الإخلاص لله هو صمام الأمان في ميادين العمل
الإخلاص لله هو صمام الأمان في ميادين العمل أيضاً. إذا انطلق الناس وكلهم مخلصون لله سيخلصون في السر وفي العلن، وفي السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وسيخلص سواء هو أمام فلان أم ليس أمامه، سيخلص في أي عمل يقوم به سواء رآه أحد أم لم يره أحد، سيكونون هم مجموعة يحافظون على توحدهم على أرقى درجات ما يمكن أن يصل إليه الناس في توحدهم، فما يفرق بين الناس إلا هذه المشاعر مشاعر الرياء. [أنا تحركت فلم يقدروا جهودي، هؤلاء لا يصلحوا]. فتذهب من عندهم، والآخر يذهب، والآخرون يذهبون من عندك، وهكذا.
لكن إذا انطلق الناس من أجل الله فما الذي سيفرق بينهم حينئذ؟ سيكونون جميعاً نفسياً مهيئين لأن يقبلوا توجيها واحداً هو هدي الله؛ لأنه ليس في نفوسهم شيء آخر بديل، ليس لدينا مطامع شخصية، ولا مقاصد شخصية، لا مادية ولا معنوية، وبالتالي فما الذي يحول بيني وبين أن أقبل هديا واحدا من جانب الله، أسير عليه أنا والآلاف من زملائي؟
إنما أحيانا لا تسير مجموعة مكونة من عشرة أشخاص إذا كـان داخلها من له رؤى أخرى يعمل على بناء شخصيته -كما يقولون -أن يكون هو مفكرا، أن يكون له حق التفكير، وحق إبداء الرأي، أن يكون هو الذي له حق أن يجتهد، وله حق أن ينظر، وله حق.. وله حق.. إلى آخره. يملأ رأسه بالحقوق الشخصية له، وحينئذ فأي جانب من التوجيهات هي من داخل القرآن الكريم سيعمل على أن يدفعها.
فإذا كان زميله هذا أو ذلك ممن يمكن أن يقبل ذلك التوجيه من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه ليس لهم هناك قائمة للحقوق الشخصية داخل نفوسهم فإنه وهم لن ينسجموا.. بل ستكون حركته في الساحة مختلفة عن حركتهم، وسيعمل على أن يصنع في الساحة نسخا من نوعيته في الناس، وهذا هو نفسه من أهم بواعث التفرق، ذلك التفرق الذي يصبغ كل طرف فيه ما هو عليه بصبغته الدينية فيضفي على تفرقه وخلافه صبغة دينية.
الناس إذا ذابوا في الله سبحانه وتعالى قبلوا جميعا كلمته الواحدة، هديه الواحد.. ألم نقل أمس في المحاضرة إن هناك نموذجا مهما لهذا الجانب هو أنبياء الله على اختلاف أزمنتهم، وأمكنتهم، تلمس فيهم روحية واحدة، وصفا واحـدا، بل يعطون الموثق والشهادة لله، والعهد لله: أنه إن بعث الله محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يقفوا جنودا معه أن ينصروه، أليس هذا هو قمة الذوبان في الله؟ وهم أنبياء مكانتهم عالية.
السيد حسين بدرالدين الحوثي
[في ظلال دعاء مكارم الأخلاق ـ الدرس الأول]