الحضارة التي تقوم على شكر نعم الله هي الحضارة الإنسانية الحقيقة

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

أم أننا رأينا أن الإنسان هو أحوج إلى الحمار أكثر من حاجته إلى هداية الله؟! نحن نرى أنفسنا مستغنين عن بعض هذه الحيوانات أليس كذلك؟ قد نستغني عنها، وقد تتطور الحياة فيستغني الناس عن كثير من هذه الحيوانات، لكن لا يمكن أن يستغنوا عن هدايته؛ لأنه هنا قال: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} أنتم لو فكرتم بأن بإمكانكم أن تستغنوا عن الإبل، والخيل والبغال، والحمير كوسائل نقل، قد يحصل بدائل، لكن هذا، ما يتعلق برسم الطريق القاصد في الحياة هو على الله وحده، ليس بإمكانكم أن تضعوا بديلًا عنه، ولو حاولتم أن تضعوا بديلًا عنه فإنما هو الضلال بدلًا عن الحق، إنما هو الظلام بدلًا عن النور، إنما هو الشقاء بدلًا عن السعادة.

ثم بعد هذه الآية يقول سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ من السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ منهُ شَرَابٌ وَ منهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} (النحل: 10) ترعون فيه مواشيكم {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَ من كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (النحل: 11 ـ12) يفهمون، يفهمون ما وراء هذه فَهْمَ من يعقل، فيحفظ، ويقف، {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} (النحل: 13).

{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} ما نشر من الأشياء الكثيرة من مختلف الأصناف نباتات، وحيوانات، وتربة وأحجار مختلفة الأصناف، متعددة الأغراض {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا منهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا منهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} (النحل: من الآية14) أليس هذا أيضًا عودة إلى جانب الجمال؟ {حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}، {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} (النحل: من الآية14) السفن وهي تمخر الماء بمقدمتها، وببطنها، وهذه من الآيات العجيبة، سفن ثقيلة هل هي تمشي على سطح صلب فتستمسك؟ لا، إنه سطح هي تخرقه، وتشقه، فتمخره فمن الذي يمسكها؟

إنه الله سبحانه وتعالى الذي جعل في هذا الماء، وفي هذه المعادن، أو هذه الآليات، أو تلك المادة التي تجعل من الممكن أن تسير هذه السفن الثقيلة لا على أرض صلبة بل على سطح قابل للانمخار، فتمخره بمقدماتها، فيتجه يمينًا وشمالًا وهي تشقه وهو عن يمين السفينة وشمالها، ترى كيف يطلع بكميات كبيرة، كالجدار الكبير. هذه الآية عجيبة من آيات الله؛ لأن الشيء الطبيعي هو أن الأشياء الثقيلة لا تستمسك إلا على سطح صلب، فالماء ليس صلبًا سطحه، بل هو ينشق فتمخره السفن، مع ذلك تستمسك فوقه، وتجري فوقه.

الحركة التجارية وكأنه مطلوب من الإنسان أن يتحرك في هذه الدنيا عندما يقول: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} (النحل: من الآية14) تتحرك متجهة كذا، ومتجهة بالاتجاه الآخر {وَلِتَبْتَغُوا من فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: من الآية14) تطلبون من فضل الله بالتجارة، بالصيد، باستخراج الحلي من أعماق البحر. {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ومتى ستشكرون؟ عندما تتذكرون بأن هذه من النعم العظيمة.

فلاحظ كيف يأتي بالتأكيد على تذكر النعم، وأن يظل الإنسان شاكرًا وهو يبني حضارة، لا بد حتى تكون هذه الحضارة إنسانية حقيقية، وتكون في مصلحة البشرية، أن يكون من يقوم عليها، وينهض بها، من هم دائمو التذكر بنعم الله سبحانه وتعالى، وينطلقون في شكره {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} متى ما ضاع هذا الشعور لدى الإنسان أصبحت تجارته بالشكل الذي يضر بالبشر، يتجر في الأشياء الضارة، يمارس في عملية البيع والشراء كثيرًا من المحرمات، يدخل في الربا، أليس العالم الآن غارقًا في الربا؟ العالم غارق في الربا، والعالم في حرب مع الله {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (البقرة: من الآية279).

وتجد من مظاهر هذه الحرب فسادًا تجاريًا، غلاء أسعار بشكل رهيب، هبوطًا حتى في مواصفات التصنيع من أجل مواكبة القدرة الشرائية لدى المستهلكين، ال منتجات الجيدة ألم تغب عن الأسواق؟ منتجات جيدة من الإلكترونيات وغيرها من الصناعات، والأقمشة، وكثير من الآليات، ألم تغب عن الأسواق؟ لماذا؟ ألم تهبط الصناعات، وتهبط المواصفات؟ تهبط وكل عام ترى الصناعات تهبط قليلًا قليلًا في مواصفاتها، في جودتها، لماذا؟ نزولًا عند رغبة المشتري، أو تبعًا لقدرته الشرائية؟

.الربا هو ضرب الناس حتى ضرب الصناعات فأصبحنا بدل أن كنا نتمتع بكثير من الصناعات الجيدة، ذات المواصفات الجيدة، في مختلف المجالات، ها نحن تغلب على أسواقنا منتجات مواصفاتها رديئة، ومتى ما رأينا قطعة جيدة [أصلية] من أي منتج، ورأينا سعرها مرتفعاً ألسنا نخرج من المعارض؟. ونقول: هذا سعره مرتفع، الحقيقة أنها أصلي لكنها سعرها مرتفع، والآخر قال: جيدة لكنها غالي، والرَّجال صاحب المحل في الأخير لا يستورد منها، صاحب المصنع في الأخير لا يعد ينتجها، يحاول أن ينتج إنتاجا آخر يتمشى مع حالة الناس.

فنحن في حرب مع الله، والله في حرب معنا بسبب المرابين، بسبب التجارة التي تقوم على الربا؛ لأن أولئك المرابين ليسوا ممن يتذكرون نعمة الله، وليسوا ممن ينطلقون في شكره؛ لأن من يتذكر بأن ما يتقلب فيه من أموال التجارة هو نعمة من الله عليه، سيحاول أن يبتعد عن المحرمات في التعامل، سيبتعد عن الربا.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

سلسلة دروس معرفة الله

نعم الله – الدرس الخامس

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 22/1/2002

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا