يوم الفرقان… نقلةً كبيرةً جداً
في محاضرته الرمضانية السادسة عشرة، خصص السيد القائد عبد الملك در الدين الحوثي هذه المحاضرة للذكرى الإسلامية والتاريخية لغزوة بدر الكبرى، إذ كان من المهم أن تكون هذه المحاضرة متعلقةً بهذا الموضوع الذي له الأهمية الكبيرة جداً، حيث إن غزوة بدر الكبرى لها أهميتها الكبرى في تاريخ الأمة، من حيث ما نتج عنها من متغيرات، وما صنعته من تحولات امتدت وتمتد إلى قيام الساعة، وكذلك من حيث القائد الذي كان يقود هذه المعركة، وهو النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، بكل ما يمثله ذلك من موقع القدوة والأسوة، وأيضاً من حيث الدروس والعبِّر التي تصحح للمسلمين الكثير من المفاهيم، ويستفيدون منها فيما يحتاجون إليه من فهمٍ ووعيٍ صحيح، ورؤيةٍ صحيحة لمواجهة التحديات والأخطار، لاسيما وأن المسلمين في أمسِّ الحاجة إلى الدروس والعبِّر في هذا العصر.
نبذة موجزٍة عن واقعة بدر:
يشير السيد القائد إلى أن رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” حظي في المدينة بنصرة الأنصار، وبمجتمعٍ حاضنٍ للرسالة الإلهية، ومؤمنٍ بها، واستقر هناك؛ ليؤسس ويبني الأمة الإسلامية، وأن قريش لم تكف عن عدائها للإسلام وللرسول والرسالة، بل استمرت في مشوارها العدائي وبأشكالٍ متعددة، حيث يقول:
“رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” ما بعد هجرته من مكة إلى المدينة، حظي في المدينة بنصرة الأنصار، بمجتمعٍ حاضنٍ للرسالة الإلهية، ومؤمنٍ بها، واستقر هناك؛ ليؤسس ويبني الأمة الإسلامية، بدءً من تلك النواة في الأوس والخزرج، والمهاجرين والأنصار.
وقريشٌ ما بعد هجرة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” من مكة إلى المدينة، لم تكف عن عدائها للإسلام وللرسول والرسالة، بل استمرت في مشوارها العدائي وبأشكال متعددة، فهي بدأت تنسِّق مع الكثير من القبائل العربية، بما فيها القبائل القريبة من المدينة، على أساس الترتيب لحصارٍ خانقٍ على المستوى الاقتصادي للمسلمين، والمقاطعة للمسلمين، ومنعهم من الحركة التجارية، ومن الذهاب إلى الأسواق في تلك المناطق والقبائل، وبدأت تعدُّ العدَّة من أجل أن تقوم بعمليةٍ عسكريةٍ إلى المدينة نفسها؛ لاستئصال النبي والمسلمين، والقضاء على الدين الإسلامي، وعملت على هذا الأساس، تحالفت مع بعضٍ من القبائل العربية، اتفقت معهم على الحصار للمسلمين اقتصادياً، وبدأت تعدُّ العدَّة من أجل تلك العملية العسكرية، وكانت تحتاج إلى التمويل المالي اللازم لتلك العملية التي تريدها أن تكون عمليةً حاسمة، فأعدت قافلةً تجاريةً إلى الشام، الهدف من هذه القافلة: أن تحصل من خلالها على التمويل اللازم الكافي لعملية كبيرة، عملية تتمكن من خلالها من تحقيق هدفها في استئصال المسلمين، وكان يقود هذه القافلة التجارية أبو سفيان زعيم المشركين بنفسه، وهذا يدلل على أهمية هذه القافلة، وهم يقولون أنها كانت قافلة تجارية كبيرة جداً، لربما أكبر قافلة تجارية، عندما كان الهدف منها هدفاً عسكرياً، من أجل التمويل العسكري”.
وكانت العدائية لقريش في محاربة الرسول والإسلام معروفة، فعندما كان النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” في مكة، فقد حاربت قريش الإسلام بكل الوسائل، على مستوى الدعاية، والإعلام، والحصار الاقتصادي، والتعذيب حتى القتل، وبعد هجرة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” ومن معه من المسلمين صودرت منازلهم في مكة، ونهبت ممتلكاتهم، وكانت هجرتهم هجرة اضطرارية، قال تعالى: {أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}[الحج: من الآية40]، وبذلك فإن العداء واضح، ومظلومية المسلمين واضحة، والحالة القائمة هي حالة صراع مستمر.
وفي أول تحركٍ عسكري رئيسي، تلقى النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” الأمر من الله سبحانه وتعالى بالتحرك لمواجهة التهديد والخطر من قريش، حيث تحرك رسول الله من المدينة بمن استجاب له من المهاجرين والأنصار، يقول السيد القائد:
“النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله في المدينة المنوَّرة أتاه الأمر من الله “سبحانه وتعالى” بالتحرك لمواجهة هذا التهديد، وهذا الخطر، فتحرك رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” من المدينة بمن استجاب له من المهاجرين والأنصار، وكان أول تحركٍ عسكريٍّ رئيسي، ما قبله كان هناك سرايا صغيرة تتحرك، وسرايا استطلاعية في أغلب الأحوال، تستطلع المعلومات، وتستطلع للاكتشافات الجغرافية والعسكرية، وتجمع المعلومات عن تحركات الأعداء، لكن ذلك سيكون أول تحركٍ عسكريٍ رئيسي يتحرك به المسلمون، وبتوجيهٍ من الله “سبحانه وتعالى” بعد نزول الإذن من الله “سبحانه وتعالى” في قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج: الآية39]”.
تقاعس وتخاذل الكثير عن التحرك:
ولأن المسألة في بداياتها كانت مسألة صعبة، ومحفوفة بالتهديدات، فقد تقاعس وتخاذل الكثير عن التحرك، حيث كان الجو في المدينة مشحوناً بالتثبيط، والتخذيل، والإرجاف، والتهويل، ويبين السيد القائد أن القرآن الكريم قدَّم صورةً عن هذا الموقف وتلك الظروف في قول سبحانه وتعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، يقول السيد القائد.
“كان التوجيه من الله “سبحانه وتعالى”، والأمر من الله “جلَّ شأنه” لنبيه “صلوات الله عليه وعلى آله” وللمسلمين أن يتحركوا عسكرياً لمواجهة هذا التهديد، وفعلاً تحرك النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وكان من استجاب له ما يزيد على الثلاثمائة قليلاً، في بعض الإحصائيات يقولون: (ثلاثمائة وثلاثة عشر مجاهداً تحركوا معه)، ولأن المسألة في بداياتها مسألة صعبة، ومحفوفة بهذا الجو من التهديدات، وهو أول تحرك، فقد تقاعس الكثير عن التحرك، وتخاذل الكثير عن التحرك، وكان الجو نفسه في المدينة مشحوناً بالتثبيط، والتخذيل، والإرجاف، والتهويل، وقدَّم القرآن الكريم صورةً عن هذا الموقف، وعن هذه الظروف في قول الله “سبحانه وتعالى”: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: الآية49]، فالمنافقون نشطوا بنشاط دعائي للتخذيل وللتثبيط في داخل المدينة، وأرجفوا على الناس، وأنَّ هذا التحرك هو تحرك خطير، وأنه بالتأكيد له تبعات خطيرة، وسينتج عنه مشكلة كبيرة، وأن المسلمين لا يمتلكون القوة الكافية من حيث العدد، ومن حيث العدُّة لمواجهة هذا الخطر، والنتيجة الحتمية هي الهزيمة والنهاية”.
ووصل الحال إلى درجة الاعتراض من قبل بعض المؤمنين بسبب القلق البالغ السائد في نفوسهم ومحاولة إثناء النبي عن التحرك والخروج، إلا أن لكن النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” كان واثقاً بوعد الله سبحانه وتعالى، يقول السيد القائد:
“إضافةً إلى ما كان لدى بعض المؤمنين في صفوف جيش النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” من القلق البالغ، إلى درجة الاعتراض، ومحاولة إثناء النبي عن التحرك والخروج، كما بيَّنته الآية القرآنية: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}[الأنفال: 5-6]، فالبعض من المؤمنين كانت هذه التجربة الأولى بالنسبة لهم في إطار حركة الإسلام والجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، كانوا قلقين جداً، وكانوا خائفين إلى هذه الدرجة التي عبَّر عنها النص القرآني: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}، فهم في وضعية كانوا فاقدين فيها الأمل بالنصر، وكانت حالة اليأس من النصر بارزةً بالنسبة لهم، حتى كأنهم إنما كانوا يساقون إلى الموت، والإبادة الجماعية، وكأن المعركة ستكون نهايتها الحتمية هو القضاء عليهم.
ولكن النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” كان واثقاً بوعد الله؛ لأنه أتى وعد من الله “جلَّ شأنه”: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}[الأنفال: من الآية7]”.
تحرك عسكري:
بالرغم من الظروف الصعبة في المدينة، وجو الترهيب، والإرجاف، والتهويل من جانب المنافقين والذين في قلوبهم مرض، وبالرغم من كره بعض المسلمين للخروج والتحرك في هذه المعركة، ومخاوفهم المبالغ فيها، إلَّا أنَّ النبي تحرك، ووصل إلى منطقة بدر، يقول السيد القائد:
“بالرغم من الظروف الصعبة في داخل المدينة، وجو الترهيب، والإرجاف، والتهويل من جانب المنافقين والذين في قلوبهم مرض، وبالرغم من كره بعض المسلمين للخروج والتحرك في هذه المعركة، ومخاوفهم المبالغ فيها، إلَّا أنَّ النبي تحرك، ووصل إلى منطقة بدر، وادٍ على بُعد مائة وستين كيلو متر تقريباً من المدينة، بينها وبين مكة، وهناك وقعت المعركة، وكانت نتائجها كبيرة، وتحقق فيها انتصار كبير للمسلمين، بدأت تلك المعركة بالمبارزة، خرج ثلاثةٌ من المسلمين: حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث رضوان الله عليهم، في مقابل ثلاثة من المشركين، وكانت هذه الجولة لصالح المؤمنين، انتصر فيها أولئك المبارزون الذين خرجوا من جانب المسلمين، وبدأ الالتحام بين الفريقين، والتقى الجمعان، وكانت المعركة كبيرة”.
ويبين السيد القائد أن التحرك كان تحركاً عسكرياً، وليس فقط الحصول على القافلة التجارية التي كانت قد عادت من الشام، إذ كان يأمل المسلمين أن يلتقوا بهذه القافلة، وأن يأسروا أبا سفيان، وأن يسيطروا على القافلة بهدف التمويل العسكري، حيث يقول:
“لأن النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” عندما تحرَّك كان هناك أيضاً في المقابل تحرك عسكري، غير القافلة التجارية التي كانت قد عادت من الشام، وهي في طريقها إلى مكة، وكان أمل المسلمين أن يلتقوا بهذه القافلة، وأن يأسروا أبا سفيان، وأن يسيطروا على القافلة التي هي بهدف التمويل العسكري أصلاً، ولكن كان هناك أيضاً تحرك للجيش من مكة، خروج لقريش بشكل عسكري، بجيشٍ كبير، أكثر من عدد الجيش الإسلامي بعدد كبير، يعني: كان عدد الجيش الإسلامي ما يقارب الثلاثمائة والثلاثة عشر، أو أكثر من الثلاثمائة بعددٍ قليل، أما أولئك فكانوا ألف مقاتل، يمتلكون من العدُّة العسكرية ما لا يمتلكه المسلمون.
وأتى الوعد من الله سبحانه وتعالى عندما تحرك الجيش من مكة لاستهداف المسلمين، يقول السيد القائد:
“فتحرك الجيش من مكة لاستهداف المسلمين، وأتى الوعد من الله “سبحانه وتعالى” كما في الآية المباركة بإحدى الطائفتين: إما الظفر بأبي سفيان والقافلة، وإما الظفر بالجيش العسكري، الطائفة العسكرية التي خرجت من مكة، {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}[الأنفال: من الآية7]، الرغبة السائدة في أوساط المسلمين: أن يسيطروا على القافلة، وأن يتفادوا الاحتكاك العسكري، والمشكلة العسكرية، ولكن كانت إرادة الله شيئاً آخر، غير هذه الرغبة لدى المسلمين، كانت إرادة الله بما فيه الخير للمسلمين، ولهذا قال “جلَّ شأنه”: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[الأنفال: 7-8]، كان من الواضح والمؤكد أنَّ نتيجة الاحتكاك العسكري، والاشتباك العسكري، والاقتتال مع المشركين في هذه المعركة ستكون نتائجها أفضل للمسلمين، وستكون النتائج المترتبة عليها هي أكثر أهمية من مسألة الحصول على غنائم، أو بعضٍ من الأسرى، فالنتيجة من الاشتباك العسكري هي إحقاق الحق، وإبطال الباطل، وقطع دابر الكافرين وهذه نتائج مهمة جدا”ً.
مظاهر الرعاية الإلهية للمؤمنين:
شهدت المعركة كثيراً من مظاهر الرعاية الإلهية للمؤمنين، يقول السيد القائد:
“شهدت المعركة كثيراً من مظاهر الرعاية الإلهية للمؤمنين، أتى المطر كما في سورة الأنفال، الغيث، ووفر المياه للمسلمين، وخفف من هواء جسمهم، واغتسلوا به، وانتعشوا منه، واستفادوا منه لتثبيت جغرافيا المعركة (أرضية المعركة)، وأيضاً أتت الملائكة لتقدم الدعم المعنوي للمؤمنين، والاطمئنان إليهم، ونزلت السكينة مع نزول الملائكة، فأتت مجموعة من العوامل والظروف التي ساعدت المسلمين على تحقيق النصر، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[الأنفال: من الآية10].
من حيث العدد: كانوا قلة في مقابل عدد جيش المشركين، من حيث الإمكانيات: كانت إمكانياتهم متواضعة، ولم يكونوا- في بعض الروايات- يمتلكون إلَّا فرساً واحداً، وكانت السيوف عندهم محدودة، ليس لهم أي سلاح احتياطي، إذا انكسر سيف أحدهم لا يوجد البديل، بينما لم يكونوا مدرعين، لم يكونوا يقتنون الدروع، ويلبسون الدروع، في مقابل ما كان لدى أعدائهم من المشركين من العدة العسكرية، والدروع، والخيول، والعدة الكافية والكبيرة مقارنةً بما كان عليه حال المسلمين، وتلك الوضعية التي كانوا فيها مع مخاوفهم الشديدة، وقلة تجربة الكثير منهم في القتال ممن خرج مع النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، الكثير منهم كانت ستكون أول معركة يقاتل فيها، يأتي القرآن ليعبِّر لنا عن حالة المسلمين في تلك الظروف، في قول الله “سبحانه وتعالى”: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران: الآية123]، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}، وضعية صعبة، ظروف صعبة، ومخاوف، ومع ذلك كانت هذه المعركة مصيرية، ظروفها صعبة، والإمكانيات محدودة من حيث العدد والعدة، ولكنها معركة مهمة، ومصيرية، وحاسمة، ولو تمكَّن المشركون من تحقيق أهدافهم، وقضوا على رسول الله وعلى المسلمين؛ فسيكون لهذا تأثير كبير جداً، وسلبي للغاية في مستقبل الرسالة الإسلامية، أو انهزم المسلمون فيها؛ لكان لذلك تأثير سلبي جداً في مستقبل الرسالة الإسلامية”.
يوم الفرقان… نقلةً كبيرةً جداً:
بالرغم من ضعف إمكانيات المسلمين، وقلة عددهم، وانتشارهم، وإمكانياتهم المحدودة جداً، فمن خلال ذلك كان والنظر بريبة من أكثر الناس تجاه إمكانية احتمال أن ينتصر هذا الإسلام وأهله، إلَّا أن هذه الواقعة غيَّرت كل ذلك، ومثَّلت نقلةً كبيرةً جداً؛ لأن الانتصار فيها كان كبيراً، والضربة كانت موجعةً جداً للمشركين، وكان لها الأثر البالغ والمهم جداً، ولذلك سميت هذه الغزوة المهمة جداً في القرآن الكريم بيوم الفرقان، وسمَّاها الله يوم الفرقان؛ لأنها مثَّلت مرحلةً فارقة، يقول السيد القائد:
“الناس كانوا ينظرون بشكلٍ عام في تلك المرحلة بريبة وقلق تجاه مستقبل الإسلام والمسلمين، وتجاه إمكانية أن ينتصر الإسلام، وأن يتمكَّن من قيام أمته؛ لأنهم كانوا يلحظون ضعف إمكانيات المسلمين، قلتهم، وكانوا يلحظون أيضاً مستوى الصعوبات من حيث الأعداء الكثيرون المتمكنون، دول، وكيانات، وجماعات، وقبائل، كلها كانت كافرة بهذا الدين، ومحاربة لهذا الدين، معارضة لهذا الدين، مباينة لهذا الدين، ويرون لديها القوة الكافية لمحاربة الإسلام وأهله.
ثم فيما يقابل ذلك من ضعف إمكانيات المسلمين، وقلة عددهم، وانتشارهم، وإمكانياتهم المحدودة جداً، فمن خلال ذلك كان أكثر الناس ينظر بريبة تجاه إمكانية احتمال أن ينتصر هذا الإسلام وأهله، ولكنَّ هذه الواقعة غيَّرت كل ذلك، ومثَّلت نقلةً كبيرةً جداً؛ لأن الانتصار فيها كان كبيراً، والضربة كانت موجعةً جداً للمشركين، وبقي وجعها مستمراً فيهم، حتى فيما تلاها من أحداث؛ لأنها لم تكن البداية والنهاية، كانت بداية المعركة والحرب بذلك الشكل: معارك كبيرة، ولكنها استمرت فيما بعدها، ولكن أثرها امتد لما بعدها، وكان واضحاً فيما بعد ذلك في كل المعارك التي خاضتها قريشٌ في محاربة المسلمين، كان يتجلى أثر تلك المعركة، وأنها قتلت الكثير من القيادات والأبطال الذين يعتمد عليهم العدو، وكان لها صداها في بقية الأعداء، وفي بقية الناس، في بقية المجتمع، حتى في داخل المدينة نفسها بالنسبة للمنافقين، والذين في قلوبهم مرض، والمتربصين، والمترددين، والمتذبذبين، كان لها الأثر البالغ والمهم جداً، ولذلك سميت هذه الغزوة المهمة جداً في القرآن الكريم بيوم الفرقان، سمَّاها الله يوم الفرقان؛ لأنها مثَّلت مرحلةً فارقة، ما قبلها وما بعدها يختلف كلياً، المسلمون فيما بعدها أهل عزة، أهل شوكة، أهل قوة، أهل هيبة، أصبحت النظرة إليهم وإلى الإسلام بنظرة مختلفة إلى من المجتمعات، من أعدائهم”.
وكانت المعركة بوضعية صعبه وإمكانيات محدودة، ولكنها مصيرية ومهمه في مستقبل الرسالة الإسلامية، وأغلب الناس كانوا ينظرون بريبة لانتصار الاسلام، وكان لهذه المعركة أثرها وصداها عند بقية الناس، وكان لها الأثر البالغ جداً.
النبي يقود المسلمين في هذه المعركة:
لواقعة بدر أهميتها من حيث أن قائد المعركة هو النبي صل الله عليه وسلم وعلى آله، بكل ما يمثله ذلك من أهميةٍ للمسلمين بأنه أسوتهم وقدوتهم في مشروعية ما يعمل؛ باعتبار ما يعمله له مشروعية دينية، وأنه انطلق فيه بأمرٍ من الله سبحانه وتعالى، وبناءً على مقتضيات أحكام الدين الإسلامي ومبادئه وشريعته، فكان تحركه بالدعاء والتحرك العملي للمعركة وفق توجيهات الله، يقول السيد القائد:
“لها أهميتها من حيث أنَّ الذي يقود المسلمين في هذه المعركة هو النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، بكل ما يمثله ذلك من أهميةٍ لنا كمسلمين، نؤمن بأنه أسوتنا وقدوتنا، في مشروعية ما يعمل؛ باعتبار ما عمله له مشروعية دينية، انطلق فيه بأمرٍ من الله “سبحانه وتعالى”، وبناءً على مقتضيات أحكام هذا الدين الإسلامي ومبادئه وشريعته، فهو يشرع، أو الله “سبحانه وتعالى” شرَّع لنا، وفرض علينا حتى، أن نتحرك في مواجهة التهديدات علينا، وعلى ديننا، مبادئنا، قيمنا، أن نتحرك على هذا النحو، كما فعل نبينا، قدوتنا أسوتنا “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، لم تكن التوجيهات تجاه ذلك التهديد، وتجاه ذلك الخطر الذي يهدد المسلمين في عقر دارهم أن يجلسوا، وأن يقعدوا، وأن ينتظروا العدو حتى يتمكن إلى نهاية المطاف، أو أن يستسلموا، وتنتهي الأمور على هذا الأساس، لا، كان هناك أمر واضح للنبي “صلوات الله عليه وعلى آله أن يتحرك على هذا النحو.
ولم تكن أيضاً الطريقة أن يتجه أمام هذا التهديد إلى المسجد، ويتجه معه المسلمون، ثم يعتكفون ليلاً ونهاراً بالدعاء الدائم، أن يدمر الله قريشاً ويستأصلها، وأن يعفيهم من أن يحتاجوا إلى قتالها، فيكفي الدعاء، ويكفي الابتهال، وتلاوة القرآن، توسلاً إلى الله أن يهلك العدو، وينتهي الأمر.
الدعاء مهم، وكان لا بدَّ منه، وهو دعا، والمسلمون دعوا، ولكنه دعاءٌ في إطار عمل، في إطار تحرك، في إطار جهاد، في إطار النهوض بالمسؤولية، وليس على أساس القعود والتنصل التام عن المسؤولية وعدم التحرك”.