الخطاب “الديني” في خدمة المشروع الأمريكي!!
|| صحافة ||
كان لأمريكا برنامجٌ متكاملٌ في السيطرة على اليمن في عهد أنظمة الخيانة السابقة، حَيثُ تمكّنت أمريكا في فترة حكم تلك الأنظمة من السيطرة والتحكم في الخطاب الديني بما في ذلك تعيين المسؤولين في الأوقاف وخطباء وائمة المساجد وعزلهم.
وحتى الجانب الديني لم يسلَمْ من الاستهداف الأمريكي، حَيثُ يوضح قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، “أن الأمريكيين سعَوا للسيطرة على الخطاب الديني والمساجد وعمّموا عليها خطاباً معيناً يكون محكوماً بموجهات معينة تخدمهم”، مبينًا أن “الأمريكيين وصل بهم الحد إلى محاربة القرآن وحذف نصوص منه في المناهج المدرسية خُصُوصاً آيات الجهاد وأعداء الأُمَّــة والتي تعزز روح العزة والاستقلال”.
ويضيف السيد القائد أن “الأمريكيين سعوا لتقديمِ مفاهيمَ محسوبةٍ على الدين وليست منه؛ بهَدفِ تدجين الأُمَّــة كقبول الآخر، للوصول إلى القبول باحتلال الأمريكيين لنا ونهب ثرواتنا وقبول الصهاينة اليهود ليحتلوا فلسطين ويعبثوا بأمتنا”، مؤكّـداً أن “الأمريكيين لم يسعوا لإحلال التعايش في أمتنا، فالتعايش كان أصلاً قائماً في الأُمَّــة ولم يدمّـره سوى التدخل الخارجي”، موضحًا أن “الأمريكيين صنعوا قالبَين شكليين وقدموهما كمعبِّرَين عن الإسلام، الأول التكفيريون والثاني المنبطحون الذين يروّجون لتمييع الأُمَّــة وترسيخ حالة الاستسلام”.
وفي هذا الشأن، يقول نائب وزير الإرشاد وشؤون الحج والعمرة، العلامة فؤاد ناجي: “بالنسبة لبرنامج أمريكا في السيطرة على الخطاب الديني والتي سيطرت عليه عن طريق السفير الأمريكي بصنعاء والجمعيات والمنظمات الأمريكية والتابعة لها، حَيثُ كان السفيرُ الأمريكي يتدخل في شؤون وزارة الأوقاف والإرشاد في السابق وكان يجلس مع الوزير السابق حمود الهتار؛ لمناقشة المواضيع الدينية منها السيطرة على الخطاب الديني، وكذلك كان يناقش معه مناهج الدورات الصيفية والتي كانت تقيمها الجمعيات أَو المنظمات الأمريكية وتقوم بتدريب الخطباء وائمة المساجد وبعدها الدورات والحلقات للشباب اليمني كما هو حال منظمة “باث بندر” التي كانت تقيم دورات عن الاعتدال والوسطية وعدم التطرف في المحافظات النفطية منها محافظة مأرب والجوف وشبوة للخطباء والمرشدين”.
السعوديّة الراعي الرسمي لحشد الخطاب الديني لصالح أمريكا:
ويضيف ناجي في حديث خاص لصحيفة المسيرة، “كذلك أمريكا سيطرت على الخطاب الديني من خلال تمكينها من قبل الأنظمة السابقة في نشر الفكر التكفيري الإجرامي الإخواني بين الخطباء والشخصيات الاعتبارية خَاصَّة والشعب عامة والذي هو ذريعة بأيديها تحَرّكه كيف تشاء”، مُشيراً إلى أن “السعوديّة كانت وما زالت وكيلةَ أمريكا في المنطقة وكانت قد سيطرت على معظم المنابر الدينية في اليمن وبُذِلت الأموال الطائلة من قبل النظام السعوديّ لجماعة الفكر التكفيري؛ مِن أجلِ بناء مساجد لا تسطيع أن تتبناها وتقيمها إلا دول ولا يمكن للمواطنين أَو جهاتٍ معينة أن تبني تلك المساجدَ بمرافقها الهائلة التي هي أكبر من جامعة وأكبر من مسجد بعضها يصلح أن تكون حارة أَو قلعة كبيرة”.
فكانت السيطرةُ على الخطاب الديني -بحسب نائب وزير الإرشاد وشؤون الحج والعمرة- من خلال تلك الوسائل التي مكّن لها وسلّمت لها وزارة الأوقاف والإرشاد وأصبحت الناهيَ والأمرَ والموجِّه؛ ولهذا كانت تغير الخطباء النيرين والمستبشرين وتأتي عنهم بمن تريد أَو التابع أَو حتى بالمصريين الذين كان لهم صولةٌ وجولةٌ، والكثير منهم كان ينفذ ما تريده أمريكا وبحسب التوجّـه الأمريكي.
وكان الأمريكيون على تواصل مع الخطباء التابعين، وكان هناك مَن يتم أخذُه زيارةً إلى أمريكا من ضمن القيادات الشابة التي كانوا يرون فيها بروزاً مِن أجلِ استغلاله فيما بعدُ ويخدم المشروع الأمريكي حتى أنهم كانوا يلمّعونه ويشجعونه ويصنع منه قائداً، ومن أمثال ذلك هاني بن بريك الذي شاهدناه كيف انسلخ انسلاخاً كبيراً جِـدًّا وخرج حتى عن أبجديات التعاليم الدينية التي تنهى عن موالاة اليهود والنصارى.
للسيطرة مساران
ولهذا يؤكّـد نائب وزير الإرشاد وشؤون الحج والعمرة، العلامة فؤاد ناجي، أن برنامج أمريكا للسيطرة على الخطاب الديني كان من خلال مسارين، الأول التدخل المباشر في شؤون الإرشاد وتفعيل المنظمات الأمريكية كمنظمة باث بندر وغيرها الكثير من المنظمات التي كانت تقوم بعقد الورش والدورات للخطباء، ولا سيما في المحافظات النفطية الحسّاسة التي كانت تركز عليها، بالإضافةِ إلى المحافظات الأُخرى من خلال التواصل مع الخطباء المبرزين واستقطابهم وفتح حلقات معهم.
المسار الثاني من خلال تمكينِ أدوات أمريكا في المنطقة جماعة الفكر التكفيري والإخواني وكلاهما خرج من رحم الفكر الوهَّـابي السعوديّ النجدي الذي جاء ليقضيَ على النسيج الاجتماعي ووحدة الصف التي كانت قائمةً بين أبناء الوطن الواحد، حَيثُ مكّنت هذه الجماعات من وزارة الأوقاف والإرشاد ومن بناء مساجد كبيرة جِـدًّا مع بناء مئات المنازل بجوارها لأتباع ذلك التوجّـه والفكر، وكانت الأنظمة السابقة تسهل لهم الإجراءات؛ مِن أجلِ التمدد والتوسع وتغض الطرف عنهم، وبهذا قضوا على النسيج الاجتماعي الذي كان قائماً بين أبناء الوطن الواحد من الزيدية والشافعي الذين لم يكن بينهم أيُّ تطرف وإنما كانوا نموذجَ السلم والتعايش.
ومن خلال المسارين تمت السيطرة على الخطاب الديني حتى أنقذنا الله تعالى بالمسيرة القرآنية وأشرقت الشمسَ بالمشروع القرآني التي فضحت مشاريع أمريكا وكذلك مشاريع المتدينين والتابعين الذين انخرطوا في المشروع الأمريكي وارتدوا عن الإيمان بالله وبقضية القدس وأصبحوا يدورون في الفلك الأمريكي والإسرائيلي الوهَّـابي.
خطباءُ وموجهون بصناعة أمريكية:
من جهته، يقول الباحثُ في الشؤون الدينية والسياسية، الدكتور يوسف الحاضري: “كان لأمريكا برنامجٌ متكاملٌ للسيطرة على اليمن حتى أنها استطاعت أن تسيطر على اليمن خلال أكثر من 40 عاماً وكانت السيطرةُ مباشرةً عبر ما أسمي (سفيراً في صنعاء) وفي حقيقة الأمر هو الحاكم الفعلي، وكان الحكامُ والمسؤولون اليمنيون مُجَـرّد أدوات لحماية الحاكم المستعمر وأقنعةً ليختفيَ خلفها ويمارس سلطتَه الاستعمارية، وكان كُـلُّ هذا لم يكن لولا التحَرّك الأمريكي طويل المدى بعدة طرق واتّجاهات ووسائل وأدوات وعلى رأسها السيطرة على الخطاب الديني وصناعته من جديد وتعليبه ثم إعادة إنتاجه ثم توجيهُه كما تريد أمريكا عن طريق السفير الأمريكي الذي كان له دولة غير مباشرة داخل الدولة وبتنسيق مع الأنظمة السابقة الخائنة، حَيثُ أنشأ مؤسّساتٍ ومنظماتٍ مختصةً تؤدي عملَها في نشر الخطاب الديني الوهَّـابي وكان يلتقي بوزراء الأوقاف والإرشاد والخطباء والمعنيين بهذا الأمر”، موضحًا أن حزبَ الخونة الذين يسمون أنفسهم “إصلاح” هو أحد أدوات أمريكا والسعوديّة في نشر الفكر الوهَّـابي التكفير وبدعم سعوديّ بشكل مباشر.
ومن الحقيقة الدينية والإسلامية أن الإنسانَ اليمنيَّ أكثرُ البشر في الأرض ارتباطاً بالدين وتأثراً به وتفاعلاً معه، يؤكّـد الحاضري، “أن أمريكا أدركت باكراً هذه الحقيقة وتحَرّكت على إثره فأنشأت أولاً منهجيةً دينية مضللة ظاهرها الإسلام وباطنها الاستعمار وتذليل المجتمع دينياً لها، ثم أنشأت وأنتجت وأخرجت لنا رجالاً شكّلتهم بمظاهر العلم والتعلم والدين والتدين بعد أن صنعت في رؤوسنا الشكلَ المناسبَ لرجل الدين (لحية طويلة -صوت جميل- ثوب قصير- بلاغة لفظية)”، موضحًا أن “ذلك الشكل استنساخٌ للشكل الوهَّـابي الذي استخدمته بريطانيا لاحتلال الجزيرة العربية والحرمين الشريفين، ثم قدمت هؤلاء للواجهة الدينية في المجتمع بالتعاون مع السلطة السياسية الحاكمة والتي هي أَيْـضاً أهم أدوات الأمريكان في احتلال اليمن فاكتملت لها السيطرة المطلقة وتحَرّكت في هذا الشأن لإخضاع المجتمع للحاكم (وإنْ جلد ظهرَك وأخذ مالك)، وهذا الحاكِمُ هو التابعُ للأمريكان فأصبح المجتمع يتبعُ مَن يتبع أمريكا”.
وهكذا تم تجريدُ الخطاب الديني من معادَاة أعداء الله من اليهود والأمريكان إلى الخضوع والخنوع لعبيد أمريكا من الحكام، وعن طريق ذلك تمَّت السيطرةَ مع التجديد الظاهري الخارجي للخطاب الديني، ولكن ضمن إطار مسخ عقلية المجتمع للبقاء والسيطرة.
صحيفة المسيرة