الوضع الأمني اليمني في عهد الوصاية الأمريكية 1-3

|| صحافة  || أنس القاضي

تعود العلاقات اليمنية الامريكية إلى أربعينيات القرن الماضي، عقب الحرب العالمية الثانية، ففي سبتمبر من العام 1959 أصبح لواشنطن تمثيل دبلوماسي في العاصمة اليمنية تعز بعد اعترافها بحكومة اليمن، وما أن وضعت أمريكا قدمها في اليمن حتى شكلت نقطة استخباراتية إقليمية، عرفت “بالنقطة الرابعة”، ومازال المنطقة التي اقيم فيها هذا المركز الاستخباراتي تحمل هذا الاسم حتى اليوم، وعبرها مارست أمريكا تدخلات خطرة ضد فصائل الحركة الوطنية وضد النظام الوطني المستقل.

 

الاستعمار الجديد

 

منذ مطلع العام 2000 ، مع بداية الهجمة الاستعمارية الأمريكية الجديدة باسم “مكافحة الإرهاب”، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخلات العسكرية المباشرة في اليمن، ومثلت اليمن ثاني أهم منطقة لأمريكا بعد افغانستان في تلك الفترة ([1])، وكادت أمريكا تحتل عدن بعد تفجير المدمرة كول عام 2000م وهو الأمر الذي أعترف به علي صالح الذي أتاح لأمريكا التدخل الكامل في الشؤون العسكرية والأمنية، حتى وصلت إلى قيام الولايات المتحدة الأمريكية بسحب السلاح الخفيف والمتوسط من الأسواق وتفجير أسلحة الدفاع الجوية وتدبير حوادث سقوط الطائرات الحربية واغتيال الطيارين عبر عملائها.

 

 وقبل ذلك كانت أمريكا قد اتخذت قراراً بالتدخل العسكري في اليمن بالتزامن مع “عاصفة الصحراء” على خلفية وقوف اليمن ضد الحرب على العراق، وجرت حينها صفقة معينة بين السفير اليمني الاشطر في أمريكا مع الرئيس بوش، فألغي التدخل.

مثل ملف “مكافحة الإرهاب” خلال الفترة 2000حتى 2010 أبرز ملف جرت تحت غطائه التدخلات الأمريكية في اليمن، حيث مارست عبره التدخلات المباشرة وانمحت الحدود الفاصلة ما بين عمل السفير وما بين عمل المندوب السامي، وكانت الحكومة اليمنية عملياً في وضع الحكومة المستعمرة والتابعة للولايات المتحدة.

يُعد ملف “الارهاب” ذريعتها المفضلة، وملفاً استراتيجياً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم من أن واشنطن حولت اهتمامها في الفترة 2011- 2014م نحو الاهتمامات السياسية إلا أن مسألة “مكافحة الإرهاب” لم تهمش، واستمر الاستهداف الأمني والعسكري، وطوال هذه الفترة من عمر اليمن تراجع الأداء الأمني وصولاً إلى الانهيار التام في عهد حكومة “الوفاق” (2012-2014م)، وقد كان هذا الانهيار الأمني نتيجة طبيعية للتدخلات الأمريكية السياسية والأمنية والعسكرية.

كان العامل السياسي المتمثل في تدخل الإدارة الأمريكية هو السبب الرئيسي للتدهور الأمني في اليمن، فبات الاختلال الأمني جزءً من اداء السُلطة العميلة خلال هذه الفترة، والتي خاضت حروبا في شمال الوطن وجنوبه ضد مواطنيها بضوء أخضر أمريكي، ودخلت في علاقات منفعة مع الجماعات التكفيرية وفرطت بسيادة اليمن وحريته، واستثمرت في ملف “الإرهاب” متناغمة مع الاستثمار الأمريكي، وهكذا مثل “الإرهاب” والفشل الأمني مصلحة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وسلطة العمالة.

غذت الولايات المتحدة التنافس والصراع بين اقطاب السلطة والمعارضة، وكانت الوحدات العسكرية قد توزعت ولاءاتها التنظيمية على أسرتي “بيت الأحمر” و”بيت علي صالح” وحزبي “المؤتمر الشعبي العام” و”التجمع اليمني للإصلاح” (إخوان اليمن) ، وهذه الحقيقة تفجرت في الاقتتال البيني بين هذه الأجهزة الأمنية والعسكرية اليمنية في العام 2011م. الأمر الذي أدى في نهاية الأمر إلى ظهور اليمن كدولة فاشلة وعاجزة عن تحقيق الأمن، وهو ما هدفت إليه الولايات المتحدة من أجل فرض وصايتها على البلد و”حماية الأمن والسلم الدوليين من هذه الدولة الفاشلة” وتعد ذريعة “مساعدة الدولة الفاشلة” من أبرز آليات الهيمنة الأمريكية التي طبقها ولا تزال في دول كثيرة.

في هذه المرحلة التي تميزت بالوصاية الأمريكية على السياسات الأمنية والعسكرية في اليمن، ورغم الدعم الأمريكي السخي لنظام علي صالح للأجهزة الأمنية والاستخباراتية، كان الوضع الأمني في حالة تراجع مستمرة؛ فتفشت السرقة، وتفاقمت جرائم الثأر، وانتشرت التقطعات، وجرائم الاغتيالات، وهروب المساجين، وضرب خطوط النفط والكهرباء، وسيطرة “القاعدة” على مديريات ومناطق في الجمهورية اليمنية وإعلان إماراتها الإجرامية، وصولاً إلى الأعمال الإجرامية ذات الطابع التكفيري الاستخباراتي، وانتهى المطاف في العامين 2013 – 2014 بوصول التهديدات الأمنية إلى محافل ومقرات وتجمعات القوات المسلحة والأمن التي يُفترض أن تقوم بحماية الشعب والبلاد تفجير كلية الشرطة في 27 يوليو 2012م وتفجير المتدربين على العرض العسكري في ميدان السبعين 21 مايو 2012السبعين. ولم تكن آخر الإستهدافات اقتحام مستشفى وزارة الدفاع العرضي في 5 ديسمبر 2013م.

الشهيد القائد مقاومة مبكرة

جدير بالذكر أن الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي كان أبرز الأصوات الوطنية التي حذرت من دخول أمريكا ورفضت كل ذرائع الوجود الأمريكي في اليمن، النشاط التثقيفي التوعي الذي تصدره السيد حسين الحوثي كان نشاطاً نقيضاً للمصالح الأمريكية الاستعمارية ولاستراتيجيتها العامة التي بنت عليها سياستها الخارجية، كما كان نشاط السيد حسين نقيضاً للمصالح الطفيلية لزعامات السُلطة الحاكمة في صنعاء، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحرب على المسيرة القرآنية الذي تزعمها الحوثي، وقد التقى الرئيس علي صالح في 20 مارس 2004م قائد القيادة المركزية الأمريكية جون أبي زيد ، وكان ذلك اللقاء إرهاصاً لشن الحرب على صعدة، وهي الحرب الأولى التي انتهت باستشهاد المجاهد والقائد الوطني السيد حسين بدر الدين الحوثي في 10 سبتمبر 2004م الموافق 26 رجب 1425هـ.

دخول أمريكا اليمن

 

خلال الفترة 2000حتى 2006م ترسخت علاقات التبعية السياسية الأمنية العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، ففي هذه الفترة جرى تفجير المدمرة الامريكية “يو اس اس كول” (12 أكتوبر 2000م) في ميناء عدن وأحداث الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا (11 سبتمبر 2001)، وهروب 23 معتقلاً “إرهابياً” من سجن الأمن السياسي في صنعاء (3 نوفمبر 2006م)، وكلها مؤامرات أمريكية مُدبرة، تمهيداً للتوسع الاستعماري الجديد، من بعد تربعها على عرش العولمة عقب انتهاء الحرب الباردة.

 قام علي صالح في هذه المرحة برحلات مكوكية والتقى فيها الأمريكيين كما لم يفعل في أي مرحلة سابقة أو لاحقة، زيارات ولقاءات تكررت وفي فترات متقاربة فلم تكن مجرد علاقات دبلوماسية أكثر منها اجتماعات لتلقي الأوامر ورفع تقارير الإنجاز.

في نوفمبر 2001م زار الرئيس الخائن علي صالح واشنطن بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، عقب تصريح بوش الشهير “من لم يكن معنا فهو ضدنا”. وحينها قبل صالح الانخراط في المشروع الاستعماري الجديد ” الحرب على الإرهاب”.

وخلال أعوام 2000م -2002م التقى علي صالح وزير الخارجية الأمريكي “كولن باول” صاحب ذريعة غزو العراق باسم أسلحة الدمار الشامل. كما التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي “كونداليزا رايز” والتي كانت تقود مشروع ” الشرق الأوسط الجديد”. كما التقى نائب الرئيس الأمريكي “ديك تشيني” في إطار مشروع ” الحرب على الإرهاب”. وصرح الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بأن “الولايات المتحدة تسعى لإنقاذ اليمن من التحول الى افغانستان جديدة”.   

في29 نوفمبر 2001م أجرى علي صالح محادثات في واشنطن مع كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش ووزير خارجيته كولن بأول، رفع تقرير بما انجزه من تغيرات، وكان الرد الأمريكي ان الحرب سوف تطول فأبدى صالح استعداده للاستمرار. وفي ذات الشهر اخترقت طائرة أمريكية سيادة اليمن أسفرت عن مقتل ستة أفراد بينهم قائد “القاعدة” في اليمن “أبو على الحارثي”. وكانت هذه العملية فاتحة للتدخل الأمريكي عبر الطائرات بدون طيار.

في ديسمبر من ذات العام أي بعد ثلاثة أشهر من زيارة علي صالح لأمريكا ولقاء القادة الأمريكيين، أشادت واشنطن بتعاون اليمن في مكافحة “الإرهاب”. وذلك بعد قيام نظام صالح بتنفيذ التوجيهات الأمريكية في تغيير العقيدة العسكرية والثقافية للبلاد.

استمرت لقاءات صالح بالقادة الأمريكيين في إطار تنفيذه للتوجيهات الأمريكية ومتابعة الولايات المتحدة له فيما يسمى بصيانة العميل، ففي مارس من العام 2002      زار علي صالح واشنطن والتقى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وقال بوش لصالح: “لا يمكن إلا أن تكون مع أو ضد الولايات المتحدة، وإذا كنت معنا فنريد نتائج..”. فأبدى استعداده والتزامه بذلك.

وعقب هذه الزيارة استقبل صالح في صنعاء الجنرال الأمريكي طوني فرنك، الذي كان قائد القيادة المركزية، وجاء هذ اللقاء بعد تحذير الجنرال فرانك بأن أمريكا ستقوم بسحق أي عمل إرهابي ومعاقبة أي دولة تأوي الإرهابيين، وبعد اللقاء أشاد فرانك بنظام صالح في محاربة الإرهاب.

في خضم متابعة الإدارة الأمريكية للنظام العميل والتأكد من تنفيذ التزاماته تجاه واشنطن التقى علي صالح عدداً من الجنرالات الأمريكيين في هذا العام (2002) الجنرال الأمريكي توماس زاتك، والجنرال الأمريكي أنتوني زيني.

ولاحقاً بعد لقاء صالح بالجنرالات الأمريكيين وتبني ما حملوه من توجيهات سافر علي صالح إلى واشنطن والتقى وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت (2002).

كما التقى في هذه الفترة سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بربرا بودين، ووفد كبار موظفي الكونجرس الأمريكي، والقائد العام للقيادة المركزية الأمريكية تومي فرانكس، ووليم بيرنز” مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى.

وبالطبع فإن هذه اللقاءات لم تكن لبحث “سبل تنمية العلاقات بين البلدين” كما كانت تذيل في الأخبار الرسمية، بل كانت تعمق علاقة التبعية اليمنية للولايات المتحدة الأمريكية وتحول اليمن إلى مستعمرة أمريكية.

الاستثمار في ” القاعدة”

اثمرت زيارات علي صالح إلى أمريكا ولقائه بالجنرالات الأمريكيين في صنعاء اثمرت نموا للقاعدة وهي القاسم المشترك بين الطرفين، ذريعة أمريكا في الاستعمار الجديد ووسيلة علي صالح لاستجلاب الدعم الأمريكي.

أعلنت “القاعدة” عن نفسها في اليمن، بعملية نفذتها في 12 أكتوبر 2000 حيث فجرت المدمرة الأمريكية “يو اس اس كول” في ميناء عدن، وقتل 17 بحاراً من طاقمها، حيث اعتبرت هذه العملية بمثابة الإعلان عن جود تنظيم القاعدة في اليمن، وخروجه إلى العلن، ففي اليوم الثاني من تفجير كول أكد التنظيم على وجوده في اليمن من خلال محاولة أحد عناصره إلقاء قنبلة على مبنى السفارة البريطانية في صنعاء.

“في 2002 أعاد خالد عبد النبي تنظيم جيش عدن أبين إلى الواجهة مجدداً حين تحصن بجبال “حطاط” وهو ما دفع الحكومة اليمنية إلى تنفيذ حملة عسكرية ضده في 25 يونيو 2003م تم خلالها القبض على خالد عبد النبي والإفراج عنه بعد تفاهم من الأجهزة الأمنية، لتشهد العلاقة بين الحكومة والتنظيمات الجهادية نوعاً من التطبيع فى نهاية العام 2005م لتعود للتوتر مرة أخرى عام 2006م عندما شهد جهاز الأمن السياسي فرار 23 معتقلاً من “القاعدة”، واعتقل جهاز الأمن السياسي اليمني في أبين عدداً من عناصر جيش عدن أبين الاسلامي وأفراداً من جماعات أخرى تتفق على الجهاد، وتم التحقيق معهم بحضور محققين أمريكيين حول تحضرهم للسفر إلى العراق للجهاد ضد القوات الأجنبية”.([2])

“استغل النظام الحرب على الإرهاب في بناء مؤسسات عائلية موازية لمؤسسات الدولة، ففي موازاة جهاز الأمن السياسي أسس جهاز الامن القومي، وفي موازاة الجهاز القضائي أنشأ المحاكم الجزائية المتخصصة، وفي موازاة الجيش دعم الحرس الجمهوري أسس وحدات القوات الخاصة، وفي موازاة أجهزة الشرطة أسس وحدة مكافحة الارهاب في الأمن المركزي، وأسند قيادة هذه الاجهزة للأبناء والأقارب والموالين” ([3]) ولم تكن هذه الفائدة مقتصرة على شخص علي صالح، فبدورها الولايات المتحدة الامريكية ضمنت جهازاً استخباراتياً حديثاً في اليمن يعمل بالارتباط معها بصورة مباشرة وضمنت قوات عسكرية جديدة تبنى من الصفر وفقاً للعقيدة العسكرية الأمريكية.

وقد دبرت الولايات المتحدة الأمريكية تهريب 23 عنصراً من القاعدة من سجن الأمن السياسي، وذلك من أجل اعطاء جاهز الأمن القومي التابع لأمريكا دفعة جديدة وحضوراً على حساب جهاز الأمن السياسي الذي اعتبر غير مؤتمناً.

وهذه الحقيقة أكدها نائب مدير جهاز الأمن والمخابرات الحالي، المدير السابق في جهاز الأمن السياسي، اللواء عبد القادر الشامي، قائلاً:

“كانت الأجهزة الأمنية اليمنية تتمكن من اعتقالهم من عناصر ما يسمى القاعدة كان يتم الافراج عنهم بتوجيه أمريكي، بين المعتقلين من قبل الأجهزة الأمنية 23 عنصرا من أخطر العناصر بينهم الوحيشي والشهري وغيرهم وهؤلاء تم الافراج عنهم بتوجيه أمريكي ولم يتم كشف ذلك حتى الآن”. ([4])

هذه الحادثة المدبرة وقعت في 3 فبراير 2006م، ومن المثير للسخرية أن من بين الفارين المدعو “جمال البدوي” الذي قاد عملية الهروب السابقة، لمتهمي كول، من سجن عدن بعد حفر نفق داخل حمامات السجن.

 ومن اجل التغطية على هذه لمسرحية واعطاءها هالة أمنية والبناء عليها لتدخل أمريكي أوسع، أعلن حينها مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية FBI 9-2-2006 “أن إرهابياً آخر من المطلوبين للولايات المتحدة هو من بين السجناء الذين تمكنوا من الفرار، وعرف مكتب التحقيقات السجين الهارب باسم (جابر البنا) 39 عاماً، أمريكي الجنسية، العضو الأبرز في خلية لاكاوانا، ومطلوب بتهمة تقديم الدعم لعناصر إرهابية”.

وصرح الناطق باسم المكتب، ريتشارد كولكو، أن البنا “يعد من الخطرين ويمثل تهديداً على الولايات المتحدة ومصالحها، ويعمل مكتب التحقيقات الفيدرالية مع شركائه المحليين والدوليين لتحديد مكانه واعتقاله”.([5])

 قضية هذ الهروب، كشفتها وثائق ويكلكس، ومن الاطلاع على الوثيقة يُمكن معرفة مدى تبعية علي عبدالله صالح للولايات المتحدة الأمريكية، وما كانت تمارسه السفارة الأمريكية في اليمن من دور قيادي أمني وسياسي وهيبة الحضور الأمريكي على قيادات أكبر الأجهزة الأمنية في البلاد، كما تكشف هذه الوثيقة المصلحة المشتركة لكل من أمريكا وعلي صالح في ضرب جهاز الأمن السياسي لصالح جهاز الأمن القومي الذي كان يديره عملياً عمار إبن شقيق علي صالح. ([6])

المصدر: سبأ

قد يعجبك ايضا