الهداية من الله بأن تسلك أسبابها حتى تحصل على العلم والحكمة، ومتى كنت محسناً حينئذ قد يكون علمك هدى لك وللآخرين
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
والإحسان دائرة واسعة، يدخل ضمنها الإيثار على النفس حتى أنه في مجال النكتة عندما تحدثنا عن هذا الموضوع قلنا لبعض الشباب ونحن نتحدث معهم: لاحظ متى ما وجدت عندما تقدم المائدة لطلاب علم تقدم لهم لحم مثلا تجد هناك من يحاول أن يَقْضِم أكثر، يضعه في يده ويلتهمه فإن هذا لا يصلح أن يحمل علماً، بل هذا لا يحصل على علم، ليس محسناً، يهمه أمر نفسه فقط، يهمه أمر نفسه! هذا ليس محسناً، المحسن يهتم بالآخرين حتى في أبسط الأشياء.
وقف بديلاً عن ذلك الإسرائيلي المستضعف ليقتل خصمه، أليست هذه قضية كبيرة؟. ووقف بديلاً عن تلك الفتاتين ليسقي لهما، له نفس يتميز بها هي نفس الإنسان المحسن.
لما عاد إلى الظل ماذا قال؟ لم يتأوه أنه أين أصبحت؟ لا أمتلك شيئاً وأنا من كنت في نعيم، وكنت في مقام رفيع، وكنت.. وكنت.. ماذا قال؟ يعبر عن ثقته بالله سبحانه وتعالى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}(القصص: من الآية24) أليس هو هنا يعبر عن أنه في حالة لا يمتلك فيها شيئاً، لكنه ليس في حالة النادم؟ هو في حالة المرتاح لما هو عليه باعتباره موقف صحيح, وحالة من هو مرتبط بالله، يعلم أن ما لدى مولاه هو أكثر مما فاته لدى الآخرين، أن يرتبط بالله هو أفضل وخير له من أن يرتبط بفرعون ومقام فرعون ونعيم فرعون، وثقته العظيمة لا ترتبط بالشكليات أمام عينيه: هناك قصور وهناك نعيم، ثقته بالله – وإن كان في أمس الحاجة إلى أبسط الأشياء – لا تتضعضع {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.
لاحظ كيف انتهى المشوار الذي قد يكون عند الآخرين يعني الضياع والابتلاء والمصائب والمشاكل، فعلاً أدى بموسى ذلك الموقف إلى أن يصل إلى هذه الحالة، لكنه ارتبط بمن لا يضيع أولياءه، ارتبط بالله الذي لا يضيع أولياءه، ألم يصل موسى إلى درجة الصفر؟ {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} يبدأ المشوار التصاعدي الذي يبرهن على أن الله لا يضيع أولياءه من بعد تلك الحادثة {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} (القصص: من الآية25) ما هذا بداية المشوار أن يحصل على الرعاية؟.
{قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}(القصص: من الآية25) انطلق {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ}(القصص: من الآية25) أليس هذا أول نعمة؟ وأول ما حظي به؛ لأنه وثق بالله؟ هل فكر عندما رأى نفسه لا يمتلك شيئاً أن يعود من جديد إلى فرعون ويعتذر مما صنع؟ أم أنه كان في تلك الحالة عظيم الثقة بربه فلم يضيعه الله، فبدأ مشوار الرعاية الإلهية من هنا.
تحقق له الأمن {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(القصص: من الآية25) ثم ماذا؟ زوَّجه بإحدى بناته، وبقي عنده فترة طويلة، ثم بعد ذلك يتوجه إلى مصر بأغنامه, بمواشيه مع زوجته، ثم في الطريق حتى لا يعود إلى مصر إلا وهو في أعلى مقام يمنحه الله سبحانه وتعالى، خرج من المدينة خائفاً يترقب أليس كذلك؟ إنساناً عادياً فليعد نبياً يهدد جبروت وملك ذلك الطاغية، فتأتيه النبوة في الطريق، لماذا لم تأته النبوة وهو في بيت شعيب؟ أو ينتظر الموضوع حتى يصل مصر؟ في الطريق، مشوار تصاعدي نحو الكمال الإلهي والرعاية الإلهية، مصاديق الرعاية الإلهية، الدلائل العظيمة على أن الله لا يضيع أولياءه، تأتيه النبوة في الطريق فيدخل مصر وهو رسول لله، رسول لله واثق من الله، يرى أن غاية تلك الرسالة قد تكون في الأخير هو أن ينتهي ذلك الجبروت وذلك الظلم.
خرج خائفاً فيعود إلى مصر فيدخل قصر فرعون ويطالب فرعون بتوحيد الله وعبادته، ويطالبه أيضاً بتحرير بني إسرائيل {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُم}ْ (طـه: من الآية47).
القضية التي أهمته في البداية هاهو يعود لتحقيقها والمطالبة بها وهو في أرقى مستوى، أليس الله معه هنا؟ {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُم} تأتي مسيرة النبوة في مصر.. وماذا يحصل؟ في الأخير يحكي الله عن تلك المرحلة في تلك الآية العظيمة التي هي عبرة للناس جميعاً {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص:6) يقول هذه قبل بداية القصة {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}(القصص: من الآية7) ثم تكلم عن القصة.
ما الذي حصل؟ ألم ينته جبروت فرعون وهامان على يد موسى؟ ألم ير أولئك المستضعفون فرعون وقومه في أعماق البحر؟. هذه رعاية إلهية تكون لأوليائه، ومثل يضربه الله للسائرين على هديه.
من الذي يحتاج إلى فهم دروس داخل هذه القصة؟ من الذي يحتاج؟ من يبحث عن ما يسمى بحكم شرعي؟. ونحن حتى ننسى مثلا أن هناك واجبات شرعية علينا كطلاب علم كحملة علم أمام الآخرين، ننسى حتى أن نُصنِّفها ضمن قائمة الأحكام الشرعية.
القصة هذه يحتاجها كل إنسان يحمل اسم إيمان، يحمل اسم تقوى، يأخذ منها الدروس العظيمة التي تعزز ثقته بالله من حيث أن الله صادق في وعده, لا يضيع أولياءه، ومن حيث أن الله قادر قاهر، عالم جبار، غالب على أمره.
وهكذا يأتي مثل آخر في نبي الله يوسف (صلوات الله عليه) ونفس الكلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:22) عندما تكون محسناً اللهُ سبحانه وتعالى يرزقك علماً، يرزقك حكمة، إذا لم تكن محسن فما لديك من العلم قد يكون وَبالاً عليك, ووبالاً على المجتمع! كيف؟.
عندما يبرز مثلا مجموعنا أو نصفنا علماء لكننا علماء لا نهتم بشيء سنكون وَبالاً على المجتمع؛ لأن المجتمع نفسه قد يصل به الحال إلى أن يُظلم، ويُضطهد، ويضيع، وتمسخ أخلاقه، وتفسد معتقداته ونحن صامتون. من المسؤولية عليه؟ أليست المسؤولية على من يحمل علماً؟ أليس واقع ذلك المسكين في المدن أو في الأرياف عامّة الناس من قد يضلون من حيث لا يشعرون، قد تفسد عقائدهم، تفسد أخلاقهم، يُظلمون, يضطهدون، وأنت يا من تحمل علماً وترتبط بكتاب الله ليس لديك أي موقف أن تهدي الآخرين، أن تبين للآخرين، أن تتبنى مواقف فيها إحسان إلى أولئك الآخرين.
ألم يَعُد الله سبحانه وتعالى الجهاد إحسانا عظيما عندما قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69) لماذا الجهاد إحسان؟ إحسان إلى من؟ أليس إحساناً إلى الأمة؟ أنت عندما تجاهد، تجاهد من أجل من؟ في سبيل الله والمستضعفين. أنت عندما تجاهد إنك تقدم أفضل وأحسن خدمة للمجتمع، تنقذهم من الظلم، من الفساد، من الضياع، تنقذهم من شرور كثيرة جداً، أليس هذا هو من الإحسان؟ الله يعِد بالهداية للمحسنين.
أنت عندما تكون طالب علم هل تريد أن تهتدي وتهدي الآخرين؟ هل أنت تَنْشُد الهداية من الله؟ أم أنني أرى أن الهداية لها برنامج خاص لا يحتاج إلى أن أسلك هذه الطريقة التي سماها الله سبحانه وتعالى [إحساناً]، أنا لا أحتاج إلى الله, هناك طريقة معينة! الهداية كلها مرتبطة بالله، وقد كررنا هذا الكلام أكثر من مرة؛ لأننا نحن طلاب العلم أحوج الناس إلى أن نعرف هذه القاعدة: أن الهداية يجب أن تنشدها من الله، مع قراءتك مع مطالعاتك، مع طلبك للعلم، يجب أن تنشد الهداية من الله، بأن تسلك أسبابها حتى تحصل على العلم، وتحصل على الحكمة، ومتى ما حصل الإنسان على العلم والحكمة، متى ما كان محسناً حينئذ قد يكون علمه هدى، قد يكون في علمه ما يهدي نفسه ويهدي الآخرين فيكون عنصرا خيراً، يعمل في سبيل الله، وفي سبيل المستضعفين من عباده.
إذا لم يكن لدينا هذا الشعور، أنا أقول إذا لم يكن لدينا هذا الشعور فلا ينبغي أن نطلب العلم..
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
محاضرة مسؤولية طلاب العلوم الدينية
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 9/3/2002م
اليمن – صعدة