البرنامج الرمضاني لليوم العاشر من ص 24- ص 26

أعني: تجد الآن نحن نقرأ الآن سورة واحدة، أليست سورة واحدة من القرآن، [سورة البقرة] كم تجد فيها من زحمة هدى! كم تجد فيها من أمثلة متعددة! كم تجد فيها من أشياء كثيرة جداً! ماذا بقي بعد هذه؟.
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ}(البقرة: من الآية210). يعني أمر الله وعذابه. أي: يقدم هدى على أعلى مستوى، وبيان على أكمل بيان، ووضوح، وبلاغ تام، ماذا تنتظرون بعد؟ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ من الغمام}(البقرة: من الآية210) عذاب يأتيهم أمره {والملائكة} والملائكة يكونون أيضاً من جنود الله الذين يكون لهم دور في مسألة عذاب الأمم، {وَقُضِيَ الْأَمْرُ}(البقرة: من الآية210). يُقضى عليهم أمره، {قضي الأمر} متى ما بدأت مؤشرات العذاب بسبب انصراف الناس عن هدى الله، اعتبر الموضوع قضي الأمر. {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}(البقرة: من الآية210).
لاحظ هذه الآية ما أهمها وكثير من الآيات في المواقف الهامة يأتي بعبارة: {إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}(هود: من الآية123) أو {إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}(الشورى: من الآية53) أو {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}(البقرة: من الآية210) هذه تعطي للإنسان دفعة بأنه يسير على هدى الله، وأن يعرف أنه ليس هناك مقابل لهدى الله، إلا أن يأتي أمر الله: العذاب، والخزي، والعقوبات. ألم يقل هناك: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}(التوبة: من الآية24) بالنسبة لمن يقعدون عن الجهاد، وتكون أموالهم، وتجارتهم، وبيوتهم، ونساؤهم، وأولادهم أحب إليهم من الله ورسوله، {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} يعني: لم يبق بعد هذا الهدى الشامل والوضوح الذي تراه مليء برحمة الله، مليئاً بالرحمة، حقيقة، لم يبق إلا ماذا؟ الهلاك.
فيفهم الناس بأنه يجب أن يستقيموا، وأن الله هو الذي إليه ترجع الأمور، هو الذي يغير الأشياء، هو غالب على أمره، لا أحد يستطيع حتى ولا الأعداء أنهم يعملون شيئاً في الدنيا، هم على كيفهم، ويكونون مغالبين لله، لا تحصل هذه أبداً، فلا يكن مما يصرفك عن أن تسير على هدى الله، أن ترى أموراً كبيرة هناك تشكل خطورة عليك، الأمور كلها ترجع إلى الله، الله سيجعلها يوم من الأيام لا تمثل شيئاً، بل قد ترى في يوم من الأيام، وإذا فيها أن يجعلها الله بالشكل الذي يخدم القضية التي أنت فيها. وحتى عندما تنصرف عن هدي الله سبحانه وتعالى، وعندك أنك تجد طمأنينة، ولن يحصل عليك شيء، قد صرت تتأقلم مع الجهة التي تمثل خطورة! لا. إليه ترجع الأمور، يمكن يطلع هذه الجهة التي أنت مطمئن إليها، يجعلها تشكل خطورة عليك، وتضربك هي.
من هو الآن الذي هو متجهة لضرب العرب، من؟ من كانوا يتسابقون على ودها، وصداقتها، وخدمتها: أمريكا! أليست هكذا؟ لأن عنده أنه إذا قد أصبح من الموالين لأمريكا فلا عليه خوف من أي جهة أخرى.
{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} فممكن يجعل هذا نفسه، وهذه قد تكون من أشد أنواع العذاب، حسرة أن ترى من كنت تتسابق إلى وده، ويبدوا أنه صديق حميم، وأشياء من هذه، وأنت تصادقه من أجل تأمن من أي خطورة أخرى، وإذا به هو منبع الخطورة! لا يوجد ملجأ غيره، لا يوجد ملجأ آخر منه أمامك. {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} في الاتجاهين: من يحاول أنه يدبر نفسه، وأن يكون بعيداً عن هدي الله على أساس أنه مطمئن، يتأقلم مع جهة هي تشكل خطورة، وزالت الخطورة، لا. من يريد أن يتجه على هدي الله ويرى أموراً كبيرة أمامه وعنده، لا. {إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} يمكن هذه كلها تلك التي تراها عقبات، وجبال كبيرة، تتهاوى، تصبح لا شيء. معنى هذا: أنه تهديد، أعني: لا تعتقد أن الله يترك القضية هكذا، إما أن يسير الناس على هديه، وإلا فما بقي إلا أن ينتظروا عذابه، وعقوباته في الدنيا و في الآخرة.
{سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ}(البقرة: من الآية211) اسألهم، وأنظر حالتهم كيف أصبحوا؟ ليتجه الناس عندما يأتي بهداه، ويهدد بأنه: إذا لم يسيروا على هداه ستأتي هذه العواقب السيئة، إذا كنت قد قرأت، ورأيت ما وصل إليه بنوا إسرائيل، وما وصلوا فيه من أشياء سيئة جداً، هناك، كان هناك آيات كثيرة، وهدى كثير تمثل نعمة.
{سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(البقرة:211) هنا في السابق تحدث عن قضية كالقضية هذه، ثم رد ذهنيتك إلى أمة أصبح واقعها هكذا آيات بينات، {سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} لو ساروا عليها هي تمثل نعمة، لو ساروا عليها، واهتدوا بها، ثم كانوا على هذا النحو، فأصبح واقعهم على هذا النحو السيئ في حياتهم، في تاريخهم!، هذا مَثل من واقع البشر يقدمه. إذاً هذه هي سُنة إلهية: من يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته، ينتظر ماذا؟ نقمة. {فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(البقرة:212) هذه الأشياء التي تخدع الناس، تقدم في البداية، أن يذكر فئتين من الناس: الفئة الأولى هي هذه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}(البقرة:204- 205).
والفئة الثانية هي: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}(البقرة:207) هؤلاء ليس لديهم كلام براق، مخادع، كالنوعية الأولى، الذي قد تتصور نتيجة لو عوده البراقة، أن بيده مستقبل الحياة، وبيده عمارة الحياة، وبيده تحرير الشعوب، وبيده كذا، وفي الأخير تكون لا تشكل شيئاً، تجعلك تسخر من الجانب الآخر، تنشد إلى الجانب الذي لديه مظاهر، فتنخدع بمظاهره، ويصبح لقوله التضليلي، والمخادع أثر في نفسك، وأنت تنظر إلى مظاهره، تجعلك تسخر من الذين آمنوا، ترى ليس عندهم إمكانيات، ترى ليس لديهم قوة مثل الطرف الآخر، نفس قضية موسى وفرعون. فقط يسخرون منهم، لأن هذه الحالة عند الإنسان إذا لم يكن فاهماً لقضية الدنيا هذه، كيف أنه بالإمكان أن يحصل لطرف آخر أموال؟ ويحصل لديه إمكانيات أخرى، ثم انظر كيف تكون عاقبته هو؟ يكون عندك نظرة واقعية بالنسبة لمظاهر هذه الحياة، فلا تكون المظاهر نفسها بالشكل الذي يخدعك، وأنت ترى بأن تلك المظاهر هي في يد ليست يداً أمينة.
هل كان ذلك العرش الذي عليه فرعون، والأساور من ذهب، {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}(الزخرف: من الآية51) ألم يقل لهم هكذا؟ كان يقول لهم هكذا، خدعهم بمظاهره، زينت لدى الآخرين بمعنى: أن الطرف الآخر يحاول يقدم ما لديه من أشياء، ومظاهر، يزين لك أنت أن تنخدع بتضليله، وتسير بعده، تصبح في الأخير تسخر ممن هم في الواقع سبيل للنجاة، سبيل للهداية، وعلى أيديهم تتحقق الهداية والنجاة، {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(البقرة: من الآية212).
حتى لو لم يحصل في معادلات الدنيا هذه، الحياة هذه أن يرى الكافرون والمؤمنين فوقهم في هذه الحياة، هنا قد يكون ولو جيل منهم، جيل منهم لا يدرك الشيء هذا، فيوم القيامة سيرونهم فوقهم مثلما قال في آية أخرى، ألم يذكر عن المؤمنين أنهم: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}(المطففين:34- 36) قد تكون هذه النفسية هي نفسية عند الطغاة أنفسهم، عند الكافرين بالله، يكونون هم يزين لديهم ما هم عليه، ويدفعهم إلى السخرية من المؤمنين، فتكون مظاهر حياتهم بالشكل الذي تحول بينهم وبين أن يهتدوا، فتكون النتيجة لهم خسارة في الدنيا وخسارة في الآخرة.
قد يرون الذين آمنوا فوقهم في الدنيا، وإذا لم يحصل لدى البعض منهم ففي القيامة، في الموقف الخطير جداً، والحرج جداً، لأن مواقف الآخرة أشد من مواقف الدنيا، لأنها مواقف حاسمة، ومتفاوتة جداً، {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}(الإسراء: من الآية21) في الاتجاهين. فسخريتهم من الذين آمنوا، تجعلهم لا يقبلون أن يهتدوا في الأخير، بأن هذه من الآثار السلبية لمظاهر الحياة عند فئة من الناس هم على هذا النحو، هي تحجبهم عن الهداية، لأنه قد ألف في نفسه أن يقيم كل شيء على أساس الزخرفة والمظاهر، إذا ما عندك مظاهر حياة كمثله، ولهذا فرعون لم يرض أن يستجيب لموسى، هل رضي أن يؤمن؟ {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}(الزخرف:52) أليست مظاهر الحياة لديه صرفته عن أن يستجيب لموسى؟ لأنه يلاحظ أنه لا يملك شيئاً، {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}، يقول لقومه {أَمْ أَنَا خَيْرٌ}.
قد يعجبك ايضا