ولاية الفقية أوباما
هل علينا أن نعيش بأنفسنا تجربة استهداف الطائرات الأمريكية لاحيائنا السكنية ، وتدميرها لبيوتنا ، وقتلها لاطفالنا ونسائنا ، حتى ندرك مايعانيه بعض أهلنا في أبين وحضرموت ورداع وغيرها… ! وحينها… ألم نكن لنرفع شعاراً معادياً على غرار (الموت لأمريكا… ) مطالبين القوى الوطنية – أياً كانت توجهاتها المذهبية والطائفية – بالوقوف إلى صفنا ، والانتصار لدمائنا وأرواحنا ؟ ألم نكن لنبحث في الجوار – وبلا اشتراطات طائفية مسبقة – عن دولة ما ، تشاركنا توجهاتنا تلك وتدعم حقنا في الحياة والمقاومة ..!
لايتوقف الأمر على كونك سنياً أو شيعياً حتى تدين الصلف الأمريكي في العالم الإسلامي ، فأنت إنسان ومسلم قبل كل شي ، كما لايتوقف الأمرعلى كونك حوثياً أو سلفياً حتى تدين العبث الامريكي في اليمن ، فأنت يمني قبل كل شيء ، وكل يمني لابد وأن يكون غيوراً على سيادة وطنه ، رافضاً لانتهاك حرمة دم أبنائه ، سواءً أكان ذلك الانتهاك بحزام إرهابي ناسف ، أو بطائرة (ذكية) يتضح غباؤها كل مرة تستهدف فيها مدنيين عزل وأبرياء ، ممزقة اجساد الأطفال والنساء إلى أشلاء…!
هل باتت أمريكا هي المخلص والمنقذ ، حتى تستبيح الأجواء وتُفرش الأرض لها ولترسانتها العسكرية بالورود ، ويُخطب ودها في كل محفل ، فإذا ما ارتكبت طائراتها مجزرة بحق ابناء وطننا ، نكّسنا رؤوسنا ودسسناه في التراب ليوم أو اثنين ، لنعود بعدها إلى ما نجيد ممارسته ، إلقاء خطاباتنا الحماسية وبياناتنا العصماء ، ونشر تحليلاتنا السياسية – الأشبه بقراءة الفنجان – عن الخطر الإيراني القادم..!
وهنا لابد من التساؤل عن ماهية وحقيقة ذاك الخطر المجهول ، هل هو خطر ديني معتقدي ، سيغزو قلوبنا وعقولنا (الهشة) ليحيلنا جميعاً إلى شيعة ؟ أم أنه خطر سياسي ، يهدد أنظمتنا السياسية القمعية والمستبدة ، ويحوّل ولائها لفارس بدلاً عن امريكا والغرب ؟ أو ربما هو خطر عسكري غاشم ، سيفضي في النهاية إلى احتلال إيران للشرق الأوسط ، بما في ذلك القدس ، وبسط قواعدها الحربية في المنطقة (بدلاً عن القواعد الأمريكية) ، لتقوم الطائرات الإيرانية بدون طيار بقصف أبين ورداع وغيرها..؟
لتكن إيران إثنا عشرية أو حتى سبعة عشرية ، ولنختلف معها – كما نختلف بيننا – في الطريقة التي نعبد الله بها ، لكننا لابد وأن ندرك أننا وإياها نقف على طرف واحد فيما يتعلق بكثير من القضايا المصيرية للأمة ، فليست عمامة الفقيه من يدعم الكيان الصهيوني المحتل لأراضينا ومقدساتنا ، وليست الحوزة العلمية من يحتل العراق وافغانستان ، وليست طائرات العتبات المقدسة من تنتهك سيادة اليمن وتقتل أبناءه..!
لقد آن الآوان للتحرر من نزّق الخلاف المذهبي والطائفي ، والخروج من خصومة السقيفة والجمل وجدلية المتعة ، إلى أفق فكري واسع ، ورؤية موضوعية مغايرة ، نرتكز عليها في تحديد طبيعة علاقاتنا الإستراتيجية مع هذه الدولة أو تلك وفقاً لمصالحنا القومية العليا ، عندها سندرك أن إضعاف الجمهورية الإسلامية ، لحساب النازية الأمريكية المعاصرة ، لن يؤدي إلا إلى زيادة إحكام القبضة الأمريكية على مصائرنا ، ومضاعفة بسط نفوذ الحذاء الأمريكي على أراضينا..!
نعم … نحن لا نستطيع مواجهة الطائرات الأمريكية عسكرياً ، لكن علينا – في الحد الأدنى – التوقف عن بلاهة التصفيق اللاواعي لها ولممارساتها المذلة ، والانشغال بخصوماتنا السخيفة وتصفية حساباتنا الواهية ، فقد صار لزاماً علينا إعادة ترتيب أولويات الصراع ، فالسيادة الوطنية مسئولية الجميع ، وانتهاكها على هذا النحو السافر يهدد الجميع ، ولم يعد من المقبول بحال تمترس الحكومة الحالية خلف سياسات الإستغباء ، والتزام الصمت المعيب تجاه ما يحدث ، فإما أن تتحمل – ويتحمل رئيس الجمهورية التوافقي – مسئولياتهم وفي مقدمتها صيانة الدم اليمني وحفظ السيادة اليمنية ، وإلا فليرحلوا غير مأسوف عليهم ..!
ختاماً … لا ضير في أن يأخذ الجدل حول العمامة الشيعية وخطرها المزعوم حقه من الدراسة والتحليل ، بوصفه – في رأي البعض – تهديداً مستقبلياً محتملاً ، لكننا اليوم معنيون بفتح أعيننا لترى حقيقة ماثلة لا تتطلب نقاشاً أو تحليل ، رؤية الطائرات الأمريكية تحلق في سمائنا ، وتقتل أبنائنا ، رؤية ترسانة السلاح والجنود الأمريكية على أراضينا ، رؤية السياسات الأمريكية تمزق أوصالنا ، وتنشر بصلفها ردود فعل الإرهاب في احيائنا وشوارعنا ، حقيقة لا ينكرها إلا من أعمته خصومته الطائفية ومصالحه الضيقة عن الرؤية والسمع والإدراك ، وإذا ما سلمنا بأن الولي الفقيه هو اليوم عدونا بالفعل ، فلابد أن يكون الولي الفقيه أوباما..!!