أهمية الفهم الصحيح لقيمة تسخير النعم

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

من خلال تفكرنا ودراستنا للأشياء وإبداعنا فيها واختراعنا وتصنيعنا.. أليس سيظهر الكثير من الأشياء التي تشهد بعظمة حكمة الله، وسعة علمه ولطفه ورحمته وتدبيره لشئون خلقه وعلمه بالغيب والشهادة وعلمه بالسر في السموات والأرض؟ سيترافق الشيئان.

وهذا هو ما يمكن أن نقول فعلاً: أن القرآن الكريم عمل على أن يدفع بالمسلمين نحو أن يسبقوا الأمم الأخرى في مجال الإبداع والاختراع والتصنيع من منطلق عقائدي, ودافع عقائدي قبل دافع الحاجة التي انطلق على أساسها الغربيون، الحاجة والفضول هذا شيء، لكن القرآن أراد أن ننطلق في ما نفهم, أن ننطلق باعتبار هذا عبادة، بدافع عبادي (تفكروا) (يتفكرون). والتفكر ما هو؟ دراسة الأشياء، فهمها، متى ما فهمنا هذه العناصر في هذه الأرض فبطابع الفضول الموجود لدى الإنسان سنحاول أن نجرب كيف سيكون إذا أضفنا هذا إلى هذا، بعد أن عرفنا طبيعة هذا العنصر وطبيعة هذا العنصر، كيف إذا أضفنا هذا إلى هذا بنسب معينة زائد نسبة من هذا ماذا سيحصل؟ قد يحصل كذا فتأتي التجارب.

بل سعة حياة الإنسان وسعة حاجاته أيضاً ستعمل الحاجة ستضيف أيضاً أثرها في الموضوع فيتجلى الكثير من الأشياء التي تفيد في المجالين: تفيد في معرفتنا بالله سبحانه وتعالى معرفة متجددة واسعة، فنحن في كل فترة في كل لحظة يتجلى على أيدينا شواهد كثيرة جداً جداً تعمق في أنفسنا المعرفة الواسعة بحكمة الله وعلمه وأولوهيته وتدبيره ووحدانيته وكماله فنزداد خشية ونزداد معرفة فيما ننتج في واقع الحياة.

فما الذي سيحصل؟ ستعمر الحياة حينئذٍ على أرقى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان، وفي المجال الذي يخدم الإنسان حقيقة, تعمر بالصلاح النفوس وهي تزداد خشية من الله، وهي تعمق فيها معرفته من خلال ما تكتشفه حيناً بعد حين وهي تنطلق بعد قوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} برجال يتفكرون، عبارة (قوم) هنا تعطي معنى لمن هم جديرون، لمن هم رجال يتفكرون, وليس للناس الذين ينصرفون ببساطة عن هذه الأشياء فيرون هذه الآيات لا قيمة لها، فتعمر النفوس بالصلاح والتقوى ثم تعمر الحياة؛ لأن نفس الإنسان هي الأساس في أن يتجه عمله في واقع الحياة بالشكل الذي يكون صلاحاً، بالشكل الذي يكون عمارة للحياة، بما يصلح الحياة هذه على أسس صلاح.

حتى في مجال البيئة ربما كان باستطاعة المسلمين أن يتوصلوا إلى أكثر مما توصل إليه الغربيون فينتجوا الأشياء الكثيرة التي هي نفسها لا تؤثر على البيئة، أو لو كان فيها ما يؤثر على البيئة لدفعهم تقواهم وصلاحهم وخشيتهم من الله إلى أن يحترموا هذا الإنسان فيحاولوا أن يعدلوا إلى المواد الأخرى التي هي أكبر حفاظاً على سلامة البيئة وإن كانت التي تلوث البيئة أقل تكلفة؛ لأنه هنا سيقال إنني في مقام مسئولية لا أريد أن أضر بعباد الله.

ولكن ما الذي حصل على أيدي الغربيين؟ أليسوا هم من لوثوا البيئة؟ أليسوا هم من يحدثنا بأن البيئة قد تلوثت بشكل رهيب على أيدي من؟ على أيديهم هم؛ لأنهم انطلقوا عندما هم اخترعوا فسبقونا سبقونا فأصبحوا هم القوم الذين يتفكرون, لكن نفوسهم لم تكن صالحة، فما الذي حصل؟ لوثوا البيئة، ولم يرعوا حرمة الإنسان، ولم يحافظوا على سلامة الإنسان، المهم هو أن ينتج بأقل تكلفة فتأتي النفايات النووية وتأتي نفايات أخرى كثيرة جداً فيتحدثون عنها وهي تهدد العالم.. لكن ماذا كان سيحصل لو أن من بأيديهم هذه الأشياء هذه الآليات ومن هم سادة الإنتاج لو كانوا مؤمنين لكانوا يراعون سلامة الإنسان والحفاظ على البيئة فيعدلون إلى الأشياء التي فيها سلامة البيئة وإن كانت أكثر تكلفة.

تجد الله سبحانه وتعالى كيف أنه فيما خلقه وفيما صنعه كيف كانت سنن هذه الحياة كلها قائمة على الحفاظ على البيئة.. ترى مثلاً مخلفات الحيوانات أليست هي مما يساعد على تخصيب التربة؟ تتلاشى تلقائياً ثم تتحول من جديد إلى فوائد للتربة، لكن حاول أن تغير زيت سيارة عند مزرعة ما الذي سيحصل؟ تسكب هناك الزيوت أليست نفايات السيارات ستترك أثرها فتحرق المزرعة وتتلفها؟ لأن المؤمنين حينها سينطلقون ليتخلقوا بأخلاق الله سبحانه وتعالى فيكونون حريصين على أن يحافظوا على البيئة فهم من كان سيعمر الحياة ويعمر النفوس ويتجلى على أيديهم المعرفة الواسعة لله تعالى، فما الذي حصل؟

عندما أصبح الإنتاج بأيدي الآخرين وكان الآخرون هم المبدعون وهم المخترعون وهم من طوروا علوم الصناعات وطوروا الصناعات وغيرها، ما الذي حصل؟ جاء اليهود ليستخدموا الثورة الصناعية فاستغلوها في الجانب الثقافي أن يقدموا للمسلمين بأن عليكم أن تتخلوا عن دينكم حتى تكونوا كمثلنا فتلحقوا بركابنا، استغلوها أيضاً في الجانب الاقتصادي فملأوا الدنيا ربا، استغلوا الاقتصاد السياسي في الهيمنة على الشعوب واستنزاف ثرواتها.

أليس اليهود هم الذين استفادوا من الثورة الصناعية؟ أليسوا هم من مسخ وجه العالم؟ لو كان المؤمنون هم من سبقوا لقُدِّم العالم بشكل آخر، لكن مشكلتهم أنهم تخلّوا عن أول رجل بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يقول: ((إن هاهنا لعلماً جماً لو أجد له حملة)) من كان يقول: ((علمني رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ألف باب من العلم كل باب يفتح ألف باب)) من كان يقول: ((سلوني قبل أن تفقدوني)) وتولوا آخرين؛ لأن ذاك يتركع ألف سجدة، أو لأنه يقرأ القرآن في سجدة، أو أنه اشترى للنبي جملا وهو يهاجر، أو عبارات من هذه.

وهل هذا هو ما كان يهم النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ هو مراعاة للجَمَل الذي شراه أبو بكر أن يقلده قيادة الأمة هذه؟ وهي هذه الأمة التي أراد القرآن أن تكون على هذا النحو، ما هو العلم الذي يحمله حتى يمكن أن يكون جديراً بقيادة الأمة؟

الأمة ضاعت من أول يوم بعد موت الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وهكذا تعززت عوامل الضياع، تعززت على طريق ما قدمه الآخرون لنا من ثقافات مغلوطة تحول الآيات القرآنية إلى غير المجال أو تحول توجهنا نحن من خلال تأويل الآيات القرآنية إلى غير ما يراد منا في واقع الحياة.

لو كانت المسألة هي فقط أن نعرف الخلاصة التي قالوا من أجلها عرفنا من خلال المحدثات أن هناك محدثا وأن هناك صانعا، لو انطلقنا هذا المنطلق لكان يكفي الناس واحد من ألف أو اقل من هذه النسبة مما في هذا العالم من أصناف؛ لأن شجرة واحدة ممكن أن تقوم بهذه المهمة، شجرة واحدة محدثة أليس لها محدث؟ طيب هذه الشجرة نراها ورقها وسيقانها وزهورها وثمرها محكمة، أليست تدل على أن هناك قادرا وحكيما؟ تقضي على أن فاعلها عالم، وتدل على أنه حي؟ شجرة واحدة أمكن أن تقوم بالمهمة التي انشغل حولها [المعتزلة] والأصناف الهائلة هذه هل كلها من أجل تحصيل العقائد الصحيحة كما يقولون على النحو الذي قدموه لنا، الذي كان يكفي لها شجرة واحدة أو نعجة واحدة أو حيوان واحد من أي صنف كان.

والله سبحانه وتعالى يقول: {الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} (الجاثـية: من الآية12) من هم سادة البحار الآن؟ اليهود والنصارى.. أليس كذلك؟ متى ما أردنا أن نشتري غواصة منهم بكم تكلف؟ ملايين، مئات الملايين، وقيمتها المادية قد لا تكون بعشر ثمنها، قيمة التكلفة.

{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} (النحل: من الآية14) أصبحنا فعلاً في هذا العالم [متعلقين] نركب معهم في البحار، نركب معهم في البر، متعلقين مثل الأطفال إذا أنت ماشي في الخط جاء واحد يتعلق في السيارة حقك أليس كذلك؟ نحن الآن المسلمون عبارة عن ركَّاب فقط، نركب مع اليابانيين مع الكوريين نركب مع الأمريكيين مع البريطانيين ومع الفرنسيين والإيطاليين وهكذا.. ركاب متعلقين في البر والبحر وفي الجو أيضاً.

{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}(لقمان: من الآية20) ولاحظ ربما، هم قالوا فيما يتعلق بصناعة الطائرات كانت الطيور مما يوحي بالفكرة حتى فيما يتعلق بالنسر عندما يفتح أطراف ريشه الكبيرة عندما يكون متجهاً إلى الهبوط، الطائرة هكذا تعمل تفتح فتحات في الأجنحة تساعد على دخول الهواء حتى تساعد على الهبوط.

كنا نحن العرب عندما نشاهد النسور وهي تنـزل همُّ الواحد منا أن يقول: هذا لي، وآخر يقول: ذلك له، وننظر من الذي سيغلب الآخر عندما [يتناقرون]، أم أن الطيور لم تأت إلا من بعد ما جاء الغربيون! بل الطيور من زمان.

{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} تجارة، من هم سادة التجارة الآن؟ أليسوا هم الغربيون؟ {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: من الآية185) فعلاً لو كان المؤمنون هم من انطلقوا فأصبحوا سادة هذه الأشياء، هم بإيمانهم سيزدادون خشية، ثم يكونون أكثر شكراً لله، فتكون هي من بواعث الشكر، إذاً فنعرف الزهد الذي يعني ترك هذه في البر والبحر، الزهد الذي يعطل هذه الأشياء التي تعتبر مهمة في خلق مشاعر داخلية في نفس الإنسان، هي شكر لله سبحانه وتعالى، وإجلال وتعظيم لله، هل يمكن أن يكون هذا الزهد الذي يقدم هو من دين الله؟ وهو هنا يقول: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} غاية من غاياتها أنها يمكن أن تشكل عاملاً مهماً جداً في مجال خلق مشاعر شكر وإجلال وتعظيم من قبلنا نحو الله سبحانه وتعالى.

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}(الجاثـية: من الآية 13) من أجل ماذا؟ أن ننظر لنعرف من خلالها كيف نصدر حكماً ونسميه عقائد! عقائد هي بمثابة مقدمات منطقية ينتج عنها إصدار أحكام فقط؟!.

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إذا تأمل الإنسان سيرى ما أكثر الأصناف، أصناف النباتات، أصناف الحيوانات، أصناف التربة، أصناف الصخور، أصناف متعددة من كل جنس متعدد، أصناف المعادن سخرها. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الجاثـية: من الآية13) فهي تهديه إلى كيف ينتج، وكيف يصنع، وهي تهديه إلى كيف يزداد خشية من الله, ومعرفة تزيده خشية من الله فينطلق إنساناً صالحاً شاكراً يعمر الحياة على أرقى ما يمكن أن تصل إليه بالصلاح، وعلى أساس التقوى والشكر والعبادة لله سبحانه وتعالى.

ثم لاحظ القوم الذين تفكروا ألم يكتشفوا أن في أعماق الأرض وعلى بعد مئات الأمتار ما حرك العالم كله، ما حرك ظاهر العالم كله وهو البترول؟ الله قال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وما في الأرض, فما كان هناك حتى في أعماق الأرض هو مسخر للإنسان.

ولاحظ إذا اكتشفنا فعلاً بأن هناك في أعماق الأرض وعلى بعد مئات الأمتار ما أكد القرآن بأنه مسخر لنا، هل معنى مسخر لنا على النحو الذي يقول الآخرون؛ لنعرف من خلاله عندما نشاهده عقيدة صحيحة, نعرف الله سبحانه وتعالى؟ أليس في باطن الأرض مئات السنين آلاف السنين وهو ما يزال في باطن الأرض؟ فما معنى تسخيره للإنسان؟ وما معنى أن يسخر له؟ إلا ليتفكر؛ ليتفكر فيصل إليه وعندما يصل إليه ترى كيف سيصنع الحياة فيحرك ظاهر العالم، ما الذي حرك ظاهر العالم؟ ما الذي حرك المصانع وحرك الآليات؟ أليس هو البترول؟ البترول أليس في أعماق الأرض؟.

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} نحن نفهم قيمة التسخير أنه فعلاً بنظرة واحدة الشمس سخرها لنا من أجل أن نتدفأ فيها، من أجل أن لا يكون هناك برد، هذه واحدة مما تعطيه الشمس، الماء نشربه، ونقول: لك الحمد يا الله، ثم نفهم أن كل شيء هو على هذا النحو، نعرف من خلاله ما يفيدنا تلقائياً، فكأنه هذا كل ما يعطيه، هو ما يمكن أن نستفيده منه استفادة أولية.. لكن لماذا لا نفهم من قوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أليست [في] تعني ما كان في ظاهرها وفي باطنها؟ أن التفكر هو يرشد إلى أن الإنسان المؤمن مطلوب منه اعتقادياً ودينياً أن ينطلق في أعماق هذا الكون، وهو يتفكر وسيصل إلى أعماق الكون وبعد مئات الأمتار وسيرى أن هناك شيئا مسخر له.

مسخر له لماذا؟ ليعرف من خلاله أنه محدَث وأن له محدِثاً؟ هذا ستعرفه من شجرة واحدة.. هذا ما قدم لنا بأن كل ما في الدنيا هذه هو عبارة فقط عن أدلة على الله سبحانه وتعالى على هذا النحو الضيق الذي قدمه أصحاب علم الكلام على هذا النحو الضيق، فعلاً كل شيء مظهر من مظاهر قدرة الله وحكمة الله وعلمه ولطفه ورحمته ورعايته وتكريمه للإنسان، لكن لينطلق الإنسان.

فنحن عندما لم نتفكر جهلنا كل شيء، ثم رأينا من تفكروا كيف غاصوا إلى أعماق الكون، وكيف حركوا ظاهره، كيف حركوا المصانع، وحركوا المركبات، وأصبحنا نحن من تنزل القرآن علينا وبلغتنا متعلقين معهم فقط، ركاب في البر والبحر وفي الجو. ألسنا في جهالة؟

لنعرف من خلال هذا كيف يمكن أن يكون الأثر السيئ للأخطاء الثقافية، وقد تضرب أمة بأكملها وتجعلها تحت الأقدام وهي أمة كان يراد لها أن تكون فوق هامات العالم {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران: من الآية110) لكن هذا الشيء الذي يؤسف الإنسان فعلاً يؤسف الإنسان فعلاً. نحن ضربنا على أيدي من حملوا اسم علم، ضربنا نحن على أيدي المعتزلة والأشعرية وأضرابهم.

والمعتزلة هم من كانوا يرون أنفسهم علماء أجلاء إلى درجة أنهم ـ كما يحكي الشرفي في شرح الأساس ـ أنهم كان البعض منهم يسخرون بأئمة أهل البيت فينظرون إليهم نظرة بأنهم بسطاء وتفكيرهم بسيط ومتخلفين ثقافياً، يرون أنفسهم هناك مثقفين ثقافة رفيعة.. هذه آثار ثقافتهم، آثار ثقافتهم المغلوطة.. المعتزلة، الأشعرية، العقائد الباطلة من هنا وهناك، وعندما ساد الناس أيضاً حكام جاهلون، همه أن يبحث عن العالم الذي يدجِّن المجتمع له دينياً، فيتوارث خليفة بعد خليفة، وملك بعد ملك، ورئيس بعد رئيس، على أكتاف هذه الأمة وهي تعيش في ظلام الجهل والتخلف.

ثم المأساة تأتي في الأخير أن نأتي نحن نتنكر لديننا فنعتقد أنه هو المسئول، ثم نكون ضحية لتضليل اليهود نقبل قولهم: أن الدين هو الذي ضربنا، ألم تكن كثير من البلدان الإسلامية دخلت إليها الاشتراكية تكفر بالله؟ وقيل لها بأن الدين هو تخلف، وأن الدين هو [أفيون الشعوب]، ألم يصبح كثير في أوساط المسلمين علمانيين؟ كثير من المسلمين علمانيين نتنكر للدين بكله ولا شأن للدين بالحياة.

نظرة صحيحة عندما ننظر إلى الدين على أساس ما قدمه إليه الآخرون من العلماء، العلماء الذين اعتبرهم علماء المسلمين قدموا الإسلام على هذا النحو فعلاً هذا التقديم يخلق هذه النظرة أن هذا الدين لا يصلح لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا ثقافياً، وأنه يحول بين الأمة وبين أن تنهض فعلاً على قدميها، وبين أن تصبح أمة قادرة على أن تبدع، وتخترع وتنتج، لكن ظلمنا الدين نفسه؛ ولهذا كان الإمام الخميني يقول: إن الثقلين ظلما، قال: الأمة ظلمت الثقلين: يعني القرآن والعترة.

ظلموهم من أول الزمان، من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وعلى طول التاريخ، وظلموهم في هذا الزمن أن تنكروا لهم وأصبح الحديث عن العودة إليهم تخلفاً.. لا.. نقول: أولئك الحكام الذين حكموا الأمة على طول تاريخهم هم المتخلفون، هم الذين أورثوها التخلف، أولئك العلماء الجهلة الكثير منهم ممن حرفوا ثقافة الأمة من حيث يشعرون أو لا يشعرون هم من ضرب الأمة، هم من ظلم الأمة، هم من جهّل الأمة، وليس فقط الثقلين: القرآن والعترة.

بل نحن الزيدية من نتمسك بأهل البيت، أهل البيت أنفسهم هم من عانوا من هذا، كما يقول علي عبد الله: نحن عانينا من الإرهاب. نحن عانينا أيضاً من الأخطاء الثقافية التي جاءتنا من قبل السنية، من قبل المعتزلة، من قبل الطوائف الأخرى، عانينا ممن تأثروا في داخلنا بهم فعلاً، فأصبحنا نحن شركاء في ظلم الثقلين: الكتاب والعترة، فأصبحنا كلنا قوم لا نتفكر إلا حيث لا يطلب منا أن نتفكر على النحو الذي نفهم معنى التفكر والنظر، سلطنا التفكر والنظر في مجال معرفة الله على النحو القاصر ـ كما كررت ـ وفي مجال التشريع، أو في مجال الهداية الكاملة وهي التي قد تكفل الله بها {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الجاثـية: من الآية13) فيقول لك: هذه الآية تدل على وجوب النظر. فأصبح النظر واجباً عقلاً وشرعاً على النحو الذي يقدمونه هم.

نعود إلى أصل الموضوع.. كملاحظة أو إضافة على الموضوع: ساعد على هذا أننا لم نجعل الحديث عن نعم الله سبحانه وتعالى من القواعد المهمة في تحقيق معرفته داخل كتبنا التي نسميها كتب أصول الدين، هذه واحدة.

الشيء الثاني: نظرنا إلى الحياة، إلى الدنيا عن طريق أصحاب كتب الترغيب والترهيب ومعظمهم أيضاً من السنية، نظرنا إلى الدنيا هذه بكلها، هذه الدنيا التي يتحدث الله عنها، ويذكر بأنها نعمة عظيمة علينا بأنها لا تساوي جناح بعوضة، وأنها ليست بشيء، وعلى الإنسان أن ينصرف عنها، وإذا كان سيطلبها فليطلب فقط القوت الضروري منها, والكفاية فقط منها وينطلق، يتركها الناس، يرفضها الناس، هذا هو التدين.

عزز الفكرة مرشدون داخل مساجدنا يسيرون في هذا الاتجاه، وكتّاب وهم يكتبون في أشرف علومنا يسيرون في هذا الاتجاه، ومفسرون أيضاً يسيرون في هذا الاتجاه، وهكذا تراكمت الأشياء فأصبحنا نحن أبناء هذا العصر الضحية، وليس فقط هذا الجيل بل أجيال نحو ما لا يقل عن أربعمائة سنة، اعتبرها أربعمائة سنة على أقل تقدير هي الحالة التي ظهرت فيها النتائج السيئة لكل الأشياء التي سبقت.

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً}(غافر: من الآية61) الله الذي يستعطفنا بما يحدثنا به من نعمه، والتي يذكرنا بقيمة نعمه. كيف يتمنن علينا بما لا قيمة له عنده؟! إذا كانت الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة إذاً فلا قيمة لما يتمنن به علينا، إذا كان يعطي ما لا قيمة له عنده, ما لا قيمة له لديه، ولا نعني بالقيمة أنها مسألة حاجة وفعلاً هو ليس محتاجاً لكن الحكيم ينظر إلى الأشياء المهمة ذات قيمة فيما تعطيه، فإذا كانت هذه الأشياء كلها لا قيمة لها لديه فلا حاجة لشكرها، ولا حاجة للتمنن بها علينا، لماذا يتمنن علينا بما لا قيمة لها عنده؟.

لها قيمة{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}(الفرقان: من الآية2) وهذه الآية تتحدث عن أهمية ما أعطى, عن أن نتذكر فضل وعظم ما أعطى، وما أسبغ من هذه النعم {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} (غافر:61) {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (غافر:62)

لاحظ كيف يربط بين الحديث عن نعمه وبين وحدانيته, وبين توحيده وعبادته {كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر: 63 – 65). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى أن نكون ممن يشكر نعمه، وممن يرعى نعمه، وممن يتفكر في ما سخره في هذا العالم لعباده، وأن يهدينا إلى معرفته التي تملأ قلوبنا حباً له، وخشية منه وإجلالاً له، وعظمة له، إنه على كل شيء قدير.

 

والسلام عليكم ورحمة الله،،،

 

[ الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام].

دروس من هدي القرآن

معرفة الله – نعم الله – الدرس الثاني

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ 19/1/2002

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا