إعلان بايدن عن “نهاية الدعم” للتحالف يكشف:أمريكا وحدَها المعنية بإيقاف العدوان على اليمن
|| صحافة ||
من واشنطن أتى إعلانُ الحرب على اليمن في 26 مارس 2015م، حربٌ لم تبدأها حقيقةً السعوديةُ والإمارات ولا بقية الدول التي أُعلن أنها ضمن التحالف ثم انسحبت منه، وبالتالي ليسوا هم المعنيين بإنهائها، وقطعاً هم يتمنون إنهاءها ولكنهم أضعف من ذلك بكثير، فهي حربٌ بدأت وستنتهي من واشنطن وبالتحديد من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الأمريكي الذي أصبح مجدداً في مواقع صُنع القرار في البيت الأبيض وأكثرية في الكونجرس بغُرفتَيه، فقد اجتمع الديمقراطيون عشيةَ إعلانها مع سفير المملكة السعودية الجبير وقرّروا إعلان الحرب.
بعد ست سنوات من هذه الحرب، جاء إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، المتمثل بانتهاء الدعم العسكري للتحالف العدواني على اليمن، والذي تقودُهُ بلاده من خلفِ ستار شفاف، وثمة تكتيكٌ أريد له أن يكون ظاهرياً بقيادة المملكة السعودية، ويمكن أن يُترجم هذا الإعلان إلى وقف بيع الذخائر الحربية والكف عن توفير المعلومات الاستطلاعية والاستخباراتية، لكن من المستبعد سحبَ القوات وأنظمة باتريوت التي تحمي السعودية من الصواريخ اليمنية، فأمريكا بايدن تسعى إلى تكريس تواجدها في المنطقة، وهذا ما ظهر في خطابه عن السياسة الخارجية لإدارته.
ومن المثير أن الحزب الديمقراطي الذي فاز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بأغلبية قد أعرب عن معارضتِه لاستمرار هذه الحرب، وقدّم عدداً من مشاريع القوانين التي هدفت إلى نهايتها، لكنه كان دائماً يصطدم بفيتو الرئيس السابق دونالد ترامب، مع العلم أن جو بايدن كان وقتَ إعلان الحرب على اليمن يشغلُ منصبَ نائب الرئيس الأمريكي الأسبق “أوباما”.
في المنظور العسكري فَـإنًّ عملية نهاية الدعم العسكري الأمريكي -إن صدقت- للإمارات والسعودية يمكن أن تُترجم في عدة اتّجاهات، كما يلي:
الاتّجاه الأول، فمعنى وقف مبيعات الذخيرة الحربية التي تستعملها الطائرات المقاتلة مثل الصواريخ والقنابل الذكية، وعليه لا يمكن لهذين البلدين استنفادُ الذخيرة التي يمتلكانها؛ تحسباً لمواجهات في المستقبل، وقد أعلن البيت البيض منذ أَيَّـام “تجميد” مبيعات الأسلحة، وتجد السعودية راهناً صعوبةً في إيجاد بديل أُورُوبي لتذخير أسلحتها أمريكية الصنع.
الاتّجاه الثاني، تجميد المعلومات الاستطلاعية التي كان البنتاغون يقدمُها إلى الرياض وأبوظبي ويحصل عليها بواسطة الأقمار الاصطناعية والرصد عبر الطائرات المسيَّرة مثل تموقع الجيش اليمني واللجان الشعبيّة وتحَرّكاتهم ومناطق انتشارهم، وكذلك أماكن الآليات والأسلحة ومستودعات تخزين وتموضع الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة.
الاتّجاه الثالث، سحب الخبراء الأمريكيين من السعودية ومن ضمنهم قوات القبعات الخُضر التي أرسلها ترامب إلى السعودية بداية مارس 2018م لمساعدة السعوديين، خَاصَّةً في جنوب البلاد، الأمر الذي سيشكلُ فراغاً ميدانيًّا، يجعل قواتِهم في اختبارٍ حقيقي على الأرض.
الاتّجاه الرابع، مع احتمال سحب الخبراء الأمريكيين الذين يشرفون على بطاريات باتريوت لاعتراض الصواريخ اليمنية والتي كانت قد ضربت العمقَ السعودي لأول مرة في نوفمبر 2017م، ولم ينجح الباتريوت في اعتراضها، وعلقت الكثير من الوسائل الإعلامية الأمريكية منها ما كتبت جريدة نيويورك تايمز في ديسمبر 2017م، “أن فشل الباتريوت شكَّل خطراً حقيقيًّا على الأمن القومي الأمريكي؛ لأَنَّ الباتريوت فشل في اعتراض صواريخ غير متقدمة بما فيه الكفاية”، واعتقد البنتاغون في حينها أنه من ضعف الخبراء السعوديين وأرسل فريقاً من الخبراء الأمريكيين لاعتراض الصواريخ، كما أرسل أنظمةً إضافيةً وأكثر تطوراً من الباتريوت، وهي منظومة ثاد، إلى السعودية وقتها، ولكنه سحب بطاريتين في مايو الماضي بعد أن بان فشلُها في اعتراض بالستيات اليمن ومسيّراته.
الإعلان جاء بعد دراسة معمَّقة واستيعاب الواقع الراهن للعقيدة القتالية والقدرة العسكرية للجيش واللجان الشعبيّة والتي غيّرت كُـلَّ المقاييس العسكرية الحديثة، وخَلُصت إلى أنه لا يوجدُ لقوة السلاح وتنوعه أيُّ دورٍ فعال في تحقيق التحالف للنصر ولا للحصار ولا لعدد الجيوش وعديدهم، وأن ما يحسم الحروب هي السيكولوجية النفسية للجنود، وهو الأمرُ الذي يمتلكُه مقاتلو الجيش واللجان الشعبيّة اليمنية ويفتقرها من سواهم.
الاتّجاه الأخير (وهو الأهم على الإطلاق)، فهذا الإعلان يتعلق بالإجَابَة عن التساؤل: “هل حقّقت الحرب على اليمن أهدافها”، إذ لم يكن أحد يتوقع بأن تزيد الحرب عن ستة أشهر أَو ربما لسنةٍ كاملة، لكن ما لا يدركه الكثيرون أن في الحرب ثمة خطيئة يجب أن يقترفها تحالف الحرب والعدوان أن يكونوا طرفاً في القتل والدمار وَالتسبب بمآسي الملايين وَنزوح وتشريد آلاف الأسر؛ ولذلك فحجمُ الكارثة يكمُنُ بمدة الحرب فكلما كانت المدةُ أطولَ كان الرصيدُ الذي تقدمه السعوديةُ والإمارات أثقلَ وأكبر، من هنا جاءت الإجَابَة فالمستفيدُ الأكبر هو الأمريكي، فقد بلغت ديون الولايات المتحدة الأمريكية مع نهاية 2015م ما يقارب 34 ترليون دولار وهذا الرقم في تناقص مستمر منذ بداية الحرب، ففي كُـلّ عام تقوم السعودية والإمارات بشراء ما يقارب 90 % من إيرادات أمريكا من الأسلحة.
إذن أصبحت تجارةُ الحرب أغلى من تجارة النفط وأغلى من جميع الموارد الأُخرى، وبات الاقتصادُ الأمريكي يبني تقييماته على أَسَاس استمرار الحرب على اليمن، وما تبقى من المديونية سيتم سدادُها بواسطة فواتير الجرائم السعودية والإماراتية بحق اليمن الأرضَ والإنسانَ، تحت مسمى الحماية، وهو ما أشار إليه بايدن.
صحيفة المسيرة