نص المحاضرة الرمضانية الثامنة عشرة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1442هـ
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث على ضوء الآية القرآنية المباركة من سورة الأنعام وعلى ضوء ما ورد فيها في قوله “سبحانه وتعالى”: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: من الآية151]، تحدَّثنا بالأمس وعرضنا شيئاً مما ورد في القرآن الكريم عما يتعلق بنعم الله “سبحانه وتعالى” التي أسبغها علينا، في سياق الحديث على ضوء قوله: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}، فالله “سبحانه وتعالى” أسبغ علينا نعمه، عرضنا على ضوء بعض الآيات القرآنية الموارد العامة والنعم الكبرى على مستوى الأرض، وما هيَّأ الله فيها، وما أعدَّ للإنسان فيها، وما خلق له من أرزاق فيها، وما جعل فيها من المعايش للبشر، لعباده جميعاً، وكذلك النعم المتنوعة على مستوى القطاع الزراعي، الثروة الحيوانية وما فيها من نعم كبيرة، وفي القطاع الزراعي نعم واسعة جداً، ومجال واسع جداً، يتسع لكثيرٍ من الأنشطة، وأسباب الرزق الواسعة الثروة البحرية، وهكذا النعم الواسعة جداً، يمكن- إن شاء الله- أن نستعرض على ضوء ذلك على المستوى التفصيلي بشكلٍ أوسع- إن شاء الله- لاحقاً.
فالله “سبحانه وتعالى” أنعم علينا، ووسَّع لنا الأرزاق والخيرات، مع ذلك البركات التي تأتي مع الاستقامة على أساس منهج الله “سبحانه وتعالى”، وأيضاً في هدايته وتشريعه؛ لأنه بعد أن خلق الله الأرض، وجعل لنا فيها المعايش، وهيَّأ لنا فيها أسباب الرزق والخير، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً، يبقى للإنسان أن يتحرك هو، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}[الملك: من الآية15]، أن يأخذ بأسباب الرزق، أن يعمل، أن يقوم بدوره كمستخلفٍ في هذه الأرض في عمارتها، والحركة فيها للسعي لتوفير متطلبات حياته بما قد أعدَّ الله له فيها وفق تعليمات الله “سبحانه وتعالى” وهديه.
فعندما نتحرك وفق هدي الله وتعليماته وشريعته، ونلتزم وفق ذلك؛ فهذا يصلح لنا حياتنا، ويهيِّئ لنا أن نحصل على المزيد من البركات من جانب الله “سبحانه وتعالى”، وهذا يقينا من كثيرٍ من الآفات والمخاطر الكبيرة جداً؛ لأن الإنسان عندما يتحرك بعيداً عن منهج الله “سبحانه وتعالى” وهديه في إطار الحركة في هذه النعم، والتقلب في هذه النعم، والسعي لاستثمار هذه النعم، فهو قد يرتكب الكثير من الأخطار والأخطاء التي لها عواقب سيئة عليه في الدنيا وفي الآخرة.
الإنسان هو يتجه غريزياً، وبدافع الشعور بالحاجة، وتحت ضغط الحاجة، تحت ضغط الجوع والفقر والمعاناة، وضغط الاحتياجات المتنوعة، يتجه إلى أن يسعى إلى كيف يوفر احتياجاته الضرورية، يتجه إلى توفير احتياجاته الضرورية، يسعى لذلك، يعمل لذلك، فإذا لم يتجه وفق المنطلقات والتعليمات التي أمر الله “سبحانه وتعالى” بها؛ فتأتي منطلقات سيئة جداً، وممارسات سيئة جداً، وترتسم له غايات وأهداف سيئة، وهنا تكمن الخطورة على الإنسان، ويتجلى احتياجه إلى هداية الله “سبحانه وتعالى” فيما يتعلق باستثمار نعم الله بطريقة صحيحة ونافعة، ولا تعود عليه بالمشاكل والمخاطر السيئة جداً
ولذلك الإنسان عندما يتجه فقط وفقط من هذا المنطلق: من منطلق الغريزة والحاجة، ولا يلحظ ولا يأخذ بعين الاعتبار توجيهات الله وتعليماته؛ فهو يدخل في الكثير من المشاكل التي نستعرض بعضاً منها:
فيما يتعلق بالدافع الغريزي لدى الإنسان، الله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {وَإِنَّهُ}، يعني: هذا الإنسان، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات: الآية8]، فهو بفطرته وغريزته يحب الخير، يريد لنفسه الخير، وهذه المحبة أيضاً تتفاوت من إنسانٍ إلى آخر، ولكنها تتوفر لدى كل إنسان؛ وبالتالي تمثل دافعاً وحافزاً عملياً فيتجه برغبة، وعنده هذا الدافع الكبير للسعي للحصول على الخير، وتوفير احتياجات ومتطلبات حياته.
يقول الله “سبحانه وتعالى” أيضاً: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}[آل عمران: من الآية14]، الحرث يعني: الزراعة، المحاصيل الزراعية، والقطاع الزراعي بكل ما فيه، {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}[آل عمران: من الآية14]، فهذه بكلها هي مزيَّنةٌ للناس، والناس تحبها، وترغب فيها، وتشتهيها؛ وبالتالي تسعى للحصول عليها.
إذا فقد الإنسان المنطلقات الصحيحة؛ يتجه كل همه، وكل رغباته، وبالتالي كل اهتماماته العملية بشكلٍ كليٍّ إلى الحصول على متاع هذه الحياة الدنيا، وعلى متطلبات حياته فيها، وعلى رغباته فيها، وهذه حالة خطيرة جداً؛ لأن هناك حياتين: الدنيا والآخرة، فإذا لم تعد تحسب حساب الآخرة، وهي أعظم من هذه الحياة، خيرها خالص، وشرها خالص، وهي للأبد، وهي على أرقى مستوى في النعم والنعيم، وعلى أشد مستوى في العذاب والشقاء، إذا لم تعد تحسب حساب الحياة الآخرة، ولم تعد تحسب فقط إلَّا حساب هذه الحياة، واتجهت كل اهتماماتك إلى هذه الحياة؛ فهذا يؤثِّر عليك تأثيراً سيئاً في منطلقاتك، في أعمالك، في اهتماماتك؛ وبالتالي لن تحسب حساب الآخرة، ولن تعمل لذلك المستقبل الأبدي الدائم، فلا تستقيم حياتك هنا، وتكون قد خسرت مستقبلك هناك، هذه مسألة خطيرة جداً، ويحذِّر الله ” سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم من هذه الحالة، فيقول “سبحانه وتعالى”: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود: 15-16].
من كانت كل إرادته، وكل همه متجهٌ نحو هذه الحياة الدنيا، نحو زينتها، نحو متاعها، نحو الرَّغبات فيها، ولم يعد يحسب حساب الآخرة، ولا يفكِّر بها، ولا يعمل ما يفيده فيها، وينجيه من العذاب فيها؛ فهذا يؤثِّر عليه بالتأكيد في سلوكه، في أعماله، في اهتماماته، ولهذا آثار سيئة على استقامته، على صلاحه، يتحول إلى عنصر شر في هذه الحياة، يفعل كل شيءٍ مهما كان سيئاً ولا يبالي في سبيل أنه يحصل من خلاله على هذه الدنيا، يسيطر هذا الهم على ذهنه بشكلٍ كامل، فلا يفكِّر في أيِّ شيءٍ آخر، يفقد كل اهتماماته التي تتعلق بمسؤوليته فيما بينه وبين الله “سبحانه وتعالى”، ينسى كل شيء، ويتجه كلياً للاهتمام بهذه الحياة الدنيا وبزينتها.
هنا يقول الله: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}، فهو سيحصل يحصل على ما كُتِبَ له في هذه الحياة، وعلى رزقه في هذه الحياة، وعلى ما قدَّره الله له فيها، لكنه سيكون قد خسر مستقبله الأبدي والدائم، في هذه الحياة ما يحصل عليه سيحصل عليه مع منغصات، ولفترة محدودة، ثم تنتهي هذه الحياة، ويكون في المقابل قد خسر النعيم الخالص، السعادة الأبدية، النعيم العظيم الذي لا نهاية له، وأصبح مستقبله مستقبلاً خاسراً بكل ما تعنيه الكلمة، في العذاب الدائم، في الشقاء الدائم، ومن أول غمسةٍ في نار جهنم، من أول ما يلقى به في جحيم النار، سينسى كل نعيمٍ قد تنعَّمه في هذه الحياة الدنيا مهما كان، مهما نال في هذه الحياة من مشتهياته ورغباته وأهوائه، ينسى كل متع هذه الحياة، وكل رغباتها، وكل ما ناله فيها حسب شهواته ورغباته من أول ما يلقى في نار جهنم، {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} أعوذ بالله، {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ضاعت كل جهوده، انتهت وتلاشت كل اهتماماته، كل أعماله، أصبحت وبالاً عليه، ووزراً وعذاباً يخلد فيه والعياذ بالله.
من السلبيات الخطيرة للإنسان عندما يتعامل مع نعم الله فقط من منطلق الغريزة، والهوى، والشهوات، والرغبات، ولا يستثمرها وفق هدي الله ووفق تعليمات الله: أنه عندما يحصل على الرزق، يحصل على السَّعة، يحصل على الإمكانات يطغى، هذه حالة خطيرة جداً، حالة خطيرة جداً.
أو وهو يسعى للوصول إليها، ولم يصل إليها بعد، يطغى أيضاً، ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى”: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}[العلق: 6-7]، طغيان الإنسان يكون إما في سلوكه، في تعامله السلوكي، فيما يسعى له من مشتهياته، وملذاته، ورغباته، وأهوائه، فينتهك الحرمات، ويتعدى حدود الله، ويبطر بالنعمة، فيستخدم ما معه من المال في الحرام، لأكل حرام، للوصول إلى حرام، لشرب حرام، للذَّات الحرام، للفساد… لأشكال كثيرة من الطغيان في إطار سلوكه، في إطار إنفاقه وفق شهواته ورغباته وأهواء نفسه، فيتعدى حدود الله، وينتهك حرمات الله.
وقد تكون أيضاً مع هذه حالة الطغيان في الطغيان على الآخرين، في البغي عليهم، في الظلم لهم، في التعدي عليهم، التعدي على ممتلكاتهم، التعدي على حياتهم بغير حق، التعدي عليهم بأشكال أو بأخرى، فهذه الحالات من الطغيان هي تأتي مع تمكُّن الإنسان أكثر ما تكون، ومع استغنائه، عندما يرى نفسه أنه أصبح غنياً، متمكِّناً، ثرياً، فإذا اقترن مع ذلك سلطة وجاه؛ بطر بالنعمة، وبغى وتكبر، وطغى وتجبر، وانتهك الحرمات، وتعدى الحدود، هذه حالة خطيرة جداً، وتحصل للكثير من الناس، من المستوى الفردي في نطاق محدود، إنسان حتى البعض مثلما يقولون: [يسْكِر من زبيبة]، لو ما بلا شويه قليل من المال، وارتاح حاله، وأصبح ميسور، ولو ما بلا شويه ميسور الحال، نسي الله، نسي نعمة الله، نسي فضل الله عليه، وأصبح يستغل ما معه من اليسر في الحرام، في لذَّات الحرام، في شهوات الحرام، في أكل الحرام، في الوصول إلى الحرام، أو في البغي على الآخرين، والظلم للآخرين، والتعدي على حقوق الآخرين، وصولاً إلى كيانات ودول، بعض الدول بثرواتها الضخمة تبطر بالنعمة، وتتجه إلى برامج، ومشاريع، وأعمال، ومؤامرات، واهتمامات ظالمة، وفيها فساد، وفيها ظلم، وفيها بغي، وفيها عدوان، وفيها إجرام، وفيها تعدي على عباد الله وعلى الشعوب الأخرى، على مستويات متفاوتة يحصل هذا في الواقع البشري.
فالإنسان أيضاً إذا لم ينظر إلى نعم الله “سبحانه وتعالى” أنها في إطار الاختبار له، هل سيشكر، فهو في هذه الحالة سيتعامل بمسؤولية. أمَّا إذا لم ينظر إلى المسألة باعتبارها اختبار، وهل سيشكر، وهل سيتعامل بمسؤولية فيما مكَّنه الله فيه، وأنعم به عليه؛ فسيتعامل بطريقة أخرى مختلفة.
يقول الله “سبحانه وتعالى”: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}[الفجر: الآية15]، يتوقف عند هذا الحد: {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}، وينسى أنَّ الله أكرمه ونعَّمه ابتلاءً، اختباراً له، وأنَّ النعم تقترن بها مسؤوليات، والاختبار له هل سيفي بمسؤولياته هذه المترتبة على ما أكرمه الله به، ونعَّمه به، فعندما ينظر إلى المسألة أنها هكذا: مجرد نعمة، وليست اختباراً، ولا يقترن بها مسؤوليات؛ فهنا يتجه بشكلٍ خاطئ للتمتع بهذه النعم، والاستغلال لها بطريقة خاطئة، فيصل إلى درجة أن يكون غير شاكرٍ للنعمة، وأن يعصي الله بما أنعم به عليه، وفي هذا إساءة إلى الله “سبحانه وتعالى”، إساءة إلى ربنا المنعم الكريم، {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}، لا يقول ربي أكرمن ليختبرني، أكرمني ليختبرني، هل سأشكر أم سأكفر النعمة، هل سأفي بالتزاماتي، هل سأقوم بمسؤولياتي على أساس ما أنعم به عليَّ أم لا، ينسى ذلك، ينسى جانب المسؤولية والشكر.
{وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}[الفجر: الآية16]، وهنا كذلك بدلاً من أن يصبر يتذمر، ولا يسعى إلى أسباب الخير، أسباب السَّعة في الرزق، أسباب النعمة، إنما يتذمر أكثر فأكثر، ويتعقد، ولا يصبر، وقد يدفعه هذا أيضاً إلى المعصية، قد يدفعه هذا إلى أن يسعى للسعة بوسائل محرَّمة، فيها ظلم، أو فيها جرائم، أو فيها سرقة، أو نهب، أو تصرفات سيئة جداً.
{كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}[الفجر: 17-20]، تنشأ هذه الظواهر السلبية، عندما لا يكون الفقير صابراً، ولا الغني شاكراً، تحصل هذه الظواهر السلبية: ظلم الأيتام وعدم الإكرام لهم، ولا الاهتمام بأمرهم، ولا المبالاة بالمساكين، السعي للحصول على الثروة والمال وتوفير متطلبات الحياة بأي طريقة، حتى بالحرام، الذي قد يصل بالإنسان إلى أن يظلم حتى قريبه، حتى شريكه في الإرث، وبالذات النساء يتعرضن لظلمٍ كبير فيما يتعلق بالإرث، {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا}، أكلاً يجمع بين الحرام والحلال، لا يتجه إلى الحلال والاقتصار على الحلال.
{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}، حباً كبيراً، كثيراً، يسيطر عليكم، يؤثِّر على استقامتكم، يدفعكم إلى المعصية، يدفعكم إلى الحرام، مسألة خطيرة جداً، عندما يكبر حب المال، ويكثر في نفس الإنسان، فيسيطر على مشاعره، على اهتماماته، على توجهاته؛ وبالتالي في دوافعه العملية، وفي تصرفاته وممارساته وأعماله.
من الظواهر السلبية التي تأتي لدى الفقير الذي لا يصبر، ولا يتجه وفق توجيهات الله “سبحانه وتعالى” لأسباب الرزق، وأسباب البركة، وأسباب السعة، ولدى الغني الذي يطمع، يبطر، يتجبَّر، يتكبر، يغتر ولا يشكر: بيع الدين للحصول على الدنيا، بيع الدين قد يتمثل في إطار الموقف، تقف موقف الباطل تجاه قضية من القضايا، موقف من المواقف، وقوفك في باطل من أجل أن تحصل على شيءٍ من الدنيا، وقوفك مع الطغاة والظالمين والمجرمين من أجل أن تحصل على شيءٍ من الدنيا، أو تنازلك وتركك لشيءٍ من الحق، من الدين، بأي شكلٍ كان، أو اتِّباعك لأهل الباطل في أي مسألةٍ من مسائل باطلهم على المستوى العقائدي، على المستوى العبادي، على المستوى العملي، على مستوى المواقف، كل ذلك يدخل في إطار أن تشتري بآيات الله ثمناً قليلاً، أن تبيع دينك، أن تبيع دينك في مقابل الحصول على شيءٍ من الدنيا، وهذا من أسوأ ما يعمله الإنسان، ومن أكبر الجرائم، ومن أكثر ما هو منتشرٌ في هذه الدنيا، بيع الدين بالدنيا للحصول على الدنيا، هذه حالة قائمة بشكل كبير جداً في هذه الحياة، كم من الناس وكم وكم يقفون مواقف الباطل، ومواقف معروف أنها مواقف باطل، ولكنهم يقفون مواقف الباطل من أجل الحصول على شيءٍ من الدنيا.
واليوم كم وقف في صف العدوان على شعبنا اليمني في مقابل ماذا؟ أغلبيتهم وأكثرهم في مقابل الحصول على شيءٍ من الدنيا، فباعوا الدنيا والآخرة، فأنت عندما تقف موقفاً باطلاً، أو تقف في صف أهل الباطل تناصرهم في أي قضية من قضاياهم الباطلة، أو تبيع شيئاً من دينك على مستوى العقيدة، أو على مستوى العبادة، أو على مستوى العمل، ما تتركه من الحق من أجل أهل الباطل، في مقابل الحصول على شيءٍ من دنياهم، فأنت هنا تبيع الدين، تبيع الدين، وهذه مسألة خطيرة جداً؛ لأنك لو أعطيت الدنيا بكلها، لو أن لك الأرض وما فيها من الثروات، لكنت يوم القيامة تتمنى أن لو يمكنك أن تفتدي نفسك بها من عذاب الله، {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ}[الزمر: من الآية47]، أمر رهيب جداً، العذاب الشديد، والخسران الكبير والمبين لمن يبيع دينه مقابل الدنيا، خسران رهيب جداً، هو سيتمنى أن لو أمكن أن لو كانت الأرض بكلها ذهباً، وأن يكون مثلها معها ليفتدي بها من العذاب، ولكن دون جدوى.
يقول الله “سبحانه وتعالى”: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[التوبة: الآية9]، بيع الدين، بيع آيات الله بدل الالتزام بها، بدل الاهتداء بها، بدل التوجه على أساس ما تهدي إليه، يتحرك بدلاً عن ذلك فيما يحصل من أجله على القليل من هذه الدنيا، فيقف مواقف الباطل، أو ينتمي للباطل، أو يتحرك في صف الباطل، قضية خطيرة جداً، وهذا يحصل للكثير من الناس، سوق كبيرة، سوق بيع الدين بالدنيا من أكبر الأسواق في هذا العالم، لدى البشر.
أيضاً مما يحصل في هذا السياق: في سياق المنطلقات الخاطئة، وعدم الاستثمار لنعم الله بشكلٍ صحيح هو: عدم الشكر، والإعراض كلياً عن الله “سبحانه وتعالى” عن منهجه الحق، يقول “سبحانه وتعالى”: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ}[الإسراء: من الآية83]، (أَعْرَضَ): لم يشكر نعم الله “سبحانه وتعالى”، ينسى الله، فلا يشكره، بل يسيء إلى الله بما أنعم عليه، يستخدم ما أنعم الله به عليه من النعم في معصية الله، فيسيء إلى الله، ويقابل إحسانه إليه بالإساءة إلى الله “سبحانه وتعالى”، إلى ربه ولي كل نعمةٍ عليه، لا يتجه إلى الله بالشكر، الشكر في مفهومه العملي، شكر بالتحرك وفق هدي الله، باستثمار النعم والحركة فيها وفق توجيهات الله “سبحانه وتعالى”.
{وَنَأَى بِجَانِبِهِ}[الإسراء: من الآية83]: مبالغة في الإعراض، مبالغة في الابتعاد عن منهج الله “سبحانه وتعالى”، والتجاهل لتوجيهات الله “جلَّ شأنه”.
من الأعراض السيئة: هي العبث والتبذير، والإهدار للنعمة: وما أكثر ما يحصل من تبذير، وإهدار للنعمة، وصرف لأموال كثيرة فيما لا طائل منه، ولا فائدة فيه، هذا يحصل كثيراً، وبالذات عند العرب، العرب من أكثر الناس تبذيراً في الدنيا، ليس عندهم رشد، ليس عندهم تدقيق في الإنفاق وانتباه، فيحصل هدر الكثير من الأموال في العبث، في أشياء لا طائل منها، لا فائدة فيها، وأيضاً في التضييع، تضييع لأشياء كثيرة، نسبة التبذير كبيرة جداً، تقدر عالمياً الآن بالثلث، على مستوى فقط ما يذهب إلى القمامات؛ أما التبذير بمفهومه الأوسع، ومنه إهدار الأموال فيما لا فائدة منه، ولا طائل منه، ولا جدوى منه، أو فيما هو حرام، فهذا نسبة كبيرة جداً من الأموال تذهب على هذا الأساس.
{يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ}[البلد: 6-7]، الإنسان العربي يتفاخر بما أهدر من الأموال، {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} كثيراً، هائلاً، متجمعاً، وكأنه لا رقابة عليه، الله رقيبه.
أيضاً من الآثار السلبية حتى على المستوى النفسي لهذه الحالة من الطغيان بالمال، والغرور بالمال: أن الإنسان قد يستثمر إمكاناته هذه ويشعر وكأنه أصبح متمكناً وقوياً وخالداً في هذه الحياة، وأصبح يمتلك وسائل القوة، فيبغى على الآخرين، يتكبر على الآخرين، وفي نفس الوقت يسيء إلى الآخرين، ولا يبالي ولا يكترث، يصبح مسيئاً، وذا دور سيء في تعامله مع الآخرين، ومغرورٌ بماله، بالاتكال على إمكاناته، وعلى أمواله، وعلى ما يمتلكه، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}[الهمزة: 1-3]، فهو أصبح همازاً ولمازاً ومسيئاً إلى الآخرين، ومستهتراً بكرامتهم واحترامهم، لا يبالي بهم، يكثر من الهمز واللمز، وهو مغرور بما يمتلكه من إمكانات، تأتي هذه على مستويات متفاوتة، من أشخاص في نطاق محدود، إلى دول وكيانات، {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}[الهمزة: 4-6] نعوذ بالله.
مما يحصل أيضاً في الاستثمار الخاطئ لنعم الله “سبحانه وتعالى”: الإنفاق منها لدعم الباطل، لدعم الباطل ليكون سائداً في هذه الحياة، ليكون نظاماً حاكماً، أو ليكون منهجاً قائماً، أو ليكون واقعاً مسيطراً، أو في حالة بغيٍ وظلم.
الله “سبحانه وتعالى” يقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، فهم يحاربون بها الحق؛ كي لا ينتشر، كي لا يسود، كي لا يكون هو المنهج القائم في هذه الحياة، وليحل محله الباطل، {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}[الأنفال: من الآية36].
أيضاً من السلوكيات السيئة التي تأتي في سياق الطمع، والأهواء، وعدم التعامل بشكل صحيح مع نعم الله “سبحانه وتعالى”: اليمين الفاجرة، البعض قد يدفعه طمعه وأهواؤه ورغباته إلى أن يحلف اليمين الفاجرة؛ ليقتطع حقاً لمسلمٍ آخر، هذه قضية خطيرة، فيجمع وزرين وذنبين ومعصيتين: أنه اقتطع حق الآخرين بغير حق، بالحرام، وأنه حلف يميناً فاجرة، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[آل عمران: من الآية77]، من كبائر الذنوب من المعاصي التي توصل الإنسان إلى قعر جهنم، ليخلد في جهنم: اليمين الفاجرة، اليمين الفاجرة مسألة خطيرة جداً، البعض يتهاونون بها، في النزاعات على الأراضي، في النزاعات على الممتلكات، في النزاعات المختلفة، فالبعض من أجل الحصول على أراضي، أو من أجل الحصول على مال، أو من أجل اقتطاع حقٍ على الآخرين، لا يتورع فيحلف اليمين الفاجرة والعياذ بالله، وهي جريمة كبيرة جداً وشنيعة للغاية، لو لم تقتطع بها إلا سواكاً من أراك، كما في الحديث عن النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، لكانت كافيةً في أن تدخل إلى جهنم، وأن تخلد فيها، لاحظوا ما ورد في هذه الآية: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة}ِ: ليس لهم أي نصيب من الجنة أبداً، ولا من رحمة الله، {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ما أكبر ورطة من يحلفون في الأراضي والطمع في الأراضي باليمين الفاجرة؛ لاقتطاع الحرام والعياذ بالله.
من الظواهر السلبية التي قد تدفع بالبعض من الناس للحصول على الأموال؛ بسبب الطمع، والجشع، والتعامل بطريقة خاطئة، ومنطلقات خاطئة، للحصول على مال معين، هي: الرشوة، قد يدفع الرشوة من أجل أن يغري حاكماً، وهذه تحصل بشكل كثير بين المتشاجرين، بعضٌ منهم وكثيرٌ منهم يفعل ذلك، يدفع رشوةً إلى الحاكم، سواءً الحاكم المحكَّم بين الطرفين، أو حاكم ذو ولاية، فيدفع إليه الرشوة، بهدف أن يؤثر عليه في إصدار الحكم لصالحه؛ لأنه يعرف أن الحكم إن كان حكماً صحيحاً لن يكون لصالحه، فهو يريد حكماً لصالحه، يقتطع به حق الآخرين، يأكل به أموال الناس بالباطل.
يقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[البقرة: من الآية188]، وهذا يشمل كل وسيلة باطلة للحصول من خلالها على أموال الآخرين، هذا محرم، {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: من الآية188]، {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}: هذه هي الرشوة، محرمة، الجريمة فيها على الحاكم الذي ارتشى فحكم باطلاً، وأصبح شريكاً في مصادرة حقٍ على صاحبه، وجريمة كبيرة للذي أرشى، جريمة كبيرة جداً، {لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا}: فتقتطع شيئاً من أموال الناس، {بِالْإِثْمِ}: باطلاً وظلماً وإثماً، {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، جريمة كبيرة جداً، الدافع إليه هو ماذا؟ الطمع، الطمع خطير جداً.
من الممارسات أيضاً الإجرامية التي تأتي عندما ينحرف الإنسان، ولا ينطلق من منطلقات صحيحة في التعامل مع نعم الله “سبحانه وتعالى”، من الممارسات السيئة جداً: الربا، استخدام الربا: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: من الآية275]، الربا من أكبر المحرمات، ومن أسوأ المحرمات، والمرابي يرتكب جريمةً من أكبر الجرائم وأشنع المعاصي والعياذ بالله، وللأسف الشديد هناك تعامل على نطاق واسع بالربا، تعامل على نطاق واسع جداً بالربا، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: من الآية275]، الربا جريمة من أكبر الجرائم التي يخلد بها الإنسان في النار، الوعيد عليها بالنار، والخلود في النار والعياذ بالله، {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، فالمرابي، الذي يتعامل بالربا مصيره إلى النار يخلد فيها، ولا يقبل الله منه أي عمل عمله باسم أنه عمل صالح في هذه الحياة الدنيا، لا صلاة، ولا صيام، ولا زكاة، ولا حج، ولا عمرة، ولا صدقة، ولا أي عمل يقدمه، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة: 278-279]، وهذا وعيد شديد، وعيد شديد في الدنيا والآخرة: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ) في الدنيا، والحرب من الله واسعة جداً، عندما يحاربك الله، فهو يعلم ما يعمله بك، مما يحوّل حياتك إلى شقاء والعياذ بالله.
من الممارسات التي يدفع إليها الطمع، والرغبات، والأهواء، وهم الدنيا، عندما يتحول كل هم الإنسان للحصول على مكاسب هذه الدنيا فحسب، ينسى الله، وينسى الدار الآخرة: الغِش: الغش بأشكال متنوعة، الغش بالكيل والوزن في المقادير وتحديدها، الغش أيضاً في تقديم الشيء بشكل مزيف، الغش في تقديم المسألة على أنها ذات جودة معينة، ثم تكون المسألة مختلفة عن ذلك.
الغش له أشكاله، وأتى الوعيد كثيراً في القرآن الكريم: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}[المطففين: الآية1]، (وَيْلٌ): هذا وعيدٌ لهم من الله “سبحانه وتعالى” بالهلاك والعذاب، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين: 1-6]، النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” قال كلمته الشهيرة جداً: (من غشنا فليس منا)، فليس منا، الغش في عنوانه الواسع: الغش، في المعاملة، الغش في النصيحة، الغش في الموقف، الغش في المشورة، (من غشنا فليس منا).
مما يحصل أيضاً من الممارسات التي يدفع إليها الطمع والهوى: خيانة الأمانة: خيانة الأمانة سواءً في إطار المسؤولية، أو أمانة اؤتمنت عليها وأعطيت إياها، فتمارس فيها الخيانة؛ لأجل الحصول على شيءٍ من هذه الدنيا، الله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال: الآية27]، فتعتبر الخيانة من أكبر الجرائم، ومن أخطر الجرائم، التي يدفع إليها الهوى، أثر الطمع، أثر الهوى، أثر هذا التوجه نحو هذه الدنيا، والنسيان لله وللدار الآخرة، يمتد إلى أشياء كثيرة جداً: في الممارسات، والمنطلقات، والأهواء، والرغبات، والمواقف، ويمتد أيضاً إلى مدى أوسع من ذلك، حتى إلى علماء السوء، علماء السوء هم من هذه الفئة التي تأكل أموال الناس بالباطل، حتى البعض من المتعبدين يدخل في هذا السياق: في سياق من يأكل أموال الناس بالباطل، ويصد عن سبيل الله، يقول الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: من الآية34]، واحدٌ من أشكال أكل أموال الناس بالباطل بالنسبة للأحبار: العلماء (علماء السوء)، والرهبان: المتعبدين، أن يكون في سياق أنشطة ذات طابع ديني، وعناوين دينية:
تعليم ديني، وهو يقدم ضلاله، وهو يحرف مفاهيم الإسلام، وهو ينشر الفرقة بين المسلمين، والعداوة فيما بينهم.
أو عناوين خيرية، ولكنه يستغلها للاستقطاب إلى صف الباطل، وإلى الضلال الذي يقدمه، إلى الباطل الذي يقدمه.
تكون هذه أيضاً من أساليب أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن في المسألة خداع للناس، الناس الذين يقدمون أموالهم تحت عناوين قربة إلى الله، ودين الله، ورضا الله، ومن أجل الإسلام، ومن أجل الحق، ومن أجل العلوم الدينية والشرعية، وتحت هذه العناوين، فيقدمون أموالهم، فتؤكل وتستغل، والحاصل هو ضلالة وباطل، وما إلى ذلك، في مقابل: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وليس: يدعون إلى دين الله بشكلٍ صحيح، يحركون الناس في نصرة دين الله، والعمل على إقامة دين الله بشكلٍ صحيح، بل هم في حالة صد؛ لأن من أكثر الناس صداً، وأسوئهم صداً عن سبيل الله، علماء السوء؛ لأنه يصد عن الدين باسم الدين، يصد عن الحق تحت عنوان الحق، يصد عن الموقف الحق تحت العناوين الشرعية والدينية، فيسيء إلى الله، ويفتري على الله، ويصد عن سبيل الله، من موقع انتماء ديني.
أو عبادي: شخص يتظاهر بالتدين، ويأتي والمسبحة في يده، ثم هو يصد عن الموقف الحق، وعن سبيل الله “سبحانه وتعالى”، ويصل إلى تلك الأموال التي قد كانت ستدفع في سبيل الله، فتؤخذ إلى مجالات أخرى تحت عناوين دينية.
أيضاً من الممارسات السلبية والمظاهر السيئة، التي تحصل عادةً: أن البعض قد يكون في مقابل الكتمان، بعض علماء السوء سيأخذ ما سيأخذ من الأموال، ويرضى لنفسه وضعية معينة فيها حصول على أموال وأنشطة عادية، ولكنه في مقابل الكتمان لما أنزل الله من الكتاب تجاه قضايا مهمة وحساسة، الأمة أحوج ما تكون إلى التبيين فيها، ولهذا يقول الله “سبحانه وتعالى”: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}، آثروا الحصول به على أموال وهدوء، ولا يدخلون في مشاكل، ولا يزعجون الآخرين، ويتركون الأمة وهي تواجه مخاطر كبيرة جداً، بحاجة إلى التبيين فيها لما أنزل الله من الكتاب، {وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة: الآية174]، المسألة خطيرة جداً عليهم، {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ}، يوم القيامة يأكل النار والعياذ بالله، ويتحول ما أكله في مقابل كتمانه، في مقابل أنه لم يرشد الأمة إلى الموقف الحق تجاه ما تعانيه من مخاطر وقضايا وتحديات كبيرة على دينها ودنياها، تكون النتيجة أن يأكل النار، بدلاً عما كان يأكله في هذه الدنيا، ويسعى لصد الناس عن الإنفاق في سبيل الله بشكلٍ صحيح؛ لأجل أن تنصرف إليه الأموال من أجل ذلك، يأكل يوم القيامة النار، يسبب لنفسه هذا السخط الكبير من الله “سبحانه وتعالى”، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولو كانوا في الدنيا يحظون بالمديح من أتباعهم ومحبيهم، لكن يوم القيامة لا يزكيهم أبداً.
فنجد مثل هذه الممارسات، وغيرها من الممارسات الإجرامية، هي تأتي نتيجة المنطلقات الخاطئة في التعامل مع نعم الله، في الاستثمار لنعم الله، في معالجة مشكلة الفقر، في الأخذ بأسباب الرزق والسعة.
إن شاء الله نتحدث في المحاضرة القادمة عن الاتجاه الصحيح، وسنتحدث- إن شاء الله إذا تهيأت لنا الفرصة وأمد الله في العمر- على كثيرٍ من التفاصيل المتعلقة بهذه المواضيع.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” وأن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛