من يفقد الهوية يعش حياة حيوانية
نحن إذا فقدنا هويتنا فقدنا كل شيء، إذا بتنا وصرنا أمةً لا هوية لها، أو شعباً انسلخ عن هويته؛ خلاص اعتبرنا انتهينا، اعتبرنا قضي علينا، لا يبقى لنا كيان، لا يبقى لنا منعة، لا يبقى ارتباط، لا يبقى لنا عوامل قوة، لا يبقى لنا أي شيء، نهائيا، خلاص انتهينا، يتحول الناس الذين انسلخوا عن هويتهم، يتحولون إلى حيوانات مسخرة، عاجزة، مستسلمة، مستغلة، لا تفكير لها، لا إرادة لها، لا استقلال لها، لا حرية لها، لا كرامة لها، مطوّعون، يصبح الإنسان في هذه الحياة حاله حال أي حمار، أو جمل، أو أي حيوان آخر، أو كبش، تتوزع الأدوار بحسب طبيعة الاستغلال: البعض يستغل كما يستغل الحمار، البعض يستغل كما يستغل الجمل، البعض يستغل كما يستغل الكبش، البعض يستغل كما يستغل… وهكذا بقية الحيوانات.
الهوية مسألة مهمة جدًّا، مسألة في غاية الأهمية، ولذلك نحن نجعل من هذه المناسبة (جمعة رجب)، الجمعة الأولى من رجب، مناسبةً رئيسية لترسيخ الهوية، والحفاظ على الهوية، وتعزيز حالة الوعي تجاه أهمية الهوية، للحفاظ على هذه الهوية جيلاً بعد جيل، ولنقوم بالدور الذي قام به آباؤنا وأجدادنا على أتمّ وجه، بمستوى جيد جدًّا.
وهوية شعبنا هوية إيمانية، يمكن أن نعبّر عن هذه الهوية بما تحدث عنه الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وروي عنه حينما قال: (الإيمان يمان)، هذه أعظم هوية، أقدس هوية، أشرف هوية، ما هناك على الإطلاق هوية أعظم من هذه الهوية، كل أمة على وجه هذه الأرض، كل فئة، كل كيان، كل طائفة، كل مجتمع مترابط له هوية واحدة، هذه الهوية هي نمط حياة تعتمد على عقائد، تعتمد على مفاهيم، تعتمد على أعراف، على عادات، على تقاليد، على- كذلك– أفكار معينة، ثقافات معينة، وتمثل عاملاً مهماً جدًّا في اجتماع أمة، في ترابط أمة، لتتجه في هذه الحياة اتجاهاً واحداً، تجمعها تلك المنظومة من: العقائد، والأعراف، والتقاليد، والسلوكيات، والاهتمامات، والعادات…الخ.
وما من أمة في هذه الأرض، ما من أمة إلا ولها هوية، إما هوية صحيحة، وإلا هوية خاطئة، وإلا هوية مختلطة فيها شيءٌ من الأشياء الصحيحة، ومزيج من الأشياء الخاطئة، حتى- أحياناً- مزيج من الخرافة، بعض الأمم، بعض الشعوب، بعض الكيانات في قسمٍ كبيرٍ من عقائدها ومفاهيمها وعادتها وأعرافها جانب كبير يعتمد على الخرافة، ولكن تبقى متشبثة، مجتمعة، الذي يجمعها، الذي يجمع ذلك الشعب، أو يجمع تلك الأمة، أو يجمع سكان ذلك البلد هي تلك العادات، والتقاليد، والأعراف، والعقائد، وذلك النمط من الحياة الذي يستند إليها ويعتمد عليها.
من نعم الله علينا، وهي نعمة عظيمة، أن تكون هويتنا كشعبٍ يمني، وكأمة مسلمة، هي الهوية الإيمانية، هذه الهوية التي إن حافظنا عليها، حافظنا عليها في الانتماء، حافظنا عليها في الالتزام، حافظنا عليها من خلال الوعي بها، حافظنا عليها في تنقيتها من الشوائب الدخيلة التي تدخل إليها وليست منها، سواءً ما كان منها بشكل عقائد أو أفكار أو سلوكيات أو عادات، وهي دخيلة، ليست منها، ليست في أصلها، إنما دخلت من هنا أو هناك- وهذا سنتحدث عنه في سياق حديثنا- إن حافظنا على هذه الهوية حافظنا على أعظم هوية تمثل أهم وأعظم ما يمكن أن نتماسك به، ما يمكن أن يحافظ على وجودنا، ما يمكن أن يمثل أهم عامل قوة بالنسبة لنا، أهم ضمانة لفلاحنا ونجاحنا وصلاحنا وقوتنا وعزتنا وكرامتنا ومنعتنا، وأهم ما يمكن وأعظم ما يمكن أن نعتمد عليه ونستند إليه في مواجهة كل التحديات وكل الأخطار، مهما كانت، فلا تتمكن من أن تهدّ كياننا، ولا أن تسقط كياننا، ولا أن تقضي على وجودنا كأمة عظيمة، وشعب عظيم.
السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
ذكرى جمعة رجب 1439 هـ