أمريكا حوّلت اليمن من بلد منتج ومكتفٍ اقتصادياً إلى بلد استهلاكي ومعتمد على المساعدات والهبات الخارجية

|| صحافة ||

تشكِّلُ أمريكا رأسَ الحربة في العدوان على اليمن، ومنها يأتي كُـلُّ شر، فمع امتدادِ سنوات كثيرة كانت واشنطن تتحَرّكُ في بلدنا كيفما تشاء وأينما تشاء، مستفيدةً من عملائها “الخوَنة” الذين كانوا يقدِّمون لها الطاعة العمياء.

ويشير قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابات سابقة له إلى أن الأمريكيين أنشأوا علاقاتٍ مع مختلف القوى السياسية اليمنية، حَيثُ كانت هذه القوى تتنافس بكيفية التقرب إلى البيت البيض والاستقواء على الآخر، فعلى سبيل المثال فَـإنَّ حزب الإصلاح العميل كان يتقربُ إلى واشنطن للاستقواء على حزب المؤتمر والعكس، ثم يقدمون تنازلات وذلك على حساب السيادة الوطنية.

وإزاءَ هذا الانبطاح للأحزاب اليمنية التي كانت مرتهنةً لواشنطن فَـإنَّ النزاع كان كبيراً جِـدًّا بين المكونات السياسية في البلد، وأدى ذلك لعدم نجاح أي طرف في تقديم خدمات تصب في مصلحة الوطن.

ويؤكّـد سفير الجمهورية اليمنية بدمشق، عبدُ الله علي صبري، أن الهيمنةَ والسيطرةَ الأمريكية ليست جديدةً على اليمن وعلى دول العالم الثالث، وقد اتخذت بُعداً تعاوُنياً جذاباً في البداية مع الحرب الباردة والتنافس مع الاتّحاد السوفيتي سابقًا، حينها كانت اليمن قبل الوحدة منقسمةً على المعسكرين الشرقي والغربي، وكانت اليمن الشماليةُ ضمن نفوذ المعسكر الغربي الأمريكي، وهو النفوذ الذي ساعد على الوصاية السعوديّة؛ نظراً لإمْكَانات الرياض النفطية، وحاجة الدولة في اليمن للدعم السعوديّ والخليجي.

ومن هذا المدخل ظهرت أمريكا من خلال شركة هنت النفطية كمنقذ للدولة والنظام الحاكم في شمال اليمن سابقًا، على اعتبار أن واشنطن هي التي اكتشفت النفط وساعدت اليمنيين على استخراجه، والكلام للسفير صبري.

وَيضيف صبري أنه ومع انهيار الاتّحاد السوفيتي، وبروز النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة، أصبح اليمن كله شماله وجنوبه تحت الهيمنة والسيطرة الأمريكية، وقد ظهرت أمريكا هذه المرة بوجهٍ جذابٍ آخر، فهي التي تدعم مسار الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وتدعم وتبارك نشاط الأحزاب والمنظمات، موضحاً أن القناعَ الأمريكي سرعانَ ما سقط بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001م، ليكشفَ عن دولةٍ تآمرية تعبَثُ بأمن اليمن واستقراره، وتعمل باتّجاه تفجيره من الداخل، تحت ذريعة محاربة الإرهاب تارة، ونشر الديمقراطية تارة أُخرى، والتحكم في الموقع الاستراتيجي تارة ثالثة.

في هذه المرحلة، يبين السفير عبدالله صبري أن سفراء الولايات المتحدة باتوا أكثر تدخلاً في الشأن اليمني؛ وبسبب انبطاح النظام السابق الخائن وخوفه من عواقب الخروج عن طاعة أمريكا، باشرت الإدارة الأمريكية مهمةَ السيطرة والتحكم في بناء القوات المسلحة اليمنية، ونزع قوة الردع لديها ممثلة بأنظمة الدفاع الجوي، وبالموازاة تشكل الأمن القومي بإشراف أمريكي، وجرى الزج بالجيش في حروب صعدة العبثية؛ رداً على مشروع الصرخة والثقافة القرآنية.

ولأن الدور الأمريكي لم يتوقف عند هذا الحد، يقول السفير صبري: فمع ثورة الشباب 2011م، وما يُعرف بالربيع العربي، دعمت واشنطن المبادرة الخليجية، وشرعت على إعادة هيكلة الجيش اليمني بتواطؤ من الرئيس الانتقالي، الذي سُلَّمِ زمام الأمور في البلد لما يسمى بالدول العشر، وعلى رأسها أمريكا، مُشيراً إلى أن الدول العشر حين تفاجأت بالثورة الشعبيّة في 21 سبتمبر 2014م، التي أعلنت خروجَ اليمن من الوصاية الخارجية، كشرت أمريكا عن أنيابها، وكشفت عن وجه قبيح إجرامي، حين هندست ودعمت العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن، الذي يعتبر عدواناً أمريكياً بامتيَاز.

بَيْدَ أن هذا العدوان العسكري المباشر ليس منفصلاً عن حربٍ أُخرى اعتمدت على القوة الناعمة لأمريكا، حَيثُ قدمها الإعلام، على أنها بلد الفرص، والمثال الذي يجب أن يحتذى، وما تزال هذه الصورة الوردية شائعةً ومنتشرة في أوساط الشباب، ما يوجب العمل على الحد منها، وكشف الحقائق للرأي العام باستمرار بحسب السفير صبري.

 

احتواءٌ وسيطرة

وبالعودة إلى خطاب قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد -رضوان الله عليه- يشيرُ السيد القائد إلى أن الاستهداف السياسي طال مؤسّسات الدولة وكانت وسائل الإعلام تغطي زيارات السفير الأمريكي للوزراء والمؤسّسات الحكومية، وأن الأمريكيين أداروا العملية السياسية في اليمن، بما يساهم في صناعة وضع مأزوم وجو تنافسي على التقارب من أمريكا وإسرائيل.

وفي هذا الصدد، يؤكّـد مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى، الدكتور عبدالإله حجر، أن أمريكا ومنذ الحرب العالمية الثانية اعتمدت سياسة “الاحتواء والسيطرة” ومد نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي على مختلف أنحاء العالم خَاصَّة في الشرق الأوسط؛ باعتبَار موقعه الاستراتيجي وثرواته العديدة ومن أهمها النفط والغاز، كما مارست الإدارات الأمريكية المتوالية الحربَ الباردة ضد الاتّحاد السوفيتي الذي كان القُطبَ المنافس لها في بسط النفوذ والسيطرة في منطقة الشرق الأوسط.

ويؤكّـد حجر أن إسرائيل ساهمت في تقويض الأنظمة الجمهورية الموالية للاتّحاد السوفيتي بالضربة العسكرية القوية للجيش المصري في عام 1967، والذي اضطُر للانسحاب من اليمن، مُشيراً إلى أنه وافق على تسويات سياسيةٍ تتيح للسعوديّة فرضَ سيطرتها وإرادتها على الحكومات المتعاقبة في اليمن وبمباركة ودعم أمريكي.

ويوضح مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى الدكتور حجر، أن السعوديّة منذ بداية السبعينيات حرصت على تقويض الاستقرار السياسي والأمني في اليمن واضعاف البنية الاقتصادية وتحويل اليمن من بلد منتج ومكتف اقتصاديًّا إلى بلد ذات نمط استهلاكي يعتمد على المساعدات والهبات الخارجية، وجعل من أعضاء الحكومات المتعاقبة والرئيس الخائن عفاش وكذلك الخائن هادي وغالبية المشايخ والشخصيات القيادية والعسكرية موظفين مأجورين للمكتب الخاص باليمن التابع لوزارة الدفاع، وجميعُ ذلك كان بتخطيطٍ وبإشراف أمريكي مباشر.

ولفت إلى أنه عندما بدأت الصحوة اليمنية في عام 2002 ببَثِّ السيد حسين بدر الدين الحوثي عقيدةَ وجوب جهاد اليهود والنصارى المتربصين باليمن، على وجه الخصوص وبالأمة الإسلامية بشكل عام، وحين حدّد الشهيد القائد -رضوان الله عليه- بُوصلة العداء إلى أمريكا وإسرائيل حينئذ تدخلت أمريكا مباشرة بإرسال قواتها إلى اليمن بحجّـة مكافحة الإرهاب، وعززت سيطرتها على الشأن السياسي بشكل مباشر عن طريق سفرائها المتعاقبين في عهد الخونة عفاش وهادي، وساهمت في دعم نظام عفاش في حروبه الست ضد أنصار الله وغيّبت الرأي العام العالمي عن حقيقة حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب اليمني في صعدة طيلة خمس سنوات (رغم ادِّعاءاتها الكاذبة بحماية حقوق الإنسان).

وعندما باءت جميعُ محاولات وأد الصحوة الشعبيّة المناهضة للنفوذ الأمريكي بالفشل، يقول الدكتور حجر: لم يكن أمام الإدارة الأمريكية إلَّا شن العدوان على اليمن في محاولة للقضاء السريع والمحكم على الثورة الشعبيّة ثورة 21سبتمبر بعد أن تمكّنت من بسط سيطرتها على كامل الأرض اليمنية والتفاف الشعب حولها، حَيثُ عَهِدَت أمريكا إلى النظام السعوديّ العميل بإعلان الحرب تحت عناوينَ زائفة وبتنظيم ما يسمى التحالف العربي لإعادة الشرعية كغطاء على التدخل الأمريكي،

بالعدوان المباشر بطائراتها وقنابلها وإمدَاداتها العسكرية واللوجستية ومعلوماتها الاستخباراتية ومراكز العمليات العسكرية، وبمشاركة وحيدة للعدوان بقيادة السعوديّة متمثلة بأموال شراء الأسلحة والذخائر وجلب المرتزِقة من كُـلّ انحاء العالم.

ويشير مستشارُ رئيس المجلس السياسي الأعلى، الدكتور عبدالإله حجر، إلى أن الصمود اليمني مثّل ضربةً قوية وموجعة للأنظمة الخليجية الفاسدة التي أصبحت في مستنقعٍ ومأزقٍ يصعُبُ الخروجُ منه إلَّا بسقوط تلك الأنظمة الفاسدة، خَاصَّةً بعد أن افتضحت أمام شعوبها والعالم الإسلامي بإشهار علاقاتها المُريبة الفاسدة مع الكيان الصهيوني.

 

صحيفة الثورة

 

قد يعجبك ايضا