حرب الدبلوماسية
موقع أنصار الله || مقالات ||عبدالحميد الغرباني
في الـ4 من فبراير 2021م قدَّم الرئيس الأمريكي جو بايدن استراتيجية بلاده حيال اليمن على أنها « تكثيف جهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن، التي تسببت في كارثة إنسانية واستراتيجية”، مذ ذاك الوقت كانت وسائل الإعلام المختلفة تروِّج أو تتناول البعد الإنساني من سياسة واشنطن المعلنة بعد ست سنوات من العدوان والحصار الأمريكي على اليمن وتغفل بقصد _كما قال المحللون_ عن الجزئية الأهم في ما أعلنه الرئيس الأمريكي وهي أن الحرب باتت بالنسبة لأمريكا كارثة استراتيجية.
كانت هذه الجزئية هي ما يجب أن يتوقف عندها الجميع بالتحليل والقراءة ويثيرون حولها الكثير من التساؤلات وصولا إلى استنتاجات وهذه القراءة التي بين يديك عزيزي القارئ خطوة أولى في هذا السياق الذي لم يحظ بالمساحة المفترضة به أيضا في وسائل الإعلام الوطنية المتنوعة بعد أن ضاعت تحت تأثير الانشغال بمواجهة انتشار ذرات رماد البعد الإنساني الذي أراد له مبعثروه أن يغطي عيون اليمنيين ..
خلفية الاستراتيجية الأمريكية
لا بد من معرفة أن أمريكا تخوض حربا دبلوماسية بكل المقاييس وأنها تس لاستثمار مستدام في الدبلوماسية من أجل احتواء ما أنتجته مواجهات ست سنوات من متغيرات على صعد مختلفة أهمها ما يمس اليوم أمريكا ومصالحها في الصميم وهو تنامي القدرات العسكرية لليمن ، الصواريخ البالستية وسلاح الجو المسير ، هذا التغير الدراماتيكي الذي تمكن بفضل الله من إشعال الحرائق في أكبر معمل لتكرير النفط في العالم وإيقاف نصف إنتاج المملكة السعودية بعملية واحدة ، هذا المتغير الذي وضع اليمن في موقع المتمكن والقادر على ضرب الأهداف الحساسة على كيان العدو الصهيوني بما يعني ذلك من نتائج ، واشنطن أيضا تشمر عن ساعديها دبلوماسيا بهدف احتواء المتغيرات الميدانية على الأرض التي نقلت المعارك إلى مراكز ثقل العدوان من جهة ونجحت أيضا من جهة أخرى في تصفية شبح أدواته في غير محافظة يمنية.. وليس هذا كل شيء، فالمتغيرات المراد محاصرتها وتجنب نتائجها كثيرة وفضاءات ما تتيحه لصالح اليمن رحبة جدا جدا ويكفي للتدليل على ذلك اعتراف رأس الإدارة الأمريكية بأن اليمن بما شهد من تطورات يمثّل تحدّيا استراتيجيا ، على أن الفضاء اليمني الرحب في الميدان العسكري يقابله رحابة في الميدان السياسي الدبلوماسي بخلاف العدو الأمريكي الذي يجد نفسه محاصرا من كل مكان ، لا يستطيع المناورة ناهيك عن الإقلاع والتحليق بالدبلوماسية المتحاذقة دون روافع ويمكن هنا أن نتوقف قليلا عند دلائل صلابة الأرض التي يقف عليها الدبلوماسي اليمني ، مقابل هشاشتها بالنسبة للدبلوماسي الأمريكي والسعودي ..
دبلوماسية دون ظهير
كثيراً ما سمعنا أن السياسة فن الممكن وكثيرا ما قرأنا أيضا أن الحرب أداة من أدوات السياسة وتستهدف إكراه طرف ما على تنفيذ إرادة معينة ، ووفقا للقاعدة الأخيرة نجد أنه من المعلوم للجميع أن ست سنوات كاملة لم تفت عضد اليمن ولم تزعزع معنوياته ولم تنل من إرادته ولم تزحزحه قيد أنملة عن المبادئ والثوابت التي يخوض المواجهة تحت سقفها، وهذا يعني أن أمريكا قد استنفدت خيار (الحرب) _العدوان والحصار _ كأداة من أدوات السياسة دون أن تفضي إلى نتائج أملتها وهذا أمر في غاية الأهمية ، إذ ما الذي يمكن أن تفعله الديبلوماسية والسياسة وقد عجزت أعنف أدواتها عن إحراز أي تقدم يذكر؟، ووفقا للقاعدة الأولى وهي أن السياسة فن الممكن وأن الممكن هو ابن نظام القوة وتطوره ، نجد أن أمريكا بكل ما تمتلكه من قوة على مختلف المستويات في الميدان العسكري والسياسي والاقتصادي و الخ ، أخفقت في كسب ما يمكنها من جديد من حز رقاب اليمنيين ومستقبلهم ، فيما نجد واقع اليمن في حال الانطلاق من هذه القاعدة على النقيض تماما من واقع أعدائه ، إذ من المُشاهد والمُتابع أن كل تطور في القوة اليمنية يفتح فضاء لممكن جديد يحرك القضية للأمام ويدفع الأعداء والخصوم نحو دوائر الحل ويقرب مسافاتهم البعيدة عنها ويختصر الكثير منها بالتأكيد ..
يحضرني هنا ما قاله السيد حسين في إحدى محاضراته حيث قال “إن الله لا يمكن أن يتيح لأعدائه أن يصلوا إلى تطور وتقدم عسكري دون أن يمكن عباده ولو بإمكانات محدودة وبسيطة من التأثير عليهم وإجبارهم على الخضوع لمعادلات جديدة أو هكذا يقول بالنص في مديح القرآن الدرس الرابع « المسلمون ملزمون أن يطوروا أنفسهم على أرقى مستوى أن يعدوا كُـلّ القوة لكن قوة واحدة يجب أن تكونَ لديهم دائماً ومسيطرة على مشاعرهم، مسألة التوازن، مسألة التوازن هذا نفسه أن تفهم سنناً أُخرى لا تأتي تقارن بين نفسك بأن ما عندك إلا بندق أَو عندك حاجة بسيطة والآخر عنده طائرة وعنده كذا فتقول متى ما قد عندي طائرات ودبابات وعندي كذا وعندي كذا… إلخ فسأعمل كذا ما هو قد يقول الناس هكذا؟، لا افهم في الواقع بأنّ هذا العدوَّ الكبيرَ يوجد ثغرات لديه، يوجد نقاط ضعف رهيبة جِـدًّا، يوجد وسائل في متناولك أن تعملها تؤثر عليه، وأنت في مواجهته إنك فعلاً تؤثر عليه فعلاً خَاصَّةً في الزمن هذا الحرب في الزمن هذا وإنْ بدت أرهب هي أسهل، هي أسهل ووسائل مواجهة العدوّ كثيرة ومتنوعة في متناول الناس أن يعملوا الكثيرَ منها، ففي يديك وسائلُ تعيقُه عن استخدام السلاح الكبير ذلك. إذاً هذا توازن أليس توازناً؟”
ما المطلوب ؟
وأمام هذه الحقائق التي يعيها صغار المتابعين للشأن اليمني وليس فقط الساسة ، مطلوب أن تتجاوز واشنطن مرحلة الانكشاف الغارقة فيها وتغادر مربع الرهان على عامل الوقت وإطالة أمد العدوان والحصار ودبلوماسية المقايضة والبدء بنهج آخر تطلبه أي طاولة مفاوضات جادة ، دبلوماسية تُعنى بتصحيح أخطاء الماضي ومعالجة آثاره، لا بل تُتيح فقط الفرصة لليمن لالتقاط أنفاسه ومعالجة آثار ست سنوات مضت ، فذاك ممكن مع رفع مظاهر الحصار المختلفة التي منعت وتمنع عن اليمنيين بشكل أو بآخر إمدادات الغذاء والدواء والوقود في القرن الواحد والعشرين ، أي في بيئة أقل تعقيدا تساعد على الإقلاع في هذا الميدان المثقل بتداعيات مُرهقة، وإذا كان ذلك ما تستدعيه الوقائع المختلفة و المطلوب من أمريكا فما هو المتوقع في إطار ما تتبعه إدارة بايدن من دبلوماسية المقايضة ، إذ لا يمكن بحال وصف ما يجري في العاصمة العمانية مسقط ، مفاوضات ؟
نستطيع الإجابة باستبعاد تحقيق أي انفراجة على الصعيد الدبلوماسي وتأكيد مراوحة الأعداء في ذات المربع وانعدام نوايا الاتجاه إلى إحلال السلام في اليمن ، وبالتالي فلا تعويل على هذا الميدان، يقول محمد عبدالسلام، وحين لا يدلي كبير مفاوضي اليمن بتصريحات بهذا الشأن فيتيح الفرصة فقط لسلاح الجو المسير والصواريخ البالستية .. وحتى حين أو قل حتى تصل قوى العدوان إلى نقطة تجد أنها تدفع كلفة استمرار العدوان والحصار سيظل ذلك هو خيار اليمن ، الكثير من المقاومة السياسية والكثير من التعبئة المعنوية والقدر المستطاع من استعمال القوة المسلحة في حمى توازن القوة ، وثم ملاحظة في الأخير تتوقع تقليل مخاطر استهداف البترودولار ، في حال عاد ساكن البيت الأبيض إلى أطروحات علوم الحرب وفلاسفتها الأمريكان كلاوزفيتز وكيسنجر ، لربما ساعد الأمر على تبني سياسة أكثر منطقية مما يكررونه راهنا ويستنسخونه في كل حديث بطريقة أو بأخرى ..