الدرس الأفغاني لأصحاب الرهانات على أمريكا

|| صحافة ||

رغم رفض المتحدث باسم وزارة الحرب الأميركية جون كيربي، المقارنة بين الصورة التي سيعكسها رحيل الدبلوماسيين الأميركيين من أفغانستان تحت الحماية العسكرية مع سقوط سايغون، ومحاولته التأكيد على الاختلاف مع الانسحاب المذل في فيتنام في العام 1975، إلا أن الصورة فرضت نفسها بتفاصيل كثيرة، على رأسها التزاحم حول طائرات الإجلاء وتخلي أمريكا عن حلفائها وتركهم  لمصائرهم.

ويبدو أن المتحدث الأمريكي كان يحمل نوعا من المصداقية في كلامه، حيث كان المشهد أكثر خزيا ونذالة من المشهد الفيتنامي، ولم نر عمليات “ان او اي” والتي هي في المصطلحات العسكرية الأميركية، تعد عمليات لإجلاء غير المقاتلين، وكانت أشهر مهمة لها، هي  عملية “الرياح المتكررة” التي تم في إطارها إجلاء أكثر من سبعة آلاف مدني فيتنامي من سايغون في 29 و30 نيسان/أبريل 1975 بمروحيات.

بينما هذه المرة لم تحرص أمريكا على توفير هذا النوع وتركت المئات يتعلقون بعجلات الطائرات العسكرية ويتساقطون منها في مشهد تاريخي معبر بصدق عن حقيقة أمريكا الشيطانية.

ورغم تباينات الملفين الفيتنامي والأفغاني، لكن يبقى الجوهر مشتركا، حيث الخيانة الأمريكية للحلفاء ومن يقدمون الدعم للاحتلال وللهيمنة على حساب استقلال وكرامة أوطانهم.

وربما لخص جوليان بورغر، محرر الشؤون العالمية في صحيفة الجارديان البريطانية جوهر الأمر، في تحليل قال فيه: “كان الدرس العسكري المستفاد من فيتنام هو أن الولايات المتحدة لا تستطيع القيام بمكافحة تمرد، على بعد آلاف الأميال من الوطن، ضد عدو مدفوع أيديولوجيًا ومتجذر في مجتمع رأى القوات الأمريكية في نهاية المطاف كقوة احتلال. لقد كان درسًا مستفادًا، ثم تم نسيانه في الحماسة التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر”.

والشاهد هنا هو غرور القوة وغرور الاستناد الى الاستعمار والرهان عليه، وتكرار الأمر في بلاد مختلفة دون الاستفادة من الدروس. وهنا يمكن القاء الضوء على بعض الحقائق:

1- في بداية عام 1975، كان لدى الفيتناميين الجنوبيوين “حلفاء امريكا”، ثلاثة أضعاف ما لأعدائهم من مدفعية وضعف العدد من الدبابات والعربات المدرعة، كما أنه كان لديها 1400 طائرة وتفوق عددي بنسبة اثنين إلى واحد في القوات القتالية على أعدائهم الشيوعيين.

وبعد أربعة أشهر انتصر الشماليون عليهم بعد سلسلة من الهزائم والخذلان الأمريكي!

2- كان آخر جنود مشاة البحرية الأمريكية يخلي السفارة الامريكية على متن مروحية، بينما غمر المدنيون محيط السفارة وتدفقوا إلى أرضها، وكثير منهم تم توظيفهم من قبل الاميركيين وتركوا لمصيرهم.

وهو ما حدث في افغانستان، وقابل للحدوث في غيرها وفي محيط السفارة الأمريكية بأي بلد تعبث أمريكا به وتجند فيه المرتزقة، وتخرج منه تحت وطأة المقاومة وصمودها.

3- هناك جدل بين كون الانهيار الدراماتيكي للجيش الافغاني المدرب امريكيا، والسقوط لسريع لولايات الافغانية، وسيطرة “طالبان” على الحكم بهذه البساطة، هل هو صفقة أم كان حتميا في ظل الاوضاع الداخلية وحقائق التوازنات. وهنا ودون الدخول في تحليلات لم تتضح المعلومات بشأنها بعد، نقف أمام حقيقة لا تقبل الجدل وهي:

إن حقبة (الحرب على الارهاب) والتي كانت تعبيرًا عن القطبية الأمريكية الواحدة انتهت بلا رجعة، وهو ما يعني انتهاء امريكا كقطب أوحد رغم بقائها كقوة عظمى مهيمنة، وأيا كان الأمر فهو في الحالتين يعبر عن خذلان امريكا لحلفائها، وانتهاء أدبيات واستراتيجيات القطبية الواحدة.

والسؤال، هل استوعبت الأنظمة العربية التابعة والقوى السياسية العميلة لامريكا في كافة البلدان هذه الحقيقة؟

من واقع الأحداث والشواهد، نرى أن الكثير لم يستوعب الأمر بعد، وعليه فإن مزيدا من المفاجآت القاسية ومعها السعيدة ايضا في الطريق.

 

 

العهد الاخباري

 

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com