نص كلمة السيد عبدالملك الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين 1442
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نتحدث اليوم بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين، وفي بداية الحديث عن هذه المناسبة نقدِّم تعريفاً موجزاً فيما يتعلق بموضوع المناسبة، وهي: الصرخة في وجه المستكبرين، وعن تاريخ هذه المناسبة.
في يوم الخميس السابع عشر من يناير لعام ألفين واثنين ميلادية، وفي محاضرته في مدرسة الإمام الهادي “عليه السلام”، في منطقة مران، في مديرية حيدان من محافظة صعدة، أعلن السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه الصرخة في وجه المستكبرين، وهتف بهتاف الحرية والبراءة:

وفي اليوم الذي يليه- وهو آخر جمعة من شهر شوال آنذاك- تم التعميم لهذا الشعار ليبدأ الهتاف به في المساجد يوم الجمعة، فبدأ الهتاف به في بعض المساجد آنذاك، بدءاً من مران ونشور في همدان، ثم في الجمعة وآل الصيفي، ثم اتسعت دائرة الهتاف به في مناطق أخرى في يوم الجمعة والاجتماعات والمناسبات، وترافق مع ذلك الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، والعناية بهذا الموضوع بشكل كبير، وأيضاً وبشكلٍ رئيسي نشر الوعي القرآني؛ لتذكير الأمة بمسؤولياتها، وتبصيرها، وتوعيتها، ورسم مشروعٍ نهضويٍ قرآني متكامل للتحرك على أساسه.
هذا المشروع في مقدِّماته هذه لم يأت من فراغ، ولم يكن عبثياً، ولا إشكالياً، بل أتى من واقع الأمة المثخن بالجراح والآلام والمآسي، وأتى للتصدي لاستهدافٍ كبيرٍ ضد هذه الأمة في كل شعوبها وبلدانها، فالأمريكي ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تحرك على نحوٍ غير مسبوق لاستهداف هذه الأمة، ولم يكتف بما كان له من هيمنة على الأنظمة والحكومات والجهات الرسمية، التي من خلالها كان يضمن مصالحه- وأكثر من مصالحه- في بلداننا، وفي شعوب أمتنا، وكان يتحكم في واقع هذه الشعوب وهذه البلدان في أشياء كثيرة، لم يكتف بالسيطرة غير المباشرة، فاتجه إلى السيطرة المباشرة، وجعل من أحداث الحادي عشر من سبتمبر ذريعةً يتوصل بها إلى تحقيق هذا الهدف، وبدأ غزوه العسكري المباشر لعددٍ من بلدان أمتنا، في مقدمتها: أفغانستان، وكان واضحاً أنه يتجه في نفس التوجه إلى غزو بقية البلدان إن تهيأت له الظروف لفعل ذلك، ومع ذلك أيضاً كان هناك أيضاً المزيد من التصعيد والطغيان الإسرائيلي في ظلم الشعب الفلسطيني، ومعروف آنذاك الهجوم الإسرائيلي على الضفة والقطاع، والاستهداف للشعب الفلسطيني بجرائم وحشية شاملة، في تصعيدٍ معروفٍ آنذاك، وجرائم وحشية يندى لها جبين الإنسانية، واستهداف مستمر للمقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف.
في تلك المرحلة، ومع ذلك التصعيد الكبير، وذلك الهجوم الشامل، الجانب العسكري جزءٌ منه، وإلَّا فهو اتجه إلى كل المجالات، ومن ضمنها: المجال الثقافي والفكري والمناهج الدراسية، وكان واضحاً السعي الدؤوب لطمس الهوية الثقافية لأمتنا الإسلامية في النشاط الأمريكي والإسرائيلي، والتحرك الأمريكي والإسرائيلي، فهم جعلوا من عنوان مكافحة الإرهاب ليس فقط ذريعةً للتدخل على المستوى العسكري والأمني، وإنما للتدخل بشكلٍ رئيسي على المستوى الثقافي، والفكري، والإعلامي، والسياسي، والاقتصادي… وفي كل المجالات، وعلى نحوٍ غير مسبوق.
ففي ظل تلك المرحلة، ومع تلك الهجمة الشرسة، التي قابلها في الواقع الداخلي لأمتنا في كثيرٍ من البلدان والشعوب توجهٌ خاطئ للأنظمة وللحكومات، وتماهٍ مع الهجمة الأمريكية، وحالة من الاستسلام والخنوع، والاستجابة التامة لكل المطالب الأمريكية، التي كانت تساعد على تمكين الأمريكي من تحقيق أهدافه، وتساعد الإسرائيلي على الوصول إلى غاياته وأهدافه.
في نفس الوقت لدى الكثير من أبناء شعوب أمتنا من نخب سياسية، وحتى في الوسط الديني، سادت حالة اليأس لدى الكثير منهم، حالة الشعور بالعجز، الانعدام للرؤية، حالة الهزيمة النفسية، مع الموقف السلبي للأنظمة وللحكومات، والذي امتدت سلبيته لتؤثر في الشارع، في الساحة العامة، في الوسط الشعبي، في كل أطيافه ومكوناته ونخبه، وكانت هذه حالة خطيرة بكل ما تعنيه الكلمة.
بقي الموقف الصامد والثابت لبعض قوى المقاومة في فلسطين، وكذلك في لبنان، وفي بعض بلدان الأمة، بقي الموقف الثابت للجمهورية الإسلامية في إيران، ولكن الحالة السائدة المؤثرة في واقع الأمة بشكلٍ عام كانت حالةً خطيرةً بكل ما تعنيه الكلمة.
في بلدانا في اليمن، اليمن يمن الإيمان والحكمة، الشعب الذي هويته الإيمانية هوية راسخة، كان الموقف الرسمي سلبياً بكل ما تعنيه الكلمة، وبادر بشكلٍ علنيٍ وصريح إلى التحالف مع الأمريكيين، وسعى لاسترضائهم بكل جهد، وبذل كل شيءٍ في سبيل استرضائهم، فتح لهم المجال بشكلٍ كامل، لبَّى مطالبهم، عرض- كذلك- الاستعداد التام لفعل كل الذي يريدونه، وعلى المستوى الشعبي: كان هناك حالة إما من اليأس لدى البعض، والتردد والحيرة لدى البعض الآخر، وتماهٍ وتوجهٍ على نحو التوجه الذي لدى النظام في الإذعان والاستجابة للأمريكي، والسعي لاسترضائه، على أمل أن تكون سياسية الاسترضاء سياسة مجدية لدفع ذلك الخطر الكبير الذي يهدد البلد، كما هو يهدد الأمة بشكلٍ عام.
بعض التيارات والحركات التي تقدِّم نفسها كحركات إسلامية، وعلى رأسها آنذاك حزب الإصلاح، والذي كان له حضور جماهيري واسع، وإمكانيات ضخمة جداً على المستوى المادي، ومؤسسات كثيرة، ونشاط كبير جداً طاغٍ في الساحة اليمنية، وند- آنذاك- للمؤتمر الشعبي العام، وموقع سياسي متمكِّن، وحضور وتأثير في الساحة، وأضف إلى ذلك: كان جزءًا أساسياً من النظام، حاضر في كل المؤسسات في الدولة، في كل الجهات له حضوره المؤثِّر، وكان في مراحل معينة يتظاهر بدعمه لقضايا الأمة، بتمسكه بالقضية الفلسطينية، في وقفته مع الشعب الفلسطيني، على الأقل على المستوى الإعلامي.
هذا التيار اتجه لتغيير موقفه بشكلٍ كامل، ازدحم الكثير من أعضائه من ذوي اللحى الطويلة على صوالين الحلاقة؛ لحلاقة لحاهم، اختفى البعض من كوادرهم وقياداتهم في منازلهم، أو في أماكن سرية، اتجه هذا الحزب لتغيير عناوينه، شعاراته، مواقفه، خطابه تجاه القضية الفلسطينية، تجاه الموقف من الخطر الأمريكي، اتجه لمد الجسور والقنوات والاتصالات مع الأمريكيين، وسعى بشكلٍ واضحٍ في صحفه، في خطاباته، في مواقفه، لاسترضائهم، والتودد إليهم، غيَّر الكثير من المفردات، والمصطلحات، والعناوين، والشعارات، وطبع خطابه بطابعٍ مختلف، بدى منهزماً لدرجةٍ غريبة، لا سيما بعد هزيمة حركة طالبان في أفغانستان، كان صدى هزيمة حركة طالبان على حزب الإصلاح في اليمن إلى حدٍ عجيبٍ جداً، اتجه حتى لتغيير مناهجه الدراسية، وبدأ مساراً عكسياً تراجعياً في مواقفه السابقة، واتجه في مسارٍ تصاعدي في التودد إلى الأمريكيين، وفي الخطاب الذي يسعى من خلاله إلى التفاهم معهم، الانسجام معهم، التبرير لمواقفه السابقة على أنها كانت في سياق التوجه الأمريكي نفسه فيما يتعلق بأفغانستان.
لم يكن ما لديهم من إمكانات ضخمة، وجمهور واسع، وعناوين، وعبارات، وشعارات، وخطابات، على النحو الذي يؤهلهم للثبات، وأن يقابلوا ذلك التحرك الأمريكي والطغيان الإسرائيلي بثباتٍ أكبر، وصمودٍ أقوى، وموقفٍ صريحٍ قويٍ بمستوى التحدي، بمستوى الخطر، وهكذا كان هو حال الكثير من أبناء هذه الأمة في كثيرٍ من الشعوب.
فلذلك كانت تلك المرحلة خطيرة جداً على الأمة؛ لأن سياسة الاسترضاء للأمريكي بفتح المجال له ليفعل كل ما يحلو له: فتح البلدان أمام قواعده العسكرية، فتح مؤسسات الدول في كل مجالاتها للنفوذ فيها، وللتقبل لما يفرضه ويمليه عليها من إملاءات وسياسات وتوجهات، كانت كلها تصب في خدمة الأمريكي والإسرائيلي، وكانت كلها تساعد الأمريكي والإسرائيلي على تحقيق أهدافه، وتمكينه من السيطرة على هذه الأمة، فسياسة الاسترضاء لم تكن لتدفع الخطر عن الأمة؛ وإنما كانت لتفاقم من هذا الخطر على هذه الأمة، تضعف هذه الأمة وتجرِّدها من كل عناصر القوة المعنوية والمادية، وتمكِّن العدو، فكانت تعاوناً مع العدو على النفس، وهذا غباء، ليس من الحكمة في شيء، إضافةً إلى أنها لا تنسجم مع مبادئ هذه الأمة الدينية، لا تنسجم مع الإسلام، لا تنسجم مع القرآن، ولا تنسجم حتى مع الفطرة.
في ظل ذلك الظرف الذي كان على هذا النحو، تحرَّك السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، بلا إمكانات، يعني: في تلك الآونة لا يمكن أن نقول أنه يمتلك شيئاً من الإمكانات على المستوى المادي، يتحرك من منزله إلى مدرسة الإمام الهادي ليعلن هذا الموقف، ويتحرك في بيئة مستضعفة، الذين ينطلقون فيها في تلك القرى النائية من أقلِّ الناس إمكانات، من المستضعفين، الفقراء، والفلاحين، والمواطنين الذين يعانون أشد المعاناة في ظروف حياتهم، يعني: لم يكن يمتلك آنذاك قدرات عسكرية، ولا إمكانات مادية، ولا مؤسسات في اليد يمكنها أن تمثل رافعة لهذا المشروع.
فعندما نتأمل في حقيقة موقفه، عندما نتأمل فيما قدَّمه أيضاً منذ أن انطلق وتحرك في هذا المشروع، ما قدمه من محاضرات ودروس وكلمات، كيف كان يتحرك ببصيرةٍ عالية، بوعيٍ كبير، بثقةٍ عظيمةٍ بالله “سبحانه وتعالى”، ما يبرهن ويشهد على هذه الثقة العظيمة بالله “سبحانه وتعالى”: أن يتحرك في واقعٍ كمثل ذلك الواقع، في طبيعة الهجمة الكبيرة جداً للأعداء، والتوجهات السلبية في الداخل على المستوى الرسمي، وعلى مستوى النخب الشعبية، والتيارات البارزة والمتمكنة، وعلى نحوٍ مختلف عما قد ساد في الساحة من حالة ركود، وجمود، ويأس، وهزيمة نفسية، واستسلام، وصمت، أو توجهات نحو الاسترضاء والتودد إلى الأمريكي من البعض الآخر، ومن واقعٍ مستضعفٍ، وبلا إمكانيات، نرى قيمة هذا الموقف أنه كان موقفاً بكل ما تعنيه الكلمة منطلقاً من وعيٍ عظيم، من بصيرةٍ عالية، من ثقةٍ عظيمةٍ بالله، من استشعارٍ عالٍ للمسؤولية.
عندما تحرَّك لم يكن هناك من يعلن مساندته له، أو يعلن وقوفه إلى جانبه، لا دولة، ولا كيان هنا أو هناك، لم يكن هناك من يمده بأي مدد، بأي إمكانات مادية، كان اعتماده بشكلٍ كليٍ على الله “سبحانه وتعالى”، ويسعى لأن يقوم بواجبه، وأن يقوم بمسؤوليته، وكان يدرك جيداً- وهو المستبصر ببصيرة القرآن الكريم، والمتأمل عميقاً في واقع أمته- الخطورة الرهيبة جداً للسكوت، للصمت، للاستسلام، للهزيمة النفسية، والأبعاد لذلك، وما يترتب على ذلك من نتائج خطيرة للغاية في مستقبل شعبنا العزيز، وفي مستقبل الأمة بشكلٍ عام.
فلذلك تحرَّك وأعلن هذه الصرخة، وتحرَّك مع هذه الصرخة أيضاً بشكلٍ نشط لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، ولنشر الوعي القرآني، في الوقت نفسه كان التحرك الأمريكي مستمراً، بعد أفغانستان ما حصل في العراق، وما تلى ذلك من استهدافٍ للأمة.
في نفس الوقت كذلك كان الموقف السلبي في الداخل العربي من جانبٍ آخر يزداد سلبيةً مع الوقت، وكانت المواقف الإيجابية والثابتة والصامدة لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، مع مساندتها الكبيرة من جانب الجمهورية الإسلامية في إيران، تزداد أيضاً تمايزاً، فالساحة العربية والساحة الإسلامية بشكلٍ عام تشهد حالةً من الفرز والتمايز، وتستمر فيها الأحداث ساخنةً ومتصاعدةً ومستمرة.
ولذلك في كل تلك المرحلة إلى اليوم يتجلى لنا أهمية هذا المشروع القرآني، ويتجلى لنا في البداية: أنَّ تلك المقدِّمات لهذا المشروع القرآني، المتمثلة: بهذه الصرخة، ومعها المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، ومعها نشر الوعي القرآني، يتجلى لنا أنها كانت مقدِّمات حكيمة، ومؤثرة، ومتاحة، وهذا واضحٌ جداً.
عندما نأتي إلى عنوان أنها كانت مواقف ومقدِّمات وبدايات حكيمة، فهذا واضحٌ جداً، عندما نأتي إلى الانتقال- سواءً على مستوى شعبنا، أو على مستوى أشمل- عندما نأتي إلى الانتقال بالناس من حالة الصمت، والسكوت، والتدجين، واللا مسؤولية، والتي يصل الناس فيها- إن تأثروا بالأحداث، وفرضت الأحداث نفسها عليهم- إلى مجرد التحليلات الفارغة في مقايلهم، في مجالسهم، في مناسباتهم، تحليلات لمجرد التحليلات، تحليلات لا يبنى عليها مواقف، لا ينتج عنها رؤية، لا يترتب عليها عمل، هذا في أكبر الأحوال، يعني: إذا فرضت الأحداث نفسها عليهم، إذا كان مستوى ما يفعله الإسرائيلي أو الأمريكي من جرائم وحشية إلى درجة تفرض نفسها على الناس أن يتحدثوا بقدرٍ من الامتعاض والأسى، ومع ذلك شيء من التحليلات والكلام، لكن دون رؤية، دون موقف، فالسعي للنقلة بهم من هكذا حالة، إلى موقع المسؤولية، إلى مستوى الرؤية، إلى أن يكون لهم موقف، إلى أن يدركوا أنهم معنيون بهذا الصراع، أنهم طرفٌ في هذا الصراع، أنهم جزءٌ من هذا الواقع، وأنهم أمةٌ مستهدفة، وأنهم معنيون وعليهم مسؤوليات تتعلق بهم تجاه ما يحدث، وأنَّ عليهم أن يتحركوا في مقابل ما يتحرك فيه الأعداء وما يسعون له، نجد أن هذه البداية بداية جيدة، بداية حكيمة بداية مناسبة للنقلة من حالة الركود، والجمود، والسكوت، والصمت، والهزيمة النفسية، إلى مستوى الموقف، بدايةً بصرخة، بشعار، بهتاف يعلنون به عن موقفهم، يعبِّرون به عن سخطهم، يتبرؤون به من أعدائهم، هذه بداية جيدة حتى على المستوى النفسي، يعني: لم يُطلب من الناس من أول لحظة أن يدخلوا في مواقف صعبة جداً، وأن يتجهوا إلى جبهات قتال من الوهلة الأولى، بل أن يبدؤوا هذه البداية التي لها أثر نفسي ومعنوي، عندما تتوسع على المستوى الجماهيري فهي تعبِّر عن حالة سخط، له أهميته في التأثير على الأعداء في كثيرٍ من مؤامراتهم ومخططاتهم.
الحالة العامة في واقع الأمة، مستوى الاستهداف، مستوى الخطر، مستوى التحدي، السلبية الرسمية في الموقف الرسمي، تستدعي أن يكون هناك تعبئة شعبية، وتحرك جماهيري واسع، هذه التعبئة الشعبية التي يمكنك فيها أن تحرِّك كل إنسان يستجيب، ما الذي يمكن أن تَنْظُم حوله هذا التحرك الشعبي الواسع؟ هي هذه الصرخة، هي هذه المواقف المتمثلة بالصرخة والمقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، هي هذا العمل على نشر الوعي القرآني في أوساط الناس وتعبئتهم، فحالة التعبئة الشعبية والجماهيرية الواسعة من خلال أن تقدِّم لهذه الجماهير ما تعبِّر به عن موقفها، وتتحرك فيه، وتعبِّر فيه عن سخطها، هي حالة إيجابية، وحالة تعبوية، وحالة شعبية، وحالة إيجابية جداً، أخرجت بها هذه الجماهير من حالة الصمت والهزيمة النفسية، إلى موقف أن تعبِّر عن سخطها، وعن غضبها، وعن موقفها، هذه حالة إيجابية جداً، حالة ومهمة جداً.
ولماذا التعبئة الشعبية والتحريك للشعوب؟ لأن الشعوب مستهدفة، مستهدفة عسكرياً، مستهدفة سياسياً، مستهدفة أيضاً بوسائل الخداع، العدو كان يخاطب ولا زال يخاطب شعوب أمتنا، عندما أتى الأمريكي ليحتل العراق، أتى بعنوان التحرير، وأتى بعنوان الحرية، أتى بعنوان الديموقراطية، أتى بعنوان حقوق الإنسان، ويأتي بهذه العناوين وهو يتجه إلى الاحتلال المباشر لدولة هنا أو دولة هناك، أو السيطرة المباشرة على بلد هنا أو بلد هناك، يأتي بعناوين، يخاطب فيها من؟ الشعوب، يسعى من خلالها إلى تدجين هذه الشعوب، ويسعى معه عملاؤه إلى تدجين هذه الشعوب، وتهيئتها لتتقبل السيطرة الأمريكية عليها.
هذا الموقف الذي تعبئ فيه الشعوب حتى لا تتقبل هذه السيطرة، ولا تتقبل حالة التدجين، ولا تتقبل حالة الصمت والسكوت التي يسعى العدو إلى أن يفرضها عليها، فهي حالة تحوِّل الأمة إلى حالة منعة وتحصين لساحتها الداخلية، تحصين لساحتها الداخلية من التقبل للسيطرة الأمريكية، من الصمت، من التدجين، من القبول بالهزيمة النفسية، وتجعلها في حالة الموقف الذي تعبِّر به وتتجرأ به على كسر هذه المساعي للسيطرة عليها.
حكيمة أيضاً، خطوات ومقدِّمات حكيمة؛ لأنها تتناسب مع متطلبات هذا الصراع، هذا الصراع وهذه المعركة تتصدى لأخطر أساليب العدو في الاختراق والاستمالة، العدو وعملاؤه يسعون إلى أن يحوِّلوا شعوبنا إلى شعوب تكون مواليةً لهم، مواليةً لهم؛ حتى يتمكنوا من السيطرة عليها بدون كلفة، بدون عناء، تتحول إلى شعوب ترى في السيطرة الأمريكية نجاةً لها، أملاً لحضارتها، أملاً لتقدمها، أملاً لحلِّ مشاكلها، تنظر إلى الأمريكي والإسرائيلي بانبهار، لا تنظر إليه كعدوٍ يسعى لاحتلالها، والسيطرة عليها، ونهب ثرواتها ومقدراتها، والاستعباد لها، ترى فيه صديقاً وولياً وحميماً، ورائد حضارة، ومنقذاً، ومخلِّصاً، تنظر إليه نظرة مخدوعة، نظرةً غبية، نظرةً ساذجة، نظرةً حمقاء.
فهذه التعبئة من خلال هذه البدايات والمقدِّمات: بالصرخة، بالمقاطعة، بنشر الوعي القرآني، هي تنقذ الأمة، تخلِّصها من هذه الحالة من التدجين، من هذه الحالة من الاستمالة والولاء للعدو، من هذه النظرة الغبية والخاطئة التي يسعى الأعداء إلى ترسيخها في داخل الأمة، وتفعِّل حالة السخط وتترجمه إلى مواقف عملية، فتمثل نقلةً مناسبة تهيِّئ- بأثرها النفسي والمعنوي والعملي- تهيِّئ الجماهير لخطوات أكبر، ومواقف أكبر، وتحرك في مسارات عملية أهم، وهذه نقطة مهمة جداً، وتخرجهم من حالة الخوف، والجمود، والهزيمة النفسية، واللا مبالاة، والاستهتار، إلى حالة المسؤولية.
هذه البدايات والمقدِّمات والخطوات من إيجابيتها: أنها ليست مؤطرةً بإطارٍ مذهبي، ولا تعبِّر عن مذهب معين، وليست مؤطرةً بإطارٍ مناطقي، ولا حتى بالحدود الجغرافية التي كُبِّلت بها الأمة، وفصلت بها الأمة عن بعضها البعض، بل هي تؤسس لهذا التلاقي مع كل أبناء الأمة، لهذا الاندماج مع كل أبناء الأمة، والتفاهم مع كل أبناء الأمة في التصدي للخطر الذي يهدد الجميع، ويستهدف الجميع.
هي في نفس الوقت محرجة للأعداء، هم إن سكتوا عنها؛ أغلقت الساحة في وجوههم، وعبَّأت الحالة الشعبية ضدهم، وإن حاربوها؛ فضحتهم، فضحت عناوينهم في الحرية، في حقوق الإنسان، في الديموقراطية… في تلك العناوين، ولذلك كانت خطوات حكيمة.
وهي مؤثرة، من أثرها هو هذا: أنها تغلق الساحة في مسارهم الاستقطابي ضد نشاطهم لاستمالة الأمة، لخداعها، للاتجاه بها إلى الولاء لهم، وتعبئ الأمة في حالة من العداء للعدو، والموقف من جرائمه ومساعيه الشيطانية.
واضحٌ تأثيرها على المستوى المعنوي، وعلى مستوى تحصين الداخل، وعلى مستوى إغلاق الساحة أمام العدو واستقطاباته.
واضحٌ تأثير المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية على المستوى الاقتصادي، وبالذات كلما اتسعت دائرتها، ووعت الأمة أنها هذا سلاح فعَّال بكل ما تعنيه الكلمة، واهتمت بذلك، كما أنه سيكون عاملاً مهماً في بناء الأمة على المستوى الاقتصادي لصناعة البدائل، وللنهضة، ولتحقيق الاكتفاء الذاتي.
واضحٌ تأثير الوعي القرآني في الارتقاء بالأمة ونهضتها، والتحرك بها في مسارات عملية تبني نفسها في كل المجالات.
واضحٌ الأثر الملموس في من انطلقوا بصدقٍ وجدٍ ووفاءٍ في هذا المشروع القرآني، في ثباتهم في كل المراحل، من تلك البدايات الصعبة: وهم يُسجَنون فلا يتراجعون، وهم يُطَاردون ويُلَاحَقون، وهم يُقَتَّلون وتُدَمر قراهم ومدنهم، وهم يستهدفون إعلامياً، وهم يستهدفون بكل شكلٍ من الأشكال بحروب مدمرة، بضغوط، بلوم من الجميع، في ثباتهم، في صبرهم، في عطائهم، في تضحياتهم، في ثباتهم في كل هذه المراحل التي عبروها.
واضحٌ أيضاً الأثر الكبير في قيمة هذا المشروع في تجاوز كل تلك المراحل.
هذه البدايات من مميزاتها أيضاً: أنها متاحة، صرخة تصرخ بها، مقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، عملاً ميسَّراً وسهلاً ومتاح لكل إنسان، ولذلك ليست مكلِّفةً جداً، يمكن للفقير، يمكن للغني، يمكن للشخص البسيط، يمكن للشخص النخبوي… للكل أن يتبنوا هذه المواقف، ليست معقَّدة، يمكن تفعيل الجميع فيها، يمكن التحرك الواسع فيها.
ثم منذ ذلك اليوم وإلى اليوم في كل هذه السنوات الطويلة، يتجلى يوماً بعد يوم، شهراً بعد شهر، عاماً بعد عام، أكثر فأكثر، أهمية هذا المشروع على كل المستويات، العدو يواصل- كما قلنا- تحركه في استهدافه لهذه الأمة، لم تكشف هذه الأعوام أنَّ الأمريكي هو صديق حميم لهذه الأمة، يريد الخير لهذه الأمة، أو أنَّ الإسرائيلي- كذلك- صديق لهذه الأمة، عداؤهم واضح يتجلى يوماً بعد يوم، مؤامراتهم مستمرة، استهدافهم لهذه الأمة بشكلٍ مباشر، أو بشكلٍ غير مباشر، من خلال المؤامرات التي يستهدفون بها شعوب أمتنا، من مثل مؤامرتهم فيما يتعلق بالتكفيريين، وفتنة التكفيريين هي مؤامرة أمريكية وإسرائيلية، هي مخطط أمريكي وإسرائيلي ضربوا به هذه الأمة، والكثير من مؤامراتهم على هذه الأمة، تحريكهم اليوم- في هذه المرحلة أقصد- لأنظمة وقوى معينة تتحرك في الساحة لخدمتهم… أنشطة كثيرة.
على مستوى واقع الأمة الداخلي، يتجلى أهمية أن يكون هناك عمل في تحصين الساحة الداخلية؛ لأن هناك في المقابل عمل كبير من عملاء أمريكا وإسرائيل لاستقطاب أبناء هذه الأمة، والدفع بهم إلى الولاء لأمريكا وإسرائيل، اليوم يتحرك النظام السعودي والإماراتي بكل صراحةٍ ووضوح للدفع بالأمة نحو الولاء لأمريكا، نحو الولاء لإسرائيل، إعلامهم واضحٌ في ذلك، وبشكلٍ مكثف، بل هذه أولوية في إعلامهم، الأولوية في الإعلام الإماراتي والإعلام السعودي هي لدفع الناس إلى الولاء لإسرائيل وأمريكا، ومعاداة من هو عدو لأمريكا وإسرائيل، هذا واضحٌ جداً في إعلامهم.
ثم أيضاً في نشاطهم التثقيفي والتعليمي، في نشاطهم السياسي، بل حتى في نشاطهم العسكري والأمني… على كل المستويات.
حتى في النشاط الاقتصادي، في الوقت الذي ينفتحون به اقتصادياً على إسرائيل، ويدخلون في أنشطة متنوعة مع إسرائيل، كيف يفعلون في تعاملهم الاقتصادي مع لبنان، مع اليمن، مع فلسطين، عداؤهم الشديد للجمهورية الإسلامية في إيران، مقاطعتهم ومباينتهم الشديدة لها، موقفهم من سوريا، موقفهم من الشعب العراقي كله يأتي في هذا السياق.
فإذاً هذا المشروع انطلق من واقعٍ يتطلبه، وبمسؤولية، وبوعي، ومن خلال رؤيةٍ قرآنية، من خلال رؤيةٍ قرآنية يشهد لها الواقع، تشهد لها الأحداث؛ لأن القرآن الكريم هو كتاب الهداية، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: من الآية9]، هو صلتنا بالله “سبحانه وتعالى”، هو حبله المتين، هو الصراط المستقيم، وهو أيضاً الكلمة السواء في الأمة الإسلامية.
فالتحرك في هذه المسيرة المباركة، التحرك في هذا المشروع العظيم هو تحركٌ مشروعٌ، سليمٌ، صحيحٌ، ليس هناك ما يبرر في داخل هذه الأمة المعاداة له، السلبية تجاهه، النفور منه، أو اعتباره مشروعاً لا حاجة إليه، مشروعاً إشكالياً، يثير في ساحة الأمة مشاكل لا داعي لها.
نحن- أيُّها الإخوة والأخوات- عندما نعود إلى واقعنا من جهة كأمةٍ إسلامية، وفي داخلها العالم العربي، أو إلى مسؤولياتنا بحسب انتمائنا الإسلامي والقرآني، وحتى بحسب الفطرة، حتى بحسب الإنسانية، ندرك أنَّ المفترض بهذه الأمة بشكلٍ عام، أنها كانت ومنذ أن نشأ الكيان الصهيوني، وفرضه الاستعمار، ودعمه الاستعمار، وزرعه الاستعمار في قلب أمتنا، في جغرافيا داخل جغرافيا هذه الأمة، ليحتل بلداً من بلدان هذه الأمة، ليظلم شعباً، ويشرِّد شعباً، ويصادر حقوق شعبٍ من شعوب هذه الأمة، ليشكل تهديداً مباشراً على مقدسات إسلامية من مقدسات هذه الأمة، منذ تلك البدايات، منذ تلك المرحلة، كان يفترض بأمتنا الإسلامية بشكلٍ عام أن تكون في حالةٍ من التعبئة المستمرة، والاستنهاض المستمر، والنفير المستمر، والعمل الدؤوب إلى التخلص من هذه المشكلة، إلى معالجة هذا الخطر، إلى إنهاء هذا التحدي، هذا هو الموقف الطبيعي، هذا هو الاتجاه السليم، لا أن ننظر إلى أي تحركٍ جادٍ، وصادقٍ، وواعٍ، ومخلصٍ، ومضحٍ في داخل هذه الأمة، إلى أنه الذي يمثل الإشكالية؛ لأنه يتبنى موقفاً صحيحاً تجاه أعداء الأمة، فنرى سواءً في هذه المسيرة القرآنية أنها مثَّلت إشكالاً عندما انطلقت من اليمن، أو نرى في المقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله وكأنها تمثل مشكلة في ساحة الأمة، أو ننظر بسلبية إلى المقاومة الفلسطينية، أو ننظر بعدائية إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، أو إلى أحرار العراق، أو إلى سوريا.
الشيء الصحيح، الشيء الطبيعي في هذه الأمة بشكلٍ عام: أنه منذ نشأ العدو الصهيوني في فلسطين، واحتل فلسطين في بداية الأمر، أنَّ الأمة بقيت في نفير عام، في حركة مستمرة، حتى في المراحل التي حدثت فيها إخفاقات في بعض المواجهات العسكرية، في بعض المراحل من جانب بعض الأنظمة والجيوش العربية، حتى في تلك المراحل، لم تكن تلك الإخفاقات لتبرر حالة الانكسار، والصمت، والتنصل عن المسؤولية، واللا مبالاة التي سادت في أوساط الكثير من أبناء هذه الأمة، فوجود العدو الإسرائيلي الصهيوني اليهودي محتلاً لجزءٍ من البلاد الإسلامية، مهدداً بشكلٍ مباشر لجزءٍ من المقدسات الإسلامية، مضطهداً لشعبٍ من شعوب الأمة الإسلامية، يحتم علينا أن نبقى في حالةٍ مستمرة هذا بحد ذاته بحد ذاته كافٍ في أن تكون علينا جميعاً مسؤولية أن نسعى، وأن نتحرك، وأن نعمل بشكلٍ مستمر، وأن يكون هناك نشاط واسع في داخل أمتنا، في مختلف شعوب أمتنا لإنهاء هذا التحدي، لتخليص شعبنا الفلسطيني الذي هو جزءٌ منا، جزءٌ من أمتنا، من كياننا الكبير الإسلامي، لإنقاذه من هذا العدو، لدحر ذلك العدو الصهيوني من تلك الأرض، ولطرده مما يشكِّله من تهديد لمقدسات هي من مقدسات هذه الأمة، هذا هو الشيء الصحيح، الشيء الطبيعي.
فالحالة التي هي غير طبيعية، هي ما ساد لدى الكثير من ركود، وجمود، وتنصل عن المسؤولية، والشيء الأسوأ من ذلك، والأكثر قبحاً، والذي يجب أن يستفز الجميع، وأن ينتقده الجميع، وأن يكون للجميع منه موقف، هو حالة العمالة للعدو الإسرائيلي والأمريكي، هو حالة التعاون مع العدو الأمريكي والإسرائيلي، هو الوقوف جنباً إلى جنب مع الأمريكي والإسرائيلي في هذه الحالة الإجرامية التي اعتدوا بها على هذه الأمة، واحتلوا جزءًا من أبناء هذه الأمة، ومن أرض هذه الأمة، ومن مقدسات هذه الأمة، فما بالك والأمر أنَّ هناك استهدافاً يشكِّل خطورةً مباشرة على كل هذه الأمة.
العدو الإسرائيلي من فلسطين، وهو كان يسعى للتمدد من داخل فلسطين، حتى عسكرياً وبشكلٍ مباشر، إلى بقية البلدان، ما الذي أعاقه؟ أعاقته المقاومة الفلسطينية في غزة، وقبل ذلك المقاومة اللبنانية في لبنان، هذا ما مثَّل إعاقة حقيقية للعدو، وإلا فكان توجهه معلناً وواضحاً في أن يتمدد للاستيلاء المباشر نحو خريطته المعلنة، فيما يسميها بإسرائيل الكبرى، وأن يسعى من خلال ذلك إلى السيطرة على الأمة بشكلٍ عام، على الموقع الجغرافي للأمة، الذي يمثِّل أهميةً كبيرة على مستوى المنطقة العربية، وأن يتمكن من ذلك في تعزيز نفوذه على المستوى الدولي.
فإذا جئنا إلى المسؤولية، فهذه هي المسؤولية، هذه هي المسؤولية، وهذا هو الواجب، هذا هو التحرك الصحيح، ولذلك يجب أن ننظر بإيجابية إلى كل حالات الصحوة والوعي، والاستشعار للمسؤولية، سواءً في إطار هذه المسيرة المباركة عندنا، والتي تحركت من اليمن، أو باتجاه محور المقاومة بشكلٍ عام، أن هذا هو التوجه الصحيح، التوجه الطبيعي، تجاه الخطر الإسرائيلي، وتجاه الخطر الأمريكي والمؤامرات الأمريكية.
ونرى أن الواقع العربي، الذي تأثر بالإخفاقات في مرحلة معينة، لم يكن إيجابياً تجاه حالات النماذج الناجحة، وبدايتها النموذج اللبناني، المتمثل في حزب الله والمقاومة اللبنانية، الذي وفقه الله “سبحانه وتعالى” لصناعة أول وأكبر انتصار حقيقي بقي صداه، انتصاراً بقي، بقيت مكاسبه، بقي ثابتاً، بقي مستمراً في دحر العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام ألفين، نتاج عمل تراكمي، وتضحيات، هذا النموذج الناجح، ثم يليه النموذج الناجح في المقاومة الفلسطينية، وفي المقدمة في غزة، لم يتجه العرب من حوله، والعالم الإسلامي، ما عدا الجمهورية الإسلامية بشكلٍ رئيسي، وإلى جانبها إلى مستوى جيد سوريا؛ أما البقية على المستوى الرسمي، وعلى المستوى السائد في الساحة العربية والإسلامية، فلم يكن هناك توجه بالشكل المطلوب، للاستفادة من هذه النماذج الناجحة، في مساندتها كما ينبغي، في احتضانها كما ينبغي، في تأييدها، في الوقوف إلى صفها كما ينبغي، بل بدأت المؤامرات، بدأت، من بعد أن تجلى النجاح، وتبين أن هذه نماذج ناجحة، صامدة، هزمت إسرائيل هزائم متتالية، هزمت العدو الصهيوني هزائم متتالية:
في لبنان، انتصارات لحزب الله كبيرة جداً، انتصار عام الألفين وستة انتصار عظيم ومهم جداً، ويكاد أن يكون أكبر من انتصار عام ألفين، ودلالته كبيرة جداً؛ لأنه كسر العدو الإسرائيلي في معركة، معركة واحدة، لأيام معدودات، وألحق به الهزيمة، ومنعه من الدخول إلى لبنان.
الانتصارات المتتالية للمقاومة في غزة، للمقاومة الفلسطينية، انتصارات مهمة جداً، ودلالاتها واضحة جداً.
فكان الشيء الطبيعي في الساحة العربية بشكلٍ عام، وفي أعمَّ منها على مستوى الساحة الإسلامية: أن يتجه الجميع كما الجمهورية الإسلامية في إيران، كما فعلت سوريا، أن يتجه الجميع بذلك المستوى من الدعم والمساندة، للمقاومة الفلسطينية، والمقاومة اللبنانية.
ولكن الحالة التي اتجه إليها البعض، هي اتجاه مختلف، اتجهوا إلى جانب الأمريكي والإسرائيلي في حرب بأشكال كثيرة، المؤامرة التكفيرية التي استهدفت حزب الله، واستهدفت سوريا، واستهدفت الشعب العراقي، هي جزءٌ من هذه المعركة، في خدمة أمريكا وإسرائيل.
ومع ذلك على المستوى الإعلامي، سلبية بشكلٍ واضح، وحرف لبوصلة العداء، وتقديم صورة مختلفة عن العدو الصهيوني، وكأنه هو الصديق الذي يجب على كل شعوب الأمة أن تواليه، وكأن من يقفون في وجهه يدافعون عن أنفسهم، وعن الأمة من خلفهم، كأنهم العدو، وكأنهم المشكلة، وكأنهم من يجب أن تتجه نحوه بوصلة العداء.
وتجلت الأمور أكثر فأكثر في كل هذه المراحل إلى درجة عجيبة، حتى في المرحلة الأخيرة، في عملية سيف القدس، كان الإعلام السعودي والإعلام الإماراتي يتحدث عن المقاومة الفلسطينية وكأنها عدو، وكأنها هي على الباطل، وكأنها ليست صاحب قضية، وكأنها إنما فقط تنفذ أجندة إيرانية، مع كل الوضوح في مظلومية الشعب الفلسطيني، مع كل الوضوح في أنه صاحب قضية واضحة جداً، مع كل الوضوح- فيما قبل عملية سيف القدس- فيما يفعله الإسرائيلي من انتهاكات واستهداف للمسجد الأقصى الشريف، الذي هو مقدس من مقدسات الأمة بكلها، تجد الحديث في الإعلام السعودي وقح إلى درجة عجيبة، في الإعلام الإماراتي أوقح، وهو يتحدث عن حماس، عن حركة الجهاد الإسلامي، عن المقاومة الفلسطينية، بعبارات تسيء إليها، ويسخر من صواريخها، ويستهزئ من صمودها، من موقفها، وحتى من انتصارها، ويحاول أن يقلل من هذا الانتصار، ومن أهمية هذا الانتصار، وكأن تلك المحطات محطات إسرائيلية، وكأن أولئك الإعلاميين إعلاميون إسرائيليون، يتحدثون بنفس المنطق الإسرائيلي.
ولعلم الجميع فإن الحديث الدائم عن أن العدو هو الجمهورية الإسلامية في إيران، وحزب الله، ثم إلحاقاً بذلك المقاومة الفلسطينية، ثم إلحاقاً بذلك المسيرة القرآنية في اليمن، هو حديثٌ إسرائيلي، هو منطقٌ إسرائيلي، قبل أن يتحدث به أولئك، كمثل ما يفعله الببغاء، في قنواتهم، في وسائل إعلامهم، الإسرائيلي كان يتحدث هكذا، الأمريكي كان يتحدث هكذا: الخطر هو إيران، الخطر هو حزب الله، الخطر هو المقاومة الفلسطينية، ثم أضيف إلى ذلك أحرار العراق، ثم أضيف إلى ذلك أيضاً سوريا، أضيفت إلى ذلك فيما بعد الشعب اليمني، وهذه المسيرة القرآنية في اليمن.
العداء لهذه الشعوب الحرة، والمتحركة، والناهضة، والتي هي في صدارة الأمة في موقفها، وإن كان وجدان الشعب العربي في كل أقطاره معها، الوجدان العام، الشعور العام، التعاطف العام، إلا أن التوجه الرسمي المعادي، الذي هو شاذٌ عمَّا ينبغي أن يكون عليه موقف الأمة جمعاء، التوجه المعادي يتميز ويتبين أكثر فأكثر، ونحن اليوم أمام واقعٍ واضح، أمام فرزٍ عجيب، في إطار سنة الله “سبحانه وتعالى”، الذي هو “جلَّ شأنه” في سنته مع عباده يميز الخبيث من الطيب، {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179].
تبين في كل هذه المراحل جدوائية وقيمة وفاعلية هذا التحرك، الذي هو مبنيٌ على توجهٌ صحيح ضد الخطر الأمريكي والإسرائيلي، وأنه توجهٌ ناجح، وإيجابي، وجاد، ومثمر، ومع أنه يعاني من ظروف كبيرة، من محاصرة، من حروب، من استهداف بكل أشكال الاستهداف، إلا أن فاعليته، وثباته، وجدوائيته، ونجاحاته، واضحة لا لُبس فيها، وبالتالي لا مبرر لكل الذين اتجهوا نحو العمالة، نحو الولاء للعدو الإسرائيلي، نحو التنفيذ للمخططات والمؤامرات الأمريكية التي تستهدف الأمة، ولا مبرر- في نفس الوقت- للجامدين لليائسين، للمهزومين نفسياً، للذين جمدوا وخنعوا ويأسوا، لا مبرر لهم، هذه النجاحات واضحة، وآخرها النجاح الكبير للمقاومة الفلسطينية في عملية سيف القدس، نجاحات واضحة، والحجة قائمة على الجميع من أبناء أمتنا؛ لأن هناك مسؤولية دينية ما بيننا وبين الله “سبحانه وتعالى” في أن نتحرك بجدية.
المسؤولية التي يربينا عليها القرآن، هي مسؤولية مهمة، هي تجعل الأمة في موقعٍ متقدم في التصدي للأخطار التي تستهدفها، في مواجهة التحديات، في مواجهة الأعداء الذين يستهدفونها، والذين تشكِّل حالة الاستسلام والجمود والتنصل عن المسؤولية حالةً خطيرةً، تمكِّنهم من الإضرار بهذه الأمة على نحوٍ بليغٍ وخطيرٍ جداً، إن الله “سبحانه وتعالى” قدَّم لنا درساً عجيباً في القرآن في التصدي لخطر أعدائنا من اليهود، أتى في سورة البقرة قول الله “سبحانه وتعالى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: 104-105]، الله “سبحانه وتعالى” في الآية المباركة يأمر المسلمين أن يقاطعوا كلمة (مفردة) من المفردات العربية: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}، وأن يستبدلوها بمفردة أخرى، في مورد استخدامها الذي كانوا يستخدمونها لأجله: {وَقُولُوا انْظُرْنَا}، ثم يؤكد على الالتزام بذلك بشدة: {وَاسْمَعُوا}، ثم بالمزيد من الوعيد والتهديد: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
الأمة التي يريد الله لها أن تكون على أعلى درجة من اليقظة، والوعي، والاستشعار للمسؤولية، والاهتمام بكل خطوة عملية مهمة، في التصدي لمؤامرات الأعداء، عليها أن تستوعب هذه التربية، أن تتفاعل إيجابياً مع هذه التريبة القرآنية، أمر الله المسلمين أن يقاطعوا مفردة لماذا؟ لأن الأعداء كانوا يستغلون استعمال العرب لهذه المفردة، لمصداق معين، العرب كانوا يستخدمونها لمصداق معين، لمعنى معين، فكان اليهود المعادون لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” يستخدمونها لمدلول آخر مسيء، مسيء إلى النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، وهذا المدلول مخفيٌ في أعماق أنفسهم، مخفيٌ في أعماق أنفسهم، ولكنهم يتسترون بالاستخدام من جانب العرب، من جانب المسلمين لتلك المفردة، ولو أنهم يستخدمونها لمدلول آخر، ولأجل هذا الاستخدام الذي استغلوه لمعنى في أنفسهم، ليس ضرره في الساحة ضرراً مباشراً: قتلاً للأمة، أو تدميراً لمقتنياتها، وممتلكاتها، وسيطرةً عليها، لا، إنما معنىً في أعماق أنفسهم، القرآن لا يسمح بأن يستفيد العدو حتى بمجرد معنى في نفسه، فيأتي ليحسم هذه المسألة بشكلٍ صارمٍ وحازمٍ ونهائي، ويلغي استخدام هذه المفردة: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}، ويأتي ببديلٍ لها: {وَقُولُوا انْظُرْنَا}؛ ليرقى بالأمة على ألَّا تسمح لعدوها هذا أن يستفيد في واقعه حتى من ثغرة واحدة، فكيف بمقاطعة البضائع.
كم تدر البضائع الأمريكية والإسرائيلية من أموال هائلة جداً، والعدو ماذا يسعى له اليوم؟ العدو الصهيوني، ومعه الأمريكي، يسعون إلى تجاوز حالة المقاطعة على كل المستويات: إنهاء القطيعة السياسية، من خلال إقامة علاقات رسمية، في المقدمة من الدول العربية، مع ذلك الجانب الاقتصادي، وبقية المجالات، يأتون ليتحدثون، كما فعل آل خليفة في البحرين، وكما فعل الإماراتي، وكما يفعل السعودي، عن علاقات في كل المجالات، حتى على المستوى الثقافي، حتى على المستوى الثقافي، هم يعملون على إنهاء هذه القطيعة؛ لينفذوا من خلال ذلك إلى السيطرة على الأمة في كل مجال من المجالات.
ولذلك نحن في هذه المرحلة أمام هذا الفرز الواضح، علينا أن ندرك أن حقيقة الموقف الذي ينسجم، مع إيماننا، مع قرآننا، مع إسلامنا، مع مصلحتنا كأمةٍ إسلامية، وأيضاً الذي ينسجم مع الواقع، الذي يشهد له الواقع، الذي يثمر في حقيقة الأمر في دفع الخطر عن أمتنا، وفي الموقف الصحيح، في التصدي لخطر الأعداء، وفي المباينة لهذا العدو، وفي المقاطعة لهذا العدو على كل المستويات، وأن تتوسع دائرة هذا الموقف، الذي هو اليوم جليٌ في مستوى محور المقاومة، محور المقاومة بشكلٍ عام، وكل الشعوب الحرة التي تتحرك بشكلٍ واضح، ومن ضمنها شعب البحرين المظلوم والعزيز والثابت، والذي له موقفٌ واضحٌ جداً ضد التطبيع الذي يقوم به آل خليفة، شعب البحرين ليس مع آل خليفة، في خيانتهم للأمة، في خيانتهم للإسلام، شعب البحرين هو يعاني من ظلم آل خليفة الذين يتوددون للعدو الصهيوني، ويوالون العدو الصهيوني، ويظلمون شعبهم، ويعتدون على شعبهم، ويتوجهون بكل قسوة وجبروت، واستعانة بالدعم الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، لظلم شعبهم.
في واقعنا اليوم كأمة، واقعٌ واضح، نحن نؤكد أننا في هذه المسيرة المباركة، أننا كشعبٍ يمنيٍ بهويته الإيمانية، ثابتون على هذا الموقف، على هذا التوجه الصحيح، في مباينة الأعداء، في التصدي للأعداء، في هذا الانسجام والتكامل والتعاون في إطار محور المقاومة، وأننا نسعى مع كل إخوتنا في محور المقاومة، ومع كل أحرار الأمة، إلى تعزيز هذا التكامل، إلى تعزيز وتنسيق الجهود، وتظافر الجهود أكثر فأكثر، والإيجابية واضحة، والجدوائية واضحة، والنجاحات واضحة، وقيمة هذا الموقف وهذا التوجه ملموسة، والانتصارات واضحة، وتراجع وهزائم العدو الإسرائيلي، وفشل الكثير من المؤامرات الأمريكية، أمرٌ ملموسٌ في هذه المرحلة.
شعبنا العزيز وهو يتحرك بالتزامن مع عملية سيف القدس وإلى اليوم في جمع التبرعات للشعب الفلسطيني، بالرغم من الظروف الصعبة جداً التي يعاني منها شعبنا، والتي لأجلها تألم سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله “حفظه الله” وهو يرى هذا الشعب، بالرغم مما يعانيه، هو يدرك حجم معاناة شعبنا اليمني، يقدم التبرعات من أقسى وأصعب الظروف التي يعانيها نتيجةً للعدوان والحصار، والحصار على شعبنا قد يكون ربما أشد حتى من الحصار على الشعب الفلسطيني، إلا أن شعبنا له هذا التوجه، من منطلق هويته الإيمانية، وثباته الصحيح، ومن منطلق رؤيته القرآنية، وهو يتوجه هذا التوجه الجاد، مهما كان حجم المعاناة ومستوى الظروف، ومستوى التحديات، العدوان الذي يستمر على شعبنا، والذي من أول أهدافه: أن يغير موقف هذا الشعب، فشل حتى اليوم في التأثير على هذا الشعب، وبات شعبنا في موقفٍ متقدم، شعبنا سيستمر في كل المسارات، وعلى كل المستويات، وفي كل المجالات، وبكل ما يستطيع، في الثبات على موقفه، في إطار التنسيق مع محور المقاومة، في التصدي للعدو الإسرائيلي، وللمؤامرات الأمريكية، وشعبنا حين هتف بهتاف البراءة، بهتاف الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل، هو يتجه عملياً في التصدي لكل المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، شعبنا معطاء، مهما كانت ظروفه، ومهما كانت أوجاعه، وبحسب ما يستطيع.
كما نحن ثابتون كشعبٍ يمني في التصدي لهذا العدوان، الذي تنفذه أدوات أمريكا وإسرائيل، والتي ظهرت متناغمةً، وظهرت في جبهة واحدة في إعلامها في تنسيقها مع العدو الإسرائيلي والأمريكي.
شعبنا اليوم بكل عزةٍ، بكل إيمانٍ، بكل ثباتٍ، متمسكٌ بحقه في الحرية، والاستقلال، والكرامة، ومتمسكٌ بحق أمته جمعاء، في الحرية، والكرامة، والاستقلال، والخلاص من العدو الأمريكي ومؤامراته، والعدو الإسرائيلي، والمعركة واحدة، يظهر أولئك أصحاب موقف واحد حتى في إعلامهم، وفي ممارساتهم، وفي أهدافهم، ويتضح أيضاً الموقف في السعي للخلاص من المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية بشكلٍ واضح.
نحن في موقفنا الحق ثابتون، ولنا قضية، يأتي الإعلام السعودي ليقول لنا: أنتم تنفذون أجندة إيرانية، قبل ذلك يأتي ليقول لحزب الله: أنت تنفذ أجندة إيرانية، يأتي ليقول لحركات المقاومة في فلسطين: أنتم تنفذون أجندة إيرانية، هذا هو- كما قلنا- منطقٌ إسرائيلي، منطقٌ أمريكي؛ لأنه يصور هذه الأمة أنها حتى عندما تحتل بلدانها، عندما يقتل أبناؤها، عندما تنهب ثرواتها، عندما يصادر استقلالها، عندما تصادر حرية أبنائها، وكأنها ليست صاحب قضية، كأنها لا قضية لها، يحتلون فلسطين، يعتدون على أبنائه، يهددون مقدساته، يقتلون الشعب الفلسطيني كل يوم، يدمرون المنازل كل يوم، يقتلعون أشجار الزيتون والمزارع في فلسطين كل يوم، يفعلون كل التصرفات العدائية بحق الشعب الفلسطيني، ثم يأتي أولئك العملاء ليقدموا الشعب الفلسطيني عندما يتحرك ليواجه من يفعل به كل هذه الجرائم، من يرتكب بحقه كل تلك الجرائم، من يمارس ضده كل تلك الممارسات العدائية، وكأنه لا قضية له، ويحاولوا أن يكبِّلوه ؛ حتى لا يدافع عن نفسه، فإذا دافع عن نفسه، قالوا له: [أنت تنفذ أجندة إيرانية].
يأتون ليعتدوا على بلدنا، ويشنوا حرباً عدوانيةً على بلدنا، بشكلٍ مباشر، بدون أي مبررٍ لهم أبداً، يرتكبون أبشع الجرائم، يرتكبون كذلك كل أشكال الممارسات العدائية، يحاصرون هذا الشعب بأشد أشكال الحصار؛ حتى لا يصل إليه غذاؤه إلا بعناء شديد، لا يصل إليه حتى المواد الغذائية والطبية، وغيرها من الاحتياجات إلا بعناء شديد، لا تصل إليه المشتقات النفطية إلا بعناء شديد، عندما يتحرك هذا الشعب ليدافع عن أرضه، وعرضه، وسيادته، واستقلاله، وكرامته؛ يقولون له: أنت تنفذ أجندة إيرانية، هذه النغمة قد بليت.
الموقف المشرف، الموقف الإنساني، الموقف الشهم، الموقف النبيل للجمهورية الإسلامية في إيران، وهي تقف إلى جانب شعوب أمتنا المظلومة، في لبنان، وفي فلسطين، وفي سوريا، وفي العراق، وفي البحرين، وفي اليمن، وفي غيرها، هو موقفٌ تشكر عليه الجمهورية الإسلامية، هو موقفٌ يدعم مظلومين لهم قضيتهم، لهم مظلوميتهم، هو موقفٌ إنساني، وموقفٌ مسؤول، وموقفٌ أخلاقي، وموقفٌ نبيل، تشكر عليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذه الشعوب هي شعوب مظلومة، لكلٍ منها قضية، لكلٍ منها مظلومية، والأمة فيما بينها معنية بأن تتعاون جميعاً، وأن تتظافر جهودها جميعاً.
إن العيب، وإن العار، وإن الخزي، وإن الخيانة، هي في الولاء للعدو الإسرائيلي، هي في تنفيذ المؤامرات الأمريكية التي تستهدف هذه الأمة، هناك الخزي، هناك العار، هناك الولاء المحرم، هناك العلاقة التي ليست مشروعة، التي تمثل بحد ذاتها خيانةً للإسلام، وخيانةً للأمة، وخيانةً للشعوب، وخيانةً للعروبة يا عرب.
أما من يدافع عن أرضه، عن عرضه، عن نفسه، عن كرامته، عن استقلاله، عن حريته، من هو مظلوم، من هو مستهدف، فهو في الموقف الصحيح، ويشكر لكل من يسانده أنه سانده.
نحن في موقفٍ محق ونحن نتصدى لهذا العدوان، شعبٌ مظلومٌ بكل ما تعنيه الكلمة، ونحن في نفس الوقت منصفون غاية الإنصاف، مطلبنا بسيطٌ جداً، عندما يتجاوب له المعتدون على بلدنا، هم لم يقدموا تنازلات، نحن الذي نريده أن يوقفوا عدوانهم علينا، هم يحاربوننا، ويحتلون مساحةً كبيرةً من بلدنا، ويحاصرون شعبنا بأشد حصار، بأشد حصار، هذا كله يشرف عليه الأمريكي، ويشتغل فيه البريطاني، ومن خلفه الإسرائيلي، هذا كله تتعاون فيه بعض الدول الأوروبية، وينفذه السعودي، والإماراتي، ومن معهم، عدوان واضح على شعب كامل، على بلد كامل، احتلال لمساحة كبيرة من أرضه، ومع ذلك حصار خانق لهذا البلد، ومنع لوصول ما لشعبنا الحق على المستوى الإنساني والقانوني في وصوله إليه، من المواد الغذائية والطبية والإنسانية، والاحتياجات التي يحتاج إليها في شؤون حياته، وأيضاً في حركاته وتنقلات مرضاه وجرحاه ومسافريه، هذا هو الذي نطلبه.
هم دائماً يتحدثون معنا وكأننا نحن من نفتح الحرب، كأننا نحن الذي نعتدي عليهم، ونواجههم، ونحتل بلدانهم، ونمنع وصول الغذاء إليهم، ووصول الدواء إليهم، ووصول المشتقات النفطية إليهم، فيقدمون المبادرات، ويتحدثون على المستوى الإعلامي، أحياناً يتحدث الأمريكي، وأحياناً يتحدث السعودي، ليوجه إلينا النصائح بأن نقبل بالسلام، كأننا في حرب عليهم، وهم في حالة من الدفاع عن أنفسهم، فيطلب منا أن نكف عنهم المساكين.
هم من عليهم أن يتوقفوا، السلام يتحقق بأن يوقفوا عدوانهم على شعبنا، أن ينهوا احتلالهم لبلدنا، أن يكفوا عن حصارهم غير المشروع، الذي يمنعون فيه الدواء والغذاء، ويمنعون فيه المشتقات النفطية، والاحتياجات الإنسانية، من الوصول إلى أبناء شعبنا، إلا بعناءٍ شديد، السلام يتحقق بأن يكفوا عن هذه الممارسات الإجرامية والعدوانية، التي لا مبرر لها.
أنتم تريدون السلام، فالسلام يتحقق بأن توقفوا عدوانكم، وترفعوا حصاركم، نحن شعبٌ معتدىً عليه، ومحاصر، ومحتلة مناطق واسعة من بلده، فهل نحن من نتوقف؟! هل نحن الذين تريدون منا أن نتوقف، في الوقت الذي أنتم تفعلون كل ذلك، تواصلون عدوانكم بكل أشكاله، تواصلون حصاركم بشكلٍ شديد، تواصلون احتلالكم لمساحات واسعة من هذا البلد؟! معنى ذلك: القبول بالاستسلام.
المعتدى عليه، المحاصر، إذا قالوا له: توقف، يعني: توقف عن دفاعك، يعني: استسلم، يعني: استسلم، وهذا ما يجب أن يعيه الجميع من أبناء شعبنا.
أولئك إذا أرادوا سلاماً فالسلام متاح، نحن لا نصر على استمرار الحرب؛ لأن موقفنا في الأساس هو دفاع، منذ بداية العدوان وإلى اليوم نحن ندافع، ندافع عن شعبنا، ندافع عن بلدنا، ندافع عن حقنا في الاستقلال والكرامة والحرية.
فالسلام يتحقق بأن يوقفوا عدوانهم، وأن يرفعوا حصارهم، وأن ينهوا احتلالهم لهذا البلد، ثم تسوّى بقية الملفات: ملف الأسرى، ملف تعويض الأضرار… بقية الملفات.
أما عندما يأتي الأمريكي يقدم مبادرات بعيدة عن كل هذا، لا توقف العدوان، ولا ترفع الحصار، ولا تنهي الاحتلال، أو يأتي السعودي ويقدم نفسه وكأنه وسيط، مع أنه ذو دور أساسي في هذا العدوان، متزعم لهذا العدوان على المستوى التنفيذي، والأمريكي مشرف على هذا العدوان، والبريطاني شريك أساسي في هذا العدوان على شعبنا، فمن يأتي منهم ليتحدث عن السلام، وهو في أشد الحصار لشعبنا، وهو مستمرٌ في العدوان والاحتلال، فهو لا يعني شيئاً غير الاستسلام.
ولذلك طالما استمر العدوان، وطالما استمر الحصار الخانق، الذي لا يستند لا إلى قانون دولي، ولا إلى قرارات مجلس الأمن، وهو إجراء تعسفي ظالم، وهو مصادرة لحق إنساني وقانوني لشعبنا في وصول غذائه، في وصول دوائه، في وصول احتياجاته، في وصول المشتقات النفطية إليه، في حركة المسافرين والمرضى، من يحاصر أشد الحصار، ويستمر في العدوان، ثم يأتي ليقدم مبادرات شكلية، فهو يخادع، وخداعه لن ينطلي علينا.
نحن سنستمر كشعبٍ يمني في التصدي لهذا العدوان، قولوا لشعبنا العزيز، يا شعبنا أنت تعيش المعاناة، أنت تعاني المعاناة الكبيرة لكي تحصل على المشتقات النفطية بعناء شديد، وبأرفع الأسعار، لماذا؟ لأن تحالف العدوان يمنع دخول السفن المرخصة من الأمم المتحدة، التي قد فتشها هو، تحالف العدوان يمنع دخولها إلى ميناء الحديدة لتوصل لك النفط، لتوصل لك المشتقات النفطية، لتوصل لك البنزين والديزل، حتى لا يصل إليك إلا بعناء وتهريب ومشقة بالغة جداً؛ لكي تعاني؛ لأنهم يريدون أن تبقى معانياً، تعاني في الحصول على احتياجاتك، وتعاني بأن تكون هذه الاحتياجات بأرفع الأثمان، وعندما منعوا دخول السفن المحملة بالمشتقات النفطية، والمواد الغذائية والطبية، إلى ميناء الحديدة، هم يفعلون ذلك تعسفاً، سفن تحصل على الترخيص من الأمم المتحدة، تفتش، ثم تمنع لا تدخل، أحياناً يسمحون لبعض السفن بالدخول بعد كم؟ بعد أربعة أشهر، ستة أشهر، عام من الانتظار في عرض البحر؛ وبالتالي تكون تكاليف انتظارها فيما يسمونه بالدمرج، وتكاليف الإيجار بالغة جداً، تضاف على قيمة البضائع، فترتفع الأسعار بشكل كبير، وهم يفعلون لهذا الهدف؛ لأنهم يستهدفونك كشعبٍ يمني، هم يستهدفونك يريدونك أن تتضرر، أن تعاني؛ لأنهم أعداؤك، لأنهم في حربٍ معك.
واجبك يا شعبنا العزيز، ومسؤوليتك يا شعبنا العزيز أن تتصدى لهم، وهم في هذه الحرب الظالمة عليك، أن ترفد دائماً جبهات التصدي لهم، والتصدي لزحوفاتهم، التصدي لهم؛ لكي لا يكملوا احتلال هذا البلد، العمل لإجبارهم على وقف هذا العدوان، ووقف هذا الحصار، أن ترفد تلك الجبهات بالمزيد والمزيد، وبشكلٍ مستمر، من الرجال والمال؛ لأن هذا هو موقفك الذي سيفرض عليهم أن يراجعوا حساباتهم.
نحن لن نألوا جهداً في أن نتصدى لهذا العدوان؛ لأنه عدوانٌ ظالم، يرتكب أبشع الجرائم بحق شعبنا، ولأنه عدوانٌ بأهدافه المشؤومة يسعى لاحتلال بلدنا، والسيطرة علينا كشعبٍ يمني، ولأنه يعذب شعبنا، ويحاصره أشد الحصار، يعاني المريض ليحصل على الدواء، ويعاني من يدير المستشفى في أن يشغل إمكانات المستشفى، فلا يحصل حتى على الديزل إلا بعناء شديد، يعاني أبناءه كل أشكال المعاناة، سنتحرك، ولن نألوا جهداً، وطريق السلام معبَّدٌ، واضحٌ، جاهزٌ، من جانبنا، أوقفوا عدوانكم، وارفعوا حصاركم، وانهوا احتلالكم، لتنتهي المشكلة، إذا فعلتم ذلك ما الذي سيحصل؟ هل هذه تنازلات مجحفة بحقكم؟ هل هي كارثة عليكم؟ هل هي مصيبة عليكم؟ يمكن أن تكون هناك إشكالية بالنسبة لكم، في أنكم فشلتم، وهزمتم، ولم تتمكنوا من تحقيق أهدافكم المشؤومة، والشيطانية، والإجرامية، والعدوانية، على هذا الشعب العزيز.
نحن في هذه المناسبة نؤكد على هذه الحقائق، ونبين حقيقة الموقف، ونقول للجميع: إن الصرخة التي بدأت في القرى النائية، وانطلقت من مدرسة الإمام الهادي عليه السلام، في خميس مران، قد وصل صداها اليوم بعد كل تلك المراحل، بعد كل تلك المؤامرات، بعد كل تلك الحروب والاعتداءات، قد وصل صداها اليوم إلى كل أنحاء العالم، وأصبحت هي اليوم هتاف الأحرار على دبابات الإبرامز، وعربات الهمر، وفي اقتحامات المواقع، وعند إطلاق الصواريخ الباليستية والمجنحة، وفي ميادين الكرامة، وفي ساحات الحضور الجماهيري، وفي المسيرات والمظاهرات، معبرةً بصدق، وناطقةً بحق، عن ثبات موقفنا، في التمسك بحق أمتنا، في الحرية، والكرامة، والاستقلال، وفي التصدي للمستكبرين والطغاة المجرمين.
إنني ثانياً أدعو شعبنا العزيز إلى مواصلة التصدي للعدوان، طالما استمر العدوان والحصار، وأن يرفد الجبهات بالمال والرجال.
إنني في الختام أؤكد أننا جزءٌ لا يتجزأ من معادلة التصدي لاعتداءات العدو، والتهديد للمسجد الأقصى الشريف، والمعادلة التي أعلنها سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في كلمته الأخيرة، في أن يكون التهديد للقدس، يعني: حرباً إقليمية، نؤكد أننا جزء من هذه المعادلة في إطار محور المقاومة، وأننا سنكون- بإذن الله “سبحانه وتعالى” حاضرين، بكل ما نستطيع، وبكل فاعلية، في إطار المحور، وفي إطار هذه المعادلة.
ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛