقُوْن}. ويقول فيه: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة: من الآية185) يذكر بأنه نعمة كبيرة عليك، والاستجابة له، والإيمان به لعل الناس يرشدون {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. هل هناك شيء يعود على الله من كل هذه؟ لا. حتى ولا الإيمان به سبحانه وتعالى لا تكون الغاية منه، أو ليست نتيجة هي أن الله سيستفيد من ذلك. يعظم سلطانه، أو أشياء من هذه! هو غني عن عباده، الله هو غني عن عباده جميعاً. الأمر بالاستجابة هنا مطلقة {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} أي كل ما دعانا إليه نستجيب له فيه، الاستجابة الجزئية لا تحقق الرشد {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} لأن كلمة: {يَرْشُدُونَ} كلمة واسعة، في كل حركتهم في الحياة، في حركتهم في سبيل إقامة دين الله، في كل أمورهم، رشد في الدنيا، للدنيا وللآخرة.
لا تأتي الاستجابة الجزئية إلا بسبب ضعف في الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ولهذا قد يعدل الكثير من الناس مستعد أن يصلي، لأن الصلاة لا تمثل خطورة بالنسبة له، وربما لو وصل الحالة أن تصبح الصلاة خطيرة لتجنب الصلاة ويقول: يصلي على الحالة وبأي طريقة! وهكذا! القضايا الأخرى التي يراها وكأنها تبدوا صعبة سببها ضعف، أو عدم فهم لما يجب أن تكون عليه في نظرتك أمام كل ما تهدى إليه، وكلما تدعي إليه الآية {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة: من الآية185).
يجب أن تفرح، ولاحظ الناس الذين هم فاهمون فعلاً القضية هذه كيف قال الإمام علي في موضوع الجهاد الذي يعتبره الناس مشكلة ومصيبة وحِمْل قال: ((أما بعد: فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحة لله لخاصة أوليائه)) أليس معنى هذه بأنه شيء عظيم جداً؟ فعندما لا تكون هذه النظرة موجودة عند الإنسان ستكون القضية معكوسة عنده، مشكلة، ومصيبة. عندما يكون إيمانه ضعيفاً بالله تكون استجابته جزئية لأن معناه: أنه ليس واعياً بما يترتب عليه إيمانه: بان الله قوي عزيز.
ألم يقل الله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: من الآية40). عنده [والله أما هذا لا نستطيع ولا جهدنا.. نحاول نستجيب في الأشياء التي تبدوا سهلة] لكن الله سبحانه وتعالى كما نقول أكثر من مرة قلنا: يجب على كل واحد أن يفهم أنه لا يمكن أن يكون ذكياً أمام الله، لا يمكن أحكم على شيء، لا يمكن يعمل مثلما يقولون: [يدخل الجنة بحيلة] يتحيل ودخل الجنة! الجنة معها مقارب، لكن ليس فيها حيل، يقول واحد: [يمكن يجمع له حسنات من أطراف] هذه التي ليس فيها خطورة، ولا فيها بذل لأنفس، ولا لمال، ولا خوف، ولا.. هناك ربط قبولها بالأعمال الأخرى، تكون أنت صفر في الأخير، لا يوجد معك شيء.
هنا أمكن لواحد يتحيل على الباري؟ أمكن أن يكون ذكياً أمام الله؟ لا. وإلا ستكون حيلة كبيرة. يقول: [لا نستطيع، سنحاول، المهم الجنة، سنحاول نجمع لنا حسنات من هنا، ونتوكل، ونترك أولئك يجاهدون هم ويتعبون، وسنلتقي في الجنة، ويكونون قد تعبوا ونحن دخلنا ولا لقينا أي عناء، ولا لقينا أي تعب] ألا تكون هذه حيلة كبيرة؟ لا يمكن.
توطين النفس على الاستجابة لله، وعمل الإنسان، واهتمامه بأن يعرف الله معرفة واسعة قضية أساسية في أن يكون راشداً، سواء أنت كنت عالماً، أو كنت متعلماً، أو كنت من عامة الناس. فمن يتجه لإرشاد الناس وهو بهذه الحالة: الاستجابة الجزئية، فليتأكد بأنه لا يصح أن يسمي نفسه مرشداً، ولا يصح أن يسميه الناس مرشداً. فعلاً هذا ليس مرشداً، هو يرشد إلى أشياء لن تنفق! هل هذا مرشد؟ هو يرشدك في الأخير إلى أشياء لن تنفق له إلا بالأخرى، هو في نفسه لا يسترشد، لا يهتدي، وإنما فقط يمكن أن يسمي نفسه مرشداً، يسمي نفسه عالماً، يسمي نفسه معلماً، الآخرون كذلك يسمونه! لكن هنا {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة: من الآية186) فتكون مرشداً حقيقة عندما ترشد، وتسترشد حقيقة، عندما تسمع مرشداً، عندما تسمع شيئاً من هدى الله هنا ستستفيد.
ثم يذكر سبحانه وتعالى فيما يتعلق بموضوع الصيام: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}(البقرة:187).
هذه القضية يجب أن نأخذ منها عبرة، أن نأخذ منها مثلا،ً فعندما تجد الموضوع هو موضوع صيام. وهذا الصيام كان فيه قضية على أساس: أنه مازال الصيام متوارث، لأن الصيام هو مشروع في دين الله للأمم السابقة {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة: من الآية183) فهنا مظهر من مظاهر رحمة الله.
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} لأنه {كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}. في المسالة أمام صيام، يجب أن نأخذ من هذا بأنه أمام ما هو أشد صعوبة من الصيام، أن رعاية الله تكون أكثر، أن رعاية الله للناس تكون أكثر فعلاً. لأنه هو سبحانه وتعالى الذي شرَّع الصيام، والذي شرع الجهاد. فعندما تجد بأنه أحل للصائمين في ليل رمضان ما كانت على أساس الصيام من الأول ممنوعة، أليس هذا نوع تسهيل؟ أليس هذا نوع تسهيل له علاقة بماذا؟ بعملية الصيام تبدوا سهلة، ليكون أداؤها سهلاً، فيبدوا صيام شهر رمضان قضية سهلة، أن يعرف الناس: أن الله سبحانه وتعالى هو يعرف حاجات الإنسان، يعرف متطلبات حياة الإنسان، فعندما يقول لعباده: أن يكونوا أنصاراً له، أليس الكثير منا يأتي يقدم قائمة طويلة عريضة! [لكن إحنا وما معنا وكيف يعمل واحد وأموال واحد يصعب عليه مفارقتها وقد يحصل وقد وقد] وأشياء من هذه.
هذه أشياء الله يعلمها، هو يعلمها من قبلنا، وهذه أمثلة بأنه يعمل أشياء كثيرة، هي تسهيلات في سبيل أن يؤدي الناس ما دعاهم إليه، وما أمرهم به، وقضية يشهد الواقع لها، قضية يجب أن نؤمن بها، ويشهد الواقع لها، وفيها وعود إلهية، {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}(الأنفال: من الآية26) أليس الله يعلم حاجات الإنسان؟ يعلم أنه مخلوق يحتاج إلى أن يأكل ويشرب، يعلم أنه مخلوق ضعيف، يحتاج إلى عون في مجال أن يؤدي ما أمره به، هذه سنة إلهية.
إذاً تجدها في الصيام على هذا النحو، وهكذا في بقية الأشياء بما فيها العنوان الكبير الذي يبدوا كبيراً أمام الناس، الجهاد في سبيل الله.
يقول أيضاً: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}. لا تكون القضية فقط هكذا. بل ينبغي أن تكون أنت تريد: أن يرزقك الله أولاداً، وقضية الاهتمام بأن يكون للإنسان أولاد، هي قضية موجودة في القرآن الكريم، نبي الله إبراهيم قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}(البقرة: من الآية124) {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}(البقرة: من الآية128). نبي الله زكرياء دعا الله أن يرزقه ذرية طيبة، لأن الأولاد عندما يكونون صالحين نعمة كبيرة على الإنسان، ولأنك في قضية تفرح بأي واحد، فكأنك تتمنى أن معك عشرة في سبيل أن تعمل في سبيل الله، وتعمل في إعلاء كلمة الله. أليس الواحد منا يتمنى أن يكون معه أكبر عدد ممكن.
إذاً فإن الله قد جعل سُنة، سُنة التوالد هذه، سُنة التناسل يمكن أن يكون منك أنت خمسة، ستة، عشرة رجال، وأنت تفرح بواحد من هنا، وواحد من هنا. فإذا الإنسان لديه اهتمام بدين الله، سيكون بالشكل الذي يفرح، يفرح بأن يكون له أولاد، وعلى أقل تقدير سيكون أولادك يتوجهون لك، إذا كان هناك آخرين لا يتوجهون لك إلا بصعوبة حتى يصلح لك واحد، ربما خمسة، ستة أولاد يصلح لك ولو أكثرهم على الأقل، أليست أنعماً كبيرة؟.
كان العرب في أيام الصراع القبلي فيما بينهم حريصين جداً على الأولاد متى ما جاء له ولد يبشرونه [ويهنيك الفارس]. لأن واحد يعتبر مكسباً كبيراً، ماذا في ذهنيته؟ عندما يصارع قبيلة أخرى وعندما يغزوا قبيلة أخرى.
فالإنسان الذي لديه اهتمام بدين الله، وعنده روح جهادية يفرح بأن يكون له أولاد، فتكون القضية مسيطرة على مشاعره وهو يباشر أهله، يباشر زوجته أنه يطلب ما كتب الله، ما سهل الله، وما يسر من أولاد.
{وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}. لا يحصل التضايق من الأولاد، لا يريد واحد أولاد إلا عندما لا يكون هناك اهتمام في نفسه بدين الله وإلا ما هو الولد بالنسبة لك؟ فارس أليس فارساً؟ مجاهداً في سبيل الله؟ أليس المفروض أن تفرح؟ ولهذا أبيح للناس أن يتزوج الواحد بأربع عسى يجيء لك من أربع خمسة عشر رجلاً يجاهدون في سبيل الله، يعبدون الله، مكسب كبير لك أنت.
عندما قال نبي الله إبراهيم: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}(البقرة: من الآية128). إجعلنا، وهما إثنان، يتمنى أن يكون هناك مسلمون لله كثير، لحبه لله، يتمنى أن يكون هناك عُبّاد كثيرون لله، وعاملون كثيرون في سبيل الله، وفيما يرضي الله، تجد أنت مثلاً تحب شخصاً معه عمل معين، ألست ترغب أن تبحث عن أحد معك في مجال يرضي الشخص الذي أنت تحبه؟ الإنسان الذي يحب الله، الذي يهتم بدين الله، تكون روحيته هكذا، يفرح أن يكون له أولاد، ولا يصدق واحد المحاولات التي يطرحونها لتقليل النسل، هذه عملية المقصود منها تقليل نسل المسلمين، تَبَيّن في نفس الوقت أهمية مثل هذه الآية بالنسبة للمسلمين {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، أليس الآخرون يريدون أن يضربوا، يقطعوا ما كتب الله لنا؟ لأنه إذا قل النسل أمكن أن يقضوا على الحاصلين بأعمال كثيرة حتى يصبحوا أقلية، لكن قضية النسل هذه قضية عندهم مزعجة، وموضوع النسل لا يكون عندك أنه مثلاً في هذا الشهر قد يأتي مثلاً زوجتك تبدأ تحمل في الشهر الفلاني، في الشهر الذي أنت فيه، يمكن بعد خمسة عشر سنة! أحيانا قضايا الصراع يجلس الناس يتصارعون ثلاثين سنة، خمسة عشر سنة ما تدري إلا وهذا رجال وفي نفس الميدان.
الآن الفلسطينيون كم صراعهم؟ كم من السنين صراعهم مع إسرائيل؟ أليس الآن الذين هم يقاتلون ربما هم أبناءُ أبناء الذي شاهدوا دخول اليهود هؤلاء العصابات اليهودية أبناء أبنائهم أحفادهم خمسون سنة من الصراع. عندما يقولون: هذا يشكل مشكلة، تغذيتهم وتربيتهم وأشياء من هذا، لا. المشكلة كلها من عند القائمين على الناس، من عند من يحكمون الناس، هم الذين يكونون بشكل يجعل الفساد ينتشر فتقل البركات، تكون خططهم الاقتصادية فاشلة، ليس عندهم اهتمام بالناس، ليس عندهم خبرة في رعاية الناس، لاتربوياً، ولا غذائياً، وإلا فالله سبحانه وتعالى قد جعل الأرض واسعة، جعلها واسعة، ثم إنه بالنسبة للشعوب، بالنسبة للأمم، غير صحيح بأنه إذا ازدحم الناس، أصبح شعب من الشعوب عدده عشرين مليون بأنه سيكون شعباً ضعيفاً. لا. بل يقولون فيما يتعلق بالنمو الإقتصادي: أن الشعوب الكبيرة تصبح هي سوق، هي سوق لنفسها، سوق استهلاكية هي، إذا أنت شعب صغير مثلاً عدده مليون أو مليونين ونصف، وعندك قدرات رأس مالية، عند أفراد فيه رؤوس أموال كبيرة، يُصَنِّع قليلاً واكتفى السوق التابع له، يحتاج يحاول كيف يبحث عن أسواق أخرى، لكن لاحظ [الصين] مثلاً مما ساعد الصين على نهوضها ما هو؟ سوق عالمية في نفس البلد، مليار وزيادة يعني: سوق استهلاكية كاملة، تنهض الشركات، وتنهض المصانع، وتنهض رؤوس الأموال، وتحرك رؤوس الأموال بشكل كبير.
إذا ًهذه خطة غربية بالنسبة لنا، بالنسبة للعرب بالتحديد، بالنسبة للمسلمين بشكل عام. ولهذا يحاولون يشجعون على تحديد النسل، ويوزعون أدوية، ووسائل كثيرة لتحديد النسل ليقطعوا نسلنا، أرضنا هنا اليمن نفسها ما زال هناك محافظات فاضية، يوجد بلدان كثيرة فاضية، ليس هناك محافظة أهلها قد صاروا ملان أرضها، هناك شيء؟ ليس هنا قبيلة تقول: أن سكانها قد أخذوا مساحتها كاملة. حالات نادرة جداً في كل محافظة مايزال هناك فساح، وما يزال هناك مناطق واسعة يتسع الشعب الواحد مثل هذا، ربما يتسع لمائتين مليون فما بالك عندما نقول: عشرين مليون هذه أزمة! نحن مستقبلون أزمة رهيبة! قد تؤدي إلى ما يسمونه: هبوطاً في النمو الإقتصادي، وإلى أزمات اقتصادية! هذا غير صحيح. تجد أزمات اقتصادية مع شعوب قد لا يشكل سكانه إلا نسبة بسيطة مقارنة بمساحته ومعهم أزمة، ليس الأزمة تعني: أنها قد امتلأت بلادهم ناس، والمساحة كلها قد أصبحت كلها ملان ناس، لم يعودوا يعرفون أين يزرعون، ولم يعودون يعرفون أين يربون مواشي، ولم يعودون يعرفون أين يعملون مصانع، ولم يعودوا يعرفون أين يعملون مدارس. لا. ثم إن مسألة النمو الإقتصادي هي قضية ليست كلها مرتبطة بالأرض فقط، أيضاً هي مرتبطة بعلاقة الناس مع الله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(الأعراف:96).
ولو لم يكونوا إلا سكاناً قليلاً، وبلادهم واسعة جداً، تجد عندهم أزمات اقتصادية، تجد عندهم مجاعات، تجد عندهم سوء تغذية، تجد عندهم حالة سيئة. مسألة التربية ليس معناه: أن الإنسان نفسه هو سيحتاج إلى أن يجلس مع أولاده كل يوم، ويعمل له فصلاً دراسياً في البيت فلا يتمكن أن يذهب [يترزق الله] ولا يقوم بأي عمل.
موضوع الهداية في دين الله تكون غالباً لها طرق كثيرة جداً، يمكن لواحد أن يهدي قبيلة كبارهم وصغارهم، يوجه وليس فقط إذا كثر أولادك تقوم تعمل لك فصلاً دراسياً، يوجد أشياء معينة توجيهية تحرص على أن يقرءوا القرآن، تتابع عملية تربيتهم، وإلا فقضية التربية هي أساساً ليست متروكة على هذا النحو لكل أب لأن الله يعلم أن الكثير من الآباء لا يكون عندهم قدرة، أو سيربي تربية غلط، هي قضية منوطة بالقائمين على حياة الناس. أليس هناك مدارس؟ ويمكن أن يكون هناك مدارس؟ لكن لاحظ المدارس الخلل فيها فيما يتعلق بالمنهج، وفيما يتعلق بكثير من المعلمين، فعندما تلمس فساداً في الشباب، في كثير من الشباب، في كثير من الكبار الذي هم خريجي مدراس خطأ في التربية، من القائمين على التربية.
ليس أن القضية أن هناك زحمة، هناك زحمة سكان! لا. الأخطاء في مجال التربية تكون آثارها سيئة ولو كانوا بمعدل عشرة طلاب في الفصل الواحد، و ليس فقط خمسة وعشرون، ولو بمعدل عشرة طلاب وهي تربية سيئة سيطلع هؤلاء تكون عناصر تفسد في الغالب، سواء مسك عملاً إدارياً، أو في أي مجال هو فيه، تربيته تربية فاسدة في معظم ما يقدم إليه، أما ونحن أيضاً فاتحون المجال بأن يأتي اليهود يربون الناس، فهذا [أطم] وهي أيضاً أسوء وهذا من أين جاءت من أين؟ من القائمين على الناس، هو همه أن يسلم منصبه، أن تسلم رؤوس أمواله، أن تسلم مصالحه، ولو ضحى بالناس، وبدين الله، و بكتابه.
قضية ملموسة تجد الكثير من حكام العرب قابل لأن ينزل أي شيء تأتي [أمريكا] تريد أن تفرضه سينفذه من أجل يسلم منصبه ويسلم مقامه! أليس عندهم شعوب كبيرة ملايين، لو ربوهم تربية جيدة لاعتزوا هم، ولهابت أمريكا أن تحاول أن تمارس أي ضغط على أي شعب من الشعوب.
فيما يتعلق بالنمو الإقتصادي أيضاً قلنا سابقاً أنه يشكل الشعب الكبير سوقاً استهلاكية لمنتجاته هو، يساعد على النمو الإقتصادي. اليد العاملة أيضاً، حتى أنهم يقولون عن بعض البلدان في أوربا: أنها ربما قد تكون بعد فترة من السنين تنهار اقتصادياً، وهي من البلدان الراقية صناعياً بسبب ماذا؟ قلة اليد العاملة، بسبب تحديد النسل، لاحظ في إسرائيل هل هناك تحديد للنسل؟ أو هم يبحثون أيضاً، يبحثون عن اليهود من خارج يجمعونهم هناك لماذا؟ لأن عندهم اهتمام، عنده طموح كبير بأن يهيمن على العالم، فهو يحتاج إلى الواحد، يحتاج إلى الشخص الواحد. والعرب والمسلمون بشكل عام أعداد كبيرة جداً جداً، وإذا قد هم متذمرون من كثرتهم، والحكام أنفسهم صاروا يقولون: مشكلة، أنتم تشكلون زحمة! لكن لماذا لم تشكل زحمتنا انهيار لاقتصادك أنت؟ أليس لديهم أموال كبيرة جداً؟ وعندهم بنايات فخمة جداً، وعندهم رؤوس أموال كبيرة جداً في الخارج حتى أنه لا يوظفها هنا لو أنهم يوظفونها هنا في داخل البلاد كان ذلك يشكل نعمة، فقط عندما يأتون يقولون لنا: أنتم عندما تكونون في أزمة اقتصادية – في الواقع سببها هم – يقولون لنا: سببها أنتم، قد أنتم كثير، زحمة مزدحمون هناك! لكن لماذا أما أنت؟ أنك توفر الأموال الهائلة جداً وتطفح عندك وتصدرها للخارج أرصدة في البنوك.
إذاً قضية تحديد النسل ليست قضية صحيحة أن يتسابق الناس إليها نهائياً إلا في حالة واحدة عندما تكون المرأة نفسها حالتها الصحية تستدعي بأنها تتوقف عن الحمل وإلا فالباري سبحانه وتعالى جعل مسألة الحمل والولادة قضية مقبولة عند المرأة وفي طاقتها، قضية مقبولة فقط يكون هناك حرص على صحتها، على صحة المرأة نفسها عندما يكون واحد زوجته صحتها جيدة ويحاول يوقفها حتى لا تنجب على أساس أن عنده [لا نريد أولاد.. لا نريد أولاد]. هو في نفس الوقت يكشف أن ما عنده اهتمام. عندما تكون أنت معلماً ألست تفرح بواحد من الناس؟ تفرح بواحد من الطلاب. بواحد؟ إذاً يمكن أن يكون منك واحد، إثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة إلى عشرة. أليست نعمة يتوجهون لك، ويتربون على يدك، والباري هو المتضمن برزق الناس إذا التجاء الناس إليه، وتوكلوا عليه هو يوفر أرزاقهم {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}(الطلاق: 2-3). {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ} هي مثل: {فَلْيَسْتَجِيْبُوْا لِيْ}. ما هناك التقوى، نص تقوى، وربع تقوى، وربع استجابة! هذه لا تنفق.
تجد سهولة التشريع فيما يتعلق برسم حدود الله، عندما يقول هنا: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الفَجْر}(البقرة: من الآية187). هذه علامة واضحة لكل الناس، لكل الناس في عبارة واحدة. {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}(البقرة: من الآية187). ألم ينتهِ تحديد بداية الصيام وانتهائه بكل سهولة، وبأسلوب يعرفه الناس. عندما نقول: نريد الناس يقروا، هو هذا المقرأ لكل الناس هي هذه الآية هو هذا المقرأ، هذا هو التعليم، وليس أن تقول: لازم الكتاب الفلاني الذي هو هناك ملان مسائل كثيرة لما تضيع الحدود الحقيقة.
الله جعل الأشياء بالشكل الذي يستطيع الناس أن يفهموها ويميزوها، الناس يعرفون الليل، هل يوجد أحد لا يعرف الليل؟ ويعرفون الفجر عندما يطلع الفجر {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}. نور الفجر مع بقايا الليل. لهذا قال في الأخير: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}(البقرة: من الآية187). لأن التقوى أن يكونوا متقين يحتاجون إلى بيان فلتكن الحدود بينة فبينها ليتمكنوا من أن يتقوه، يكونون متقين، قد تكون بعض الروايات غير صحيحة عندما يقولون: [أنه واحد من الناس عمل له خيط أبيض وخيط أسود]. والقرآن عربي والناس عرب وفاهمين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم قال: [فنزلت: من الفجر] هذا ليس أسلوباً صحيحاً، ينزل لك ربع آية أو فقرة من آية، وهو هنا يقول كسنة لديه سبحانه وتعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}(البقرة: من الآية187) كيف يقول: خيط أبيض وخيط أسود تجلس تراقب خيوطك حتى يظهر لك الخيط الأبيض؟ أليست هذه قضية صعبة ودقيقة؟ تحتاج أولاً تجلس آخر الليل وتعمل لك اثنين خيوط وتراقب متى يتميز لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود حتى قال لهم: {مِنْ الْفَجْرِ} وهنا اتضح لهم أن ذلك الخيط المعترض خيط الفجر الذي هو خيط أبيض مع بقايا الليل التي تبدوا وكأنها خيط أسود!.
عبارة [كذلك] هي توحي بسنة: أنه هكذا سنة الله، أنه يبين آياته للناس لعلهم يتمكنون وبسهولة من معرفة حدوده، فيكونون متقين له. لن تجلس قضية عويصة على الناس أنه متى نفطر بالتحديد، وأخذ، ورد، وأناس معهم روايات عند غروب الشمس عندما يسقط القرص أفطر، عندما تغرب أفطر لا. هنا يقول: {إِلَى اللَّيْلِ}. والليل معروف في آيات أخرى هناك يبين أن الليل هو ظلام أليس هو ظلام؟ الليل يتميز عن النهار تماماً {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}(يّـس:37).
ثم يقول سبحانه وتعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}(البقرة: من الآية188). هنا تجد تشريعات متعددة، وتوجيهات متعددة بعد أن قدم هناك بتركيز كبير على موضوع: التسليم لله تعالى، التسليم لله الذي معناه في الأخير: تقبل هداه، والإلتزام بهديه. لأن هديه هو واسع يتناول مختلف الأشياء، فكما أنه هنا يشرع الصيام، هناك في جانب التقاضي فيما بين الناس، التقاضي في الأشياء التي يختلفون فيها، ينهاهم من ماذا؟ ينهاهم من الرشوة. أنت إدلِ بشهائدك إذا معك شهائد، إدلِ بشهائدك، إدلِ ببصائرك، إدلِ بدعواك، أو إجابتك، لكن لا تدلِ بأموال، ولهذا أسماها: ولا تدلوا. لأنها بدل عن الشهادة التي تدلي بها بدل عن الدعوى، بدل عن وثائق معينة تعطي فلوس والحاكم سوف يدبر القضية، يحاول يجعل الحق لك. فإذا كان الحاكم نفسه، نفس الحكام عندما يكون الحاكم قابلاً لأن يرتشي، أن تعرف أنه نفسك أنت تتجاوز حدود الله، وتظلم نفسك أنت. قضية ينهى عنها الحاكم وينهى عنها الناس المتقاضون.
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}(البقرة: من الآية188) فعندما أحاول عن طريق الرشوة أن أحصل على مال آخر فأنا أكلت ماله بالباطل، وهي في الواقع كثير من العبارات في القرآن الكريم فيما يتعلق بموضوع المال: أن المال له دور، دور اجتماعي، المال هو مال الناس في الواقع، أعني: في حركة المال التي رسمها الله سبحانه وتعالى هي في الواقع تجعل المال وكأنه للكل. لهذا ربط مسؤوليات كثيرة بأصحاب رؤوس الأموال.
أليس هناك شرع الزكاة، أوجب عليهم الزكاة، أوجب عليهم الإنفاق في سبيله، حرم عليهم أن يكنزوا أموالهم؟ وأوجب عليهم أن يحركوها. المال يجب أن يكون في دورة مستمرة، في حركة. إذا عندك رصيد من الأموال تتركها تتراكم أموال هناك شغلها عندما تشغلها أنت تثمرها، وتشغل آخرين يعيشون معك فيها. هذه قضية هامة، ولهذا يأتي في كثير من الآيات بعبارة أموالكم. {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}(البقرة: من الآية188) لأن حركة المال هي بالشكل الذي في الأخير يبدوا وكأنه مال للأمة. نأخذ من هذه أهمية ما يسمى بالمال العام، الثروات، الواردات العامة، أنها هامة جداً جداً في مسألة تحسين معيشة الناس، هامة جداً لأن النظرة الخاصة بالنسبة للمال ليست نظرة صحيحة من الناحية الإقتصادية، لا ينمو اقتصادك أنت، لا ينمو مالك أنت سواء بشكل تجارة، أو بشكل زراعة إلا في إطار الحركة العامة للمال.
إذا سلم المال العام أمكن أن يكون هناك قدرة شرائية، وقدرة في مجال ماذا؟ حركة الناس، في تجارتهم وزراعتهم، فتنهض رؤوس الأموال، تنهض الأموال، وتكثر الأموال. إذا هناك اختلاس للأموال العامة تأتي كثير من الأعباء، تضاف على الأموال الخاصة، تضعف قدرة الناس الشرائية، وفي الأخير لا تدري وصاحب الدكان عاطل عن العمل لا يوجد بيع وشراء، ذلك المزارع زرع وسقى وتعب وحصد، أو جنى ثمار مزرعته، وصل وإذا السوق كساد، لأنه يحصل كثيرٌ من الأعباء، ولهذا هم يعملون جُرع التي يسمونها [جرع اقتصادية].
أليست أعباء على الناس أنفسهم؟ كان المفروض الجُرع الإقتصادية تكون على المسئولين الكبار هم الذين عندهم رؤوس أموال كبيرة، هم الذين يتقشفون قليلاً، يخفضون من قليل، وليس أن يضيفوا. إذا هناك ديون على بعض البلدان تراه في الأخير يتحول في الأخير إلى زيادة في الأسعار ثم لا تدري إلا والحاجة قد فيها زيادة مائة ريال، لا تدري وقد فيها مائتين ريال، لا تدري إلا وقد فيها زيادة بنسبة 100% أو أكثر.
أليست في الأخير تضعف قدرة الناس الشرائية ويصبحون في عذاب من الغلاء؟ لأن هناك تلاعب بالأموال العامة وإلا فالأموال العامة نفسها، وإردات أي بلد وهذا من الأشياء الغريبة جداً في البلاد العربية بالذات، تجد بلداناً فيها ثروات هائلة جداً وعليها ديون كثيرة جداً! عليها ديون كثيرة بالمليارات بمليارات الدولارات كيف ثرواتنا؟ ليست بالشكل الذي يمكن أن يكفي حاجاتنا؟ لا يوجد ناس يعرفون كيف يخططون حتى يستطيع أي شعب بأن ينهض بنفسه دون أن يتحمل ديون مليارات الدولارات، اليمن نفسه يقولون عليه حوالي ثمانية مليارات دولار دين! العراق كان عليه ما يقارب أربعين مليار دولار! وعنده احتياطي نفط كبير جداً، عنده ثروات كبيرة جداً!.
يوجد خلل بالنظام بشكل عام، في النظام الإداري، في التوظيف، يوجد خلل في التخطيط، خلل في استغلال الخيرات، خلل كبير في التعامل مع الله، ولهذا تجد الناس ثرواتهم لم تعد تشكل شيئاً. ألم نصبح نحن عالة تقريباً في مأكلنا، في ملبسنا على الآخرين؟! حتى في البلدان التي لديها ثروات هامة أصبحت عالة على الآخرين! مأكلنا، ملبسنا، أدويتنا، الوسائل الضرورية والكمالية كلها من عند الآخرين من الخارج. ومع هذا تجد ديوناً كبيرة! وثرواتنا أين؟ الثروة البحرية بالنسبة لليمن لوحده؟ ثروة البحر تكفي اليمن وحدها، الثروة الهائلة في البحر، ساحل طويل عريض حوالي ألفين كيلو، البحر الأحمر، والبحر العربي فضلاً عن البترول والمعادن، وواردات كبيرة.
في مجال التقاضي قد يكون طبيعي الناس يختلفون، اختلاف، إلتباس، مثلاً أنت تعتقد أن هذا لك والآخر يقول: ليس لك إنه له. هذا طبيعي أن يتقاضى الناس ويتحاكموا على هذا النحو: الالتزام بأن لا أحد يقدم رشوة، أما أن تأتي أنت تحاول أن تدعي، وتظن بأنه فرصة عندما تسمع بأن فلان ليس معه [بصيرة] على تلك الحاجة التي هو ثابت عليها، فتحاول بأي طريقة أن تأخذ أمواله، وأنت تعلم بأنها على أقل تقدير، بأنها ليست لك سواء تعلم أنها له أو ليست له، أنت تعلم أنها ليست لك، فهنا لا يجوز، لا يجوز أن تحاول بخبرتك وذكائك لأن قد عندك خبرة من خلال أنك كنت وكيلاً. تشارع وقد عندك خبرة كيف تقدم دعاوي وبصائر وأشياء من هذه، هذا لا يجوز أبداً.
البعض عندما يعرف أن من الحق له أنه ليس لديه خبرة، قد يشاجره، يدفع به هذا إلى أن يبحث لشهائد ولو كانت زوراً، أو أحياناً يحلف يميناً فاجرة! هذه خسارة كبيرة، وهذه من الكبائر شهادة الزور، واليمين الفاجرة. يتقاضى الناس بسهولة، يتشاجرون بسهولة، وهم إخوان، ويقتنعون من أول يوم ادعى وجوب، وقدم ما عنده ما ثبت له شيء اقتنع، الله لن يربط رزقك بتلك الخصلة، أو يربط حياتك بها، أو يربط عزتك بها، أو يربط كل أموالك بها، ربما لو كان في واقع الحال أنت مظلوم فيها أن الله قد يعوضك.
أحياناً بعضنا قد يغلطون في موضوع التقاضي، يتحول إلى عداوة بين الأسرة وبين المتشاجرين أنفسهم، ثم بين أولادهم وبين أقاربهم وفي الأخير لا تدري إلا وقد هناك عدوات بأكثر من القضية، تكون القضية لم تعد شيئاً في الذهنية، قد برز أشياء كثيرة وقد هناك كلام، وقد هناك اتهامات، يصبحون أعداء، قلوبهم مليئة بالعداوة والبغضاء لبعضهم البعض.
الرشوة هي تفسد الحكام، خطورتها قد تفسد الحكام. إذا الحاكم لا يأخذ شيئاً لا من عندك، ولا من عند ذاك ما هو الذي سيدفعه أنه يحاول يحكم حكماً باطلاً؟ أليست المسألة هنا ستدفعه إلى أنه يحاول يحكم بما رآه من وجه الحق؟ لكن إذا قد هناك رشوة تفسده، وخاصة إذا لديه زوجة في البيت تريد عندما سمعت أنهم قد عينوه حاكماً في مديرية كذا قد معها طلبات، قد هي تريد أثاث، قد هي تريد أن يشتري لهم سيارة جديدة، وقد هي تريد يبني لهم طابق فوق البيت، أو قد هي تريد بيتاً جديداً يكون مثل بيت آل فلان، ويكون مع الحاكم ضغط داخلي من السهل معه أن يفسد ولو بدا في الصورة بأنه ملتزم لكن رأى مبالغ من خمسين ألف، مائة ألف، لا تدري وقد أفسدوه نهائياً، ضغط من داخل بيته، وقلة إيمان في نفسه وعمل المتشاجرين، رشاوى {لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية188).
يأتي شيء آخر فيما يتعلق – هذا مع سعة الموضوع هنا، تشريعات متعددة، توجيهات متعددة، كلها في قائمة: توجيهات الله – توجيهات تربوية، بالنسبة للناس في موضوع الأسئلة، والتساؤلات وأشياء من هذه قضايا قد تكون لست بحاجة إلى أن تسأل عنها في قضايا عامة، قد تصل إليها من خلال القرآن الكريم مثلاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا}(المائدة: من الآية101).
{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}(البقرة: من الآية189). أليس هذا سؤالاً جديداً؟ هل هي قضية هامة بالنسبة للأهلة؟ أي لماذا الهلال هكذا معقوفاً؟ ولماذا كل شهر معه هلال معقوف؟ هم عارفون فيما يتعلق بالفائدة من الهلال هو أنه ماذا؟ مواقيت للناس في بداية الشهر، قضية معروفة عندهم. السؤال عن: لماذا الهلال بهذا الشكل؟ هذه قضية ليس الناس بحاجة إليها. في نفس الوقت القرآن الكريم ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فيما هي قضية هامة هو سيتحدث عنها، يقبلون الحاصل، يتفهمون الحاصل [وكثر الله خيرهم] بدل البحث عن أشياء أخرى.
{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}(البقرة: من الآية189) كيف كانت الإجابة؟ ألم ينصرف عن الإجابة التي يريدونها هم؟ {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}(البقرة: من الآية189) هدى الله سبحانه وتعالى يقدم بالشكل الذي يكون واسعاً جداً المطلوب هو: أن تتفهم، ولأنه قضية معينة، قد تكون في مرحلة معينة، في وقت معين ليست هامة، متى ما أصبحت هامة سيأتي بيانها، سيبينها. التساؤلات عندما يعود الإنسان نفسيته على التساؤلات، لا. عود نفسك على أن تتفهم أكثر، وتصغي أكثر، وتسمع أكثر.
لاحظ كيف الآيات تختم كثيراً منها بكلمة {تعقلون. تفقهون. تذكرون. تبصرون. تسمعون} هكذا لا يوجد [لعلكم تسألون، لعلكم تتساءلون]، لا يوجد [لعلكم تناقشون، لعلكم تجادلون]. لأن الله سبحانه وتعالى أعطى هدى واسعاً، والإنسان إذا لم يعود نفسه على هذه الحالة، على أن يعقل، يفقه، يفهم، يصغي، يكون البديل عن هذا روحية تساؤل، روحية تساؤل، فتكون هذه في الأخير بالشكل الذي تضرب نفسيتك، سيجهل أشياء كثيرة هي هامة وهو باحث بعد تساؤلات هي لا تشكل قضية في الواقع، مثلاً لاحظ عندما تأتي إلى ما حصل ممن تساءلوا {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}؟(البقرة: من الآية189) لو أنهم ركزوا بشكل كبير [يوم الغدير] عندما قال لهم: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) فرفضوا أي شخص يحاول أن يقفز على ولاية أمر الأمة غير من عينة الرسول لأنهم فاهمون، فاهمون أهمية الموضوع، متعودون من قبل على أن يركزوا على ماذا؟ أن يتفهموا، يصغوا، يعقلوا، يتذكروا. لجنبوا الأمة الحالة السيئة التي وصلت فيها، والضلال الكبير بدلاً عن السؤال عن الأهلة! نسألهم لماذا لم تفهموا بالشكل المطلوب؟ وتستقيموا وتثبتوا على التوجيه الذي قدم لكم على أعلى مستوى عندما عاد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من الحج؟.
قضية ثابتة ومعروفة عند الناس صعد من فوق أقتاب الإبل ويرفع يد الإمام علي وبعد خطبة طويلة:((أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)). هذه هي القضية الهامة التي لو فهموها، أهم من أن يعرف الهلال لماذا هو معقوف؟ أليسوا هنا جعلوا الأمة معقوفة؟ ضعفت الأمة، ضعفت، ضعفت إلى أن تحولت مثل الهلال المعقوف، كان المفروض أن يتفهموا بدلاً من أن يشغلوا ذهنيتهم عن الأهلة. ولأن من المعلوم أن هداة الناس يكونون هم حريصين على الناس أكثر من أنفسهم، حريصين على أن يتفهموا أكثر، وأن يعرفوا أكثر، وأن يستبصروا أكثر، أكثر من أنفسهم هم، لأنه ما هي الإشكالية التي حصلت عند بني إسرائيل؟ ألم يكن هناك هدى بالشكل الذي يغطي كل الأشياء التي في أذهانهم، الخلل جاء من عندهم هم، روحية التساؤلات [ما لونها] وأشياء من هذه، ضيعتهم في الأخير، تساؤلات حتى عن أصحاب الكهف، كم هم؟ هل ثلاثة ورابعهم كلبهم، أو خمسة وسادسهم كلبهم وهكذا؟!.
الإنسان يعود نفسه بعد أن يفهم أعني: يجب أن تفهم أنت منهجية المعرفة، لا تعتقد أن المعرفة معناها أنه في يوم واحد، أو في شهر واحد، شهر واحد يجب أن تعرف كل شيء، هذه هي منهجية غير صحيحة حتى ولو من الناحية العلمية السائدة الآن في الدنيا: أن أهم مصدر في المعرفة هو ما يسمى بالبحث العلمي أن المعرفة تأتي ضمن مسيرة، ضمن حركة، تأتي المعرفة بهذا الشكل، فعندما تتسع دائرة مهام الناس، تتسع ماذا؟ شعورهم بأنهم بحاجة إلى هذا، وبحاجة إلى معرفة هذا، فيكونون أقرب إلى أن يعرفوه، وتكون معرفتهم هذه بالشكل الذي يستطيعون أن يستفيدوا من خلال معرفتهم له، فتنموا معرفتهم في نفس الوقت، أما مجرد أنك تريد تعرف كل شيء، كل شيء في شهر واحد هذا لا يحصل، ولا للأنبياء أنفسهم لماذا؟ لأنه ليست هذه الطريقة الطبيعية للمعرفة.
هنا في البلدان العربية قد يكون مثلاً في بعض المناهج أو حتى كتب في المكتبات تتحدث معك عن القمر، وعن الفضاء، وعن الأشياء هذه، لكن أنت تقرؤها ما الذي تستفيد منها في الأخير؟ بينما الآخرون هي نتائج من بحثهم العلمي، من معارفهم العملية، أليست هي نتيجة أعمال؟ أو فقط مجرد نظريات هناك؟ ما الذي أوصلهم إلى أن يصلوا إلى الحالة هذه؟ إنهم يفكرون إلى أن يسافروا إلى الكواكب وإلى القمر؟ مهام عملية مهام عملية تتوسع دائرة مهامهم، شؤونهم كدولة، قضايا الصراع مع الآخرين، تطورهم العلمي هنا جعلهم يفكرون عملياً في أنهم يستخدمون أشياء أخرى، أو يستفيدون من أشياء أخرى. فعندما يطلعون إلى الفضاء، لا يطلعون إلى الفضاء مجرد رحلة فقط، لأجل يعرفون القمر، هل هي مكوراً أو هي تضيء هي، أو هي تضيء من هناك! مهام عملية، بحث. ولهذا يقول البعض: بأن أول فكرة لديهم في أن يطلعوا الفضاء كان منشؤها أثناء الصراع بينهم وبين [الإتحاد السوفيتي] ودول أخرى أنه إذا بالإمكان أن تكون منصة لإطلاق الصواريخ إلى الأرض. هذا أول دافع أليس دافعاً عملياً؟.
إذاً فهذه قضية أساسية في المعرفة، ومتى ما جاء الشيء في وقته، متى ما جاء الشيء ممتزج بروح عملية، وتحرك عملي، يكون بالشكل الذي يفيد معارف هو، إذا كان مجرد نظرية سيبقى مجرد نظرية لا تستطيع أن تتوسع فيها حتى أنت عندما تقرأ هنا عن الفضاء، وعن صعود الأمريكيين، أو السوفيت إلى المريخ، وإلى القمر هل تستطيع أن تزيد في النظرية هذه؟ أو تنتظر فقط ما يأتي من جانبهم من خلال ماذا؟ من خال اكتشافاتهم هم التي هي عملية، أليست عملية؟ تنظر فيها ولا تستطيع تزيد، ولا أطروحة واحدة تقرأ، وتتجادل أنت والآخرون فقط، جدل وأخذ ورد وترديد، لن تستطيع أن تزيد ولا تنقص لماذا؟ لأنه هذا الموضوع أنت بعيد عنه ليس لك علاقة به، ليس لك علاقة عملية به أعنى: ما أنت في واقعك، في حركتك بالشكل الذي تتحرك فيه، بالشكل الذي تعرف أنت من خلال عملك، ولا تنتظر فقط ما سيأتي من عند الآخرين، عندما يرحلون مرة ثانية، ومرة ثالثة وهكذا.
العبارة هنا تبدوا مقدمة، وفيها نوع ما يسمى: الإستخفاف بالقضية هذه. {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}(البقرة: من الآية189) يعني: ليس هي قضية في الواقع، {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}(البقرة: من الآية189) القاعدة من أساسها لا تعني: بأن الله لا يريد للناس أن يعلموا، إنما كيف يعرفون أن يعرفوا، أن يتعلموا كيف يتعلمون، أن يعرفوا أن للمعرفة منهجية، أن تكون مرتبطة بحركتهم العملية، تتوسع معارفهم، وتتوسع مهامهم، تستوعب ربما أكثر مما استوعبه الآخرون، ألم تصل معارفهم إلى أن يستفيدوا من الشمس، يستفيدوا منها ويحولوها إلى طاقة تغذي المركبات الفضائية والأقمار وتغذي حتى المنازل الطاقة الكهربائية حولوا الأشعة نفسها إلى طاقة تغذي المركبات الفضائية والأقمار بالطاقة الكهربائية، الأشعة نفسها حولوها إلى طاقة كهربائية، هم يتساءلون عن أشياء، هم في الواقع ليسوا في حاجة إليها، وهم في الواقع لديهم ممارسات غريبة منها: أنهم عندما يعودون من الحج يأتون بيوتهم من فوق، لا أدري من أين جاءت لهم هذه؟! أعني: كيف منشأها؟ لا يدخل من الباب، ما كان من المفروض على الأقل إذا كان سيسأل يسأل هل ندخل من الباب؟ هل الدخول من الباب لا يمثل أي مشكلة أو ندخل من فوق البيت؟ وليس عن الأهلة، وهم ما زالوا يدخلون من فوق البيت عندما يعودون من الحج.
{قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}(البقرة: من الآية189) هنا يبين كمنهجية للناس أي: أنت مرشد، أو معلم، أو حتى مناظر، أو في حوار مع الآخرين، لا يكن معناه أن موقفك أنه يسأل وأنت تجاوب على كل قضية بالتحديد، ومقارعة التي يسمونها: مقارعة الحجة بالحجة كذا. لا. قد يكون الموضوع، لا. إصرفه ليست قضية. هل كانت الإجابة من جانب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): أن يأتي إلى الأهلة، كيف يصل الهلال إلى أن يصبح هلال، أو أنصرف عن الموضوع إلى ما هو عملي، وإلى ما هم بحاجة إلى معرفته، مواقيت للناس والحج، وهم عارفون له من قبل {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}(البقرة: من الآية189). أليست هذه معناها عملية صرف؟ انصراف عن أسئلة من هذا النوع.
{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(البقرة: من الآية189) ربما عندهم أنها مندوبة، أو أشياء من هذه. {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}(البقرة: من الآية189) عندما تعود من الحج ادخل من الباب. لاحظ هنا فيها أدب في موضوع التساؤلات، يرشد الناس إلى الطريقة الصحيحة للمعرفة، وقد تكون الآية هذه لها علاقة أخرى باعتبار أيضا ًموجهة من الناحية السلوكية أنه غير طبيعي أنك تأتي البيت من فوق، ادخل من الباب {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}(البقرة: من الآية189) تجد الاستفادة مما تعني هذه، تأتي المعرفة، والمعارف، والهدى من أبوابها. لأن كل شيء له باب، أليس الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) مثل نفسه، وعلمه بمدينة، وجعل باب هذه المدينة هو من؟ علي ((أنا مدينة العلم وعليّ بابها)) حتى أصبحت مسألة الأبواب عناوين، أليست عناوين داخل الكتب؟ [بابٌ] يعني: باب للدخول إلى معرفة ما داخل الصفحات هذه.
كل شيء له باب، فالمعرفة من حيث هي لها أبواب، أي: أن الله فيما هدانا إليه، هدانا إلى أن نعرف المنهجية الصحيحة للحصول على المعرفة، عندما تأتي للقضية من أساسها بالنسبة لهدى الله أنها ماذا؟ هدى الله ليس مجرد نظريات، ولا حتى مجرد فتاوى، إنما هو ماذا؟ حركة حياة، هدى عملي، هدى حركة، الآخرون ترسخت عندهم القضية هذه أكثر منا بكثير حتى أصبحت مسألة أن يكون هناك حرب فرصه عندهم، فرصة لأن يعرفوا كثيراً من الخبرات، ويجربوا كثيراً من الأسلحة، ويعرفوا الذي يمكن أن يطوروه، ويعرفوا نجاح ما قد ابتكروه، ويعرفوا خبرات عالية عندهم، فرصة لماذا؟ لأن الميدان العملي هو المصدر الحقيقي والصحيح، لإعطاء المعارف. أليس هؤلاء يخافون من الحرب؟ بينما الآخرون يقولون؛ عندهم فيما يتعلق بالحرب أنها فرصة للحصول على كثير من الخبرات في المجال العسكري، وفي مجال الآليات والأسلحة في الحرب.
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(البقرة:190). من نعمة الله على الناس ألا يكونوا في حالة فراغ يحول بينهم وبين المعرفة، يكونوا منشغلين بقضايا هامشية، الناس يقدم لهم قضية كبيرة قضية كبيرة في عنوانها: القتال في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله، العمل لإعلاء كلمة الله، هذه قضية مهمة جداً في مجال المعرفة، في مجال معرفة الله بالذات، هامة جداً، في مجال المعرفة في كثير من الأشياء التي يجب أن يعملها الناس فتبنى الحياة بكلها، لا يعيش في حالة فراغ. إذا عاش الإنسان في حالة فراغ يكون في الأخير يكون بالشكل هذا: أسئلة هامشية اهتمام بقضايا لا تمثل شيئاً. إذا حمل الناس اهتماما كبيراً، وقضية كبيرة، استغرقت ذهنياتهم، استغرقت اهتمامهم، فترفعوا عن الأشياء التي لا تفيد في نفس الوقت، الأشياء الهامشية في الأسئلة، أو في الاهتمامات.
عندما يكون الناس عندهم اهتمام فيما يتعلق بالعمل في سبيل الله ستجد آثر هذه عليهم، هم فيما يتعلق بقضاياهم الخاصة، فإذا حصل نزاع فيما بينهم يكونون قريبين إلى أن يحلوا مشكلتهم بسرعة. فإذا الناس في حالة فراغ، ليس عندهم أي اهتمام، سيجلسون يتشاجرون بعضهم عشر سنين وهم متشاجرون، طالع ونازل، أو كل يوم، أو كل أسبوع إلى المحكمة سنين، ومستعد يشاجر عمره، قضية قد تكون في الأخير لا تساوي ما يضيعه من وقت، الذي يشاجر عليه، لماذا؟ لأنه فارغ. فعندما يكون الناس فارغين يحدث في الواقع أنه يحصل فيما بينهم كثير من الخلاف والشقاق، فإذا بدت مشكلة، جلست مشكلة سنين، وتترك آثارها السيئة في وسطهم، تمزق صفهم، تفسد ذات بينهم. إذا هناك اهتمام بقضية كبيرة تبعد الناس عن الأشياء هذه التي تفسد ذات البين، وفي نفس الوقت إذا ما طرأت مشكلة يكونون قريبين لحلها، لأنهم مشغولون لا يريد أن تشغلهم القضية هذه، يقنع منك بيمين فقط، أو من أول جلسة، من أول جلسة أنت قدمت ما عندك، وهو قدم ما عنده، وحكم بينكم الحاكم، ومع السلامة، وتسيرون سواء في القضية الهامة التي هي مسؤولية عليكم جميعاً.
في نفس الوقت، في حالة الفراغ، تكون حالة يترسخ فيها الجهل في الناس، مواهبهم تُسخر كلها للأشياء الهامشية، ذكي، وعنده قدرة، وعنده منطق لكن وسخره كله، ووظف كل مواهبه هذه على قطعة بسيطة من الأرض، أو على مشرب، وظف كل ذكائه، وموهبته، وقدرته البيانية. أليست هذه تعتبر خسارة؟!. لاحظ الآية هنا {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية190) أنت متجه للقتال في سبيل الله، وتحمل القضية هذه الكبيرة، كبيرة في الذهنية لأن الإنسان بحاجة إلى قضية تملأ ذهنيته، هي قضية إيجابية كبيرة، وأعني: لها أثرها الكبير فيما يتعلق بحياته في الدنيا، وفي الآخرة يحصل على رضوان الله، يحصل على الجنة التي هي أرقى نعيم، هو بحاجة إلى قضية من هذا النوع، وهي في واقعها العملي – بتأييد الله، بالتسهيلات التي تأتي من جهة الله، بالاستعانة بالله – تمشي.
إن هذه من الأشياء الدقيقة جداً في مجال هدى الله، تبدو قضية تملأ ذهنيتك، أنت بحاجة إلى هذا، والأمة بحاجة إلى هذا، وتصبح أنفسهم كبيرة، أصحاب اهتمامات كبيرة، وتصبح طاقاتهم كلها فاعلة، ولها أثرها، ميدان كبير يُشغلونها فيه، ووراءها إيجابيات كبيرة جداً، وراءها خير لهم في الدنيا وفي الآخرة، كما سيأتي بعد في موضوع الجهاد. {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(التوبة: من الآية41). ولم يتركها في المجال العملي كبيرة كما هي في الواقع الذهني لأنه يقول سبحانه وتعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}(الحج: من الآية40)، {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ}(محمد: من الآية35). يحصل تأييد. فهذه لها علاقة بالموضوع، أن ترفع الإنسان عن حالة التساؤلات، والتذكير على قضايا يستحسنها هي هامشية أنه يأتي البيت من فوقه، لا يأتيه من الباب. ينقل إلى قضايا يجعل اهتمامه كبيراً، وتجعله بعيداً عن الحالات هذه الهامشية، والقضايا الهامشية في تساؤلاتهم أو في سلوكياتهم.
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(البقرة:190) فمما تعنيه كلمة اعتداء هنا: فيما يتعلق بالأشهر الحرم، ولذا جاء بعدها الحديث عن الأشهر الحرم المعروف عند العرب مسألة: أنه اعتدى أي ماذا؟ تجاوز، أو انتهك حرمة الشهر الحرام.
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} هذه قضية هامة، وقضية مؤكد عليها في القرآن الكريم بشكل كبير: أن يكون الناس كلما يدخلون في صراع أن يدخلوا فيه على أساس هدي الله، وليكن في سبيله، على الطريقة التي رسمها، ومن أجله، وله. هذه قضية هامة حتى فيما يتعلق بالدفاع عن الأوطان، تحدثنا سابقاً عنها: أنها قضية يجب أن تكون هي القضية الرئيسية عندك حتى وأنت تدافع عن بيتك، أن القضية الأساسية أن يكون الناس مقاتلين في سبيل الله، إذا كانوا في سبيل الله، يكون تحرير أوطانهم قضية ثانوية، أي: تتحقق تلقائياً، تتحقق تلقائياً صيانة أعراضهم، صيانة ممتلكاتهم تحقق تلقائياً، لكن متى ما عكسوا المسألة: يقاتل من أجل الوطن، بالعبارة هذه، وهو المنطق الذي استمر عليه العرب فترة طويلة، ترسيخ الوطنية، والقومية، والعناوين هذه، في الأخير خسروا فعلاً، ما حققت لهم شيئاً، ولا استطاعوا أن يحققوا شيئاً في مواجهة العدو بهذه العناوين [لن نسمح بأن يحتل، سنعمل على أن نحرر كل شبر في الأرض المحتلة].
والتربية للجيش تربية وطنية بحتة: من أجل الوطن، من أجل الوطن، من أجل الوطن، هذه بدت المسألة بأنها ليس لها قيمة في الواقع، وجدنا ممن يهتفون بها هم هم ممن يبيعون الأوطان فعلاً، ممن يبيعون الأوطان. الناس الذين يتجهون في سبيل الله، ومن أجل الله، هم الناس الذين تعتبر الأوطان غالية لديهم، وتعتبر الأعراض عزيزة لديهم، وتعتبر الممتلكات هامة لديهم، فعندما ينطلقون في سبيل الله لا يعني: بأنهم لا يبالون بالوطن، أو أنها على حساب الوطن، أو على حساب الأعراض، أو حساب الناس أبداً.
هذا توجيه إلهي، لأن الله جعل دينه للناس، للناس، فعندما يقاتلون في سبيله، أنت في نفس الوقت تكون مستعداً أن تضحي بنفسك ومالك، فهل يمكن أن تصل إلى هذه الحالة من أجل التربة ومن أجل الآخرين؟ خاصة عندما يصل الناس في العلاقة فيما بينهم إلى هذه الدرجة التي الناس عليها.
لاحظ الناس وهم في الأسواق، لاحظ الناس وهم في حركتهم، هل تلمس احتراماً متبادلا بينهم؟ هل تلمس بأنه هذا فعلاً ممكن أن يصل إلى درجة أن يضحي بنفسه، وماله من أجل ذلك؟ أبداً. فسدت العلاقات فيما بين الناس، فأصبحوا في حالة لم يعد أحد يهتم بالآخرين، ولا يعطف على الآخر ولا يبالي بالآخر، فغير متوقع أن يأتي أحد من الناس يضحي، وهو يحمل هذا العنوان فقط: وطن. بمعنى أنه ماذا؟ إنه يضحي من أجللك ومن أجل التربة. أليس البعض يحلف يمين فاجرة من أجل التربة حتى لا يترك الآخر يأخذها، صاحبه!، هل سيضحي بدمه من أجل تربة الآخر؟ لا ترتقي هذه القضية بالناس أبداً إلى درجة أن يضحوا بأنفسهم، وأموالهم تضحية حقيقة، لا تصل إلى الدرجة هذه.
لكن متى ما انطلقوا في سبيل الله هذه هي القضية الهامة، تعتبرها تستحق أن تضحي بمالك، وتضحي بنفسك من أجل الله، وعلى طريقه في نفس الوقت، طريقه التي رسمها في مجال الصراع مع الآخر، وهي الطريقة الوحيدة التي يكون الله مع الناس إذا ما ساروا عليها. والمقصد الوحيد الذي يكون الله مع الناس، إذا ما توجهوا إليه أن يكون من أجل الله ولله. فهؤلاء سيكونون هم من سيحررون الأوطان، ومن يصونون الأعراض، ويصونون الممتلكات هم، أما الآخرون فيكون بعضهم وهو في المعسكرات، وطنية.. وطنية.. وطنية، وقد صار في موضع قيادة يأتي الأمريكيون يشترونه شراء، وفي الأخير يبيع الأمة والوطن!، هذا يحصل.
وجه المسلمين أن لا يكون عندهم اعتداء، أن يراعوا حرمات الشهر الحرام، لكن لم تكن حرمة الشهر الحرام بالشكل الذي يفسح للآخر أن يعتدي عليك، وأنت تسكت، لا. {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية194). هذه تعتبر دليل على أن الله سبحانه وتعالى في تشريعه لا يجعل شيئاً يحول دون القيام بالشيء الآخر، لا يحصل تصادم، يجعل هذا شهراً حراماً، وحرام. الطرف الآخر الذي لا يحترم الحرمات لا يقدر الحرمات، ينتهكها وأنت تكون ملزم بأن لا ترد، أليست هي تعتبر فرصة له لأن يضربك، وينهيك وينهي دينك؟ لا.
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} أعطاك فسحة بأن تواجهه، وأن تقاتله، {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}(البقرة: من الآية191) حتى وإن كان في الشهر الحرام، عندما يكونون هم المعتدين، هم المقاتلين، ويريدون أن يستغلوها فرصة، بأنهم سينتهكون الحرمات، وعندهم أنكم أناس ملتزمين، أحياناً يكون العدو يعرف، يعرف بأن ذلك الطرف ملتزم، ومتدين، ولا يمكن أن يحصل من جانبه ردة فعل، لن يواجهه.
كان المشركون في جوار بيت الله الحرام يعذبون المسلمين ليفتنوهم عن دينهم، يعذبونهم ليحملوه على أن يكفر بدين الله، هي أشد من القتل. فعندما يقولون: لماذا أنتم تنتهكون الحرمات؟ لأنه هكذا يحصل، لماذا؟ ألست متديناً! وتنتهك الحرمة؟! أنت انتهكت أنت ما هو أشد من القتل، انتهكت حرمة المسجد الحرام، والمشاعر المقدسة، أنت، بما هو أشد من القتل.
{وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين}(البقرة: من الآية191) هذه تؤكد على أن حرمة الأشهر الحرم لا تزال باقية، ليس صحيحاً عندما يقول لك أحد من الناس: منسوخة.. منسوخة، أبداً قضية أساسية، وكأنها في مسيرة الدين بكلها، لهذا حكى الله في آية أخرى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}(التوبة: من الآية36) أربعة أشهر حرم هي: رجب، والقعدة، والحجة، ومحرم. لأن هذه جعلها الله للناس بحيث لا تخرب الأرض نفسها، ويتفادى الناس تماماً فيما بينهم حروباً على طول.. على طول، أربعة أشهر يجب أن يتوقف الناس فيها، هذه الأربعة مرتبطة أيضاً فيما يتعلق ببيت الله الحرام، وعملية الحج، حج الناس، عودتهم من الحج. هي قضية معروفة عند البشر من قبل الإسلام، لكن يأتي من بعد الإسلام أناس يقولون: منسوخة! بعض الفقهاء الذين يبحثون، أو المفسرون يأتي يقول لك: إن رسول الله قاتل فيها. عندما يقاتل هو على هذا الأساس لأنهم قاتلوه، لأنهم قاتلوه سيقاتلهم ولو في الشهر الحرام، ولو عند المسجد الحرام، وهم يقاتلوكم فيه.
لاحظ حرمة المسجد الحرام كبيرة جداً، وحرمة الشهر الحرام عظيمة، لكن إذا كان الطرف الآخر يريد أن يستغلها، لا. قاتله أنت وهو الذي يتحمل المسؤولية، هو الذي انتهك هو حرمة الشهر الحرام، والمكان الحرام، عندما قال: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}(البقرة: من الآية191) عندما تكونون حُجاجاً، وأتوا يقاتلونكم فيه، هنا ترد: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}(البقرة: من الآية191- 193). أي من حيث المبدأ يجب أن تكونوا فاهمين أن تعدوا أنفسكم لقتالهم حتى لا تكون فتنة، فيتمادوا في طريقتهم السابقة في أن يفتنوا الناس عن دين الله، {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}(البقرة: من الآية193). هذه هي عامة، ليست مرتبطة بمكان محدد، توجيه المسلمين بشكل عام: أن يقاتلوا الآخرين، لأنه عادة الآخرون هم يعدون أنفسهم، ويتحركون لقتال المسلمين.
{حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}(البقرة: من الآية193). لاحظ هنا كيف يؤكد فيما يتعلق بالغاية، فيما يتعلق بتوجهك أنت، وأنت تقاتل، أنه من أجل ألا يتمكن هؤلاء، ويصدون الناس عن دين الله وفتنتهم، وفي نفس الوقت ليكون الدين لله، نفس العبارة السابقة في سبيل الله تشبهها.
{فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}(البقرة: من الآية193). فلا يحصل منكم اعتداء إلا على من ظلموا بأن قاتلوا في الشهر الحرام، أو قاتلوكم عند المسجد الحرام فاقتلوهم.
{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}(البقرة:194) كأن هذه لا تعني: بأنه مرتبطة بشهر معين، فإذا قاتلوكم في رجب، وأنت لم تتمكن أن تقاتلهم في رجب، وأنت تتمكن أن تقاتلهم في القعدة، أو تقاتل في شهر من الأشهر الحرم، {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}(البقرة:194). اتقوا الله لا يحصل من جانبكم اعتداء، انتهاك من جانبكم أنتم ابتدأ، وليس هناك ما يوجب له، أن تنتهكوا حرمة الشهر الحرام، وحرمة المسجد الحرام، يجب أن تتقوا الله، وتتقوا أيضاً: تكونوا على حالة تقوى وحذر من الآخر، من يستغل فرصة كهذه، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}(البقرة: من الآية195). هذا الكلام السابق أليس حول الجهاد؟ وحول القتال؟ شيء طبيعي بأن القتال يحتاج إلى تمويل، التمويل من أين يأتي؟ هل وجه المسلمين إلى أن يبحثوا عن أطراف أخرى؟ وأن يتجهوا للفرس، أو إلى الروم، أو إلى أي دولة أخرى تساندهم؟ لا. ينطلقون هم، فالمقاتلون أنفسهم، المجتمع المسلم هو يمول نفسه، وهذه القضية هامة جداً، لا يقوم الدين إلا بها، لا يقوم الدين إلا على هذا الأساس: أن يكون هناك إنفاق، وأن يكون إنفاقاً من داخل نفس الذين هم يتحركون في القضية، أي: من داخل المجتمع المسلم نفسه، الموجه إليه هذه المسؤولية، بأن يقاتل في سبيل الله، لأنه يحصل استقلالية للأمة، يمكنها أن تنهض بدين الله، ولا تكون مدينة لأي طرف آخر نهائياً، لأن أي طرف آخر لا يقدم شيئاً إلا بثمنه، ولها أثرها الكبير من الناحية النفسية، بالنسبة للمجتمع المسلم، وللأمة عندما تبني على هذا الأساس، تصبح أمة هي واثقة بنفسها، واثقة بدينها، واثقة بربها، واثقة بالمنهج الذي تسير عليه، فتستطيع هي أن تقوم بدين الله، وتستطيع أن تواجه أعداءها.
لكن إذا كانت القضية: أنهم هم يبحثون عن مساعدات أخرى من خارج، لأنه عادة في مراحل الصراع قد يكون طرف من الأطراف في مصلحته أن يساعدك.. في مصلحته أن يساعدك، لأن له موقفا من الطرف الذي أنت تقاتله، لكن هنا لها أثر سلبي كبير، فيما يتعلق بنفسيات المسلمين المقاتلين، المجتمع بكله، سيعتبرون الانتصارات ومواقفهم القوية كلها بسبب الآخرين، والقضية هنا تقوم على أساس أنك أنت تكون متوجها إلى الله دائماً.. دائماً. ولهذا عندما تنفق، أنت تنفق في سبيل الله، من أجل الله، وتقاتل من أجل الله، وتتلمس النصر الذي هو من عند الله، فتكون مرتبطاً بالله، لا تأتي في الأخير تجعل سبب النصر، وفضيلة الانتصارات بسبب الطرف الآخر الذي هو دولة أخرى، أو جهة أخرى.
هنا لو يحصل موقف آخر ربما تتلفت من الذي يمكن أن يساعدك، ولو على حساب أن تقدم تنازلات من دينك، يأتي حالة أنت لا تجد فيها طرف يمكن أن يساعدك، تنهزم من أول يوم، مثلما حصل للعرب الآن، تلفتوا الآن، بحثوا عن روسياً، فرنسا، الصين، لم يعد هناك الاتحاد السوفيتي سابقاً، استسلموا من أول يوم!، ألم يستسلموا من أول يوم؟ هذه عملية تربوية هامة جداً جداً: أن دين الله بنى الأمة بناءاً، استقلالية تكون هي معتمدة على الله فهي تنفق في سبيل الله، معتمدة على قدراتها، وتطور هي قدراتها، انتصاراتها تحسب لها، وتراها أنها من الله، وليس من الطرف الآخر الذي يساندها.
أمة على هذا النحو تستطيع باستمرار أن تكون متحركة، ولا أحد يستطيع أن يقهرها، ولا تكون مدينة لأي طرف في نفس الوقت، من إيجابيات هذه التربية: أنها لا تصبح مدينة لطرف آخر. لأن الدين هو مهمة عالمية، فهل من الناحية الأخلاقية، هل هو مقبول أن تأخذ من الفرس مساعدات، لأنك تقاتل الروم، وأنت تعرف أن هذا الدين يجب أن يدين به الفرس، ويجب أن تدعوهم إليه فتقاتلهم متى ما اتجهوا ليصدوا عنه، سيكون معناه في الأخير: بأنه هذا الدين يمكن أن يخادع، تقول لطرف من الأطراف، يساعدك، ويعينك حتى تنتهي، وتفرغ من قتال الطرف الآخر، وفي الأخير ترجع عليه عندما تكون قوياً.
هذه ليست من أخلاق الدين، وليست قضية أخلاقية، ولا من الناحية الإنسانية. فلئلا تكون الأمة مدينة لأي طرف آخر يجب أن يصل هذا الدين إليه، ستصل إليه. أن يرى الآخر: أن هذه هي نفسها تستطيع أن تواجه، مواقفها قوية، فعندما تصل إليه أنت، لن ينظر إذا ما لديك طرف آخر سيقيم الوضعية، فإذا ما هناك طرف آخر يساعدك سيكون متجرئا عليك، يعرف أنها أمة معتمدة على نفسها، وهي التي انتصرت على ذلك الطرف، وانتصرت على الطرف الآخر. فبالتأكيد سيكون هناك فيما يتعلق بهذا الطرف الذي تصل إليه أنت بالدين؟ يحاول أنه لا يتجرأ عليك في نفس الوقت، ولا ينظر للأمة نظرة أنها في وضعية مستضعفة لأنه ليس هناك طرف آخر يساندها.
فهي حالة مهمة جداً جداً، ولهذا قلنا: أنه يجب أن يكون الناس في عملهم هذا، مهما كان عملاً بسيطاً.. مهما كان عملاً بسيطاً، يجب أن لا نتجاوز حدود تربية القرآن الكريم، حدود هدى الله، أنه يجب أن نتحرك على أساسه، لا يوجد فكرة عندنا نحن بأن نحاول أن نحصل على مساعدات من أي طرف على الإطلاق، لا طرف داخلي ولا خارجي، ولأن الناس عندما يتجهون إلى أن ينفقوا في سبيل الله، أن الله يجعل فيها بركة.. يجعل فيها بركة، وفي نفس الوقت ترتفع معنوياتهم، وفي نفس الوقت ينشدون إلى الله، وتعظم علاقتهم بالله، لأن الجهاد نفسه هو يعتبر من أهم الأشياء في مقام معرفة الله، لأن المجاهدين يكونون في حالة التجاء إلى الله، وبحاجة إلى نصر، وبحاجة إلى تأييد، وبحاجة إلى عون، وبحاجة إلى كذا.. يكونون دائمي الالتجاء إلى الله، وهم يتلمسون في الميدان السند الإلهي، والدعم الإلهي، والتأييد الإلهي، فيعيشون في حالة قرب من الله، هذه الحالة تنسف تماماً إذا ما كانوا ملتجئين إلى أطراف أخرى، إلى دولة أخرى، أو إلى أمة أخرى.
{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}(البقرة: من الآية195) لأهمية الإنفاق في سبيل الله لتمويل العمل في مجال إعلاء كلمة الله،مواجهة أعداء الله، إذا لم ينطلق الناس فيه، معناه: أنهم في الأخير سيلقون بأيديهم إلى التهلكة، تلك الأيدي التي تمسك لا تنفق، هي كأنها تمسك نفسها، وترمي بنفسها إلى التهلكة، إما أن تترك يدك تنفق في سبيل الله، وإلا فهذه اليد نفسها هي التي ستهلكك، ولهذا قال: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}(البقرة: من الآية195).
إما أن تلقي أنت أموالك في سبيل الله.. أو ستلقى أنت أو الأمة هذه ستلقى بيدها إلى التهلكة، تهلك إذا لم تنفق، تضرب حركتها، تضعف مواجهتها، يتغلب عليها الأعداء، فيهلكونها قبل الهلكة التي تأتي من جهة الله سبحانه وتعالى، أشياء كثيرة في الدنيا، والهلكة في الآخرة، هل يمكن لأحد أن لا يعتبر آيات هامة كهذه؟، آيات تعتبر أساسية، في التوجيه، وتتناول مواضيع هامة جداً: الجهاد هام جداً، والجهاد يحتاج إلى تمويل، عندما يأتي أحد يقول: منسوخة!. هنا لا يمكن على الإطلاق، ولا هو مقبول، هذه رؤية قاصرة جداً أن يقول لك: منسوخة.
الإنفاق في سبيل الله جعله الله سبحانه وتعالى بالشكل الذي يمكن للناس أن يعملوه في كل الظروف، لأنه هناك أيضاً من جهة الله، هو يعمل أشياء كثيرة. لا نقول: نحن ليس لدينا أشياء كثيرة حتى ننفق، ليس رأس مال كل واحد منا مليون دولار حتى ينفق! ينفق كل واحد بقدر استطاعته، وعملية مستمرة، ثم أنه يوجهه إلى قضية هي هامة جداً، بأن تكون موجهة إلى الناس جميعاً.. إلى الناس جميعاً، ليست مسؤولية طرف معين، إلى الناس جميعاً عندما يكون كل إنسان ينفق بقدر طاقته، تجتمع مبالغ كبيرة، ويبارك الباري فيها بزيادة مما يمكن أن تعملها في واقعها.
لو أن تمويل الجهاد قضية تعتمد على طرف معين تعتبر منهكة.. منهكة للأمة نفسها، ثم أن هذه القضية نفسها هي أيضاً تجعل الإنسان عنده اهتمام، اهتمام مستمر يرى نفسه مسئولاً، ومعنياً بالقضايا. الآن أليس الكثير من الشعوب يكون عندهم الجيش هناك؟ الجيش! الذهنية هذه مسيطرة أن هناك جيش، وأيضاً البعض يقول: أن هناك جيشاً وأن هناك دولة. هذه القضية تجعل الآخرين مجردين عن الشعور بالمسؤولية، وعن الاهتمام. الإسلام بنى الإنسان على أساس: أن يكون صاحب اهتمام بالقضايا الكبيرة، ومشارك فيها، ومشارك فيها، مشارك بيده، مشارك بنفسه، مشارك بماله، يكون في نفس الوقت شريكاً في النتائج، يلمس الناس هم، ترتفع معنوياتهم، عندما يحققون انتصارات هم.
فإذا كانت جهة معنية ومعينة [لحالها] هي فقط، تذبل الاهتمامات عند الآخرين، وينسون حتى تصبح لديهم حالة لم يعد لديهم شعور بمسؤولية. فيكونون هم معرضين للهزيمة، فإذا ما هزمت تلك الجهة المعينة هزمت البلاد بكلها.
لهذا يأتي الخطاب موجه للمسلمين، أليس الخطاب موجه للمسلمين؟ {وَقَاتِلُوا فِيْ سَبِيْلِ اللهِ}، {وَأَنْفِقُوْا فِيْ سَبِيْلِ اللهِ}، {كُونُوا أنْصَاراً لله} وهذه القضية هامة من الناحية التربوية بالنسبة للأمة، فيما يتعلق بواقع الأمة في بناءها، بنائها النفسي، بالطريقة هذه يصبح الناس، يصبح الإنسان المؤمن صاحب نفس كبيرة، صاحب اهتمامات كبيرة، يرى نفسه في الصراع الكبير مع الأعداء مهما كان كبيراً، لا تكون نفسيته معرضة للتضاؤل والتلاشي، فالإنسان الذي لا يعطى قضايا كبيرة تكون نفسيته معرضة للاضمحلال والتلاشي، فيصبح لا يمثل أي رقم في الحياة، لا يمثل أي دور في الحياة، لكن هنا قضايا تجعلك دور في الحياة، لك فاعلية في الحياة، ونفسك تكبر، ومعنوياتك تكبر، واهتماماتك تكبر.
لاحظ هنا في قضية الحج، وقضية البيت الحرام، والمشاعر كيف هي مفرقة داخل آيات الجهاد، أليست موجودة من أول ما ذكر البيت، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ}(البقرة: من الآية127)، ثم ذكر {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية158)، ثم ذكر هنا الحج {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}(البقرة: من الآية196). لأن هذه لها علاقة ببناء الأمة، لها علاقة بمواقفها من أعدائها، لها أثرها الكبير في تعزيز وحدة الأمة، تمثل ملتقى للبشر، للمؤمنين جميعاً، تعتبر منطلقاً للتوعية فيما بينهم، ووصول أي توجيهات من ذلك المكان، إلى أي بقعة من بقاع الدنيا التي فيها مسلمين.
ثم أمر بتمام الحج والعمرة، متى ما اتجهت إلى العمرة، وابتدأت في أعمال العمرة، فيجب أن تتمها، متى ما بدأت في أعمال الحج التي تبدأ بالإحرام، فيجب أن تتمه، إذا حصل إحصار منعك من أن تتم الحج فهناك الهدي. نفس الشيء فيما يتعلق بأهمية الحج، أن له أهمية كبيرة، الأعداء يركزون عليه بشكل كبير، كما قلنا أكثر من مرة كما أذكر: أن الإمام الخميني قال من قبل: أنهم يخططون للسيطرة على الحج، أمريكا وإسرائيل يخططون للسيطرة على الحج، وهي قضية معروفة الآن، نسمع المؤامرات الرهيبة، ومحاولة تمحل الذرائع كما يسمونها، فيما يتعلق بالسعودية، وفيما يتعلق بدول المنطقة، وشعوب المنطقة كلها.
يبين تشريعات الحج بطريقة قريبة ليس فيها [فنقله] كثيرة، لأن كثيراً من مسائل الحج من الأشياء التي تعددت فيها الأقوال حتى أصبح الحج دقيقاً جداً، وخطيراً جداً، أدنى شيء ولزمك دم.. لزمك دم! وهكذا ذكر تفاصيل الحج وبعد قال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}(البقرة: من الآية197). وهناك قال: {واذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}(البقرة: من الآية203) التأكيد على أن الحج أشهر معلومات قضية هامة يجب أن يتشبث بها المسلمون، لا يأتي العدو في يوم من الأيام مع استجابة الأنظمة الحاكمة للمسلمين، ويقدم من لديه رؤى: أنه يوزع الحج على أشهر، اليمنيون يحجون في شهر كذا، والإيرانيون في شهر كذا، أو الأفارقة في شهر كذا، والآسيويون في شهر كذا، ويوزعونهم ويقولون: المقصود واحد. إذا المقصود واحد يطوف ويذهب يرمي، هي هذه حاصلة، لا. {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} لا يصح إلا فيها..لا يصح إلا فيها. لأنه لو يجزأ الحج بالنسبة لوقته، معناه: تبطل الغاية العظيمة من وراء تشريعه: يمثل ملتقاً واحداً للمسلمين في وقت واحد، وأيام معدودة معينة، الأيام المعدودات: هي أيام منى، أيام التشريق.
لأهمية الحج فيما يتعلق بالناس يحظر عليهم أشياء كثيرة مما قد تثير شقاق فيما بينهم، الكلام السيئ، الكلام الذي يعتبر رفث، الرفث بأنواعه، الرفث سواء كان بكلام سيئ، أو بالتلفت للنساء الحاجّات، هذا كله يدخل ضمن الرفث. {وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}(البقرة: من الآية197)، ولا جدال ممنوع الجدال في الحج، إلا إذا كان هناك حوار متبادل، طرح قضايا معينة، أو توجيه للناس، تذكيرهم بما يجب أن يعملوه، تذكيرهم بخطورة العدو الذي يتوجه ضدهم، وأشياء من هذه، تذكير الناس بالله، ذكر لله، يتجنبون الأشياء التي تثير الشقاق فيما بينهم، الجدال، الكلام البذيء، سواء الحجاج من بلد واحد، وهم في سيارة واحدة أو مع أي حجاج آخرين، مع أي حجاج آخرين مهما كانوا من طوائف أخرى، لا تدخل معهم في جدال، حاول أن لا تدخل في جدال نهائياً لو حاول هو، ذكره بأن هذا المكان ليس مقام جدال. شخص آخر جاءت منه كلمة بذيئة، ذكّره، تقول له: لو أننا في البلاد يمكن أن أجوب عليك لكن هذا المقام ليس مقام كذا، استح من الله، اتق الله، لتبقى الأجواء فيما بين الحجاج من أي بلد كانوا، وحتى من أي طوائف كانوا، تبقى أجواء صالحة للتفاهم فيما بينهم، لتذكير بعضهم بعض بالقضايا التي يجب أن يهتموا بها جميعاً.
يؤكد على موضوع ذكر الله في كل مناسك الحج، في كل المواقع، في كل المناسك، في عرفات، في مزدلفة، عند البيت الحرام، في نفس الأيام، ذكر الذكر عند المشعر الحرام بالنسبة للأماكن، أماكن: أي إشارة إلى الأماكن، أن تذكر الله بالنسبة للأماكن، وذكر بالنسبة للأيام، {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}. يعني: تكون حريصاً على أنك تكثر من ذكر الله في تلك الأمكنة، وفي تلك الأيام.
يذكر بالنسبة لطلبات الناس، أو نفسيات لدى البعض: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}(البقرة: من الآية200). مشغول بطلبات في الدنيا، وماله في الآخر من نصيب {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(البقرة:201- 202) هذه قضية هامة، تذكير للإنسان بأن تكون نظرته شاملة، شاملة للدنيا، لهذه الحياة، وللحياة الأخرى، أن تكون كلها محط اهتمام لديك، كما كانت هي، لأن الله جعل دينه بهذا الشكل حسنة للدنيا والآخرة، نفس دينه جعله للدنيا والآخرة.
أن يكون الإنسان وهو يدعو الله سبحانه وتعالى، يكون على هذا النحو، أعني: ينظر لهذه الحياة، وللحياة الأخرى كلها، لا يكون ممن ينظر لهذه الحياة فقط، أو ينظر نظرة قاصرة لهذه الحياة، وليس في ذهنيته الحياة الأخرى، أحياناً متى ما ساء فهم هذه الحياة يؤثر جداً على الحياة الأخرى، سوء الفهم للحياة هذه يؤثر فعلاً على ما يمكن أن يجعلك ناجيا في الحياة الأخرى، أعني: لاحظ كمثال في هذه عندما تكون نظرتك للحياة هذه بأن هذه الحياة، [الله خلق الدنيا على هذا النحو، ولا يصلح فيها حق، وعلى الإنسان] يحاول كيف يقدم لنفسه مبررات، لا يعمل في سبيله، [وأهل الحق لا ينتصرون على أهل الباطل، وأهل الباطل يكونون دائماً منتصرين، وهم كذا، وهم كذا]، أليست هذه نظرة مغلوطة للحياة هذه؟ تجعلك في الأخير لا تتحرك في سبيل الله، ألست هنا أثرت على حياتك الأخرى؟ سوء الفهم لواقع الحياة هذه، لواقع الأرض هذه، ولسنن الحياة هذه، يؤثر بالتأكيد على مستقبلك في الحياة الأخرى، لماذا تجد الكثير من الناس لا يتحركون في سبيل الله؟ بسبب ماذا؟ نظرة مغلوطة إلى الحياة هذه، وكيف جعلها الله عليه، لا يوجد فيها مكان، ليس فيها مكان للحق، وهذه النفوس، نفوس الناس التي خلقها الله ليس فيها مكان للحق.
إذاً ما دام ما هناك مكان للحق أجلس في بيتي] فقط!، فقعد عن العمل في سبيل الله الذي ستتوقف عليه نجاته في الآخرة. فتعطي الإنسان توجيها بأن يكون فاهماً، فاهماً للحياة الدنيا، وفاهماً للآخرة، ومهتم بالحياة الدنيا هذه والحياة الآخرة، لأنها حياة واحدة في الواقع، هي حياة واحدة في الواقع، ليس الموت إلا عبارة عن فاصل مثل ما يأتي فاصل في النشرة، أليس يأتي فاصل وبعده يكمل النشرة؟ هي.. هي، هي حياة واحدة، وأنت ستكون في الآخرة بنفس المشاعر، تبعث أنت.. أنت، لا تفهم بأنك قد صرت بشكل آخر، أو كأنه حلم.
يكون الناس {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} لم يأتِ ليقول على أساس أنه يقدم النموذج الصحيح، ومنهم من يقول: ربنا آتنا في الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. مثل ما يأتي التوجيه من عند الكثير من الناس يقول: [الدنيا.. الدنيا. لا تهتهم بالدنيا، اهتم بالآخرة]، ويقدم لك الآخرة فقط، الآخرة مرتبطة بالدنيا هذه، فتكون نظرة صحيحة لهذه الحياة الدنيا، ونظرة صحيحة للآخرة، وتطلب من الله الحسنة في هذه الدنيا، وفي الآخرة، {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا}(البقرة: من الآية202) أن الله يؤتيهم في الدنيا هذه نصيباً مما كسبوا، وفي الآخرة، عملك إجعل منه هنا وهناك، نصيب هنا في الحياة الدنيا، ونصيب في الآخرة، لأنه أين النصيب الباقي عندما يقول: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا} هل يمكن أن تعتبره نصيباً، يعني: في الآخرة، فالنصيب الثاني أين؟ وإلا تعتبره نصيب فقط، يوجد نصيب ثاني. النصيب معناه: القسط من الشيء. {نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا} ما كسبوه يستفيدون منه في الدنيا وفي الآخرة.
{وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(البقرة: من الآية202) وحتى في الدنيا يحصل حساب، محاسبة – ولو لم يكن كما في الآخرة حساباً شخصياً، أو حساباً جماعياً – حساب واقعي، أعمال الناس يحاسبون عليها، يذوقون وبال أمرهم، كما قال في آية أخرى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً}(الطلاق: من الآية8)، {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} {فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا}(الطلاق:8-9). هنا في الدنيا قبل الآخرة ليفهم الناس، بأنه إنما كسبوه، يحصل نصيب منه هنا، أعمال سيئة يحصل من عواقبه السيئة في الدنيا قبل الآخرة.
هدى الله سبحانه وتعالى يتناول التقييم للناس، التشخيص للناس لأن هذه قضية هامة، قضية أن يعرفك على الناس كيف هم، بدأ في هاتين الآيتين أن هناك من الناس من يقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا}(البقرة: من الآية201) وهناك فئة: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً}(البقرة: من الآية201). ألست أمام صنفين من الناس؟.
يقول أيضاً: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}(البقرة:204) في نفس الوقت من ألد الأعداء، ومن ألد الناس خصومة، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}(البقرة:205). نحن الآن أمام ناس من النوعية هذه.. ناس من النوعية هذه. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أليسوا هم يقولون لنا: بأنهم يريدون أن يحرروا، يحرروا الناس، ويعملون المناهج التعليمية بشكل أفضل، ويعملون على ترقية الشعوب، ويعملون… عبارات براقة.
{وَإِذَا تَوَلَّى}(البقرة: من الآية205) – متى ما اتجه عملياً، كلامه كلام براق بهذا الشكل – لكن في المجال العملي، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}(البقرة:205). هنا قال: {وَمِنَ النَّاسِ} بشكل عام لتكون عارفاً أنت: أن الناس هم أنواع، – قد يكون منهم سواء في الداخل أو في الخارج – من هم على هذا النحو، لا يكون عندك النظرة التي حصلت لآدم، عنده كيف ممكن مخلوق من مخلوقات الله يحلف يميناً فاجرة، ويقسم بالله: أنه من الناصحين! أليس هو كلاماً أعجبه؟ لأنه يستبعد أن الشخص يأتي ليقسم بالله، لأن الله عظيم في نفس آدم.
كانت هذه أول عملية خداع من {مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} يقسم بالله: أنه من الناصحين، لكن وعمله فساد، تحصل هذه من جهة الأعداء، وتحصل أيضاً في الداخل، يعني: أن الإنسان المؤمن الذي يهتدي بهدى الله يجب أن يكون واعياً، وأن يكون ذكياً، وفاهماً، لا ينخدع بشعارات، لا ينخدع بكلام زائف، لا ينخدع بكلام مزخرف، يجب أن يعرف: هل هذه الجهة مظنة أن يكون واقعها كما تقول؟ هذا من الأسس في هذه، هل ممكن أن يكون هذا؟ هل من المحتمل أن يكون هذا يكون واقعه مطابقاً لما يقوله؟ أما إذا قد مر في حياته بتجارب كبيرة، ووجدناه شريراً فيها، وفي كل مرة يخدعنا بكلام معسول، وكل مرة نقول عسى أنه سيهتدي، عسى أما الآن أنه سيصلح، معناه أنك تجعل نفسك ميدان للخداع باستمرار.
هذه تهدي الناس إلى أن يكون لديهم قدرة في التقييم، قدرة في التقييم للآخرين، ومن الأشياء الأساسية في هدى الله سبحانه وتعالى هو: أنه يعطي الناس بصيرة يستطيعون أن يقيموا، فيعرفوا الصادق من الكاذب، يعرفوا من قد يمكن أن تكون أفعاله متوافقة مع أقواله الجذابة، يعرفون من قد يمكن أن يكون مخادعاً بكلامه المعسول، وأفعاله كلها شر، لأن هذه قضية أساسية في مقام الهدى، وأن تعرف أنه عندما يقول: {وَمِنَ النَّاسِ} هذه قاعدة في تشريع الله، في هدي الله، لا يأتي بأشياء فقط يقول لك يوجد كذا فقط. تأتي إلى القرآن الكريم تجد داخله كثيراً من الآيات التي تحكي ما يشخص في الأخير لك هذه الفئة، وهذه الفئة، وتعرف النفسيات تماماً حتى بمؤشرات لها. لا يقول: {وَمِنَ النَّاسِ} ويتركها مبهمة، مجملة، أول شيء يعطيك فكرة: أن هذه قضية واقعية يحصل في الناس نوعيات من هذه، وفي نفس الوقت داخل سور القرآن الكريم آياته، الأشياء الكثيرة التي تشخص، هنا لاحظ كيف تحدث عن المنافقين، وشخص نفسياتهم، وأعمالهم، وأقوالهم، ووسائل خداعهم في داخل آيات القرآن الكريم في كثير من السور.
هنا أيضاً فيها: {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} أليست هذه عبارة خطيرة؟ يشبه القسم الذي أقسم به إبليس لآدم خدعه، {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}(الأعراف:21). وهو في نفس الوقت {أَلَدُّ الْخِصَامِ} لك، ألد الخصام للأمة، أعني: خصم من ألد الخصوم.
{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} أينما وصلت يده في الأرض، أينما وصلت يده {لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} هذه القضية الآن معروفة، من خلال ما نراه من أعمال الأمريكيين والإسرائيليين، ومحاولتهم لإهلاك الحرث والنسل، إهلاك النسل، عملية التشجيع على الحد من النسل، ووسائل كثيرة يعملونها ليحصل عقم عند الكثير من الرجال سواء في أحزمة، أو في أجهزة طبية، أو في أي شيء من الأشياء هذه، أو داخل المواد الغذائية، أليس هذا إهلاك للنسل؟ وإهلاك للحرث أيضاً فيما يتعلق بمواد كثيرة يشكون منها. قالوا في مصر، قالوا: حصلت هذه في مصر! تصبح الأرض نفسها معطلة، لم تعد صالحة للزراعة، لم تعد تصلح للزراعة، وإهلاك للحرث: تدمير للزراعة.
أليسوا في فلسطين يدمرون الزراعات، يدمرون المزارع، وتدمير للزراعة من جهة أخرى إذا هناك شعب ينتج كاليمن ينتج [بُنْ] يحاولون أن يدمروا هذه الزراعة التي تعتبر مصدر هام لكثير من الناس بطريقة، يحاولون أن يصدروا [بُنْ] مدعوم.. مدعوم، أعني يبيعونه ولو بأقل من سعر الشراء حتى يضربوا الناتج المحلي، هذه عملوها حتى في قضية الدجاج، مزارع الدجاج، أعني ترى البلاد العربية، ترى هنا في اليمن، لم يعد يصلح أن يتربى فيه دجاج!، لازم تأكل دجاج مستورد من البرازيل، أو دجاج فرنسي!.
إهلاك الحرث والنسل يكون أحياناً على ما نلمس، يكون بالطرق هذه المتعددة. يحاولون فعلاً أن يهلكوا حرث الناس هذا، فلا يعتبر منتج، لا نعد نشكل بالنسبة لهم شيء، ويريدون أن نصبح في الأخير مجرد مستهلكين، وما خسره في عملية إهلاك حرثك، عندما يحاول أن يصدر لك كميات مدعومة تراها رخيصة، أرخص من الناتج المحلي، في الأخير عندما يعطل زراعتك أنت، سيستعيد ما خسره بأضعاف مضاعفة، سيرفع السعر قليلاً قليلاً، في وقت قد أنت محتاج إليه! هذه سياسة عندهم ثابتة، للأسف لا يوجد هناك رعاية من نفس الحكومات القائمة، تشجيع للمزارعين، تشجيع للناتج المحلي، تسهيلات كبيرة حتى يمكن للمزارع أنه ينتج، ويبيع برخص، ومازال مستفيداً ما يغطي تكلفته، ووقته، ما يساوي وقته، وتكلفة الإنفاق على المزروعات في حراثة الأرض حتى يحصل ثمرته، ويسوقها، لا توجد رعاية بهذا الشكل. لماذا؟ لأنه يكون بعض الشركات الأجنبية، وبعض الدول الأجنبية تعمل رشاوى كبيرة.. رشاوى كبيرة لمسئولين معينين، وحاول يضرب هو، يساعد في ضرب الناتج المحلي، ويستورد منتجات من البلدان الأخرى، في الأخير: زراعة التفاح، زراعة هذه الحمضيات بشكل عام، زراعة البُن، زراعة أشياء كثيرة، تكون معرضة للتلاشي ليبقى الناس في الأخير سوق استهلاكية، ولا حتى الخضرة، أو الفاكهة لا تعد تحصلها من بلادك.
إذاً تلاحظ من هذه أنك تقارن ما بين الأقوال، والأفعال كوسيلة من وسائل أن تعرف الطرف الآخر، لا تخدع بكلامه المعسول دون أن تنظر إلى فعله، إذا أنت تنظر إلى أفعاله تجد أفعاله على هذا النحو، ستعرف بأنه إنما يخادع بكلامه، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} هذه نوعية سيئة، لكن في نفس الوقت أنت يجب أن تنظر إلى أعماله لتعرف من خلالها: أنه شرير، وأن كل ما يقوله لك من كلام معسول، إنما هو عملية خداع.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ}(البقرة: من الآية206) يأنف أن يتقي الله، يأنف أن يرجع عن هذا الفساد، أن يتحول عما هو عليه من فساد، يأنف {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}(البقرة: من الآية206).
{ومن الناس} نوعية أخرى تجد كيف النوعيات متفاوتة بشكل كبير، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}(البقرة:207) يبيع نفسه من الله، ابتغاء مرضاة الله، فيجب أن تفهم: أن النوعية هذه هي النوعية التي تصلح في الأرض، هي هذه. وليس فقط المسألة: أنه نفهم النوعية السابقة، هذه النوعية تكون منصرفة بعيدة عن الله، بعيدة عن هدى الله، غارقة في ذاتيتها، تتحول إلى مفسدة في الأرض، النوعية الأخرى المتجهة إلى الله، المهتدية بهدي الله، هي النوعية المصلحة في الأرض، ولصلاحها في الأرض هذا من قمة الصلاح في الأرض أن يكون مستعداً أن يبيع نفسه من الله، عندما تبيع نفسك من الله، في مواجهة من؟ هل هناك بيع للنفس من الله في مواجهة مصلحين؟ أو في مواجهة مفسدين؟ مفسدين. عندما يكون هناك نوعية من الناس بهذا الشكل يبيعون أنفسهم من الله، في مواجهة مفسدين، معناه: أنهم يحولون دون الإفساد أن يعم عباد الله، فهم المصلحون في الأرض هم. إذاً هؤلاء هم الوطنيون، هم الوطنيون حقيقة.
يتجلى للناس من خلال هذه كيف تكون النتيجة بالنسبة للالتزام بهدى الله أو الإعراض عنه، الإعراض عنه، يطلع نوعية من تلك السيئة التي قال عنه: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ}(البقرة: من الآية205). ومن يستقيمون على هدى الله يكونون نوعية من هذه النوعية الأخرى، لأن الجهاد في سبيل الله هو في الواقع من أعلى الخدمات للأمة، لأن الجهاد في سبيل الله إنما يكون جهاداً لمفسدين من النوعية هذه، والمفسدون من النوعية هذه عندما يقول: {يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} حرث ونسل من؟ حرثه هو ونسله هو؟ أو حرث ونسل الآخرين؟ أليس حرث ونسل الآخرين؟ فالجهاد لهؤلاء عندما يكون على هذا النحو، أليس في الواقع لصرف هذه النوعية عن أن تهلك حرث ونسل الآخرين، من إيجابياته الهامة: أن هؤلاء هم المصلحون في الأرض حقيقة، ولا قدم لك هنا مسألة أقوال براقة لديهم.
بالنسبة للنوعية الثانية هذه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ} هل هذا النوع لديه كلام براق مخادع؟ وأيضاً لم يقدم لك قضية ومن الناس من يقول كذا وكذا، وهو في نفس الوقت كذا، حتى ولو كلاماً جميلاً، وواقعياً، لأنه عادة النوعية هذه تكون مخلصة لله عملياً، فاعلة، لا تحتاج أن تعرض نفسها بشكل براق، بحيث يقولون: نحن ونحن.. إلى آخره. لا تحتاج إلى هذا، متى ما باع نفسه من الله، هذا جانب عملي هام، والإيجابية هنا في موضوع العمل، {يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ}.
{وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}(البقرة:207) رؤوف بعباده بما فيهم هؤلاء الذي شروا أنفسهم من الله، ورؤوف بعباده جميعاً أن يهيئ من النوعية هذه حتى لا ينفرد بهم المهلكون للحرث والنسل، والمخادعون بالكلام المعسول.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}(البقرة: من الآية208). الدخول في الإسلام، التسليم لله، التسليم لله كافة. هنا لاحظ النماذج التي قدمت لمن يكونون مُسَلِّمِين لله، أو غير مُسَلِّمين لله. فالتسليم لله، الإسلام لله، هو السلام الحقيقي لعباد الله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}(البقرة: من الآية208) ليس معناه: ادخلوا في السلام الذي يدعوكم إليه الآخرون.. سلام أمريكي، ثم يأتي من يقول لنا: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}(البقرة: من الآية208) هذا التسليم لله، وما هو سلام حقيقي، وهو القائم على التسليم لله، هذا الإسلام. أليس الله سمى دينه الإسلام؟ هي كلها مشتقة من عبارة تسليم، والتسليم في الأخير سلام، ألم يسم الجنة دار السلام. فالسلام الحقيقي يأتي نتيجة وثمرة من ثمار التسليم الحقيقي لله سبحانه وتعالى، لأن الله هو السلام، وسمى دينه: الإسلام، وسمى الجنة: دار السلام.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}(البقرة: من الآية208) وأنتم ستجدون سلماً من النوعية هذه الأخرى، المخادعة. الإنسان بحاجة إلى أن يكون في موقف، يسلم من التضليل، يسلم من الخداع. لأنه إذا مشى التضليل عليك، ومشى الخداع عليك، تصبح أنت ضحيته، يصبح المجتمع الذي هو قابل للتضليل، وقابل للخداع، يصبح هو ضحية.
إذاً فدين الله، وهدى الله، هو سلامة للناس من التضليل ومن الخداع، ومن كل ما يجعلهم في الأخير ضحية، وضحية ما لها قيمة، ضحية يكون بعدها جهنم، خسارة في الدنيا، وخسارة في الآخرة.
{وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(البقرة: من الآية208) كل ما قد يصل بك إلى أن تتأثر بالنوعية هذه المخادعة، المضللة، هي كلها من وساوس الشيطان، وخطواته تنبهر بخطاباته البراقة، تنبهر بوعوده البراقة، تنبهر بقوة معينة هو عليها، وعندك أنه هو الذي يشكل هو سلام.
الآن لو يأتي عرض عسكري في أي بلد عربي، هل يوجد أحد من الناس ربما قد يعجب به، ويعتبر أن هؤلاء ناس يستطيعون أن يعملوا كذا؟، الآن افتضحوا بعد قضية العراق، وعندما وجدناهم هم يتسابقون إلى ود أمريكا وإسرائيل، معناه أن الجيوش التي لديهم، والقوة التي لديهم أصبحت لا تشكل شيئاً، لا تعد تشكل حماية، قد يكون العراقيون مثلاً ربما كانوا سابقاً عندما تعرض صواريخ أنتجها العراق، يعتبرون أنفسهم جيشاً قوياً يظهر بعروض عسكرية، يتركز شعر الواحد منهم وعنده أن هؤلاء سيستطيعون أن يصدوا أي قوة تهاجمهم، وفي الأخير كيف كانت؟ لا شيء في الأخير، شكلت لا شيء، تهاوى الجيش، وتهاوت القوة، ودمرها العدو قبل الدخول في الحرب.
إذاً لا تتبعوا خطوات الشيطان فهو عدو مبين، هو لا يوجهك أبداً إلا حيث يكون فيه هلاكك، قد يوجهك إلى أن تعجب بطرف معين لأن في إعجابك به، ينفق تضليله عليك، تكون في الأخير ضحية. لاحظ كيف كان قصة موسى، وفرعون قصة عجيبة، وجذابة جداً، وبين في الأخير كيف كانت النتيجة عندما استطاع فرعون أنه يخدع قومه بمظاهر الملك، والأساور. الذهب، وبالنيل كأنه هو الذي صنعه، وموسى يبدو إنساناً فقيراً معه عصا، قد يكون عنده أن هذا لا يمكن يشكل شيئاً، موسى لا يمكن يشكل للأمة سلامة، أو يهديها سبيل الرشاد، ولكن فرعون عندما قال: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}(غافر: من الآية29).
أليس هذا كلام من هذا النوع الجذاب؟ يلاحظون شكليات معينة هو عليها، وعندهم (هذا الذي يهدينا سبيل الرشاد، أما ذلك، موسى لا يستطيع يعمل شيئاً، هو فقير ليس معه إلا عصا!)، وفي الأخير كيف كانت النتيجة؟ ألم يصل موسى بقومه، ومن ساروا معه إلى أن يهتدوا، فينجو؟. ينشق لهم البحر. ويخرجون، وفرعون وصل وأوصل قومه إلى أعماق البحر يغرقون في البحر. ولهذا قال الله فيما بعد: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}(طـه:79) لماذا انخدعوا بأساور من ذهب؟ ماذا سيعمل لي أن معه سوار في معصمه ذهب براق؟، هذا سيهديني سبيل الرشاد؟ أو أن معه كرسياً ومطعماً بالأحجار، وبالفصوص، وبالأشياء الجميلة، ومزخرفاً، هذا الذي سيهدينا سبيل الرشاد؟،.
أحياناً تكون العروض العسكرية قد تعتقد بأن هذا الجيش يمكن أن يشكل حماية للأمة، ترى صواريخ تعرض، ترى دبابات، لكن في الواقع كشف، وهذا من النعمة علينا حتى يعرف الناس: أنه يجب أن يعتمدوا على الله، ويعدوا هم ما يستطيعون من قوة، يتجهون هم، الجيوش لم تعد تشكل محط أمل حتى عند الحاكمين أنفسهم!، الشيطان أحيانا، والشياطين قد يجعلون شعرك يتركز وأنت تشاهد عروضاً معينة، أو تشاهد خطاباً معيناً، أو تشاهد أشياء من هذه تقول: [هذا والله الذي هو أسد الله سيهزم أبوهم هؤلاء لاحظ ماذا معهم؟] عندما يرى صواريخ من تلك فوق ناقلة أو نحوه.
{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(البقرة:209) أليس هنا ينهى الناس وينبههم: لا تتبعوا خطوات الشيطان، ادخلوا في السلم كافة، فيما يشكل سلامة لكم من هؤلاء الذين هم مخادعون، ومضللون، وفي نفس الوقت متى ما اتجهوا عملياً يفسدون في الأرض، يسعى معناه: يتحرك، يتحرك بقوة ليفسد في الأرض، فالسعي: هو الحركة التي تكون زيادة على الحركة الطبيعية.
{فَإِنْ زَلَلْتُمْ} سمى إتباع خطوات الشيطان ليس معناه: خطوات رزينة، وخطوات ثابتة، معناها: انزلاقه. أحياناً قد تسير على طريق تعتبر خطواتك فيها خطوات ثابتة. أليس في الأدعية: وثبت أقدامنا؟ أدعية المؤمنين؟ هنا تزل قدمك، هنا خطوات الشيطان تعني: مزالق خطيرة. ليس معناه أنك ستضع قدمك مكان قدمه، وهي قدم ثابتة، بمعنى: أن الله يرسم للناس الطريق التي تكون أقدامهم ثابتة عليها، إذا كان هناك خطوات الشيطان تمثل انزلاقات، فهو يهدي الناس إلى أن تكون خطواتهم بعد خطواته ثبات، واستقامة، ولهذا قالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية250). ألم يكونوا بعد شخص، بعد طالوت شخص خطاه ثابتة، تخطوا خطوات، وتكون الخطوات ثابتة، خطوات الشيطان كلها مزالق تزل قدمك.
{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ}(البقرة: من الآية209) البينات توضح لك أن هذه الخطى تزل قدمك إذا مشيت عليها، وهناك طريق الخطى الثابتة، تريد تكون خطاك ثابتة؟ إمش هناك {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(البقرة: من الآية209). هو غني عنكم، ولن تعجزوه، ولن تفوتوه بعد وضوح البينات، وكثرتها. أعني: تجد الآن نحن نقرأ الآن سورة واحدة، أليست سورة واحدة من القرآن، [سورة البقرة] كم تجد فيها من زحمة هدى! كم تجد فيها من أمثلة متعددة! كم تجد فيها من أشياء كثيرة جداً! ماذا بقي بعد هذه؟.
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ}(البقرة: من الآية210). يعني أمر الله وعذابه. أي: يقدم هدى على أعلى مستوى، وبيان على أكمل بيان، ووضوح، وبلاغ تام، ماذا تنتظرون بعد؟ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ من الغمام}(البقرة: من الآية210) عذاب يأتيهم أمره {والملائكة} والملائكة يكونون أيضاً من جنود الله الذين يكون لهم دور في مسألة عذاب الأمم، {وَقُضِيَ الْأَمْرُ}(البقرة: من الآية210). يُقضى عليهم أمره، {قضي الأمر} متى ما بدأت مؤشرات العذاب بسبب انصراف الناس عن هدى الله، اعتبر الموضوع قضي الأمر. {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}(البقرة: من الآية210).
لاحظ هذه الآية ما أهمها وكثير من الآيات في المواقف الهامة يأتي بعبارة: {إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}(هود: من الآية123) أو {إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}(الشورى: من الآية53) أو {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}(البقرة: من الآية210) هذه تعطي للإنسان دفعة بأنه يسير على هدى الله، وأن يعرف أنه ليس هناك مقابل لهدى الله، إلا أن يأتي أمر الله: العذاب، والخزي، والعقوبات. ألم يقل هناك: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}(التوبة: من الآية24) بالنسبة لمن يقعدون عن الجهاد، وتكون أموالهم، وتجارتهم، وبيوتهم، ونساؤهم، وأولادهم أحب إليهم من الله ورسوله، {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} يعني: لم يبق بعد هذا الهدى الشامل والوضوح الذي تراه مليء برحمة الله، مليئاً بالرحمة، حقيقة، لم يبق إلا ماذا؟ الهلاك.
فيفهم الناس بأنه يجب أن يستقيموا، وأن الله هو الذي إليه ترجع الأمور، هو الذي يغير الأشياء، هو غالب على أمره، لا أحد يستطيع حتى ولا الأعداء أنهم يعملون شيئاً في الدنيا، هم على كيفهم، ويكونون مغالبين لله، لا تحصل هذه أبداً، فلا يكن مما يصرفك عن أن تسير على هدى الله، أن ترى أموراً كبيرة هناك تشكل خطورة عليك، الأمور كلها ترجع إلى الله، الله سيجعلها يوم من الأيام لا تمثل شيئاً، بل قد ترى في يوم من الأيام، وإذا فيها أن يجعلها الله بالشكل الذي يخدم القضية التي أنت فيها. وحتى عندما تنصرف عن هدي الله سبحانه وتعالى، وعندك أنك تجد طمأنينة، ولن يحصل عليك شيء، قد صرت تتأقلم مع الجهة التي تمثل خطورة! لا. إليه ترجع الأمور، يمكن يطلع هذه الجهة التي أنت مطمئن إليها، يجعلها تشكل خطورة عليك، وتضربك هي.
من هو الآن الذي هو متجهة لضرب العرب، من؟ من كانوا يتسابقون على ودها، وصداقتها، وخدمتها: أمريكا! أليست هكذا؟ لأن عنده أنه إذا قد أصبح من الموالين لأمريكا فلا عليه خوف من أي جهة أخرى.
{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} فممكن يجعل هذا نفسه، وهذه قد تكون من أشد أنواع العذاب، حسرة أن ترى من كنت تتسابق إلى وده، ويبدوا أنه صديق حميم، وأشياء من هذه، وأنت تصادقه من أجل تأمن من أي خطورة أخرى، وإذا به هو منبع الخطورة! لا يوجد ملجأ غيره، لا يوجد ملجأ آخر منه أمامك. {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} في الاتجاهين: من يحاول أنه يدبر نفسه، وأن يكون بعيداً عن هدي الله على أساس أنه مطمئن، يتأقلم مع جهة هي تشكل خطورة، وزالت الخطورة، لا. من يريد أن يتجه على هدي الله ويرى أموراً كبيرة أمامه وعنده، لا. {إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} يمكن هذه كلها تلك التي تراها عقبات، وجبال كبيرة، تتهاوى، تصبح لا شيء. معنى هذا: أنه تهديد، أعني: لا تعتقد أن الله يترك القضية هكذا، إما أن يسير الناس على هديه، وإلا فما بقي إلا أن ينتظروا عذابه، وعقوباته في الدنيا و في الآخرة.
{سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ}(البقرة: من الآية211) اسألهم، وأنظر حالتهم كيف أصبحوا؟ ليتجه الناس عندما يأتي بهداه، ويهدد بأنه: إذا لم يسيروا على هداه ستأتي هذه العواقب السيئة، إذا كنت قد قرأت، ورأيت ما وصل إليه بنوا إسرائيل، وما وصلوا فيه من أشياء سيئة جداً، هناك، كان هناك آيات كثيرة، وهدى كثير تمثل نعمة.
{سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(البقرة:211) هنا في السابق تحدث عن قضية كالقضية هذه، ثم رد ذهنيتك إلى أمة أصبح واقعها هكذا آيات بينات، {سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} لو ساروا عليها هي تمثل نعمة، لو ساروا عليها، واهتدوا بها، ثم كانوا على هذا النحو، فأصبح واقعهم على هذا النحو السيئ في حياتهم، في تاريخهم!، هذا مَثل من واقع البشر يقدمه. إذاً هذه هي سُنة إلهية: من يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته، ينتظر ماذا؟ نقمة. {فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(البقرة:212) هذه الأشياء التي تخدع الناس، تقدم في البداية، أن يذكر فئتين من الناس: الفئة الأولى هي هذه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}(البقرة:204- 205).
والفئة الثانية هي: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}(البقرة:207) هؤلاء ليس لديهم كلام براق، مخادع، كالنوعية الأولى، الذي قد تتصور نتيجة لو عوده البراقة، أن بيده مستقبل الحياة، وبيده عمارة الحياة، وبيده تحرير الشعوب، وبيده كذا، وفي الأخير تكون لا تشكل شيئاً، تجعلك تسخر من الجانب الآخر، تنشد إلى الجانب الذي لديه مظاهر، فتنخدع بمظاهره، ويصبح لقوله التضليلي، والمخادع أثر في نفسك، وأنت تنظر إلى مظاهره، تجعلك تسخر من الذين آمنوا، ترى ليس عندهم إمكانيات، ترى ليس لديهم قوة مثل الطرف الآخر، نفس قضية موسى وفرعون. فقط يسخرون منهم، لأن هذه الحالة عند الإنسان إذا لم يكن فاهماً لقضية الدنيا هذه، كيف أنه بالإمكان أن يحصل لطرف آخر أموال؟ ويحصل لديه إمكانيات أخرى، ثم انظر كيف تكون عاقبته هو؟ يكون عندك نظرة واقعية بالنسبة لمظاهر هذه الحياة، فلا تكون المظاهر نفسها بالشكل الذي يخدعك، وأنت ترى بأن تلك المظاهر هي في يد ليست يداً أمينة.
هل كان ذلك العرش الذي عليه فرعون، والأساور من ذهب، {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}(الزخرف: من الآية51) ألم يقل لهم هكذا؟ كان يقول لهم هكذا، خدعهم بمظاهره، زينت لدى الآخرين بمعنى: أن الطرف الآخر يحاول يقدم ما لديه من أشياء، ومظاهر، يزين لك أنت أن تنخدع بتضليله، وتسير بعده، تصبح في الأخير تسخر ممن هم في الواقع سبيل للنجاة، سبيل للهداية، وعلى أيديهم تتحقق الهداية والنجاة، {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(البقرة: من الآية212).
حتى لو لم يحصل في معادلات الدنيا هذه، الحياة هذه أن يرى الكافرون والمؤمنين فوقهم في هذه الحياة، هنا قد يكون ولو جيل منهم، جيل منهم لا يدرك الشيء هذا، فيوم القيامة سيرونهم فوقهم مثلما قال في آية أخرى، ألم يذكر عن المؤمنين أنهم: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}(المطففين:34- 36) قد تكون هذه النفسية هي نفسية عند الطغاة أنفسهم، عند الكافرين بالله، يكونون هم يزين لديهم ما هم عليه، ويدفعهم إلى السخرية من المؤمنين، فتكون مظاهر حياتهم بالشكل الذي تحول بينهم وبين أن يهتدوا، فتكون النتيجة لهم خسارة في الدنيا وخسارة في الآخرة.
قد يرون الذين آمنوا فوقهم في الدنيا، وإذا لم يحصل لدى البعض منهم ففي القيامة، في الموقف الخطير جداً، والحرج جداً، لأن مواقف الآخرة أشد من مواقف الدنيا، لأنها مواقف حاسمة، ومتفاوتة جداً، {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}(الإسراء: من الآية21) في الاتجاهين. فسخريتهم من الذين آمنوا، تجعلهم لا يقبلون أن يهتدوا في الأخير، بأن هذه من الآثار السلبية لمظاهر الحياة عند فئة من الناس هم على هذا النحو، هي تحجبهم عن الهداية، لأنه قد ألف في نفسه أن يقيم كل شيء على أساس الزخرفة والمظاهر، إذا ما عندك مظاهر حياة كمثله، ولهذا فرعون لم يرض أن يستجيب لموسى، هل رضي أن يؤمن؟ {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}(الزخرف:52) أليست مظاهر الحياة لديه صرفته عن أن يستجيب لموسى؟ لأنه يلاحظ أنه لا يملك شيئاً، {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}، يقول لقومه {أَمْ أَنَا خَيْرٌ}.
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}(البقرة: من الآية213). هذا يؤكد في الأخير حاجة البشر إلى كتب الله ورسله، حاجة البشر إلى هداية الله، حتى ولو كانوا ما يزالون مجتمعاً واحداً. يقال في تفسيرها: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله، حتى وإن كانوا أمة واحدة هم يحتاجون، الإنسان كإنسان، المجتمع المتكون من البشر، ولو كانوا أمة واحدة، هم عبارة عن طوائف، أو عبارة عن شعوب وكذا، هم يحتاجون إلى أنبياء الله ورسله وكتبه، ولأنه تطرأ فيما بينهم في تعاملهم الفردي مع بعضهم بعض، تطرأ كثير من الاختلافات.
إذاً فبالأولى أن يكون البشر بحاجة إلى كتب الله ورسله، في حالة اختلافهم هم، فيصبحون طوائف وأمم، ويصبحون خطوطاً مجانبة للحق، لأنه حتى داخل الأمة الواحدة المحقة التي هي تسير على الصراط المستقيم، تحصل اختلافات عادية بين الأفراد في مواضيع المعاملات، والنكاح، والطلاق، أو أشياء من هذه، يختلفون فيها، ألم يحصل مثل هذه الحالة في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ حصل في نفس المجتمع أشياء من هذه، كانوا يتشاجرون ويختلفون، لكن وتحسم القضايا بسرعة. ليس معناه بأن البشر عندما يكونون أمة واحدة هم كبشر، واعتماد على فهمهم وذكائهم، أنهم قد أصبحوا يستطيعون أن يرسموا لأنفسهم طريقة، فلا يحتاجون إلى كتب ولا رسل، البشر يحتاجون إلى هدى الله.
أي لو وصلت الأمة إلى أن تصبح أمة واحدة فهي ما تزال بحاجة ماسة إلى هدى الله المستمر دائماً، هدى الله المستمر دائماً داخلها، وإلى هذا الهدى الشامل لأن هناك كثير من الأشياء تطرأ داخل يحتاج إلى حل، خلافات تطرأ واسعة كلما اتسعت الأمور قد تحصل.
فبالأولى عندما يصبح البشر مختلفين وتصبح هناك سبل غير سبيل الله، وتصبح هناك طرق متعددة فلا يمكن أن يحل هذا الاختلاف، ولا يمكن أن يجعل الناس أمة واحدة إلا ما هو من عند الله، هدى الله الذي يأتي عبر هذه الطريقة.
{فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}(البقرة: من الآية213) لأنه عادة اختلاف الناس يأتي فيه محظورات، عندما يصبحون في واقع، هو واقع أن يبشر، وأن ينذر، يكون البشر هم في واقع أن يبشروا، وأن ينذروا، {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ}(البقرة: من الآية213).إذاً حصلت هذه.
{فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}(البقرة: من الآية213). فالكتاب نفسه جاء ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، لكن المشكلة أنه ماذا؟ حصل اختلاف فيه.. اختلاف فيه، يعني في الكتاب. {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}(البقرة: من الآية176). كما تقدم في الآية السابقة {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ}(البقرة: من الآية213) أي في الكتاب، {إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}(البقرة: من الآية213).
لاحظ أن هذه تعطيك صورة ثابتة عمن يختلفون في كتب الله، ويختلفون في دينه من بعد رسله، يكون هذا منشؤها، ليس منشؤها نفس الكتب هي التي توجد اختلاف، لأن كتب الله هي تنزل لتحسم الاختلاف بين الناس في القضايا الكبيرة والصغيرة، تجعلهم أمة واحدة، ويبقون أمة واحدة، وأي شيء يطرأ داخلها، هذا يحسمه باستمرار، ومع هذا يأتي من الناس من يختلفون فيه، فعندما يحصل اختلاف فيه منشؤه هو هذا {بَغْياً بَيْنَهُمْ} {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} أي في الكتاب {إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ}. يعني: قيل لهم قوموا به، خذوه بقوة، تمسكوا به، التزموا به، وعلى أساس أنهم أوتوه للآخرين، يقدمونه للآخرين، فاختلفوا فيه، فضربوا بقية البشر، {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} أي: أنهم اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات تحذرهم من الاختلاف، وخطورة الاختلاف، وترسم الطريق التي يسيرون عليها، فلا يختلفون.
أي: نفهم من هذه أن أي اختلاف في أي أمة من الأمم بعد أنبيائها لا يكون منشؤه أبداً قصور في البينات والهدى، أو تقصير من أنبياء الله على الإطلاق، نفهم فيما يتعلق بالمختلفين بعد رسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) البعض يحاول يتأول يقول: يمكن أنهم ما علموا من قول رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): ((فمن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه)) أنه نص على أنه خليفة بعده، ما علموا، ما عرفوا!، عندما تجد اختلافاً بعد نبي من أنبياء الله، تأكد بأن الطرف المخالف هو يخالف عن علم، هذه قاعدة هنا ثابتة، وتكررت في أكثر من آية مخالفين عن علم، لم يعد هناك مجال أن تتأول له على الإطلاق، ليس مجالاً أن تتأول له، ثم يأتي من بعد من يسيرون من بعد على ما قد رسم كامتداد لذلك الضلال الذي كان نتيجة للاختلاف الذي طرأ، لأن الاختلاف عادة يكون ماذا؟ خروج من طريق الحق إلى ضلال.
فالطرف الذي كان على هذا النحو هو يقدم ضلالاً، وفي الأخير قد يكون في الأجيال المتعاقبة، من ينظرون إليهم أنهم ساروا على تلك الطريقة، واعتقدوا أنها مسيرة مستقيمة.
{وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}(البقرة: من الآية213). إعتداء، إعتداء هكذا صريح، ومخالفة صريحة، {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ من الحق}(البقرة: من الآية213) لأنه في أثناء الاختلاف في الدين يصل الإختلاف إلى الاختلاف في الكتاب، أي فيما يتناول الكتاب. ألست تجد اختلافاً في التفسير؟ هو هذا، اختلاف حتى في التعامل مع الآيات، يعتبر هذه منسوخة، وليست منسوخة. يقدم تفسيرها بشكل آخر. فهناك يحصل التباس، يحصل عملية لبس في أوساط الناس من خلال عمل هؤلاء الذين خالفوا بغياً، نتيجة البغي، وبدوافع البغي.
{فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ}(البقرة: من الآية213). كأن هذه سنة: أن الله يهدي، يهدي إلى الحق، الذي إضاعة الذين خالفوا، وقدموا ضلالاً، وسموه حقاً، وبدا أمام الناس وإذا هذه القضية قد التبست!، أن الله يهدي {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} أن تؤمن الإيمان الواعي، الإيمان الواعي، أن تعرف أن لله سنة في هدايته، أنه رحيم لا يترك أحداً يضيع الحق تماماً، لهذا عندما نقول نحن فيما يتعلق بالماضي: عندما ترجع تجد أنه حاصل كان في مسيرة الزيدية، هذه، دع عنك باقي الأمة، كان يأتي أشخاص، كان يأتي أشخاص ينبهون، إنما لم يحكموا حتى نسميهم أئمة بعضهم، وبعضهم حكم، ثم جاء من بعدهم آخرون، فعمموا شيئاً، فجئنا نحن نتشبث به. هذه طريقة ثانية، لم يعد بالإمكان يأتي يخرجك مما أنت عليه، ومتشبث به، إفهم الطريقة، إذا فهمت الطريقة الصحيحة ستجد لها أعلاماً في مسيرة البشر، وإن كانت أدوار، قد تكون أدوار محدودة للبعض أو أدوار متفاوتة، لكن هذه لا تحصل بأن يضيع الحق تماماً، لكن الناس هم في الأخير يضيعون الحق هم، لا يرضون إلا أن يتشبثوا بتلك الطريقة، ويبقوا عليها.
نحن الآن نحاول نقول في موضوع فنون معينة، هي تعتبر خطيرة جداً في صرف الناس عن القرآن، ألم تنزل أقوال واضحة في الموضوع هذا؟ وترى تشبث في نفس الوقت، أليس هناك تشبث عند طرف آخر يتشبث لا يرضى يترك هذه الطريقة، وهي طريقة ضلال، لا يأتي الباري ينزل يدك أنت، يخلص يدك بالقوة، ويدخلك في الحق بالقوة، لا تحصل هذه. لأن هذه الطريقة كان يعجز بعض الأنبياء، ألم يكن بعض الأنبياء يدعو؟ يدعو حتى يقتنع بعدم استجابتهم، وفي الأخير يأتي عذاب على أمته، يبين بياناً كاملاً واضحاً ولم يبق لديهم إلا عناد بحت، يضربون في الأخير، ليس معناه: أن الله يسمح أن القضية تُعتم تماماً على البشر.
{فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(البقرة: من الآية213). لاحظ كيف الإنسان بحاجة يقدم لك أنه يهدي هدى متكرراً، يهدي للناس ما يبين طريقهم، ويُنزل الكتب تهدي، ثم يأتي ناس يحملونها فيختلفون!، ألم يحصل هنا مشكلة؟ ألم يحصل ضلال؟ أيضاً، يهدي هناك، يهدي ليبين للناس الحق الذي اختلفوا فيه مَن أوتوا الكتاب، معناه: أن هدى الله لا ينقطع أبداً عن الناس، لأن هداه هدى رحيم، هدى رحيم بعباده، لا يقول: يكفي قد نزلنا كتاب، ورسول وفقط. متى ما اختلفوا في الكتاب، وحصل لبس، وحصل تضليل، هو أيضاً يهدي، لكن من يهدي؟ {الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ}(البقرة: من الآية213) أليس هذا مظهر عظيم من مظاهر رحمته بعباده؟ فعلاً لا يقول: يكفي [في ستين داهية]. أيضاً يهدي ويوفق {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(البقرة: من الآية213).
وتجد نفس الطريقة في سنن الله في الهداية، ألسنا نلمس من البداية أن الله يأتي بطريقة مسهلة جداً، وحتى في المرحلة هذه الأخرى التي تعتبر مرحلة خطيرة، هي مرحلة لبس، وقد المنطق ديني، صار المنطق كله ديني، وكله حول الكتاب والسنة، أليس هذا يحصل؟ أيضاً يقدم بطريقة سهلة.
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(البقرة:214) هذا مظهر آخر من مظاهر عمل الله في الميدان العملي، هدى الله فيما يتعلق في مقام لبس الحق بالباطل، يهدي أليس هذا شيء؟ وفي الميدان العملي يكون هناك أيضاً يهدي، ويفرج، ويأتي بالفرج في المراحل الصعبة، وأن يكون الفَرَج، قيمة الفَرَج العظيم هو في المراحل الصعبة. كثير مما تحصل من هذه يمس الناس بأساء، وضراء، وزلزلة، لأن من قد حكى عنهم من قبل النوعية الأخرى، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ}(البقرة: من الآية205).
وهؤلاء الذين يختلفون في الكتاب بعد ما يؤتوه فيعملون ضلالاً، ثم ينشأ من الضلال أشياء أخرى تجعل الحياة مليئة بالأشواك فعلاً، يجعل أشياء كثيرة، مطبات كبيرة، ليس معنى هذا أنه يصبغها هي، لازم من يجاهدون في سبيله يصب عليهم بأساء، وضراء، وأشياء من هذه! لا. هو يعطي الإنسان دفعة قوية من البداية، أي: يشجعك أن تكون مستبسلاً في سبيله، وقدم نماذج هامة حكى عنهم بأنهم أحياء لا يصح أن تقولوا: أموات، شهداء، ثم أثنى على من سماهم في الآية الأخرى ألم يقل عنهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية207).
الروحية هذه تجعلك تتحمل، وتتجاوز كل الصعوبات هذه، وتجد أن المسيرة تنتهي مهما كانت تبدو صعبة، تنتهي إلى ماذا؟ إلى أن يأتي نصر من الله، والنصر من الله معناه ماذا؟ فرج. أليس معناه فرج، وتمكين، وقوة؟ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(البقرة:214).
عندما يكون الناس في مرحلة أصبحت فيها حالات من هذه فالمسؤولية هي أن تعمل على إعلاء كلمة الله، وتجاهد في سبيل الله، ولو كان هناك مطبات من هذه، أولاً أنّه يأتي تأييد من جهة الله، تجعل الكثير من هذه المطبات لا يكون لها أثرها الكبير، ولو تترك على ما هي عليه، لأثرها الواقعي، لكانت مرهقة، لكن يأتي تأييد من الله، يأتي عون من الله، وإن كان ما يزال يبقى لها آثار، لكن لاحظ أنه في حالة أن تتعود على الصبر، وفي حالة أن تعرف قيمة الصبر، وتعرف قيمة العمل الذي أنت فيه، تكون معنوياتك مرتفعة، وتعتبر نفسك في نعمة توجد عندك حالة من التحمل لما يأتي، فليكن ما كان، أتركه ينتهي إلى قتل في سبيل الله. أليس سيعتبرها فضيلة، البأساء، والضراء، كلها أليست دون القتل؟ أليست دون القتل على الأقل؟.
إذا أنت توطن نفسك وتفهم بأنه حتى أن تقتل في سبيل الله هو نعمة كبيرة، وشرف عظيم، وفضل كبير لك، ودرجة رفيعة.
إذاً فالبأساء، والضراء، فلتكن كيفما كانت سنتحملها. إذا كان الناس على هذا النحو، معناه: يكون عندهم قابلية، وتوطين لنفوسهم على أن يتحملوا بأساء، وضراء. والبأساء، والضراء، فيما قد يمس الإنسان باعتبار أمواله، وباعتبار بدنه، أحياناً قد تصل المسألة إلى هذه الدرجة {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ}(البقرة: من الآية214) زلزلة، أحداث، وغربلة، وبلبلة، وأشياء حتى وهم منطلقون على أساس هم مؤمنون برسول الله، لكن يتساءلون تساءل {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}؟(البقرة: من الآية214) ظروف حرجة. {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(البقرة: من الآية214). كأن معنى العبارة {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(البقرة: من الآية214) أنه يأتي الفرج الإلهي، يأتي النصر الإلهي.
لاحظ قيمة هذه أن تقدم الأمثلة على أن الله سبحانه وتعالى لا يتخلى عن أوليائه، عن المجاهدين في سبيله، في المرحلة الحرجة.. في المرحلة الحرجة، أليس المرحلة الحرجة، والظروف الحرجة هي التي تجعلك أحوج ما يكون إلى الفرج؟ إلى النصر؟ أعني هي المرحلة الحرجة فعلاً. إذاً ليس معناها: بأنه وباقي المسيرة من قبل قد لا يحصل شيء، يأتي.
عندما ترجع إلى القرآن الكريم تجد كيف قال عن معركة بدر، ذكر أنه أنزل المطر ليثبت أقدامهم، وذكر تأييد ملائكة، وذكر أشياء كثيرة، لأن هذه لها قيمة فيما يتعلق بالثقة، ثقة الإنسان بالله تكون ثقتك به بأنه لا يتخلى حتى في الظروف الحرجة، فارق كبير لو أن المسألة تقدم أمثلة في بدايات الأشياء، أو في القضايا السهلة قد تقول: لكن كيف لو وصلت المسألة إلى كذا؟. أو قد ترى مثلاً بأنه لم يمر بك ما يسمى فرج، أو ما يسمى تأييد، في مرحلة معينة، وقد أنت في تلك المرحلة الصعبة يكون عندك أنه قد تخلى منك، كأنه قد تخلى عنك، لا. تكون ثقتك بالله بأنه لا يتخلى عنك، وتقدم الأمثلة لترسيخ الثقة بهذه الأمثلة التي تعني: المرحلة الحرجة، لهذا قدمت فيما يتعلق بيوسف في موقفه الحرج جداً مع امرأة العزيز، وهنا في ميدان المواجهة، في ميدان الصراع مع الآخر، ليخلق عندك ثقة بأن الله لا يتخلى في الظروف الصعبة، وهي القضية الهامة. أليست هي القضية الهامة؟ الظروف الصعبة، أما أشياء من قبل يمكن قد لا تشكل خطورة لا يكون لها وقع كبير على أنفسنا.
هناك مثال لهذا حتى نعرف قيمة هذه، قد تجد كثيراً من الناس الذين نسميهم على حسب الشيء المعروف عندنا مؤمنين، وعبّاد. أليس هو يأتي يذكر لك قصص كثيرة عن سفرته عندما يحج، أو يسافر، أن الباري هيأ، ووفق، وسهل، وأشياء من هذه؟.
عندما تقول له: نجاهد في سبيل الله، لم تعد هذه الفكرة!، قد عنده فكرة أنه لن يحصل فرج في هذه القضايا الكبيرة، وهو يحكي لك هو أنه تسهيلات حصلت له في سفره، أو في قضية معينة، في تزويج ابنه، أو في بناء بيته، أو في أشياء من هذه. [سهل الله، ووفق الله، وهيأ الباري، والباري جيد ولا يتخلى عن أحد] وأشياء من هذه. لكن اعرض عليه موقفاً صعباً، يقول: لا. إذاً ألا يوجد فارق هنا؟ فأن تقدم الأمثلة التي ترسخ ثقتك بالله في القضايا الحرجة، تعطيك ثقة من هنا وكذا إلى أول، من النقطة الحرجة ويكون ما قبلها بالأولى، وما قبلها، لأنه أهم شيء عندك هي الحالة الحرجة، الحالة الخطيرة.
إلى هنا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
قد يعجبك ايضا