مبدأ الولاية.. معراج للنصر وخلاص من القهر

|| من هدي القرآن ||

النص القرآني مع البلاغ النبوي عن الله -سُبْحَانَه وتَعَالَى- قدَّم مفهوماً وعنواناً اسمه: (الولاية)، {وَلِيُّكُمُ اللَّهُ}، (إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين)، النص القرآني كُلُّ مسلمٍ يقرأ القرآن هو يقرأه: {وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، هذا النص المهم الذي ترتب عليه في النص الآخر قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، ترى مع الأَهميَّة أنَّ هناك جاذبية إلى مدلول ومضمون هذا النص، الأُمَّة فيما تعانيه من تحديات وأخطار، الأُمَّة اليوم التي هي مغلوبة ومقهورة، وتعاني من إذلال أعدائها لها، وهيمنتهم عليها،

وتغلبهم عليها، قدِّم لها في هذا النص مساراً محدّداً من الله، لا هو قول إمام مذهب، ولا قول فقيه أَوْ عالم، ولا قول منظِّرٍ أَوْ مفكر، ولا قولٌ اجتهادي، نصٌ صريح، نصٌ صريح: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، يُفترَضُ بنصٍ كهذا في هذه الأَهميَّة لأُمَّةٍ مقهورةٍ معانيةٍ مستضعفة تكالبت عليها الأُمَم الأُخْرَى: الأمريكان وَالصهاينة والإسْرَائيْليون… وَغيرهم، كُلَّ أولئك الذين تكالبوا على الأُمَّة فأذلوها، وقهروها، وتحكّموا بها، وتدخلوا في كُلِّ شؤونها، وفرضوا عليها إرادتهم وتوجُّهاتهم وسياساتهم وما يريدونه، أمة كهذا يُفترَضُ أن تكونَ متطلعةً إلى النصر، إلى العزة، إلى الغَلَبَة؛ لتكونَ أمةً غالبة متحررة، نص مهم بكل ما للكلمة من معنى مهم، وفي نفس الوقت جذاب.

الإنْسَاُن المستضعفُ المعاني المقهور يتطلع إلى كيف يتحرر، كيف ينتصر، كيف يغلب، كيف يعتز، نص جذاب، ولكن تلحظ مع كُلِّ هذا هناك من الكثير في الوسط الإسْلَامي جفاء تجاه هذا النص، تجاه هذا المبدأ، تجاه هذا الموضوع، جفاء ووحشة، يستوحشون ويتهربون من الجو بكله، من العبارة بكلها من العنوان بكله، أصبح عنوان الولاية- نتيجة للحساسيات المذهبية- عنواناٍ يفر منه الكثير، يستوحش منه الكثير، يا جماعة الله الله هو الذي قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، ثم عندما تأتي إلى هذا النص ليس فيه ما يوحش، ليس فيه ما يدعو للتهرب، ليس فيه ما يقلق، ليس فيه ما ينفر، لكن داء العصبية أخطر داء بليت به الأُمَم.

{وَلِيُّكُمُ اللَّهُ}، هل هذه مشكلة؟ أنتم يا أيها الذين أنتم مؤمنون مسلمون تنتمون إلى الدين الإسْلَامي، تعتبرون القرآن كتابَ الله كتابكم، وتعتبرونه حجةً عليكم ونهجكم، تعتبرون رسول الله محمداً -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله- نبيكم، تعتبرون أنفسَكم ملزمين بما جاء به، برسالته، ومعتزين ومفتخرين بذلك، بحكم هذا الانتماء، بحكم هذا التدين، بحكم هذه الهوية، الله وليكم: وليكم الذي يتولى شؤونكم، يتولى رعايتكم، يتولى هدايتكم، هل تنفتح الأُمَّة على أن تتأمل ما معنى {وَلِيُّكُمُ} حتى تأتيَ إلى الخطوة المهمة جدًّا: التفاعل العملي مع مبدأ الولاية، التي يترتب عليه تغيير واقع الأُمَّة بكله، من أمة مغلوبة إلى غالبة، من أمة مقهورة إلى قاهرة، من أمة تنتصر على أعدائها ويتغير واقعها نحو الأفضل بشكلٍ جذري،

ما هناك انفتاح على المسألة، الوحشة نتيجة العصبيات المذهبية صنعت حاجزاً كبيراً دون الالتفات إلى هذا المفهوم، وإلَّا لو هناك التفات إليه لكان له تأثيرٌ كبيرٌ في واقع الأُمَّة؛ لأن الله هو الذي قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ}، ولاية الله -سُبْحَانَه وتَعَالَى- هي ولاية الإله، ولاية الله الذي نعبده، ولاية الألوهية كإله لنا، ولاية الربوبية كرب لنا نؤمن به، نعبده، نخضع له، نطيعه، نثق به، نتوكل عليه، نذعن لأمره، نعتمد عليه، نستهديه، ولاية هداية، هو الهادي الذي يهدينا، يأمرنا، يوجّهنا، يبصّرنا، يعلّمنا، يقدم لنا ويرسم لنا معالم الصراط المستقيم وطريق الفوز والنجاح والفلاح والعزة والخير،

يدلنا على كُلِّ الخير، على المصلحة، على الخلاص، على الحلول لمشاكل حياتنا، يرعانا في كُلِّ شأننا، ينصرنا في مواجهة أعدائنا، فولاية الله ولاية الألوهية، ولاية الربوبية، ولاية الهداية، ولاية المعونة… وهكذا ولايةٌ شاملة، ولاية الرب على المربوبين، ولاية الإله على العبيد العابدين له الراجعين إليه، وهي ولاية الملك، هو ملك الناس، رب الناس وملك الناس وإله الناس، ولاية الملك الذي له الحق في التصرف في مملكته في عباده: يأمر، ينهى، يشرِّع، يقنن، يفرض، يحلل، يحرم؛ لأن هذا العالم بكله مملكته، الناس والعباد مخلوقاته، والرب ليس فضولياً يريد أن يفرض نفسه على الجميع، وأن يتدخل في شؤونهم، الجميع عباده وعبيده ومملوكاته ومخلوقاته، والجميع مربوين له، هو الرب، والإله، والملك، والمالك، والخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، والمبدع، والمعيد… إلى غير ذلك، وهذا هو جوهر الإسْلَام، جوهر رسالة الله -سُبْحَانَه وتَعَالَى- إلى العباد.

ولاية الله رحمة للبشرية

 

وولاية الله هي ولاية رحمة، هو يرحم عباده، يتولاهم برعايته، وحتى توجيهاته، حتى تعليماته من منطلق رحمته بهم، فيما فيه الخير لهم، يريد لهم العزة، يمنحهم حتى من عزته {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، يمنحهم الحكمة، يريد لهم الكرامة {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[الإسراء: من الآية70]، يريد لهم الخير، يريد لهم أن يكونوا أحراراً، وكل الأنبياء الذين أرسلهم كان من مهامهم الرئيسية تحرير الناس من العبودية للطواغيت؛ لأن الإنْسَان بين حالة من حالتين: إما أن يكون عبداً لله، أَوْ عبداً للطواغيت.

ثم ولاية الله -سُبْحَانَه وتَعَالَى- التي فيها كُلّ هذا الارتباط الشامل: ترتبط بربك الله من كُلِّ واقع حياتك، في كُلّ شأنك، في كُلّ أمرك، في كُلّ واقعك، في كُلّ ظروفك، في مسير حياتك بكلها.

ولاية الرسول امتداد لولاية الله

 

تأتي ولاية الرسول امتداداً لولاية الله، ولهذا لم يقل مثلاً: [إنما وليكم الله ووليكم رسوله ووليكم الذين آمنوا] |لا| عبارة واحدة {وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ}، والرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله- ولايته من موقعه في الرسالة كرسول ولي في رسالته، يبلغ رسالة الله، يريبنا، يعلمنا، يهذبنا، يزكينا، يقيم علينا حجة الله -سُبْحَانَه وتَعَالَى-، له علينا حق الأمر والنهي؛ لأنه لا يأمر إلَّا بأمر الله، ولا ينهي إلَّا بنهي الله، وله علينا أن نعظِّمه، أن ندرك فيه عظمة الرسالة، عظمة قيم الرسالة، عظمة مبادئ الرسالة التي جسدها في واقعه وفي حياته، وكان عظيماً بها، وعظيماً بمكانته عند الله -سبحانه وتعالى-، نجلُّه، نحبه، وشيءٌ طبيعي أن تحب رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله-، أن تحب كُلَّ تلك القيم التي كانت متجسدةً فيه ومتمثلة به وفيه وفي حياته على أسمى ما يكون في واقع بشر.

الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله- ولي طاعته من طاعة الله {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء: من الآية80]، لنا هذا الارتباط به: معلماً، قائداً، هادياً، آمراً، موجِّهاً، مربياً، مزكياً، أسوهً، قدوةً، وأن يتحقق هذا الارتباط حقيقةً.

 ولاية الإمام علي امتداد لولاية الرسول

 

ثم يأتي امتداداً لولاية الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله- لأن منهج الله ممتد لا ينقطع فيتوقف عند الرسول -صلوات الله وعلى آله- وانتهت مهمة الرسالة، مهمة الدين، مهمة التعليمات الإلهية، وأعلن نهايتها، ليست من المنتجات التي لها تاريخ انتهاء بعد عام أو عامين (فول، أَوْ بازاليا… أَوْ ما شاكل). |لا| هذه رسالة ممتدة إلى قيام الساعة.

{وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، واتفق المفسِّرون أنَّ المقصود بهذه الأوصاف، والمقدَّم بهذه المؤهلات الإلهية: هو الإمام عليٌّ -عليه السلام- في حادثة اعطائه وتصدقه بالخاتم في ركوعه، التي كان لها دلالة مهمة ومعبِّرة جدًّا.

على كُلٍ الخطاب للمؤمنين، وأكيد أن هناك طرفاً آخر، المؤمنون مخاطبون بأن يتولوه، بأن يدركوا ولايته أنها امتداد لولاية الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله-، وإلَّا لو افترضنا أن المعني هؤلاء المؤمنون فمن المخاطب بتولي هؤلاء المؤمنين، ثم يأتي بعد ذلك ليقول {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، لماذا؟ التولي ليس مجرد انتماء مذهبي، ولا كلام يتكلم به الإنْسَان وانتهي الأمر. |لا| التولي ارتباط عملي، ارتباط سلوكي، التزام مبدئي وأخلاقي، هذا هو التولي، التولي سيرٌ في الطريق، التولي تحركٌ في الصراط المستقيم، التولي التزامٌ بالرسالة الإلهية في مضامينها، في مبادئها، في قيمها، في أخلاقها، هذا هو التولي،

وهنا ندرك في هذا السياق أَيْضاً أنَّ الإمام علياً -عليه السلام- دوره مهمٌ في الأُمَّة؛ لأن مرحلة ما بعد الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله- بالتأكيد لا يمكن- وهذا هو الذي حدث بعد كُلِّ الأنبياء- إلَّا أن تكون مرحلة حسَّاسة بكل ما تعنيه الكلمة، وهذا حدث بعد كُلِّ الأنبياء والرسل السابقين، عادةً مرحلة ما بعد النبي ما بعد الرسول تكون مرحلة حسَّاسة جدًّا، في كثير من تجارب البشرية بعد الكثير من الأنبياء والرسل كان يحصل فيها اختلافات، تباينات واضطراب، وتعدد في الاتجاهات، في المفاهيم، في النقل… في غير ذلك، الله هو يعلم أنَّ واقع هذه الأُمَّة بعد نبيها لن يكون مختلفاً عن سائر الأُمَم، هو حكى في سورة البقرة

عندما قال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا}[البقرة: من الآية253]، الأُمَم عادةً عندما يحدث فراغ كبير في واقعها، ليس فقط بعد الأنبياء، حتى بعد أي زعامة رئيسية مهمة جدًّا بنت أمةً يحصل في الأُمَم اختلافات، تباينات، اتجاهات متعددة متنوعة، ولكن للدين الإسْلَامي للرسالة الإلهية خصوصية، ليست واقعاً عادياً وما هناك مشكلة، فلتختلف عليها الأُمَّة، فلتتباين فيها الأُمَّة، فلتتناقض فيها الأُمَّة، فلتضطرب فيها الأُمَّة. |لا| فلتضِع جهود الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله- التي بذلها بشكلٍ كبير، فليفرَّغ هذا الدين من مضامينه الرئيسية، مبادئه القيِّمة. |لا| هناك حساسية كبيرة، فكان لا بدَّ من أن يكون هناك امتداد للنهج الإلهي وإن لم يكن في موقع النبوة.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن الكريم

 

ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

 

بمناسبة يوم الولاية 1437هـ

قد يعجبك ايضا