لا تزال الأمة بحاجة إلى أن تسمع القرآن فله سر ألهي مؤثر بالنفوس

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

إذا كان للواحد منا قارورة عسل فإنه يخبئها، ويأخذ له منها قليلا صباحا، ويعتبر نفسه إن في حالته جيدة، أما هناك أنهار من عسل، أنهار من لبن لم يتغير طعمه، {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} (محمد: من الآية 15)، ووصفها بأوصاف عظيمة جدًا، هنا لا تقول بأنها هذه غاية يمكن للواحد منا أن يمشي إليها مَشْيًا، فتبحث لك عن مشوار سيارة يوصلّك الجنة، لا. بل انظر ما قاله عن أهل الجنة، عندما قال عن الجنة: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل  عمران:133) الذي هو وصف واحد من أوصاف المتقين وكم وصفهم. {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران134- 135) وهناك يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة: من الآية111).

لا تقرأ آيات الجنة وتقول: والله نعيم عظيم هذا ومكان راقي، بل ارجع إلى نفسك، وارجع إلى الآيات التي تصف أصحاب الجنة؛ حينئذٍ إذا كنت تريد الجنة حاول أن تتحلى بتلك الصفات، ثم تعلم من خلال الحديث عن الجنة وعن النار أن ليس معنى ذلك أن قضية الجنة هي قضية اختيارية لمن أراد أن يدخل الجنة ممكن يدخل الجنة، لكن إذا واحد ما أراد ممكن يجلس في الصحراء خارج هناك، لا جنة ولا نار، لا. إما أن تكون من أصحاب الجنة أو أن تكون من أصحاب النار، هكذا قسّم الله الناس عندما تحدث عن المحشر {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} (هود: من الآية105) شقي وسعيد لا يوجد طرف آخر، لا يوجد مكان آخر أو عودة إلى الدنيا من جديد، مع الحالة هذه، لا. إما جنة أو نار.

التذكر بآيات القرآن ممكن لأي إنسان قد أصبح يميز ويدرك، أصبح يميز ويدرك يستطيع أن يتذكر وليكن تذكره على هذا النحو وهو يقرأ القرآن في سوره كلها من أوله إلى آخره، فالله قد يسَّر القرآن على هذا النحو للذكر، وأنت حينئذٍ ستجد نفسك قريبًا بعد أن تذكرت بمثل آية: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وأمثالها فأنت ستعيش حالة من اليقظة، حالة من الاهتمام، تصبح أنت قريبًا من الأعمال التي تعتبر وقاية لنفسك من النار، تُدعَى إلى عمل صالح في مواجهة أعداء الله تكون أنت قريبًا من هذا لأنك يَقِظ.

ولهذا وصف الله المتقين بحالة اليقظة؛ عندما يحكي عنهم بأنهم ينفقون في السراء والضراء ويكظمون الغيظ ويعفون عن الناس؛ لأنهم يحملون اهتمامًا بقضايا كبيرة، هذه القضايا يعرف أنه لا بد من أجل خدمتها أن يكون هناك إنفاق؛ فهو ينفق في السراء والضراء، لا يبالي.

ارجع إلى واقعنا من جديد تجد أننا لا نعيش حالة التقوى ولا نعيش مشاعر المتقين، تجدنا لم نستطع أن نصل في خدمة الإسلام إلى أن يكون كأبسط خصلة من الكماليات اليومية، نحن نقول للناس: نحن بعد لم يصل اهتمامنا في مجال الإنفاق في سبيل الله إلى اهتمامنا بالخضرة (بالفجَّل) الذي نشتريه كل يوم، لم نصل إلى درجة أن يهتم الواحد منا بالإسلام كحبة [دخّان] بما يساوى حبة دخان، فيبذل في يومه قيمة حبة دخان، لو يبذل آلاف من الناس ما يساوي حبة دخان في اليوم الواحد لاستطاعوا أن يعملوا أعمالًا عظيمة جدًا للإسلام.

المتقون وصفهم هنا بأنهم ينفقون حتى في أصعب الحالات، في السراء وفي الضراء. فهل يمكن أن يكون أولئك الذين لا يعتبر الإسلام ولا ما يساوي هامش من كماليات حياتهم غير الضرورية، ليسوا متقين، لا يمكن أن يكونوا متقين، تمر الأعمال التي تعتبر أبوابًا من أبواب الخير لك، تشكل وقاية لنفسك من جهنم لو انطلقت فيها، تمر ولا تبالي بها.

الإمام علي عليه السلام قال: “إن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه”، قد تمر مرحلة يمكن أن يكون لك أثر فيها، أمامك سلاح معين يمكن أن تستخدمه فيها فيكون مؤثرًا على عدوك، يكون فيه نصر لدينك، يكون فيه وقاية من كثير من الشرور لأمتك؛ ولأنك لا تحمل اهتمامًا لا ترى لهذا الشيء قيمته، لا يلتفت ذهنك إليه، بل قد تعتبره لا شيء، فتمر الأبواب التي  تُفتح لخاصة أولياء الله تُفتح وتمر أنت من عند الباب فلا تلتفت، لا تعرف أهو مفتوح أم مغلق. عندما قال الإمام علي: “أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه” وهكذا قال القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة:54) ألم يجعله فضلًا؟ تمر الأشياء التي تعتبر فضل عظيم ولا تعلم بها، تمر الفرص المهمة التي يمكنك أثناءها أن تقدم خدمة لدينك، وكل عمل لدينك هو وقاية لنفسك من جهنم، فلا تعبأ به.

أي لو تذكرنا حول آية واحدة في القرآن الكريم هي هذه، هي {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} لكانت كافية وكفيلة بأن تجعل كل إنسان يقظًا، وتجعل كل إنسان يدرك أن هذه فرصة، أن هذا عمل مهم، أن هذا باب من أبواب الخير فُتح له، أن هذا فضل عُرض عليه، وبالتالي سيكون الناس قريبين جدًا من أن ينطلقوا في أعمال تقي أنفسهم من جهنم.

لكن حتى الآية هذه في صريح عبارتها لا نهتم بها، نقرؤها {قُوا أَنْفُسَكُمْ} لكن كأنه يحدث آخرين، هنا شغّل ذهنك في الموضوع، يجب أن تكون هناك وقاية، هذا خطاب من الله يدل على أن وقاية الإنسان من جهنم ليست مسألة هي موكولة إلى الله، مثلًا أنه يخلق ناس هكذا ثم قد يترك هذا يدخل الجنة، ويصرفه عن جهنم. يقول لك: أنت أيها الإنسان وسيلة وقايتك من جهنم هي بيدك، هي بيدك، يقول للناس: إن وقاية أنفسهم من النار هي بأيديهم.

ما معنى بأيديهم؟ أي أن ينطلقوا وفق ما يهديهم الله إليه، وفق ما يريد الله منهم، ويدعوه، ويرجوه، ويعملوا، في سبيله، ويستغفروه، ويتوبوا إليه، فهو في الأخير من سيدخلهم الجنة، لكن هم من صنعوا الوقاية لأنفسهم من النار بمجموعة أشياء انطلقوا فيها، أعمال، وثقة بالله، ورجاء لله، وتوبة إلى الله، هكذا. لا يعني ذلك أن المسألة مفصولة عن الله تمامًا، أن تكون وقايتي من جهنم معناه يقوم الإنسان فيحاول أن يخترع شيئًا من اللباس يقيه من حرارة النار. لا. وقايتك من جهنم هو أن تنطلق وفق ما يريد الله منك، وعلى أساس ما هداك إليه، فعندما يقول: {قُوا أَنْفُسَكُمْ} أليس ذلك يعني بأن سبب وقاية أنفسكم من جهنم هي بأيديكم؟

ثم يتحدث عن جهنم هذه ويجعل جهنم من جنس عذابٍ نحن نراه {نَارًا} أليست النار معروفة لدينا؟ لو كانت جهنم عذابًا من جنس آخر نحن لا نعرف ما هو، ربما قد لا يكون له أثر في نفوسنا لأننا لا نعرف ما جنس هذا العذاب حتى نخافه، الله جعل جهنم من جنس شيء نحن نراه في الدنيا، النار، هذه النار التي تصل درجة حرارتها إلى آلاف مؤلفة، آلاف من درجات الحرارة. الإنسان حتى وهو يشاهد هذه النار يتذكر عندما يسمع الله يقول هناك: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}. كلمة {نَارًا} لا يتساءل الإنسان ما هي نارًا، شيء لا ندري ما هو، أنت تراها في بيتكم على طول، بل ربطت حياة الإنسان في الدنيا بالنار، تظل دائمًا تذكره بجهنم، يتذكر بما هو في بيتهم كل ساعة، نريد قهوة فلا بد من نار، نريد أكل لا بد من نار، نشتري حطبا ونشتري غاز، لا بد من تنّور حطب أو غاز بالنار. فالنار توقد في بيتك دائمًا، وتوقد بجوار أي مطعم أنت قد تأكل فيه في أي مدينة من المدن.

إذًا فهذه النار عندما يقول: {نَارًا} هي معروفة لكنها تزداد وتفوق حرارتها بشكل كبير هذه النار {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} ملائكة لا يمكن أن يرِقّ لك قلبه عندما تقول: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (الزخرف: من الآية77) أو أُدعُ لنا ربك يخرجنا من هذه النار، أو أي تضرع آخر، أبدًا، غلاظ شداد، لا يستطيع أهل النار أن يشكلوا ثورة فيقتحموا أبواب جهنم ويخرجوا، لا. أبواب مؤصدة، أعمدة من وراء الأبواب، لا يستطيعون أبدًا، كلما اقترب أهل جهنم من الأبواب يُقمعون بمقامع من حديد، فلا أهل النار يستطيعون أن يشكلوا ثورة فيقتحموا هذا السجن كما يعمل الناس في الدنيا أحيانًا، بعض السجون قد يجتمع السجناء فيقتحموا السجن ويقتلوا الحراس أو يفكوا الأبواب ويخرجوا.

أما (جهنم) فليس هناك إمكانية للخروج منها، وليس هناك عليها رقابة يمكن يعطيهم واحد رشوة أو أي شيء ويخرّجوه منها، {غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

يتذكر الإنسان دائمًا بالقرآن، ويكون همه أن يتذكر. عندما تقدمه للناس قدمه على هذا النحو، تذكرهم به، وليس بأسلوب المفسر، تنطلق وكأنك مفسر للقرآن، قد تخطئ، أو أن تغوص في أعماق القرآن قد تخطئ، يكفيك ظاهر القرآن أن تتذكر به وأن تذكر الآخرين به، أن تدَّبره وأن تدعو الآخرين لكي يَدَّبروه، هو شيء واسع جدًا.

هذا ما أريد أن أقوله فيما يتعلق بالتعامل مع القرآن، نحن لا نريد أن يكون مبتذلًا، فكل واحد ينطلق ويرى أنه يستطيع أن يفسر، ويستطيع أن يحلل، ويستطيع أن يغوص في أعماق هذه الآية أو تلك، أو يستوحي من هذه الآية أو تلك، انطلق مع ظاهر القرآن الذي هو ميسر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} (القمر: من الآية17).

حتى قضية استنباط أحكام شرعية لا تكون هي القضية التي تشغل بالك، إنه كيف بالنسبة للوضوء بالنسبة للصلاة فهي جاءت في آيات مقتضبة مختصرة: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (المائدة: من الآية6) لكن في المجالات الأخرى المهمة يتكرر الحديث حولها في القرآن كثيرًا، يتحدث كثيرًا جدًا ويعرض القصص والأمثال وتتعدد في القرآن، كذلك المواريث جاء بها في آيات محصورة بينة.

البعض قد يقول: إذا انطلقنا إلى القرآن فمعنى ذلك أن كل واحد من عنده يستنبط أحكام ويخرج قضايا و.. و.. وأقول: لا، نحن نريد أن ندعو أنفسنا، وندعو الناس إلى أنه يجب أن نتعامل مع القرآن وفق ما دعانا الله إليه في القرآن عندما قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (القمر:17) {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص:29) وأن القرآن يعطي الكثير الكثير في هذا المجال، هذا الذي نريد.

لا نريد أن تكون مثل الوهابيين عندما قدموا السُّنة مبتَذَلة، فكانوا محط انتقاد للآخرين، كما نَقَدَهم الغزالي في كتاب (السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث)، يجمع كتب الحديث وفي نظره أن السنة كلها بين يديه، ويبدأ من طرف يأخذ الحديث، يأخذ الحديث ولا يدري أنه قد يمكن أن يكون هذا الحديث ضعيفًا، قد يكون هذا الحديث باطلًا، قد يكون هذا الحديث مخصوصًا، قد يكون كذا، إلى آخره.

في مقام التذكر أنت لن تصل إلى الآيات التي تسمى مخصوصة، أو منسوخة، أشياء من هذه، بل هو ميدان واسع جدًا. عندما ندعو الناس إلى القرآن فيقولون: هناك آيات ناسخة ومنسوخة، النسخ في القرآن قليل جدًا، وأكثر النسخ الذي قُدِّم هو نسخ من قِبَل مجتهدين ضربوا آيات قرآنية مهمة تحت عنوان النسخ، نحن في مقام التذكر الآيات الكثيرة القضايا الكثيرة هي مما ليست موردًا للنسخ، ولا علاقة للنسخ بها. التدبر كذلك، التدبر والتذكر معناه متقارب. فلا نغلط كما غلط الوهابيون، فتنطلق أنت من فوق القرآن، وتريد أن تتعامل معه كما تعامل أولئك مع الحديث فيقولون: (شيخ الإسلام) ولم يدرس إلا أربعين يومًا. (شيخ الإسلام أبو الحسن)، (شيخ الإسلام أبو محمد، أبو معاذ)، وينطلق شيخ ويسرد على الناس أحاديث في المحاريب، وهكذا.

نتلو القرآن، نعلق تعليق بسيط بحيث نهيئ ذهنية الناس إلى الآيات التي نقرؤها، حتى تكون أذهانهم مؤهلة لأن يتذكروا بما يُقدم إليهم من القرآن.

القرآن يمتاز بأسلوب لا يستطيع أحد أن يجعل منطقه غنيًا عنه، أن يجعل الناس يستغنون بمنطقه عن القرآن، لا يمكن إطلاقًا، مهما بلغ الإنسان في قدرته البيانية في قدرته على فهم القرآن، لا تزال الأمة بحاجة إلى أن تسمع القرآن؛ لأن القرآن نفسه هو خطاب من نوع خاص، في الوقت الذي يخاطب الإنسان صريحًا هو خطاب لوجدان الإنسان، لمشاعره الداخلية، بشكل لا يستطيع أحد أن يصل تعبيره إلى خطاب ذلك الوجدان كما يخاطبه النص القرآني، فلا يمكن لشخص أن يجعل منطقه فوق منطق القرآن إطلاقًا، أو أن يدّعي فيقول للناس: ادرسوا القرآن الكريم دراسة سطحية ونحن سنعطيكم.

نحن بحاجة جميعًا إلى أن نسمع النص القرآني الذي يخاطب وجدان كل شخص فينا، فالخاصة لا يمكن أن يعطوا العامة ما يمكن أن يعطيه الخطاب القرآني، وقد يفهمُ الخاصة مالا يصل ولا يرتقي فهم العامة إليه من خلال القرآن، وكل ما يقدمه الخاصة حول القرآن هو ينعكس أيضًا بأن يرتقي بمستوى ذهن العامة إلى فهم القرآن أيضًا أكثر، فالقرآن لا غنى للناس عنه.

فليس صحيحًا عندما يأتي أحد ليرهب علينا، القرآن لا تقربه، لا تتناوله أولًا ابدأ اقرأ أصول الفقه، ابدأ اقرأ كذا وكذا. القرآن هو عربي {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (الزمر: من الآية28) {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء:195) نزل بلغتنا ونحن لا نزال عربًا، لا تزال أساليب الخطاب العربي أكثرها ما تزال قائمة، وإن اختلفت المفردات، التعبير بالمفردات لا تزال مشاعر وأجواء الخطاب قائمة بين الناس، بل ربما عند غير العرب، الإنسان كإنسان له أسلوب في تخاطبه مع أبناء جنسه، قد يكون متقاربا، قد يكون شبه واحد في مختلف اللغات وإن اختلفت المفردات.

فنحن سنهتم باللغة العربية، نهتم باللغة العربية، وعندما نهتم باللغة العربية نتعرف على أصل اللغة نفسها، نتعرف على أساليب العرب بشكل أكبر، نتعرف تَذَوّق العرب للكلام، ما هو الكلام الذي كانوا يعتبرونه راقيًا، حتى نعرف لغة القرآن، وعندما نعرف لغة القرآن ستكون معرفتنا للقرآن أكثر واستفادتنا منه أكبر.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

الثقافة القرآنية

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 4/8/2002م

اليمن – صعدة

 

 

قد يعجبك ايضا