بشهادة محللين ومراقبين: الوفد الوطني في الكويت يفرض قواعد جديدة في السياسة
موقع أنصار الله || صحافة محلية _ الثورة || كمال البرتاني
• نجح في الموازنة بين المواقف المبدئية غير القابلة للمساومة، وبين المرونة اللازمة للتفاوض.
• وفد الرياض مقسّم بين أجندات السعوديين والإماراتيين، ورهينة لسباق المصالح الإقليمية والدولية، وعاكسٌ للصراعات المناطقية و(الشللية) في صفوف مؤيدي العدوان.
• وقف إطلاق النار- تشكيل حكومة وحدة وطنية- التوصل لحلول جذرية – انسحاب القوات الأجنبية- تبنّي خطة لمواجهة التنظيمات الإرهابية.. رؤية شاملة أربكت الأمم المتحدة ومؤيدي العدوان
المفاوضات، أو الحوار، في الحالة اليمنية، ميدانٌ آخر من ميادين مواجهة العدوان. إنها معركةٌ أخرى في الحرب ذاتها، ونتائجها لن تحل أزمة راهنة أو تنهي معاناة قائمة وحسب، وإنما سترسم مستقبل الأجيال القادمة.
ولذلك فإن المواطن اليمني يوجه تساؤله القلق لأعضاء الوفد الوطني: “لماذا الذهاب إلى الكويت؟” متطلعاً لمعرفة الرؤية التي حملوها، كما يتساءل عن سقف التنازلات التي يمكن أن يقدموها، متخوفاً من أن تذهب معاناته الكبيرة وتضحياته الجسيمة على مدى أكثر من عام أدراج الرياح.
في جنيف1 وجنيف2، لم يتخط المتباحثون مرحلة اختبار النوايا، أما في الكويت، فإن إمكانية التوصل إلى حل غير مستبعدة، وقد عبر عن ذلك المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد بقوله: “نحن أقرب إلى السلام من أي وقت”، مع أن الفشل متوقع أيضاً، وقد ظهرت بوادره أكثر من مرة، لولا محاولات الإنقاذ والإنعاش، وتسلح الوفد الوطني بالصبر، وقدرته على فرض رؤيته وعلى انتزاع الاعتراف الدولي به ممثلاً للشعب اليمني، مقابل انكشاف وفد الرياض ومراوغاته لإفشال المفاوضات. وتعد تصريحات وزير الخارجية البريطاني (فيليب هاموند) مؤشرا مهما لمدى التغير الذي طرأ على المواقف الدولية منذ بدء المباحثات، إذ قال هاموند إن أنصار الله “يمثلون جزءاً مهماً من المجتمع اليمني، وسيلعبون دوراً في الحكومة المستقبلية”، مشيرا إلى أن الحكومة المزمع تشكيلها “ينبغي أن تمثل كل أطراف المجتمع”، مؤكدا أن حكومة هادي لا تمثل اليمنيين، وليس لديها مصداقية لدى كل شرائح المجتمع اليمني.
رؤية موحدة
راهنت دول العدوان، منذ استئناف العملية السياسية في جنيف1، على حدوث انقسام في صف القوى الوطنية، وبالذات بين أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام. وكان وفد الرياض ومن يحركونه عن بعد، يفاجأون في كل مرة برؤية موحدة، وتصريحات متناغمة لأعضاء الوفد. وقد أبدى كثير من المحللين السياسيين إعجابا وصل إلى حد الانبهار، بالتماسك الذي أبداه الوفد، و عدّوا ذلك نتيجة لتماسك الجبهة الداخلية عسكريا وأمنيا واقتصاديا، مستندين إلى ما يخرج به الناطق باسم أنصار الله محمد عبدالسلام، والقياديان في الحركة حمزة الحوثي ومهدي المشاط من تصريحات، مع أمين عام حزب المؤتمر عارف الزوكا، وقيادات مؤتمرية أخرى.
وحسب تلك التحليلات المنشورة في الصحافة العالمية، فإن التزام الوفد رؤية موحدة، ومواقف مبدئية، يعد استثناءً في قواعد السياسة؛ لأسباب عديدة أهمها:
• ظروف العدوان والحصار، وحجم التحديات وقوة الخصوم. وفي هذه الحالة كان المتوقع أن يبحث كل فريق عن قارب نجاة، وأن ينفرد برؤية تحقق أهدافه وتضمن مستقبله.
• التباين – الذي تؤكده مسلّمات السياسة- بين “طرف ثوري” وآخر يرون أنه يمثل نوعاً من “الثورة المضادة”، لكن هذا التصنيف- حسب قيادات أنصار الله والمؤتمر- يقفز على حقيقتين، الأولى: أن اليمن يتعرض لعدوان شرس وحصار خانق، ويواجه مؤامرة كبيرة تستهدف سيادته ووحدته وأمنه ومستقبله، والأولوية الوطنية لرفض العدوان والتصدي له، مع تأجيل كل الطموحات السياسية “المشروعة”. والثانية: أن التنافس على السلطة له ميدانه وقواعده، والمرحلة لا تحتمل تلك التصنيفات السياسية، بل إن الفرز يتم الآن على أساس وطني لا حزبي ولا طائفي ولا مناطقي.
وقد أشاعت وسائل إعلام معادية لليمن أن خلافا طرأ بين المؤتمر وأنصار الله؛ بسبب اشتراط الأول 50% من قوام الحكومة التي قالت إنها ستشكل في صنعاء، كما حاولت أن تثير فتنة بين الطرفين خلال التظاهرات المليونية في الكلية الحربية وميدان السبعين في شهر مارس الماضي، إلا أن قيادات الجانبين أكدت أن الظرف الراهن يدفع للعمل وفق “القواسم المشتركة” حسب تعبير رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي.
ظل الوفد الوطني خلال مشوار المباحثات، يقدم رؤية موحدة، حتى عندما ذهب أنصار الله إلى التفاوض الثنائي مع الجانب السعودي، حملوا تلك الرؤية، ولم تفلح الإيحاءات السعودية في شق الصف، عندما نفى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمر صحافي أن يكون لقيادات المؤتمر تواجد في المملكة، كأنما يشير إلى ترتيبات خاصة مع أنصار الله خارج “المتفق عليه وطنيا”، وهو ما لم يحدث في الواقع. أما وفد الرياض فبدا منقسماً ومقسما بين أجندات السعوديين والإماراتيين، ورهينة لسباق المصالح الإقليمية والدولية، وعاكسا للصراعات المناطقية و”الشللية” في صفوف القوى المؤيدة للعدوان. وقد اتضح هذا الأمر جليا في الجولتين الأوليين من المباحثات بسويسرا، حين تم الاعتراض على تسمية أعضاء الوفد، ونسب التمثيل فيه، والاعتراض على وزير خارجية هادي السابق واتهامه بنقص الخبرة، واتضح في الخلافات العميقة بين تجمع الإصلاح وبعض المكونات الجنوبية، وبقايا التيارات اليسارية، كما برز في صراع هادي وبحاح، حتى انتهى بإزاحة الأخير، الذي كان يقوم بدور “وكيل أبوظبي”. وذهب محللون إلى أن إقالته مثلت انتصاراً للمشروع السعودي، ولإخوان اليمن، أكثر من كونه مكسباً لهادي.
مواقف مبدئية
وكان ثمة تحدٍّ أكبر أمام الوفد الوطني، يتمثل في الموازنة بين المواقف المبدئية غير القابلة للمساومة، وبين المرونة اللازمة في المفاوضات، والاستعداد لتقديم التنازلات.
وقد تبنى الوفد- انطلاقا من وضوح الهدف- مواقف غير مطروحة في قائمة التنازلات، وأهمها:
– الإصرار على إيقاف العدوان وإنهاء الحصار؛ لأن أي عملية سياسية تفرغ من معناها وقيمتها في ظل استمرار القصف والاقتتال والتجويع. ولذلك كان الوفد يشترط تثبيت وقف إطلاق النار، وتوقف الغارات قبل الجلوس للتفاوض. ولتحقيق ذلك، قدم “مبادرات حسن نية” بإيقاف العمليات العسكرية في العمق السعودي، وفي جبهات الداخل، إلا أن الرياض ومرتزقتها كانوا يتعمدون التصعيد قبل وأثناء الحوار، وجعله ورقة للضغط، كما عبر عن ذلك عضو الوفد الوطني مهدي المشاط، معلقا على استمرار الخروقات السعودية، بأنها لن تجدي في “التأثير على طاولة المفاوضات”، ومن ثم في دفع الوفد للتنازل عن مواقفه المبدئية.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن ما أسمته “وفد صنعاء لم يصل إلى الكويت؛ بحجة عدم وضوح أجندة المباحثات في الكويت”، بينما قالت وسائل الإعلام الموالية للعدوان إن الوفد “يتمسك بشروطه”، وعزا أعضاء الوفد تأخرهم في الوصول إلى الكويت؛ لعدم التزام الطرف الآخر بوقف القتال. ورفضوا مغادرة مطار صنعاء يوم الـ17 من أبريل الماضي، إلى أن تلقوا تعهدات دولية بهذا الشأن. وخلال المباحثات، تمسك الوفد الوطني بتثبيت وقف إطلاق النار، بينما طالب وفد الرياض باستمرار الغارات الجوية، ورفض مقترحاً قَدَّمَهُ المبعوثُ الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد يقضي بإصدارِ بيانٍ يدعمُ وقف إطلاق النار. ودلت الخروقات في تعز ونهم ومأرب وصنعاء وغيرها، على تمسك الرياض ومرتزقتها بأمل الحسم العسكري، وبالذات من خلال التركيز على جبهة نهم، وأوهام حصار صنعاء. وأعلن الناطقُ باسمِ أنصارِ الله محمد عبد السلام، في تصريحات صحافية، إمكانية فشلِ مفاوضات الكويت في حالِ استَمرتْ الغاراتُ الجوية السعودية على اليمن. ومن جهته، قال عارف الزوكا- أمين عام حزب المؤتمر في حوار متلفز، إن أول أولويات الوفد ” وقف العدوان الغاشم (…) ورفع الحصار الجائر”، مبديا أسفه لعدم الالتزام بذلك برغم التعهدات والوعود الأممية، مشيرا إلى أنه تم طرح هذا الأمر في كل اللقاءات وفي كل جلسات المفاوضات. وأشار حمزة الحوثي إلى تلقي الوفد “تأكيدات بتثبيت وقف النار والأعمال القتالية بشكل كامل وكل ما من شأنه حفظ وسيادة واستقلال بلدنا الحبيب وتلقينا تأكيدات بأن تكون أجندات الحوار واضحة وتلامس القضايا التي من شانها الخروج بحلول سلمية تنهي الحالة القائمة “.
– التفريق والتمييز بين “الحل اليمني” الذي يجب أن يكون توافقيا، وبين قضية العدوان والحصار وهي مسؤولية السعودية وحلفائها؛ وبناء على هذه الرؤية فإن التفاوض اتخذ مسارين متوازيين، الأول مع وفد الرياض الذي يمثل هادي ومن معه، والثاني: تفاوض مباشر مع السعوديين، وقد استؤنف مطلع شهر يونيو الحالي، بزيارة ناطق أنصار الله محمد عبد السلام للمملكة.
– طرح حلول جذرية وشاملة للأزمة، والبعد عن الحلول المرحلية والجزئية؛ لضمان إخراج البلاد من دوامة العنف والفوضى. وتتلخص تلك الحلول بالشراكة في استكمال مهام المرحلة الانتقالية الأولى التي تم تعطيلها وانتقاء تنفيذها، سواء في حكومة باسندوة أو حكومة بحاح.
– شمولية الحل للحالة اليمنية كلها، مع عدم استثناء المحافظات الجنوبية، بناء على حقيقة أن “حل الدولتين” لم يعد قائما، ويؤكد ذلك تكاثر المشاريع الصغيرة “دولة حضرموت- دويلة المهرة وسقطرة”، ومحاولات إحياء التراث السلاطيني. وبناء على إدراك أن الولايات المتحدة وجوقتها الأوروبية وإسرائيل منهمكون في إعادة رسم الخرائط في المنطقة، وهو ما عبر عنه مدير وكالة الاستخبارات الأميركية السابق مايكل هايدن، الذي قال إنه من الصعب المحافظة على وحدة البلدان التي تشهد صراعات محمومة في الشرق الأوسط، ومنها العراق وسورية وليبيا واليمن.
– التأسيس لشرعية جديدة بدءا بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل مكونات الطيف السياسي، وانتهاء بتنظيم انتخابات، بتوافق اليمنيين وبما يحقق مصالحهم. وكان هذا الأمر محل خلاف كبير مع وفد الرياض، بل إنه يمثل العقدة والعقبة الأكبر، التي وصفها البعض بـ”الخلاف في ترتيب الأولويات”، إذ يصمم وفد الرياض على نزع مخالب القوى الوطنية “تسليم السلاح”، قبل التوصل لحلول سياسية حول عملية الانتقال السياسي وشكل الدولة.
أكد أعضاء الوفد الوطني على أولوية تشكيل الحكومة؛ لتقوم بتنفيذ الإجراءات الأمنية وغير ذلك مما سيتم الاتفاق عليه. وقال حمزة الحوثي إنه “تم التأكيد على جزئية الحل السياسي المتمثل في سلطة توافقية جديدة كنقطة أولى وكمدخل للحل اليمني وكوعاء لتنفيذ الإجراءات الأمنية التي يمكن الاتفاق عليها.” وقال الزوكا إنه ” لابد من الوصول إلى توافق حول سلطة تنفيذية توافقية”، واصفا إياها بـ “مقدمة الحلول” و”المدخل الحقيقي للحل”.
– استعادة القرار السيادي اليمني، وعدم الارتهان لأجندات إقليمية ودولية. والتفريق بين الإشراف على تنفيذ الاتفاقات، وفرض الوصاية على اليمن. وفي هذا السياق، طرح أعضاء الوفد الوطني عددا من القضايا، بينها ضرورة وجود ضمانات لتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه، وأهمية وجود وسطاء نزيهين، كعمان وروسيا، إلى جانب الأمم المتحدة التي اتسم دورها بالضعف حينا وبالانحياز لدول العدوان حينا آخر.
– رفض المحاصصة والتقاسم، تجنباً لإعادة إنتاج الحالة اللبنانية التي كانت المحاصصة هي بذرة الشقاق داخل الحل التوافقي، وهي المبرر للمحافظة على هويات جزئية، لها نسبة محفوظة في السلطة بغض النظر عن استحقاقها إياها. وإضافة إلى ذلك فإن المحاصصة تجاوز صارخ لمفهوم الوطن والوطنية، ولمعيار الكفاءة، ولجوهر الديمقراطية ذاته.
– إنهاء حالة الاحتلال، وإيكال مهمة الإشراف على انسحاب كلي للقوات الأجنبية من اليمن للجنة العسكرية والأمنية التي ستقوم بالإشراف على الانسحاب من المدن، وتسليم سلاح الجماعات للدولة. ومع أنه تم بحث إنشاء اللجنة واللجان الفرعية في المحافظات والشروط الواجب توافرها في أعضائها، إلا أنه تم استثناء عدن ولحج وأبين وحضرموت من مسؤولياتها، وهي المحافظات التي تقع تحت سيطرة قوات الاحتلال وتنظيمي القاعدة وداعش.
– تبنّي خطة لمواجهة التنظيمات الإرهابية «القاعدة» و«داعش»، وتسجيل الأسلحة التي دخلت اليمن من دول العدوان وتسليمها للدولة. وأشار محمد عبدالسلام مرارا إلى عدم تجاوب وفد الرياض ودول العدوان مع ما يتم طرحه بخصوص التنظيمات الإرهابية، مع أن المجتمع الدولي بات يستشعر الخطر من امتلاكها الموانئ والموارد المالية الضخمة والسلاح الثقيل.
– إنهاء الدور السياسي لكافة الأشخاص الذين وفروا الغطاء للعدوان على اليمن، والرفض التام لفرض أي شخص سيكون وجوده في المسرح السياسي سببا للتأزيم، وليس مساعدا لتنفيذ الاتفاقات وتقديم الحلول، أمثال هادي وعلي محسن الأحمر وغيرهما. وقد تم تسريب مسودة اتفاق لم يتم البت فيها بشأن بقاء هادي اسميا ومن دون صلاحيات لمدة قصيرة.
وتشير تقارير صحافية وتحليلات سياسية إلى أن الطرح الذي يقدمه الوفد الوطني، يتسم بالشمولية؛ لأنه يطالب بحل كامل لكل نقاط الاختلاف، بينما يحاول وفد الرياض تجزيء المشكلة، والتعامل مع الوفد الوطني على أنه يمثل “سلطة انقلابية”، و”ميليشيات”، متجاهلاً الاعتراف الدولي بسلطة أنصار الله وبتمثيل الوفد الوطني للشعب اليمني الذي خرج رافضا للعدوان ومرتزقته يوم الـ26 من مارس الماضي- الذكرى الأولى للعدوان. كما أن الطرح الذي يقدمه الوفد الوطني يشمل الجانبين العسكري والأمني ولكن من بوابة الحل السياسي، بينما يكتفي وفد الرياض بالجانبين العسكري والأمني؛ أملا في أن يحقق بالتفاوض ما لم يتمكن من تحقيقه في الميدان.
وعكست تصريحات أعضاء وفد الرياض وانسحاباته المتكررة عدم اطمئنانه للتوصل إلى حل سياسي شامل؛ لأنه سيفقد مصالحه، كما أشارت تلك التصريحات- من باب الترهيب- إلى أن مشاورات الكويت هي الفرصة الأخيرة. يأتي ذلك مع تسرب معلومات- أشار إليها الكاتب العربي عبدالباري عطوان- عما يقوم به عدد من أتباع هادي بحثاً عن ملاذات آمنة في أوروبا، ومحاولتهم الحصول على حق اللجوء السياسي هناك، بعد أن تأكد لهم استحالة عودتهم إلى اليمن، واستحالة فرض المشروع السعودي على اليمنيين.