الارتقاء المستمر هو دأب أولياء الله

ليس هنالك آلية مبرمجة للهداية بحيث أن الإنسان ممكن أن يوفرها، لا بد من الرجوع إلى الله، لا بد من الدعاء، أن نطلب من الله الهداية، أن نطلب من الله التوفيق، أن نطلب من الله الاستقامة، أن يوفقنا للاستقامة، أن نطلب من الله أن يثبت خطانا، أن نطلب من الله أن يسدد أقوالنا.

الإنسان لا يستطيع بنفسه، لا يستطيع من خلال الاعتماد على نفسه أن يحقق لنفسه الهداية، والتوفيق في المجـالات التي ترتبط بحيـاته، وفيما يتعلق بآخرته، هنا يقول الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه): ((اللهم صل على محمد وآله وبلغ بإيماني أكمل الإيمان)) هو على ما هو عليه من العبادة والتقوى لم يحدث في نفسه غرور، ولا إعجاب بحالته التي هو عليها، وهو من سُمّي – لما كان عليه من العبادة – زين العابدين، وسيد الساجدين، ما زال يطلب من الله أن يبلغ بإيمانه أكمل الإيمان.

القرآن الكريم تضمن في آياته الكريمة داخل سور متعددة الحديث عن الإيمان، وأعلى درجات الإيمان، وأكمل الإيمان، من مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال:2) ومثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات:15).

مطلب مهم، وغاية تستحق أن يسعى الإنسان دائمًا إلى الوصول إليها: أن تطلب من الله أن يبلغ بإيمانك أكمل الإيمان. لا ترضى بما أنت عليه، لا تقف فقط على ما أنت عليه فتضع لنفسك خطّا لا تتجاوزه في درجات الإيمان، وفي مراتب كمال الإيمان.

من يرضى لنفسه أن يكون له خطّ معين لا يتجاوزه في إيمانه فهو من يرضى لنفسه بأن يظل تحت، وأن يظل دون ما ينبغي أن يكون عليه أولياء الله. الإنسان المؤمن هو جندي من جنود الله، وميدان تدريبه، ميدان ترويضه ليكون جنديًا فاعلًا في ميادين العمل لله سبحانه وتعالى هي الساحة الإيمانية، ساحة النفس، كلما ترسخ الإيمان في نفسك كلّما ارتقيت أنت في درجات كمال الإيمان، كلما كنت جنديًا أكثر فاعلية، وأكثر تأثيرًا، وأحسن وأفضل أداء.

نحن نرى الدول كيف تختار من داخل الجيش فرقًا معينة تدربها تدريبات خاصة، تدريبات واسعة وتدريبات شاملة لمختلف المهام، تدريبات على مختلف الحركات ليكون أولئك الجنود داخل تلك الفرقة في مستوى الفاعلية لتنفيذ مهام معينة، مهام صعبة، وتلك المهام وتلك القضايا التي هي في ذهن رئيس دولة، أو ملك هي دون ما ينبغي أن يكون في رأس المؤمن في ميادين العمل لله سبحانه وتعالى، مهام واسعة.

الجندي قد ينطلق في تنفيذ مهام كلها تنفيذية، كلها حركة، لكن جندي الله مهامه تربوية، مهامه تثقيفية، مهامه جهادية، مهامه شاملة، يحتاج إلى أن يروض نفسه، فإذا ما انطلق في ميادين التثقيف للآخرين، الدعوة للآخرين، إرشادهم، هدايتهم، الحديث عن دين الله بالشكل الذي يرسخ شعورًا بعظمته في نفوسهم يجب أن يكون على مستوى عال في هذا المجال، جندي الجيش العسكري في أي فرقة، لا يحتاج إلى أن يمارس مهامًا من هذا النوع، مهامه حركة في حدود جسمه، قفزة من هنا إلى هناك، أو حركة سريعة بشكل معين.

لكن أنت ميدان عملك هي نفس الإنسان، وليس بيته لتنهبه، وليس بيته لتقفز فوق سطحه، الجندي قد يتدرب ليتعلم سرعة تجاوز الموانع، أو سرعة القفز، أو تسلق الجدران، أو تسلق البيوت، لكن أنت ميدان عملك هو نفس الإنسان، الإنسان الذي ليس واحدًا ولا اثنين، آلاف البشر، ملايين البشر، تلك النفس التي تغزى من كل جهة، تلك النفس التي يأتيها الضلال من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها.

فمهمة المؤمن يجب أن ترقى بحيث تصل إلى درجة تستطيع أن تجتاح الباطل وتزهقه من داخل النفوس، ومتى ما انزهق الباطل من داخل النفوس انزهق من واقع الحياة، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: من الآية11).

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن

 

مكارم الأخلاق – الدرس الأول

 

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

 

بتاريخ: 1/2/2002م

 

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا