نص المحاضرة الرمضانية الخامسة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي

 

 

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

 

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

 

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

 

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

 

اللهم اهدنا وتقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

 

أيُّها الإخوة والأخوات: السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

وصلنا في الآية المباركة من سورة الأنعام إلى قوله “سبحانه وتعالى”: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الأنعام: من الآية151]، في قائمة المحرَّمات- بداية الآية: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: من الآية151]- في قائمة المحرَّمات يأتي التأكيد على حرمة قتل النفس التي حرَّم الله إلَّا بالحق.

والقتل عدواناً وظلماً هو من أكبر الجرائم وأشنعها، ومن أعظم كبائر الذنوب التي تسبب سخط الله “سبحانه وتعالى”، وتحبط كل أعمال الإنسان، وتسبب للإنسان سخطاً كبيراً من الله، ويغضب الله عليه، ويلعنه، ويطرده من رحمته، ويجعل عذابه في الآخرة هو النار، هو جهنم، يعدُّ له فيها العذاب العظيم والعياذ بالله.

وهذه الجريمة هي من أخطر الجرائم التي يعاني منها المجتمع البشري منذ فجر التاريخ، منذ قصة ابني آدم، واستمرت المآسي في التاريخ البشري في المجتمعات على نحوٍ كبير، وهي بسبب هذه الجريمة بشكلٍ رئيسي، لها تأثير سلبي جداً على حياة الناس، على أمنهم، على استقرارهم، وهي جنايةٌ كبيرةٌ على الإنسان، تستهدفه في حياته، وبذلك فهي جناية تفقد الإنسان بقية الأشياء، أنت عندما تعتدي على إنسان في حياته؛ أنت تعتدي عليه اعتداءً كبيراً، تفقده حياته؛ وبالتالي تفقده بقية الأشياء في هذه الحياة.

وتعتبر هذه الجريمة من أشنع الجرائم التي ورد النهي عنها، والتحريم لها مؤكَّداً في كتب الله “سبحانه وتعالى”، وآخرها القرآن الكريم، وسبق التأكيد على حرمة هذه الجريمة وشناعتها في الأمم الماضية، والأجيال الماضية، ومن ذلك ما حكاه الله “سبحانه وتعالى” في قوله “جلَّ شأنه”: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ}[المائدة: من الآية32]، بعدما قصَّ قصة ابني آدم، {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: من الآية32]، كأنه قَتَل كل المجتمع البشري، {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة: من الآية32]، فيأتي التأكيد على مستوى حرمة هذه الجريمة، والتوضيح لمستوى بشاعتها وسوئها، إلى هذه الدرجة: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}.

فعندما تقتل النفس التي حرَّم الله، النفس البريئة، النفس المظلومة، فوزرك له هذا الحجم: كأنك قتلت المجتمع البشري بكله، هذا لم ينفع في بني إسرائيل، هذا التغليظ، هذه الحرمة الكبيرة، هذا التشنيع الكبير: أن يكون حجم الوزر في قتل النفس الواحدة، بمثابة قتل المجتمع البشري بكله ظلماً، هذا لم ينفع في بني إسرائيل، ولم تنفع فيهم البينات التي أتتهم بها الرسل، واستمروا على إسرافهم في سفك الدماء بغير حق، وعبثهم في سفك الدماء، وإجرامهم في سفك الدماء ظلماً وعدواناً.

يأتي في القرآن الكريم أيضاً في التأكيد والوعيد بشأن هذه الجريمة، والتأكيد على حرمتها، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء: الآية93]، وهذا وعيدٌ شديدٌ جداً، وعيدٌ شديد، الجزاء هو جهنم، {مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}، نعوذ بالله، وهل هناك جزاء أشد من جهنم؟ هذا بحد ذاته يكشف بشاعة هذه الجريمة، ويكشف عظم شناعتها وسوئها، أنَّ جزاءها هو جهنم والعياذ بالله.

{جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}، يخلد فيها للأبد، ويتعذَّب فيها بلا نهاية، ويبقى متعذِّباً أشد العذاب، وأعظم العذاب الذي يتمنى معه أن يموت، فلا يموت، ويبقى يحترق بين لهب جهنم، ويتذوق أنواع عذابها المتنوع والعياذ بالله، والشديد جداً.

{خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ}، وغضب الله أمر رهيب جداً، الإنسان عندما يسبب لنفسه غضب الله؛ فهو خاسر، خائب، هالك، لم يعد في إطار محط رحمة الله ورعايته، وألطافه، تدبير الله له في هذه الحياة في كل شؤونه، سيكون بناءً على غضب الله عليه، ثم في الآخرة جهنم والعياذ بالله، تفوته الرحمة، تفوته الجنة، يفوته كل خير.

{وَلَعَنَهُ}: طرده من رحمته نهائياً، يطرد من رحمة الله “سبحانه وتعالى”، وهذه حالة خطيرة جداً، الإنسان إذا طُرِد من رحمة الله؛ فَقَد الرعاية الإلهية في الهداية، والألطاف، والتوفيق، وأسباب الرحمة والخير، ولن يكون مصيره إلَّا جهنم والعياذ بالله، {وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.

فهذه الجريمة هي جريمة بشعة جداً، ومن أخطر وأسوأ الجرائم، وهذا ما يجب أن يترسَّخ لدى الإنسان؛ ليشكِّل حاجزاً عن التسرع فيما يدفعه إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة، أن يشكِّل حاجزاً يدفع الإنسان إلى التقوى، وإلى الورع، وإلى ضبط النفس في الحالات الحسَّاسة والخطيرة، التي قد يتهور فيها الإنسان بلا مبرر.

والدوافع التي تدفع الناس إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة جداً، هي دوافع سيئة، لن يصل الإنسان إلى ارتكاب جرمٍ بهذا المستوى من البشاعة والإثم والسخط الذي يسبب له سخط الله العظيم، والعذاب الأليم، إلَّا بدافعٍ سيء.

القرآن الكريم تحدَّث عن كثيرٍ من هذه الدوافع، في مقدِّمتها: الحسد، كما في قصة ابني آدم، كان الدافع لأحدهما أن يقتل أخاه حَسَده، حسده هو الذي دفعه إلى أن يعتدي على أخيه بغير حقٍ، وأن يقتله؛ لأن الله تقبَّل قربان أخيه، ولم يتقبل قربانه، هو لم يكن من المتقين؛ ولذلك لم يتقبَّل الله قربانه، فثارت فيه ثائرة الحسد، والغِيرة غير الصحيحة (غِيرة الحسد)، ودفعته إلى أن يعتدي على أخيه، وأن يقتله، وهو أخاه.

والحسد داءٌ خطيرٌ جداً، على الإنسان أن يكون حذراً منه، عندما تستثيرك غِيرة الحسد تجاه إنسان على نجاح، أو على سمعة طيِّبة، أو على مكانة محترمة، أو على نعمة أنعم الله بها عليه، أو على دور يقوم به، فحاول أن تخلِّص نفسك من الحسد؛ لأنه ذنبٌ عظيم، وداءٌ سيءٌ جداً، داءٌ يفتك بروحيتك الإيمانية، بأخلاقك، ويؤثر فيك تأثيراً سيئاً، يدنِّس نفسك، ويؤثِّر عليك فيدفعك إلى ارتكاب الجرائم بحقه، ليس لك أي مبرر أن تحسد إنساناً على نعمةٍ أنعم الله بها عليه، سواءً نعمةً معنوية: سمعة طيِّبة، مكانة محترمة، نجاحات عملية، أدوار مميزة، أو مكانة معتبرة، دور عملي معين، أو نعمة مادية: فترى معه سيارة ضخمة، أو ترى معه منزلاً جيداً، أو ترى معه ممتلكات، أو ترى معه خيراً أنعم الله به عليه، لا تحسده على ذلك، لا تثر فيك ثائرة الحسد، ثم تحقد عليه؛ لأن الله أنعم عليه بتلك النعمة، وتغضب عليه، وتتمنى له الشر، وقد يأتي الشيطان فيثير فيك هذه الثائرة؛ حتى يدفع بك إلى جريمة، إلى جريمة شنيعة جداً.

الإنسان عندما يحسد، هو في موقفٍ غبيٍّ وخاطئٍ جداً، الله هو وليُّ كل النعم، وإذا أردت الخير فتوجه إليه، وابتغِ أسباب فضله، أسباب رحمته، أسباب معونته، أردت النجاح؛ ارجع إلى الله “سبحانه وتعالى”، واتق الله، واعمل بأسباب توفيقه، أردت الخير؛ ارجع إلى الله “سبحانه وتعالى”، لا تتجه بحسد إلى شخصٍ هنا أو هناك، وهذه قضية خطيرة حتى في إطار العمل، في إطار المسؤولية، يكون الإنسان حذراً من حالة الحسد التي هي خطيرةٌ جداً، تترك في نفس الإنسان حالة من العدوانية، ولهذا يقول الله “سبحانه وتعالى” وهو يعلِّمنا أن نستجير به من شر خلقه، فيقول: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق: الآية5]، في: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}[الفلق: 1-2]، ثم يذكر البعض من الشرور، من ضمنها: شر الحاسدين، شر الحاسدين هو شر خطير جداً، وبلاؤهم وآفتهم الأخلاقية التي فتكت بإيمانهم، وفتكت بأخلاقهم، جعلتهم في واقع الحال على سخط حتى على الله، الذي أولى تلك النعم، الذي أعطى عبده تلك النعمة فحسدوه عليها، فالإنسان عليه أن يتخلَّص، إذا شَعَر في نفسه بغيرة الحسد على شخصٍ ما لنجاحه، لدوره العملي، لمكانته المعنوية المحترمة في المجتمع، أو في دورٍ عمليٍ معين… أو في أي مستوى، عليه أن يتخلَّص من ذلك، وأن يتوب إلى الله “سبحانه وتعالى”، وإلَّا فهو يفتح للشيطان ثغرةً خطيرةً على نفسه.

من الدوافع الخطيرة جداً، وهي من أبرز الدوافع إلى ارتكاب هذه الجريمة: دافع الطمع، ودافع الطمع دافعٌ خطيرٌ جداً وبارز، بارزٌ في ارتكاب هذه الجريمة، يأتي هذا الطمع على مستوى أحياناً دول، كيانات، أنظمة، زعامات، قيادات، جماعات، يحرِّكها الطمع فتعتدي على مجتمع آخر، أو على شعب آخر؛ لأنها تطمع بثرواته، تطمع بالاستيلاء عليه، تطمع بالسيطرة على مقدراته وإمكاناته.

الطمع قد يكون طمعاً في منصب، طمعاً في سلطة، طمعاً في مال، طمعاً شاملاً، البعض عندهم طمع شامل في كل شيء، يطمع في السلطة، والثروة، والمال، والسيطرة، والتسلط، الطمع دافعٌ خطيرٌ جداً، وأياً يكن في أي جانب من الجوانب، أو طمعاً شاملاً، فهو خطيرٌ جداً، هو حالة لا إنسانية، ولا إيمانية، ولا أخلاقية.

والإنسان إذا كان يريد لنفسه الخير، فالخير عند الله أيضاً، خير الدنيا والآخرة هو عند الله “سبحانه وتعالى”، وعلى مستوى المطامع والطموحات، أعظم ما يلبِّي طموحات الإنسان، بل هو أكبر حتى من طموحات الإنسان، هو ما أعدَّ الله لأوليائه وعباده المتقين في الجنة، أرقى نعيم مادي، وأرقى نعيم معنوي، يكون لك اعتبار، وقدر، وتكريم، ومكانة عالية، وشأن عظيم، ومكانة محترمة، وتكون إنساناً محترماً مقدَّراً، تكرمك حتى ملائكة الله، وتحظى بأرقى نعيم، وهذا يفوتك إذا هاج بك الطمع فظلمت، وبغيت، وتكبرت، واعتديت، وتجبرت، وقتلت ظلماً، أو اقتطعت مالاً حراماً بغير حق، أو اكتسبت مأثماً، وتحملت وزراً، هذا النعيم العظيم في الآخرة، الذي هو أرقى نعيم مادي، وأرقى نعيم على المستوى المعنوي، يفوتك، وتخسر، وعواقب ما تحصل عليه من هذه الدنيا، سواءً سمعة معينة، أو سلطة معينة، أو مكانة معينة، عاقبته الزوال، يبقى وباله الكبير، يبقى إثمه، يبقى عذابه الدائم والأبدي، وافترض أنك وصلت إلى مكانة معينة، أو سمعة معينة، أو سلطة معينة، أو منصب معين، أو حصلت على ثروات معينة، أو إمكانات معينة، ستفنى، هي لفترة وجيزة محدودة، ثم يعقبها خزيٌ دائم، ذلٌ دائم، هوانٌ دائم، عذابٌ دائم، إهانةٌ، عذابٌ مهين للأبد، على أشد مستوى الإهانة.

ولذلك يؤكِّد الله في القرآن الكريم على هذه المسألة، فيقول “جلَّ شأنه”: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ}[الزمر: من الآية47]، لاحظ: {مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}، البعض مثلاً قد يظلم الآخرين، وقد يرتكب مثل هذه الجريمة: جريمة قتل، من أجل أن يحصل على أرضية مثلاً، أرض معينة، أو يقتطع مصب ماء، أو يقتطع مزرعة معينة، أو مسكناً معيناً، أو شيئاً معيناً، وحتى لو كان أكبر من ذلك: يريد احتلال دولة، أو احتلال بلد، والسيطرة على شعبه وثرواته، أنت في يوم القيامة لو كانت لك الأرض بكلها، بكل ما فيها من ثروات ظاهرة وباطنة، بكل بترولها ونفطها، وبكل مزارعها، وبكل ما فيها من الممتلكات، والمباني، والمدن، والقصور، والمتاجر، والمصانع، بكل ما في هذه الأرض من ثروة، ليس هذا فحسب، ومثل ذلك أيضاً، ومثلها معها، بهذا المستوى من الثروة والإمكانات الهائلة جداً، ففي موقف الحساب، في موقف التحضير للجزاء، تتمنى أن يمكنك أن تحصل على مثل هذه الثروة بكلها، وأن تقدمها فديةً، تفتدي نفسك بها من عذاب الله يوم القيامة، {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}[الزمر: الآية47]، دعك من أرض محدودة، شوية لبنات، شويه أمتار، الأرض بكلها، ومثل ذلك معه، بكل ما فيها من ثروات هائلة، ومثلها معها، يمكن أن تتمنى أن تفتدي نفسك بها من عذاب الله يوم القيامة، ولكن ذلك لا يمكن أبداً، بل لو كانت الأرض بكلها ذهباً، كما في الآية الأخرى: {ذَهَبًا}[آل عمران: من الآية91]، هذه الكرة الأرضية، هذا الكوكب الأرضي بكله لو كان كتلةً واحدةً من الذهب، أو كان قطعاً ذهبيةً بكله، بكله، لتمنيت أن تفتدي نفسك بذلك من عذاب الله يوم القيامة.

وترى الطمع هو الدافع للكثير من الناس في أن يقفوا في صف الباطل، وأن يقفوا في صف الباطل، حتى اليوم الذي دفع الكثير إلى أن ينضموا إلى صف العدوان على شعبهم وأمتهم: هو الطمع، الطمع، البعض طمع في المال، البعض طمع في المناصب والرتب، فانضموا إلى صف العدوان، وخانوا الله، وخانوا أمتهم، وخانوا شعبهم، وانضموا إلى صف الطغاة الظالمين المستكبرين، الذين هم عملاء لأمريكا وإسرائيل، انضموا إلى صفهم، ليقتلوا معهم أبناء شعبهم، ليرتكبوا بحق شعبهم أبشع الجرائم من أجل أولئك، الدافع لهم إلى ذلك: هو الطمع، الكثير منهم.

فخسارة الذي يقتل عدواناً وظلماً بسبب الطمع، سواءً على مستوى أولئك الذين لهم كيانات ودول، أو جماعات، أو على المستوى الشخصي، الإنسان وهو يطمع في أرض معينة، في مزرعة معينة، في مصب ماء معين، في محجر معين، في مكان معين… على أي مستوى كان هذا الطمع، على أي مستوى، أنت يوم القيامة تتمنى لو تفتدي نفسك من عذاب الله ولو بالأرض كلها لو كانت حتى كلها ذهباً، فخسارة رهيبة جداً، خسارة رهيبة جداً أن يورِّط الإنسان نفسه ورطةً هائلة، تسبب له عذاب الله الدائم، إلى هذه الدرجة.

من الدوافع التي تدفع البعض للقتل، وقد تكون القضية التي كانت محط نزاع مثلاً قضية تافهة، أو قضية بسيطة، هو دافع الغضب، الغضب دافع خطير جداً، دافع خطير جداً، والبعض من الناس في حال الغضب- وبالذات إذا كان له قدرة معينة، أو إمكانية معينة، أو فيه جرأة- فهو لا يتورَّع عندما يغضب أن يتورط في مثل هكذا جريمة في حال غضبه.

يحالة الغضب هي حالة خطيرة جداً على الإنسان إذا فقد التقوى، وبالذات أنَّ بعض الناس ممن يقال عنه: (مؤمن الرضا كافر الغضب)، يعني: إذا كان في حالة راضية، ليس هناك ما يستفزه، ليس هناك ما يغضبه، ليس في حالة انفعال، فهو مؤمن، من أولياء الله، كلماته متزنة، تصرفاته متزنة، وأعماله صائبة، وفيه خير، وطيِّب، ما شاء الله عليه، في لحظات الانفعال والغضب يتغير فيه كل شيء، تلك الكلمات الطيِّبة، المحترمة، المسؤولة، الموزونة بميزان الأخلاق والتقوى، لم تعد موجودة، سيتكلم بأي كلام مهما كان سيئاً، مهما كان بذيئاً، مهما كان جلفاً، مهما كان مخالفاً لمقتضى التقوى، ولمقتضى الأخلاق، ولمقتضى حتى القيم الإنسانية والفطرية، وسيتصرف أي تصرف، قد يبطش، قد يضرب، قد يظلم، قد يعتدي حتى على قريبه، على أسرته، على زوجته، على أولاده، على أصدقائه، على الآخرين (الأبرياء)، وهذا التهور هو ينبئ عن فقدان اتزان في نفسية الإنسان، وسلوكياته، وأخلاقه، وقيمه.

 

الحالة الإيمانية، والاستقامة الأخلاقية هي تصنع لدى الإنسان رشداً وحكمةً وتوازناً في تصرفاته، وفي نظرته للأمور، وفي تصرفاته في كل الأحوال: في حالة الرضا، في حالة الغضب، في حالة الانفعال، في حالة الخوف، في حالة الرغبة… في كل الأحوال.

 

الإيمان، والتربية الإيمانية هي تصنع تربيةً رشيدة، تربيةً حكيمة، الإنسان لم يعد يتصرف فقط بمقتضى مزاجه، بمقتضى مزاجه، أصبحت تصرفاته لا تخضع لمزاجه، أصبحت تصرفاته تخضع لإيمانه، لحكمته، لرشده، لفهمه الصحيح للأمور، لمنطلقاته الإيمانية في التعامل مع الأمور، أصبحت عنده منطلقات تحكم تصرفاته، تحكم أعماله، تحكم حتى عباراته، منطلقات إيمانية ومسؤولة، يحس دائماً بالمسؤولية أمام الله تجاه ما يفعل، تجاه ما يقول، تجاه ما يتصرف، وعنده حكمة، أولويات، نظرة صحيحة للأمور يقيس بها تصرفاته، يضبط من خلالها التصرفات والأفعال والأقوال، وهذه مسألة مهمة جداً.

 

الإنسان إذا كان فاقداً للتوازن، يكون هكذا: (مؤمن الرضا كافر الغضب)، لكنه عندما يبني مسيرة حياته في كل حالاته على أساس المنطلقات الإيمانية، والحكمة، والرشد، والتعليمات الإلهية والتوجيهات الإلهية، ويعبِّد نفسه لله، لا يعبِّد نفسه للمزاج (للمزاج النفسي)، لا، يعبد نفسه لله “سبحانه وتعالى”، أما من هو عبد مزاجه الشخصي، فهو ضعيف، عدم الاتزان لا يعبِّر عن القوة، ولهذا يقول الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” وهو يتحدث عن هذا الموضوع: (ليس الشديد بالشديد عند الصَّرْعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، هنا إذا كنت متوازناً، مسيطراً على أعصابك، على انفعالاتك، على مشاعرك، هذا يعبر عن قوتك، هذا يعبر عن قوتك، عندما تكون شخصاً متماسكاً، متزناً، وتكون شخصاً يسيطر على أعصابه، على مشاعره، هذا يعبر عن قوة، عن قوة حقيقية؛ أما الغضب غير الطبيعي، والانفعال غير الطبيعي، والانجرار وراء المزاج الشخصي، فهي حالة ضعف، ضعف أمام حالة الانفعال.

 

ولذلك يجب أن يحرص الإنسان أن يربي نفسه التربية الإيمانية، وأن يستعين بالله “سبحانه وتعالى” على ذلك، وأن يعبِّد نفسه لله “سبحانه وتعالى”، وأن يحذر فلا يكون عبداً لمزاجه الشخصي.

 

ثم في حالة الغضب، على الإنسان أن يحذر من العبارات المستفزة، وعلى الناس جميعاً بشكلٍ عام، على المؤمنين جميعاً في العلاقة فيما بينهم، في التعامل فيما بينهم، أن يحذروا من العبارات المستفزة، من أهم التعليمات القرآنية، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}[الإسراء: الآية53]، الشيطان هو يستغل حالة الانفعال، وحالة الغضب، وحالة الاستفزاز، فينزغ الشر، يحرك حالة الشر، الحالة العدوانية، يحركها الشيطان، ويستغل فيها الكلام المستفز، العبارات المستفزة، العبارات الجارحة، وبالذات أن بعضهم قد يطلق عبارات مستفزة جداً، عبارات فيها تحدٍ مثلاً، يتحدى الشخص الآخر، وهذه ليست طريقة صحيحة أبداً، أنت إذا أردت أن تتحدى تحدى الأعداء، صب جام غضبك، وانفعالك، وقوتك، وسطوتك، وجبروتك، وأبرز شجاعتك، ورجولتك، وبطولتك، وشجاعتك، وجرأتك، وإقدامك، واستبسالك، وعنفوانك، أبرزه في محله الصحيح وحسب، يكفي، يكفيك ذلك، وفي ذلك ما يكفي ويفي، يعني: الميدان الذي تحرك فيه انفعالاتك في الاتجاه الصحيح، وقدراتك الكاملة، ورجولتك، وشجاعتك، واستبسالك، وقدرتك، وسطوتك، وجبروتك، وحسب التعبير المحلي [عسارتك]، هو ذلك الميدان، على أعداء الله، على الطغاة، الظالمين، المتسلطين، المتجبرين، المعتدين، الذين جهادهم فرض، الجهاد ضدهم فرض عليك، يكفيك ذلك، يكفيك ذلك، وهو ميدان سيستوعب منك كل حالة الانفعال، والسطوة، والقدرة، والجبروت، والشجاعة، والجرأة، والعنفوان، لو كانت عضلاتك كيفما كانت، أو قوتك النفسية كيفما كانت، ذلك ميدان يستوعب ذلك منك بكله، لكن في الساحة الداخلية لا، الله “سبحانه وتعالى” يريد لمجتمعنا المسلم، المؤمن، أن يكون مجتمعاً تسوده الألفة، تسوده الأخوّة، يسوده العدل، تسوده الرحمة، أن يتواصى الناس فيه بالرحمة، الله يقول: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[المائدة: من الآية54]، رحماء بينهم، الله يقول في صفات المتقين الذين يراعون أهمية هذه الأمور: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى: من الآية37]، بل يقول “سبحانه وتعالى” وهو يصف عباده المتقين، بعد أن قال “جلَّ شأنه”: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: 133]، لا تحارب لي على بزلة، وتقاتل لي على قطعة أرض صغيرة، الله بيعرض لك جنة عرضها السماوات والأرض، {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: 133-134]، فنجد من أهم ومن أبرز ومن أعظم صفاتهم الواردة في الآية المباركة، قوله “سبحانه وتعالى”: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، والغيظ هو أعلى مستويات ومراتب الانفعال والغضب، الغيظ هو أعلاها، أعلى مستوى من الانفعال والغضب الشديد (الغيظ)، فيقول عن هؤلاء المتقين: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، يكظم غيظه، يسيطر على انفعاله، على مشاعره، على انفعاله، فحتى يكظم غيظه لا يخرج هذا الغيظ لا بعبارات سيئة، وعبارات فاحشة، وعبارات جارحة، وعبارات قاسية، ولا حتى بتصرفات ظالمة، أو تصرفات متهورة، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، فتعتبر هذه من أعظم صفاتهم، التي أحبهم الله عليها، ووعدهم بالجنة من أجلها.

 

ثم يقول بعد ذلك: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، ليسوا انتقاميين، في كل إشكالية، في كل قضية، ومقاصٍ في كل كلمة، وفي كل شيء، يريد أن يبدل، وأن يرد على الكلمة بعشر كلمات أقسى وأسوأ، وأبشع، وأكثر استفزازاً، يريد أن يرد على أي تصرف بسيط بتصرف أقسى وأسوأ وأبشع، لا، لا يجوز ذلك.

 

الله يريد المجتمع المسلم في داخله أن يكون مجتمعاً متآلفاً، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات: من الآية10]، الله “سبحانه وتعالى” يريد لهذا المجتمع أن يتواصى بالصبر، وأن يتواصى بالمرحمة، {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: من الآية29]، {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}[البلد: من الآية17]، وأن يسود فيه العفو، والتفاهم، وصلاح ذات البين، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}[الأنفال: من الآية1]، والإنسان عندما يدرك خطورة المسألة، وأنها جرم عظيم، جرم كبير، فهو يدرك أن عواقبه خطيرة ما بينه وبين الله “سبحانه وتعالى”، وبالتالي يتوفر لديه حافز كبير للتقوى والورع، وإدراك قيمة هذه القيم.

 

في المقابل هناك أجر وفضيلة عظيمة للذين يسعون إلى حقن الدماء، إلى حقن الدماء، لهم أجر كبير جداً، مثل ما نجد في قوله “سبحانه” وتعالى”: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: من الآية32]، عندما تحقن دماء أسرتين، أو دماء شخصين، أو دماء قبيلتين، فهنا على مستوى النفس البشرية الواحدة، كأنك أحييت الناس جميعاً، وأسديت جميلاً للناس كلهم في حفاظك على حياتهم، أجرٌ عظيمٌ جداً، من أكبر الإحسان، ومن أفضل الإحسان.

 

الجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى” أيضاً يدخل في إطار: {وَمَنْ أَحْيَاهَا}؛ لأنك تدفع عن الناس الأشرار، والطغاة، والمجرمين، والمتسلطين، هذا أيضاً فيه أجرٌ كبير وفضلٌ عظيم.

 

واقع الأمة على مستوى حاجتها للاستقرار الداخلي، حاجة ملحة جداً، البعض تتنغص حياتهم، أسرة مع أسرة أخرى في صراع داخلي وثأر، تتنغص عليهم الحياة، ويعيشون دائماً في خوف، أو قبيلتين بينهم مشاكل، تتحول حياتهم إلى حياة قلقة دائماً، وخوف دائم، ومشاكل دائم، وتصل الوحشية، ونزغات الشر بينهم، ونزغات الشيطان بينهم، إلى مستوى قتل الأطفال والنساء، والتوحش فيما بينهم.

 

فقضية خطيرة جداً، قضية خطيرة جداً، ثم يأتي معها أيضاً التصرف الخاطئ في مسألة الثأر وقتل البريء، الثأر من البريء في القبيلة الأخرى، الثأر من البريء في المنطقة الأخرى، من الأسرة الأخرى، وهو لا علاقة له بجريمة الذي اعتدى من أقربائه أو من قبيلته، فقتل شخصاً آخر، وهذه جريمةٌ أخرى.

 

وهذه الجريمة الكبيرة التي من دوافعها: الحسد، والطمع، والبغي، والغضب، والانفعال، جريمة خطيرة جداً جداً، والإنسان حتى في إطار المسؤولية عليه أن يكون متبيناً وهو يؤدي مسؤوليته: مسؤوليته الأمنية، مسؤوليته الجهادية، أن يكون حذراً لا يتورط، لا يكون مستهتراً لأبسط الأسباب يباشر جريمة القتل، ولهذا يقول الله “سبحانه وتعالى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا}[النساء: من الآية94]، حتى وأنت تؤدي مسؤوليتك في سبيل الله “سبحانه وتعالى” عليك أن تكون متبيناً وحذراً، {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا}[النساء: من الآية94]، فيأتي الأمر في بداية الآية وفي آخرها {فَتَبَيَّنُوا}، في أولها يبين كذلك أن لا يكون الدافع الذي يجعلك تتساهل لاستهداف الآخرين هو عرض هذه الحياة الدنيا، تريد الغنائم، تشاهد معهم ممتلكات ضخمة، أو إمكانات ضخمة، أو سيارات ضخمة، أو أشياء ضخمة، فتحركت فيك الأطماع لها تحت عنوان الغنائم، فقلت: [أكيد هؤلاء من الأعداء]، أو [أكيد هؤلاء منافقين]، أو [أكيد هذا محشش]؛ لأنك وجدت معه سيارة مغرية، {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا}.

 

فالتبين مسألة مهمة جداً، وحسن التصرف في الأداء الأمني والدقيق مهمٌ جداً؛ لتفادي الوقوع في جريمة القتل بغير حق، ثم يأتي الاستثناء في قول الله “سبحانه وتعالى”: {إِلَّا بِالْحَقِّ}، {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ}، الأصل هو الحرمة، الأصل: هو الحرمة، حرمة النفس البشرية، وعصمة الدم، وحقها في الحياة، والجواز: هو الاستثناء، الأصل: هو الحرمة، حتى في عداد الجرائم، في عداد الذنوب، في عداد المشاكل، في عداد الإشكالات، ليس كل شيء يبرر القتل، ليست كل جريمة تبرر القتل، ليس كل ذنب يبرر القتل، ليس كل إشكال يبرر القتل، ليس كل ظلم يبرر القتل، ليس كل تصرف يبرر القتل، لا، {إِلَّا بِالْحَقِّ}، دائرة استثنائية محدودة، محصورة، مضبوطة بضوابطها: الشرعية، والأخلاقية، والدينية.

 

هناك ثلاثة عناوين رئيسية للحق، الذي يمكن على أساسه بإذن الله “سبحانه وتعالى” الذي وهب الحياة، وحرم الاعتداء عليها، هناك ثلاثة عناوين رئيسية يمكن أن تنحصر فيها العوامل التي يجوز على أساسها القتل، ويكون بالحق:

 

الأول: هو الحد: الحد الشرعي، الحد الذي حكم الله فيه بالقتل مقابل جرائم معينة، الحد هذا ليس إلى أي إنسان نهائياً، حتى في إطار المؤمنين، ليس إلى أي مؤمن أن ينفذ عقوبات الحد، الحد هو إلى ذي الولاية الشرعية في الإسلام، من أناط الله به المسؤولية العامة، وإدارة المسؤولية العامة، لتنفيذ الشرع الإلهي، وإجراء الحدود والإجراءات الإلهية، وفق ضوابط الشرع الإسلامي، ولذلك ليس متروكاً المجال فيه لمن هب ودب أن يأتي لينفذ، وأن يتصرف على وفق ما يريد هو، باسم أنه يريد أن ينفذ الحد، هناك جرائم معينة، بشعة جداً، فيها عدوان كبير على المجتمع، مثل جريمة السحر، مثل: جريمة الردة عن الإسلام بكل ما يترتب عليها من خروج على نظامه في الحياة، وعلى قيمه، ومبادئه، وأخلاقه، والتزاماته الدينية، ومثل كذلك جرائم الإشاعة للفساد الأخلاقي، والاستباحة لها، وانتهاك الحرمات والكرامة، مثل ما هو حال الديوث.

 

هؤلاء هناك إجراءات، وضوابط شرعية، واستتابة، والمسألة ليست إلى الناس، هي منوطة بذي الولاية الشرعية في الإسلام، ويتعلق بها ضوابط شرعية، وأحكام، واستتابة وإجراءات وتقديرات معينة، وضوابط معينة، ليس المقام مقام أن نتحدث عن تفاصيلها.

 

العنوان الثاني: هو القصاص:

 

القصاص ممن قتل عدواناً، ظلماً، تعمداً، فالإنسان إذا قتل بغير حق، عدواناً، ظلماً، تعمداً، وليس خطأً فهناك حق القصاص منه، منه شخصياً، وليس الثأر من أقاربه، أو من قبيلته، أو من أي شخصٍ آخر، مع أنه لا يزال هناك مجال لمعالجة الكثير من القضايا التي لها ملابسات، لها ملابسات، لها ظروف، لها وضعية معينة، مجال هناك للعفو، والدية… وأمور أخرى يعني.

 

ثم العنوان الثالث: هو الدفع:

 

الدفع يبدأ من الواقع الشخصي، والإنسان إذا اعتدى عليه شخصٌ آخر يريد قتله عدواناً، ظلماً، بغير حق، اعتدى عليه عدواناً، ظلماً، تعمداً، يريد قتله، ولم يستطع أن يدفعه عن نفسه إلا بالقتل، فهنا يأتي هذا الحق.

 

أو أمة، أو شعباً معيناً، عليه عدوان من طرف آخر، دولة أخرى، جهة أخرى، جماعة أخرى، كيان آخر، يعتدي عليه بغير حق، يستبيح دمائه، يقتل أبناؤه، يريد السيطرة عليه، يريد احتلال أرضه، يبغي عليه بغير حق، مثلما هو حال العدوان الأمريكي السعودي اليوم على بلدنا، حال عدوان القوى التي تعتدي على شعوب أمتنا، وبلدان أمتنا، هم يعتدون عدواناً شاملاً، هؤلاء عدوان على دين، وقيم، ومبادئ، وأرض، وعرض، وحياة، ويرتكبون أبشع الجرائم، في إطار الدفع، هذا هنا مشروعية قرآنية للناس: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج: الآية39]، مواجهة البغي، البغاة الذين يعتدون ويشنون حروباً ظالمة، بغير وجه حق، ومن يقف في صفهم، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة: من الآية251]، ولأن الأمة لديها مسؤوليات كبيرة في الجهاد في سبيل الله، والتصدي للأشرار، والطغاة، والمستكبرين المجرمين، وأعداء الأمة، ومن يقف في صفهم، فهي بحاجة إلى الاستقرار الداخلي، بحاجة إلى السلم الأهلي، وبحاجة إلى الأمن والاستقرار الذي تحتاج إليه في شؤون حياتها كافة: في وضعها الاقتصادي، في وضعها المعيشي، في اطمئنانها الداخلي، وفي أن تتظافر جهودها في التصدي لأعدائها.

 

{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، (ذَلِكُمْ): كل هذه القائمة من المحرمات التي حرمها بتعبيرات واضحة، وبعبارات واضحة، وكلمات بينة، في قائمة: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ}[الأنعام: الآية151]، كل هذه القائمة، والقائمة لا يزال فيها أيضاً محرمات ستأتي؛ إنما يأتي هذا التأكيد هنا للتأكيد على حرمة ما حرمه الله في هذه القائمة، والتوصية من الله هي تأكيد جداً؛ لأن البداية: {حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}، قائمة محرمات، من ينتهك هذه المحرمات فهو: فاجر، ظالم، مجرم، مجرم بكل ما تعنية الكلمة، عدو الله، منحرف عن هذه المبادئ والقيم الإلهية، منتهك للحرمات، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ}، فـ(وَصَّاكُمْ بِهِ) تأكيدٌ كبيرٌ على الالتزام بطاعة الله “سبحانه وتعالى”، واتقاء هذه الحرمات،  {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، بعد أن يأتي التوضيح والتبيين الكافي من الله “سبحانه وتعالى”، يجب أن نستوعب هذه التوصيات، وأن نفهمها جيداً، وأن ندرك أهميتها، وأن نعي نتيجة الالتزام بها على المستوى الإيجابي، وخطورة التفريط فيها، وما يترتب عليه من مساوئ وعواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، فنلتزم في هذه التعليمات، والتوصيات، والتوجيهات.

 

نكتفي بهذا المقدار.

 

ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

 

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

 

قد يعجبك ايضا