أطفال اليمن.. حقلُ تجاربَ للأسلحة الجرثومية الأمريكية

|| صحافة ||

يُعانِي محمدٌ مع ثلاثةٍ من إِخوته، من مرض السرطان منذ خمسة أعوام، وكل التقارير الطبية تؤكّـد أن إصابتهم بهذا المرض المزمِن سببُه غارةٌ أمريكية!.

ويحكي محمدٌ بأسًى عن تفاصيل ما حدث لهم في ذلك اليوم المشؤوم، فيقولُ: “استهدفت غارة مدرسة أبي بكر الصديق المجاورة لمنزلنا، وفي صباح اليوم التالي وعند خروجنا لتفقد ما حدث جاءت غارةٌ أُخرى”.

كانت المنطقةُ المستهدَفة هي مديرية الحشو بمحافظة صعدة، حَيثُ كان العدوان الأمريكي السعودي يرصد كُـلّ التحَرّكات في المدرسة، ويرى في الطفولة هدفًا عسكريًّا استراتيجيًّا يتيحُ لهم تجربةَ صناعاتهم الحربية الحديثة الصنع على أجساد هؤلاء الفتية النحيلة.

ارتفعت سحب الدخان عاليًا، وأحالت الأسلحةُ المتفجرةُ المدرسةَ إلى رُكامٍ ممزوجٍ بالدماء، والتصقت الأشعةُ الجرثومية بأجساد الإخوة الأربعة وتسببت بإصابتهما فيما بعد بالسرطان.

 

الإصابةُ بالسرطان بعد الغارات

ويروي والدُ الأطفال الأربعة، مطر علي زمام، ما حدث في ذلك اليوم بالقول: حين سمعتُ الانفجار الشديد بالقُرب من منزلي أيقنتُ أنها لحظة الفراق للحياة ولم أستطع النهوضَ من الفراش وشعرت بتجمد الدم في عروقي، وقلت: يبدو لي أنه حلم، ولكن سمعت صراخ أطفالي فأغمِيَ عليَّ لبضع دقائق، حتى وصل بعضُ الجيران الذين تبعد منازلهم عن منزلي عشرات المترات فألقوا عليَّ الماء وقمتُ وأبنائي على قيد الحياة، فيما كانت والدتهم وأخوهم الأكبر منهم معزيين في بيت جدهم الذي استهدف منزله طيران العدوان قبل يومين.

ويؤكّـد زمام أن أطفالَه كانوا سليمين من كُـلّ الأمراض قبل تلك الغارات الإجرامية، “وبدأ محمد وناصر اللذان كانا بالقرب من سور المدرسة يشعران بألم وحكة شديدَين في وجيهيهما والمناطق المكشوفة من أجسادهما، وبعد فترة وجيزة ظهرت أعراضُ ذات المرض على اختيهما الصغيرتين اللتين خرجتا من داخل البيت فورَ سماع الغارات”.

ويضيف زمام “فحوصاتُ الأطباء التي أجريناها في العديد من المستشفيات وفي مركز الأورام السرطانية تؤكّـد أن أعراضَ تلك الحكة تشير إلى أن ما في وجوههم وأجسادهم أعراض مرض السرطان الذي يعانون منه، ولا يوجد في اليمن المحاصر دواءٌ مناسبٌ له أَو مستشفيات قادرة على علاجهم إلى اليوم”.

ويتابع الوالد زمام حديثه بالقول: “أنفقت كُـلّ ما معي وبعت سياراتي وتعاون الأهل والأقارب معي في علاج أطفالي منذ أكثر من خمسة أعوام ولكن دون جدوى واليوم أخاطب وزير الصحة والقيادة السياسية ومنظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر والأمم المتحدة أن يستشعروا مسؤولياتهم ويمنحون أطفالي فرصة للعلاج في الخارج”.

أما الطفلان محمد وناصر وأختاهما آمنة ورغد فتحدثوا لصحيفة المسيرة، متسائلين عن الذنب الذي اقترفوه حتى تتم معاقبتهما بهذا التوحش والهستيريا، مستغربين من صمت العالم والأمم المتحدة حيال الجرائم بحق الطفولة في اليمن.

ويضيف والد الأطفال وهو يجهش بالبكاء: لماذا كُـلّ هذا التكبر؟ لماذا هذه القسوة والغطرسة من قبل الأمم المتحدة على أطفالنا، فأطفالنا ليسوا قيادات عسكرية ليُحرموا من العلاج وليس لهم ذنب ولا سبب في هذا العدوان والحصار المفروض علينا، تصادر حياتهم ويُحرمون من التعليم في هذا السن؟

ينظر إليَّ محمد بعينيين بالكاد يراني بهما من شدة الألم الذي استفحل بوجهه ومحاسنه وحواسه وهو يقول لي “أنت دكتور؟ متى سنذهب فوق الطائرة للعلاج في الخارج؟”.

كادت الأرض أن تبتلعني حين وقفت عاجزاً عن الرد على سؤاله المشروع والمبرّر وفاضت عيناي بالدموع وهم يقفون مندهشين بحماس ونقص من حنان الطفولة حينها ضممته بين ذراعي وقبلته على جبينه، فبادرت لزرع الأمل فيه وقلت له: “لا تخَف إن شاء الله يوقف الحصار على شعبنا اليمني ويفتح مطار صنعاء وتعود الرحلات الجوية وستكون أنت وأخوك ناصر وأخواتك ووالدك مع أول رحلة للعلاج في الخارج”.

قال لي الطفل الأصغر ناصر وهو يستمع لحديتنا مع والده وأخيه: “هو صدق يا عموه، والّا مثل كُـلّ مرة يكذبوا علينا أنهم با يسفرونا نتعالج وما صح شيء؟”.

لم أملك سوى نهدة كادت تطلعُ معها روحي وتفارق جسدي من شدة القهر وقوة الألم والحُرقة التي يتحدث بها الطفلان ووالدهما، ومن وحشية الأعراض التي فتكت بمحاسنهم ووجوههم المليئة بالورم السرطانية الملتهبة والعميقة الجراح النازفة بالدماء على خدوداً أربعة أطفال في عمر الزهور”.

يقول الطفل محمد ذو العشرة الأعوام وهو يشكو لي حبه ورغبته في التعلم “كنت في العام الدراسي الأول، فيما ناصر أخي ذو التسع السنوات اليوم كان في المستوى التمهيدي بعد مجيء العدوان على شعبنا اليمني بـ5 أشهر، ومنذ ذلك اليوم المشؤوم لم يسمح لي المرض والالتهابات الحادة التي وصلت إلى جوف صدري، أن أعود إلى فصلي وبين زملائي الذين يعودوني بزياتهم ومساعداتهم المالية”.

أما الطفلتان آمنة ذات السبعة الأعوام ورغد ذات الستة السنوات يقول والدهما: “إن المرض لم يمنحهما فرصةً للتسجيل في المدرسة المدمّـرة بجوار المنزل، وهو المشغول بشكل مستمر في البحث عن فرصة لعلاج أطفاله أَو الحصول على منحة علاجية بين أروقة المنظمات الإنسانية والجهات الرسمية، للسفر خارج البلاد”، شاكياً من المواعيد العرقوبية، واستغلال المنظمات لحالة أطفاله المرضية وصورهم المثيرة للشفقة والرحمة، المستمرين في المتاجرة بها لابتزاز الأمم المتحدة ملايين الدولارات وحصوله على الفتات والوعود الكاذبة والعلاجات الغير مجدية والبالغ البسيطة التي لا تتجاوز 100 ألف يمني، حسب وصفه.

 

الحاجة للسفر للخارج

وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المركز الوطني لعلاج الأورام في مارس 2018، فقد استقبل المركز عند افتتاحه في العام 2005 نحو 11 ألف إصابة بالسرطان، وسجل العام 2006 نحو 13269 إصابة، ليرتفع عددهم في العام 2007 إلى 19 ألفاً، وسجل العام 2011 نحو 22 ألفاً، وفي العام 2016 قفز عدد المصابين إلى 25 ألف حالة، وفي العام 2017 تم تسجيل أكثر من 30 ألف حالة، بفارق 8 آلاف إصابة في الأعوام الثلاثة الأولى من العدوان، عما كان عليه الحال في 2011 بداية تأزم الأوضاع في اليمن؛ والبداية الفعلية للتجهيز السعودي الإماراتي لعاصفة الإثم العبرية.

وزارة الصحة العامة والسكان بحكومة الإنقاذ في تقرير لها بتاريخ 5 فبراير 2021 تحدثت عن تسجيل 71 ألف إصابة خلال سنوات العدوان الست، وإضافة 9 آلاف إصابة سنوياً إلى قائمة المنكوبين بالسرطان، منهم 15 % أطفال، وارتفعت حالات الإصابة بمرض سرطان الدم في أوساط الأطفال بأمانة العاصمة صنعاء من 300 إلى 700 حالة، نتيجة استخدام العدوان السعودي الإماراتي للأسلحة والغازات المحرمة دوليًّا في عطان ونقم، وإصابة ألف طفل في بقية المحافظات، و300 طفل حالتهم الصحية تستدعي السفر إلى الخارج للعلاج بصورة عاجلة، لكن من يهتم لأطفال اليمن في هذا العالم المنافق.

وسَجلت الوزارة ١٠ آلاف حالة جديدة في العام 2017، لم يحصل منهم على العلاج بشكل مناسب سوى 40 % بحسب منظمة الصحة العالمية.

وفي العام 2018، أكّـدت المنظمة تلقي أكثر من 60000 مريض بالسرطان (12 % منهم أطفال) العلاجَ في المركز الوطني لعلاج الأورام في صنعاء منذ العام 2005، محذرةً في سبتمبر 2019، من وفاة 35 ألف مريض بالسرطان في اليمن، إن لم يتوفر التمويل اللازم لعلاجهم: “‏لا ينبغي أن يُعد ‎السرطان بمثابة عقوبة إعدام، لكنه في ‎اليمن أصبح كذلك، سيصبح الموتُ مصيرَ 35 ألف مريض بالسرطان في اليمن إن لم يتوفر العلاج؛ بسَببِ انقطاع التمويل، كما أن عدم توفير علاج السرطان سيتسبب في خسارة العديد من الأرواح؛ بسَببِ هذا المرض”.

وتتحدث إحصائياتُ مرصد السرطان العالمي التابع لمنظمة الصحة العالمية، كما يذكر موقع “اليمني الأمريكي” في تقرير له بتاريخ 30 ديسمبر 2020، عن وفاة 12103 حالات من مرضى السرطان في اليمن، خلال العام 2020، منها 6436 إناث، و5667 ذكور، وتسجيل 16476 حالة إصابة جديدة، منها 9317 إناث، و7159 ذكور.

وفي سبتمبر 2020 تحدثت منظمة الصحة العالمية عن تشخيص 11 ألفَ حالة إصابة جديدة بالسرطان كُـلّ عام في هذا البلد المنكوب.

 

إصابةُ 5 آلاف طفل يمني سنوياً بالأورام السرطانية

وتحدث وزيرُ الصحة بحكومة الإنقاذ في سبتمبر 2019 عن إصابة 5 آلاف طفل يمني سنوياً بالأورام السرطانية.

الأمين العام للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة “أخلاق الشامي” في حوار مع موقع “العهد” اليمني بتاريخ 12 يناير 2021 أكّـدت وجودَ تزايُدِ ملحوظ في أعداد الإصابات بالأمراض المستعصية خلال سنوات العدوان، وارتفاع معدل المصابين بالسرطان من 2.3 % إلى 5.5 %.

وتتوزع نِسَبُ معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية المنتشرة في اليمن بحسبِ منظمة الصحة العالمية، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة الثورة اليمنية بتاريخ 20 ديسمبر 2020 على النحو التالي:

1 – سرطانات الجهاز الهضمي، 8.13 %.

2 – سرطان الفم واللثة، 7.10 %، تحتل الحديدةُ المرتبةَ الأولى في عدد الإصابات بهذا النوع من السرطانات.

3 – سرطان الغدد اللمفاوية، 5.10 %.

4 – سرطان الثدي، 4.10 %، ويمثل سرطان الثدي 25 % من أنواع السرطانات التي تصيب نساء اليمن.

5 – سرطان الدم، 9.8 %.

هذه الأرقامُ المرعبة تمثل الحالاتِ التي تصل إلى مراكز الأورام، بينما هناك حالاتٌ كثيرةٌ لا تستطيعُ الوصول إلى مراكز العلاج، وتموتُ خارجَ دائرة الرصد؛ بسَببِ تكاليف ومشقة التنقل، خُصُوصاً مع انقطاع المرتبات وتدمير العدوان شبكات الطرق والجسور الرابطة بين الأرياف والمدنـ، كما أن الأرقامَ الصادمةَ لتزايد عدد الوفيات نتيجةٌ طبيعية لعدوان نُزعت من قلبه الأسود الإنسانية والرحمة، وحصار جائر منع دخول أكثر من 362 صنفاً من الأدوية مثل اليود المُشِع والأجهزة المتخصصة للعلاج بالإشعاع والرنين المغناطيسي.

 

نقصٌ حادٌّ في الأدوية

وتعاني بلادُنا في ظل العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي وحصاره الجائر من نقص حاد في الأدوية الخَاصَّة بمعالجة الأمراض السرطانية، وانعدامها بشكل كامل من الأسواق اليمنية خلال العامين 2016 / 2017، ولم يتبقَّ سوى نوع واحد من أصل 50 نوعاً، بحسب مدير المركز الوطني لعلاج الأورام بصنعاء الدكتور “عبدالله ثوابة”، ونضوب المصادر المُشِعّة التي تُستخدم في وحدة العلاج بالإشعاع، وتوقف جهازين عن العمل، ولم يتبقَّ لدى المركز الوطني لعلاج الأورام سوى جهاز واحد يعملُ بفاعلية 38 %، وهو مهدّد بالتوقف في أي وقت.

وتوقف البرنامجُ الوطني للإمدَاد الدوائي والمركز الوطني لعلاج الأورام بصنعاء عن توزيع الأدوية المجانية للمرضى، وأعلن إفلاسَه، وفقاً لصحيفة “الثورة” اليمنية في تقرير لها بتاريخ 2 ديسمبر 2020؛ بسَببِ عدم تمكّن حكومة الإنقاذ من دعم البرنامج والمركز وعدم قدرتها على توفير النفقات التشغيلية للعام الثالث على التوالي، وتحديداً منذ العام 2018، وتُقدر الميزانيةُ السنوية للبرنامج والمركز بـ 12 مليون دولار، ولم يتبقَّ أمام المركز سوى دعم خارجي ضئيل جِـدًّا، ما يجعلُه مهدَّداً بالتوقف عن أداء خدماته في أية لحظة، وهو ما ينذر بكارثة محقّقة.

عجزُ مراكز الأورام عن القيام بمهامها جعل مرضى السرطان يهيمون على وجوههم بحثاً عن الأدوية في الأسواق التجارية، وبأسعار باهظة، حَيثُ تبلغ تكلفة الجرعة الدوائية في الحد الأدنى 200 – 500 دولار، وإحجام الكثير منهم عن شرائها؛ بسَببِ صعوبة وقساوة الحالة المعيشية وقطع العدوان كُـلّ سبل ومصادر الرزق أمام اليمنيين، ما تسبب في تزايد معدلات الوفيات في أوساط مرضى السرطان.

ولم تتوقف معاناةُ مرضى السرطان عند حدود التكلفة الباهظة للجرع الدوائية، بل أمعن العدوانُ في تدمير أكثرَ من 290 مرفقاً صحياً، منها مركز الأمل للأورام السرطانية، ما دفع بالمرضى إلى تكبد معاناة السفر والتنقل من محافظة إلى أُخرى؛ مِن أجلِ تلقي العلاج، وبالتالي زيادة الأعباء المالية، وزيادة معاناتهم، وتفاقم أوضاعهم الصحية.

وتعظم الكارثة عندما نعلمُ بأن غالبية مرضى السرطان من الأسر الفقيرة والمعدمة، التي بالكاد تستطيعُ الانتقال للعلاج في مركز المحافظة أَو المديرية القريبة منها، والتي في الغالب لا يتواجدُ بها مراكز متخصصة بعلاج الأورام، مما يضطر الكثير منهم إلى تحمل آلامهم وأوجاعهم، والموت بصمت في مناطقهم.

وخاتمةُ الأثافي هجرةُ العديد من الأخصائيين المتخصصين من ذوي الخبرة الطويلة في علاج الأورام، وغيرهم من الأطقم المتخصصة؛ بسَببِ تردي الأوضاع المعيشية واستمرار انقطاع المرتبات، وَإذَا لم يتحسن الوضع فَـإنَّنا سنواجهُ مشكلةً كبيرةً، فالعديدُ من الأطباء سيضطرون لمغادرة البلاد بحثاً عن فرص أفضل للعيش، بحسب مدير عام المركز الوطني لعلاج الأورام بصنعاء الدكتور “علي الأشول”.

وَكان لإغلاق مطار صنعاء الدولي وفرض الحصار الجوي والبري والبحري على اليمن، تبعاتٌ كارثيةٌ على الحالات المرضية المستعصية والمزمنة، ومنها مرضى السرطان، وزيادة معاناتهم، وخَاصَّةً أُولئك الذين لم يجدوا الخدماتِ العلاجيةَ اللازمة لحالاتهم في اليمن، ولديهم القدرةُ على السفر للعلاج في الخارج، بحسب الدكتور “عبدالله ثوابة”؛ نتيجةً لزيادة تكاليف السفر، ومنع العدوان سفر حالات كثيرة منهم لأسباب سياسية، ما تسبب في وفاة العديد منهم، ناهيك عن المخاطر التي يتعرّضُ لها المرضى أثناء انتقالهم من مناطق حكومة الإنقاذ إلى مطار عدن أَو مطار سيئون، الواقعَين تحت سيطرة قوى الاحتلال، تمهيداً لسفرهم إلى الخارج، بالإضافة إلى مشكلة استيراد ونقل الدواء، والذي يتأخر عادة شهور عديدة إما بسَببِ بُعد المسافة، أَو بسَببِ تعنت العدوان في احتجاز السفن في عرض البحر، وما يترتب على ذلك من زيادة أسعار الأدوية، وتكاليف نقلها.

 

صحيفة المسيرة

 

قد يعجبك ايضا