جريمةُ المسجدين بدر والحشحوش.. طلقاتُ العدوان الأولى على اليمن
|| صحافة ||
قبلَ أَيَّـام من الغارات الملتهبة على أرجاء البلاد، كان المجرمون التكفيريون يتجولون بكل أريحية في شوارع صنعاء، باحثين عن الشخصيات الاجتماعية والأكاديميين لتصفيتهم، ليكون الكاتب والصحفي الكبير عبد الكريم الخيواني أحدَ أبرز ضحاياهم.
الألم في ذلك الوقت كان يعتصر قلوب اليمنيين، فما حدث كان استكمالاً لسلسلة من الجرائم الكبيرة التي مارستها هذه الجماعات بحق اليمنيين، وكان لا بد من ارتفاع الأصوات الحرة لإيقافها.
في يوم الجمعة، 20 مارس 2015، كان الإجراميون قد نسجوا مخطّطاً جديدًا، فكان التركيزُ هذه المرة على مسجدَي بدر والحشحوش، أبرز المساجد المناهضة للفكر التكفيري في صنعاء، وقد كُلِّفَ بهاتين الجريمتين أربعة من الانتحاريين التكفيريين توزعوا على مسجدي بدر والحشوش.
وهناك في مسجد بدر، وبينما كان الجميع ينصت للخطبة، دخل شاب إلى المسجد في هيئة جريح، متقدماً الصفوف في طريقة أثارت الشكوك لدى الكثيرين، غير أن المصلين كانوا منشغلين بالاستماع إلى تحذيرات شهيد المنبر الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري من الخطر التكفيري على اليمن ومن الجرائم المروعة التي تستهدف اليمنيين وآخرها جريمة اغتيال الصحفي عبد الكريم الخيواني، وما هي سوى لحظات حتى هز انفجار عنيف، ليتحول المسجد إلى بركة دم، وتتناثر الأشلاء، ويستشهد العشرات من المصلين.
الصراخ ملأ أرجاء المسجد، المصلون مذهولون مما حدث، صبي في العاشرة من عمره يصرخ بأعلى صوته: أبي أبي، وشاب آخر يصرخ: أخي أخي.. يا الله.. إنها القيامة.. فيما الكثيرون يقولون: يا الله.. ويصرخون من شدة الألم.
كانت مصيبةً كبيرةً، لم تشهدْ صنعاءُ مثلَها طيلةَ السنوات الماضية، لا أحد يدري ما الذي حدث بالضبط؟ ولماذا كُـلّ هذا التوحُّش الذي يستهدفُ مسجدَين في صنعاء، في مشهد لم ينسَه اليمنيون حتى الآن.
كان الناس في ذلك اليوم مذهولين، في الأسواق والطرقات، وفي البيوت، لا سِـيَّـما وأن جريمة مماثلة قد وقعت في مسجد الحشحوش، وأسقطت العشراتِ من الشهداء والجرحى، فيما اللعنات تتوالى على مرتكبي هاتين الجريمتين وعلى مَن يقفُ وراءَهم.
تفاصيلُ مرهقة
ويستذكر أحمد الهادي -أحد شهود تلك الجريمة- تفاصيل ما حدث، فينتابه شعور من الحزن والأسى لفراق بعض الأحبة، مؤكّـداً أنه لا يمكن على الإطلاق نسيان ما حدث؛ لبشاعة الجرية وهول ما حدث فيها.
ويقول الهادي في حديث لصحيفة المسيرة: على الرغم من الألم والوجع الذي يعترينا في هذه الفاجعة إلَّا أننا نحسبهم عند الله شهداء بدمائهم الطاهرة والتي كانت شرارة الصمود والنصر أمام هذا العدوان الغاشم، مؤكّـداً أنه “لولا ارتفاع الحس الأمني لدى الشعب اليمني والتفافهم حوْل قيادة حكيمة، ومسيرة قرآنية، ممثلة بالقائد العلَم السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، إلى جانب المشاركة المجتمعية مع أفراد الجهات الأمنية والتعاون في اقتلاع الإجـــرَام من جذوره وأَسَاسه والراعين له أمريكا ومن كان يحركه في اليمن أمثال علي محسن وغيره من أركان النظام السابق ومرتزِقة العدوان السعودي لكنا في وَضعية سيئة للغاية”.
ويؤكّـد الهادي أن من أهم المعارك التي يخوضها اليمنيون اليوم هي معركة الوعي والذي امتازت به الأجهزة الأمنية والتي كان لها الدور الأكبر في أننا اليوم لم نعد نرى هذا الجرائم من سيارات مفخخة وتفجيرات للمساجد والتجمعات للمواطنين الأبرياء كما كان يحدث في السابق، مُشيراً إلى أن القضاء على هذه العمليات الإجرامية في ظل استمرار العدوان للعام السابع على التوالي هو أكبر تَحَــــدٍّ تغلَّبنا عليه وحقّقنا فيه إنجازاً عظيماً، وإلا كنا سنعيشُ نسخةً لعراق آخر وتفجيرات ومفخخات واغتيالات وعمليات إجرامية في المساجد والأسواق والسفارات والمصالح والمرافق الحكومية وعمليات إجرامية لن تستثني أحداً في اليمن وبالتالي نكون نسخةً لعراق آخر.
محمد الحوري هو الآخر يصف ما حدث بأنه جريمة وذكرى مؤلمة لا تمت للإسلام بأية صلة، ويقول لصحيفة المسيرة إنه وبحجم الفاجعة التي فقدنا فيها شهداء أعزاء وراح ضحيتها جرحى كرماء، وَرغم ذلك الألم الجسيم إلا أننا اعتبرنا دمهم الطاهر وقودا للتحَرّك في سبيل الله ونصرة دين الله والدفاع عن الوطن.
ويشير الحوري إلى أن اليمن تمكّن من القضاء على الجماعات الإجـــرَامية بفضل توجيهات القيادة الحكيمة ممثلة بالقائد المجاهد السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي وبجهود قيادات وأفراد الوحدات الأمنية وبتعاون المواطنين مع أجهزة الأمن، وهذا بفصل التوعية التي وصى بها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي ليكون الشعب على درجه كبيرة من الوعي والتعاون عن طريق الإبلاغ عن أية تصرفات مشبوهة أَو عصابات أَو خلايا إجـــرَامية نائمة، وكانت وزارة الداخلية ووحدات الأمن على أرقى مستوى في التعامل والتصدي لهذه العصابات والجماعات الإجـــرَامية.
ويؤكّـد الحوري أن الحال سيكون كما كان سابقًا.. لا أمن ولا أمان، ويعيش المواطن في خوف من نهب حقوقه وسلب ممتلكاته وقتل الأبرياء وسفك الدماء والعيش تحت مبدأ الترهيب والطغيان ولا وجود للعدل ونشوء أجيال منحرفة عن دين الله، ودولة فيها من الذل والمهانة الشيء الكثير ونهب ثرواتها وتفجير مقدراتها ومؤسّساتها وتحت وصايا خارجية.
جرائم بشعة
من لا يتذكّر جامعَ الحشحوش ومركز بدر والبليلي وميدان التحرير والعرضي وميدان السبعين، فكل تلك المعالِم والآثار الكارثية شاهدةٌ على بشاعة وفظاعة أعمال التكفيريين الوحشية التي أقلقت السكينةَ العامة وبات المواطنون لا يدركون حقيقةَ ما يجري على الساحة الوطنية، وزد على ذلك أنها تحدث تحت مرأى ومسمع من حكومة الفارّ هادي آنذاك، حَيثُ أيقنوا أنها الداعمة والمساندة لهم في كُـلّ أعمالهم الإجرامية.
ويقول إسماعيل الحرجي: إن جريمة تفجير جامعي بدر والحشحوش ذكرى مؤلمة على قلوبنا، لا سِـيَّـما أنها كانت في بيتَين من بيوت الله.. وأتبع بتنهيدة يملؤها الألم: كانت فاجعة كبرى لن ننساها أبداً.
ويضيف الحرجي لصحيفة المسيرة: وبالرغم من أنها جريمة بشعة ووحشية ودموية لا تمُتُّ للدين بشيء إلا أنها بعثت في نفوسنا العزم والإصرار على اجتثاث هذه المجاميع التكفيرية، مؤكّـداً أنه تم القضاء على هذه المجاميع التكفيرية أَو من ما يسمى بالقاعدة وداعش بالوعي والبصيرة وتوحد الموقف وتحديد الهدف ورفع الحس الأمني، ومحاربتهم بجميع الوسائل الثقافية والاجتماعية والعسكرية والأمنية.
ويشير الحرجي إلى أنه إذَا كانت هذه الجماعات التكفيرية مستمرةً في اليمن فحال اليمن كان سيكون أسوأ من حال العراق وسوريا وأفغانستان وستكون الانفجارات والذبح للشعب اليمني في كُـلّ محافظة وكل مديرية وكل حارة وكل بيت، ولا ننسى ما حصل ويحصل في المناطق التي تتواجد فيها هذه العناصر التكفيرية من ذبح وتفجيرات وسحل، وما رأيناه في القنوات اليمنية خير شاهد.
شهداءُ بيوت الله
كثيرون فقدوا أقرباءً لهم في هذا التفجير الإجرامي ما بين أب وأخ وعم وعيال عم وغيرهم من الأقرباء في عملية غادرة، وذاكرة الموت الذي قد يظهر للبعض أقل ألماً من الأمراض، لكن وجعه غير مرئي، وكل ما ليس مرئياً يحفرُ في الخفاء حتى العمق وجرحٌ مفتوحٌ في حياة الكثير من اليمنيين، أمثال شهاب عبدالله وغيره الكثيرون ممن فقد أباه وأخاه في هذه الحادثة.
ويقول شهاب عن هذه المذبحة: ذكرى مؤلمة حَــدَّ الوجع فعلاً، بحقد داعشي ورعاية أمريكية سعودية لا حُرمة فيها لشيء على هذه الأرض، وإن كانت بيوت الله، مُضيفاً بحجرشةٍ في صوته: ما زلتُ أتذكر اللحظات الأولى للانفجار، حَيثُ كنت أنا والوالد وأخي الأصغر مني عز الدين في صلاة الجمعة، بمسجد الحشحوش، ولفت نظري دخول رجل مجبَّس ومغطَّى بالشاش وهو مريض ولم نتوقع أن يكونَ هو نفسه المجرم.
ويضيف شهاب: حصل الانفجار ولم أُصَبْ بشيء ولله الحمدُ، وكانت جريمة مروعة، جثث كثيرة للمصلين ودماء أكثر، وحاولت البحثَ عن أبي عبدالله وسط الدخان وأنين بعض المصابين وأخي عز الدين، فرأيت الوالد مغطًّى بالدماء، وقد ارتقى لله شهيداً، بينما أُصيب عز الدين إصابات متعددة وبالغة سافر بعدها للعلاج في الخارج.
ويقول شهاب: لا أجد الكلمات التي تصف هذه المجزرة والحادثة، فحجم الألم أكبر من أي كلام يقال. مُضيفاً والحزن على محياه: الرحمة لجميع الشهداء والشفاء للجرحى.
ويزيد شهاب بالقول: ولكن لا يحيق المكر السيء إلَّا بأهله، فهذه الحادثة وغيرها الكثير من العمليات الإجرامية والمخطّطات التخريبية فشلت الآن وتم القضاء عليها نتيجةَ توفيق ورعاية الله سبحانه في ظل المسيرة القرآنية وقيادتها الحكيمة المتمثلة بالسيد العلَم عبدالملك بدر الدين الحوثي، إلى جانب معرفة وبصيرة ووعي المجاهدين العاملين في الجانب الأمني والقضاء على كُـلّ المخطّطات التي كنا نراها في السابق بكثرة.
ويشير شهاب لصحيفة المسيرة إلى أن مُجَـرّد التفكير في هذه التفجيرات والجماعات الإجـــرَامية شيءٌ مخيفٌ فعلاً، ربما بل أكاد أجزم بأن حالنا سيكون أسوأَ من كُـلّ البلدان التي تسيطر أَو تنتشر فيها قوات داعش. انظر للعراق، انظر لسوريا، ما يعيشونه من انفلات أمنى وتفجيرات الآن قد لا يساوي شيئاً فيما كنا سنراه في اليمن لو هذه الجماعات مستمرة ولم يُقْضَ عليها، خَاصَّة ونحن الآن نواجه عدواناً سعودياً أمريكياً وحصاراً شاملاً للعام السابع على التوالي، ستكون النتائج كارثيةً أكثرَ من أي وقت مضى.
وعيٌ كبير
حصيلةُ تلك التفجيرات الإجرامية زادت عن 150 شهيداً ومئات الجرحى والمصابين، ووصل العزاء والوجع إلى كُـلّ بيت يمني، ولم تكن تفجيراتُ بدر والحشحوش إلا مقدمات لعدوان آل سعود على اليمن الذي استمر منذ مارس 2015 حتى اليوم والذي كان اليمن قبله يمتلِئُ بذاكرة القتل التي جلبتها الجماعات الإجـــرَامية إلى الشعب اليمني.
ويقول المقدم أبو زيد العوبلي: لك أن تتخيل لو أن هذه التفجيرات مستمرةً ولكننا ولله الحمدُ رغم الحرب والعدوان والحصار استطعنا تقطيعَ أذرع الإجـــرَام والعمليات الإجـــرَامية في اليمن بشكل كبير إن لم يكن القضاء عليها نهائياً، وخَاصَّة في المحافظات اليمنية التي تقع تحت سلطة المجلس السياسي الأعلى.
ويشير العوبلي لصحيفة المسيرة إلى أن هناك وعياً بحجم المخاطر والمخطّطات الأمريكية والاستعمارية وأذرعها سواءٌ أكانت هذه الأذرُعُ دولاً أَو جماعاتٍ إجـــرَامية مسلحة بأعمال تخريبية وتفجيرات، والتي تسعى من خلالها إلى زعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الرعب لدى المواطنين وإقلاق السكينة العامة. مؤكّـداً أن الأجهزةَ الأمنيةَ باتت مدركةً حجمَ الخطر الذي يتربص باليمن، وتعمل بشكل كبير على مواصلة المواجهة الدائمة لهذه التحديات بكل قوة وحزم وبجميع الإمْكَانات المتاحة.
وفي الأخير، تأتي الأيّامُ بما لا تشتهيه داعشُ والقاعدة، ويأتي الجيشُ واللجان الشعبيّة إلى أوكارهم من حَيثُ لا يعلمون ولا يدرون، وبين عشية وضحاها يجدون أوكارَهم ومواقعهم قاعاً صفصفاً، فلم يُبقِ الجيش واللجان ولم يذر لهم شيئاً يُذكر، أجسادُهم أصبحت كعصفٍ مأكولٍ وأعجاز نخل خاوية وخنادقهم، والجبال التي يحتمون بها لم تعصمهم من أمر الله ومن ضربات رجال الرجال، لم تنفعهم طائراتُ الإسناد التي ما فتئت تحلّق في سماء تلك المناطق ليلَ نهارَ لإنقاذهم وإيجاد مخرج يقيهم من بأس وقوة الجيش واللجان.
صحيفة المسيرة