البرنامج الرمضاني لليوم الرابع والعشرين من ص20 _ ص24 ( يوم القدس العالمي )
{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) أنت يا محمد الذي هم يعرفون أنك نبي كما يعرفون أبناءهم، فكيف يرضون عن أمتك، وهم لم يرضوا عنك {لن تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} حتى تدين بدينهم، وتصبح يهودياً مثلهم. وهم قالوا: بأنهم غير مستعدين أن يدعوا أحداً أن يكون يهودياً. ليس هناك من يصلح من العرب أن يحظى بمكانة أن يصبح يهودياً، لكن يريدون أن يضلوا الناس.
فلماذا, لماذا خسر العرب تلك الفرصة العظيمة؟ لماذا ضيع العرب حتى الفلسطينيون أنفسهم؟. كانت إيران دولة موالية لإسرائيل قبل قيام الإمام الخميني والثورة الإسلامية، كان هناك سفارة لإسرائيل في طهران حولها الإمام الخميني إلى سفارة لفلسطين قبل أن تنشأ دولة فلسطينية، وقبل أن ينشأ في أي بلد عربي آخر سفارة لفلسطين، كانت هناك فقط مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في مختلف العواصم.
أما الخميني فإنه حول سفارة إسرائيل إلى سفارة لفلسطين، وأعلن ووعد عرفات, وأكد لعرفات أنه سيقف مع الفلسطينيين، ومع ذلك كان يتجه عرفات إلى مبارك وإلى آخرين, ولم يهتم بما قاله الإمام الخميني، وهو يعرف أن إيران أقوى من مصر، الإيرانيون أقدر من المصريين وأثبت من المصريين وأكثر ولاء لقيادتهم، وفي ميادين القتال أقدر من المصريين، وإيران أغنى من مصر، وقيادة إيران أصدق من قيادة مصر، ومع ذلك كان يخرج من عند الخميني ويتجه إلى زعيم مصر إلى حسني مبارك.
العرب هم الذين أوصلوا أنفسهم إلى هذه الحالة، إلى هذه الذلة، إلى هذا الخزي؛ لأنهم ضيعوا أشياء كثيرة، ضيعوا فرصاً عظيمة.
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً}(آل عمران: من الآية99) وعندما يعوج سبيل الله في حياة الناس أليست تعوج الحياة؟ أليست حياتنا الآن عوجاء؟ حياتنا الآن أصبحت تحت رحمة اليهود والنصارى؟ هل هناك عوج أسوأ من هذا؟ ليس عوجاً واحداً اعوجاج متعدد.
ثم يقول: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(آل عمران: من الآية99) ماذا عملت يا الله عندما قلت بأنك لست بغافل عنهم؟ ماذا عملت لنا؟ هل يمكن أن نقرأ قوله: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ثم لا نجده قد هدى إلى كيف نواجه اليهود والنصارى؟. لقد هدى فقال في نفس هذه الآيات بعدها ثم قال: {يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(آل عمران:100- 101)
مما ضرب القرآن المفسرون الذين يجعلون كلمة: {هُدىَ} و{هَدَى} تنصرف إلى مجال العبادات البحتة، يعني إلى صيام, إلى صلاة. إن القرآن كتاب حياة، كتاب حياة شاملة، يهدي الناس في كل مجالات الحياة، يهدي الناس في كل شئون الحياة، وليس فقط إلى الجانب الإيماني العبادي الروحي، فجاء المفسرون ليقولوا عن (يهدي) يعني يهديك إلى طريق الجنة، أي إلى ما تعمل به لتصل إلى الجنة، كيف تسبح وكيف تصلى وانتهى الموضوع.
هنا يقول في مجال الحديث عن أهل الكتاب الأعداء في هذه الدنيا، أم أن أهل الكتاب سيكونون أعداء لنا في الآخرة، الآخرة ليست ميدان عداء من هنا وهنا.. سيكون الناس كلهم يقفون بين يدي الله ليحاسب الجميع، ليس هناك طوائف متعادية يقول هنا: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) الاعتصام بالله، الثقة بالله، والثقة بكتابه.. من الثقة بكتابه أن تعرف أن كتابه كتاب هداية، أن تعرف أن كتابه كتاب للحياة كلها، وليس فقط للجوانب الإيمانية التعبدية الروحية، الذي يقول يهديك إلى ما تحصل به على ثواب لتدخل الجنة.
{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}في حياته في مواجهته لأعدائه، هذه الأمة إذا اعتصمت بالله، إذا اعتصمت قيادتها بالله ستُهْدَى إلى الصراط المستقيم في مواجهتها مع عدوها.
ثم يرشد إلى أن هذه الأمة لخطورة من تواجه… ومن العجيب، ومن العجيب أنه قال عن اليهود والنصارى أنه قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء، أي أن الله سبحانه وتعالى قد خفف كثيراً كثيراً كثيراً فاليهود والنصارى الذين نصارعهم الآن هم من بعد التخفيف, بعد التخفيظ، ومع هذا يغلبوننا!.
كيف لو كان اليهود لا يزالون غير مضروب عليهم ذلة ولا مسكنة؟ كيف لو كانوا لا يزالون غير محكوم عليهم بغضب الله؟. كيف لو كانوا لا يزالون لم يزرع بينهم العداوة والبغضاء.
الآن من العجيب أن يهزم المسلمون أمام اليهود بعد التخفيظ، بعد التخفيف, أي أنت الآن لا تواجه اليهودي الحقيقي المركّز.. بعد التخفيف، تخفيف.. تخفيف.. ضَربَ بذلة ثم مسكنة وباءوا بغضب، ثم ضرب بينهم عداوة وبغضاء، ثم.. ثم. ومع هذا يقهروننا، مع هذا يتغلبون علينا، هذا شيء يثير العجب، يثير الاستغراب، وهم على الرغم مما هم عليه من تفرق, وعداوة وبغضاء يقول للأمة لا بد أن تعتصم بالله، لا بد أن تتحِد كلمتها بالاعتصام بالله.
فيقول بعد هذه الآيات عن اليهود: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (آل عمران: من الآية102) أليس في سياق الحديث عن اليهود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) هذا من معاني الاعتصام بحبله والرجوع إليه وتحقيق العبودية له {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا لتكونوا بمستوى مواجهة هذه الطائفة التي تصد عن سبيل الله, وتبغي العوج لدين الله، هذه الطائفة التي تريد أن تكونوا كفاراً ضالين، هذه الطائفة التي لا تود لكم أي خير.
وكأنه قال لنا وأنا من جانبي قد خفظتهم كثيراً كثيراً كثيراً، فضربت عليهم الذلة والمسكنة، وحكمت عليهم بغضبي، وفرقت شملهم.. فعندما تجبنوا أمامهم, وعندما تصبحوا أذلاء هذا يشهد أن العرب, أن المسلمين في واقعهم مع دين الله أصبحوا أسوأ مما وصل إليه بنو إسرائيل.
من العجيب أننا نقرأ الآيات التي تتحدث عن اليهود، ثم نقول هؤلاء مجرمون، هم مجرمون حقيقة، لكن ونصب غضبنا عليهم وننسى أننا نحن العرب وقد أخبرنا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) – سابقاً – فقال: ((لتحذّن حذو بني إسرائيل)) إلى درجة أن قال: ((حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ لدخلتموه)) وفي بعض ألفاظ الحديث ((لتحذن حذو من قبلكم)) قالوا: اليهود والنصارى؟. قال: ((فمن؟)).
نحن نقرأ عن اليهود أليس تاريخا أسود؟ أليسوا سيئين؟ أليست حالة غريبة جداً هم عليها؟ يقتلون النبيين، يكذبون بآيات الله، يتكلمون على الله بالسوء {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}(المائدة: من الآية64) لكنا لا ننظر إلى واقعنا نحن، أننا وصلنا نحن العرب أسوء من بني إسرائيل، في تعاملهم مع كتابهم، وفي تعاملهم مع أنبياءهم، وفي تعاملهم مع البشر ومع بعضهم بعض.
ولهذا كنا إلى درجة أن نُذَل بمن قد أُذِلّوا، ونُضرب ونستكين لمن قد ضُربت عليهم المسكنة، ونتفرق على أيدي من قد ضرب الله بينهم العداوة والبغضاء. أليس ذلك يدل على أننا أصبحنا في واقعنا أسوء منهم؟.
فعلاً الأمة من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) تفرقت عن نهج نبيها، كما قال عن بني إسرائيل.. كانوا من بعد نبي من أنبيائهم يختلفون, هؤلاء اختلفوا من بعد ورسول الله كان لا يزال مريضاً, إختلفوا وهو لا يزال مريضا على الفراش ((هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)) قال عمر ومجموعة: ((دعوا الرجل فقد غلبه الوجع، إنه يهجر، حسبنا كتاب الله))!. اختلفوا والرسول كان لا يزال حياً.
اختلفوا بعد ما مات، قتلوا من كانوا كأنبياء بني إسرائيل. في شهر رمضان قتلوا وصي رسول الله علي, وقتلوا الحسن, وقتلوا الحسين, وقتلوا فاطمة الزهراء, كمداً، وقتلوا أئمة أهل بيته واحداً بعد واحد، وهم في هذه الأمة بمنـزلة أنبياء بني إسرائيل في بني إسرائيل.
وكذبوا بالقرآن، ونبذوا القرآن وراء ظهورهم، وحولوا القرآن إلى كتاب يخلق عقائد ليس فقط تنسب البخل إلى الله، بل تجعل الله مصدر كل قبيح، وتجعله يقضي ويقدر كل قبيح.
وأنتم شاهدتم في التلفزيون الذي يعرض مسلسل [ابن ماجة] ما حصل لتلك المرأة من أولئك اللصوص [قضاء وقدر!]!. هكذا يعلمون الناس أن الله سبحانه وتعالى الذي نزه نفسه، الذي نزه نفسه عن كل قبيح، وعن كل فاحشة، عن أن يريد ظلماً، أن يريد قبحاً, أن يأمر بظلم، أن يقدر ظلماً, أن يقدر قبيحاً، أو أي شيء من المعاصي والقبائح.. يقولون عنه بأنه هو الذي قضى بالقبائح وقدرها، وأنه هو الذي يخلق الشر والنفاق والكفر في قلب الكافر والمنافق، وهو الذي يقدر على العاصي أن يعصي.
ألم يتفوّقوا على بني إسرائيل في هذا؟. بنوا إسرائيل قالوا: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}(المائدة: من الآية64) أي الله بخيل. من هو الأسوأ؟ من ينسب إلى الله البخل, أو من ينسب إلى الله كل فاحشة وما البخل إلا واحدة منها؟. ألم يتفوق العرب على بني إسرائيل في تعاملهم مع كتاب الله؟ في تعاملهم مع أهل بيت رسول الله؟ في تعاملهم مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟.
وأنتم عندما تستعرضون – وهذا الذي يجب أن نفهم، وهو من الحكمة في أن يعرض الكثير عن بني إسرائيل في هذا القرآن, وكيف بلغ بهم الحال – ثم عندما نرى أنفسنا مقهورين بهم لننتبه؛ لأنه لن نُقهر على أيدي هؤلاء إلا لأننا قد أصبحنا أسوء منهم في تعاملنا مع دين الله، حرفوا سنة رسول الله، كذبوا على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كذبوا عليه أحاديث تعطل كتاب الله، أحاديث تتنافى مع حكمة الله، تتنافى مع حكمة رسوله.
فعلاً عندما أصبحنا أسوء من بني إسرائيل ضربنا على أيدي بني إسرائيل، وإلا فلماذا هذه الأمة العربية, الذين كانوا يتقاتلون على أبسط الأشياء. كانوا أمة واحدة يستطيعون أن يقهروا؟ اليهود ظلوا بين أيديهم أجيالاً متعددة في بلدانهم وهم تحت رحمتهم وحلفاء لهم. ألم يكن يهود خيبر وفدك وبنو النظير وبنو قينقاع وبنو قريظة وغيرهم كانوا على كثرتهم وغنائهم ما زالوا حلفاء تحت رحمة أشخاص وقبائل عربية.
فلماذا إسرائيل داخل البلاد العربية، داخل هذه الأمة – وهم عدد قليل، لا يزيدون على خمسة ملايين – هؤلاء أصبحت الأمة تحت رحمتهم، أصبحت الأمة خائفة منهم، أصبحت مقهورة أمامهم.. حتى اقتصادياً، الآن العرب يخافون من أن إسرائيل ستكتسح العالم العربي اقتصادياً، وأنها تسعى للسيطرة اقتصادياً وسياسياً, أن تقود دول الشرق الأوسط. هكذا يقولون عن إسرائيل.
يعني هم يعرفون أنفسهم مهزومين أمام إسرائيل، يخافون أن تقهرهم, وستقهرهم فعلاً.
ليسوا مؤهلين لأن يقهروا إسرائيل كما كان أولئك الأعراب القليلون استطاعوا أن يجعلوا اليهود تحت رحمتهم في تلك المناطق التي كانوا ساكنين فيها، وهم كانوا تجمعات قبلية قريبة من العدد الذي كان عليه العرب في المدينة وغيرها.
فقال بعد ذلك.. وجّه الأمة إلى التوحد، وجه الأمة إلى التقوى، إلى الصفح، إلى الاعتصام بحبله الاعتصام بدينه، الاعتصام بكتابه، ثم نهاهم عن التفرق، نهاهم عن الاختلاف. ماذا عمل فقهاء هذه الأمة؟ جعلوا الاختلاف مشروعاً، وجعلوا الاختلاف داخل هذه الأمة رحمة. ألم يقولوا: [اختلاف أمتي رحمة!]، جاءوا يدعون كل إنسان إلى أن يجتهد ويستنبط, طلع لك أحكام، طلع لك مذهب، طلع لك أي شيء تريد، [وما أدى إليه نظرك فهو صحيح].
دعوا إلى ذلك ووسعوه من بعد ما مات الرسول (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله)، فتفرقوا واختلفوا، فرقوا الأمة وفرقوا الدين؛ لأنهم لم يهتدوا بكتاب الله سبحانه وتعالى.
ولذا قلنا: إنما وصلت إليه الأمة ليس نتيجة هذا التاريخ الحاضر, أو العصر الحاضر, وإنما له أسبابه فيما يتعلق بالأمة, أسبابه المتلاحقة منذ أن مات رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه) إلى الآن.
ولاحظ مما يؤكد أن الله سبحانه وتعالى يهدي الأمة إلى ما فيه المخرج أنه يأتي بالحديث عن التوحد، يأتي بالحديث عن القيادة، يأتي بالحديث عن الجهاد، يأتي بالحديث عن عداوة بني إسرائيل للأمة، يأتي بالحديث عن الإنفاق في سبيله في أثناء الحديث عن بني إسرائيل.. حتى بعد هذه الآية التي أمر فيها بالتوحد والتقوى والاعتصام الجماعي, وأن لا يختلفوا سبقها بحديث عن بني إسرائيل، ثم تحدث فيما بعد عن بني إسرائيل، فقال بعد أن استمر في هذه الآيات: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}(آل عمران:110) ثم قال: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}(آل عمران: من الآية112) ما الحبل الذي أعطيناهم نحن؟ هو الولاء، البترول المعادن المصانع التي داخل بلداننا لشركاتهم هو الحبل الذي منحناهم نحن المسلمون، وحبل من دول الغرب منحوه أيضاً لإسرائيل فأصبحوا على ما هم عليه.
ألم يعد للحديث عن بني إسرائيل من جديد كما تحدث عنهم من قبل؟ فعندما أمر بالتوحد هو في كل هذا يشير إلى أن الأمة الخطر المحدق عليها هو من قبل اليهود, وأهل الكتاب بصورة عامة، المواجهة ستكون قائمة، وأن الأمة لا يمكن أن تهتدي من جهة نفسها إلى أن تعرف كيف تواجه أعداءها، لا يمكن إلا بالعودة إلى الله، بالعودة إلى كتاب الله, وبالاهتداء بهديه، وحينئذٍ سيستطيعون أن يقهروا إسرائيل.
فمن هنا نعرف سر هزيمة العرب، سر هزيمة المسلمين، وأن الإسلام ليس هو الذي يصارع إسرائيل، الإسلام, القرآن ليس هو الذي يصارع اليهود، إنما – كما قلت سابقاً – عرب بدون قرآن، ومسلمون بدون إسلام، وبدون قرآن.
من العجيب أن العرب يفهمون أن أمريكا أحوج إليهم من حاجتها لإسرائيل.. أليس ذلك معروف؟. هل البترول الذي تحتاج إليه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الغرب من إسرائيل أو من البلدان العربية الأخرى؟. أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها بحاجة إلى العرب أحوج منها إلى إسرائيل.
أمريكا حاجتها إلى إسرائيل لا تساوي شيئاً بالنسبة لحاجتها إلى العرب، والعرب يفهمون أن أمريكا هي وراء إسرائيل، وبريطانيا هي التي تساند إسرائيل, أمريكا هي التي تساند إسرائيل, وفرنسا ودول الغرب جميعاً هي التي تساند إسرائيل.
فلماذا لا يفهمون بأن عليهم – إذا كانت أمريكا أحوج إلينا ودول الغرب أحوج إلينا كسوق استهلاكية, ويحتاجون إلى ثرواتنا البترولية وغيرها – لا يستطيعون أن يستخدموا هذا كوسيلة ضغط على أمريكا وبريطانيا وغيرها لأن تجعل إسرائيل تكف عما تقوم به على أقل تقدير؟!. لا. إسرائيل تضرب الآن السلطة الفلسطينية، تضرب الفلسطينيين والعرب يعلنون وقوفهم مع أمريكا في قيادتها للتحالف ضد الإرهاب – كما يسمونه – .
أليس هذا من الأشياء الغريبة؟ أليس هذا مما يدل على أن مشكلة العرب ومشكلة المسلمين هي مشكلة داخلية؟. أنهم هم قد وصلوا إلى حالة سيئة، حالة سيئة لا يمكن للإنسان أن يتصور فظاعة هذه الحالة، لا يستطيعون أن يستخدموا حتى حاجة أمريكا لهم، والبترول بملايين البراميل أمريكا بحاجة إليه, وغيرها من دول الغرب.
ما حاجة أمريكا إلى إسرائيل؟ ما هو الذي تستفيده أمريكا من إسرائيل من الناحية الاقتصادية؟ لا شيء, لا شيء.
ثم لماذا لا يعملون على مقاطعة الشركات الأجنبية؟ أحيانا إذا حصل هكذا من منطلق فردي، أو مجموعات تعمل على أن تقاطع منتج معين لشركات يهودية.. لكن لماذا لا تتخذ الدول العربية قراراً بقطع التعامل الاقتصادي مع أي شركة إسرائيلية, أو تدعم إسرائيل. أليس باستطاعتهم هذا؟.
لماذا – إذا كان العرب يخافون من أي حصار اقتصادي على دولة ما – لماذا لا يعملون على إقامة سوق إسلامية مشتركة؟ الإمام الخميني تبنى هذه الفكرة, وإيران تبنت هذه الفكرة، ودعت إليها وألحت عليها: أن العرب, أن المسلمين لا بد لهم في أن يكونوا متمكنين، من أن يملكوا قرارهم السياسي، لا بد من أن يكون لهم سوق إسلامية مشتركة بحيث يحصل تبادل اقتصادي فيما بين البلدان الإسلامية، ومع بلدان أخرى.
أيضاً هناك بلدان أخرى ليست مستعدة أن ترتبط اقتصادياً بأمريكا في ما لو حصل من الجانب العربي مقاطعة لأمريكا, أو لأي بلد تساند إسرائيل.. هناك بلدان أخرى مستعدة للتعامل مع العرب، ستأخذ بترولهم، ستأخذ منتجاتهم، ستأخذ أشياء كثيرة وتتعامل معهم، كما عملت إيران عندما اتجهت إلى التعامل مع بلدان معينة، عندما ضايقها الحصار الاقتصادي.
لم يتجه العرب أو المسلمون بأن يكون لهم عملة إسلامية موحدة.. العرب, المسلمون هم الذين أضاعوا أنفسهم؛