وجوب استثمار النعم للنهضة وتحقيق الاكتفاء الذاتي

على مستوى آخر أيضاً وهو مهمٌ جدًّا جدًّا: أن هذه النعم الإلهية التي أنعم الله بها علينا، واستخلفنا فيها، إذا انطلقنا فيها من منطلقٍ إيماني، فإنها ستمثل عاملاً مهماً في النهضة والقوة:

عندما نلحظ أن من مسؤولياتنا أن نكون أمةً مستقلةً، لا تخضع للطاغوت، لأعدائها المضلين، من الطواغيت المجرمين، المتسلطين، المستكبرين، وأن تبني مسيرة حياتها على أساس هدي الله وتعليماته “سبحانه وتعالى”، وهذا الذي يحقق لها الاستقلال الفعلي والحقيقي، معنى ذلك: أنها ستدخل في صراع مع أعدائها، ولا بدَّ لها بأن تسعى لأن تكون أمةً قوية، والله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60]، هذا يشمل:

إضافةً إلى الجانب المعنوي: قوة الإيمان، قوة الوعي، قوة الرشد…إلخ.

يشمل أيضاً الجانب المادي: الإمكانات، الوسائل.

أن تتجه الأمة لإعداد القوة على كل المستويات:

القوة العسكرية.

القوة الاقتصادية.

الاقتصاد في موضوع القوة المادية يدخل كعنوان أولي ورئيسي، فالأمة تحتاج:

إلى العناية باقتصادها، وأن تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن تستثمر ما أعطاها الله من النعم على نحوٍ يجعلها أمةً قوية، يتوفر لها احتياجها الرئيسي:

من غذاء.

من دواء.

من سلاح.

من كافة الاحتياجات: الطبية، والملابس.

وما يدخل في عمرانها.

ما يدخل في مختلف احتياجاتها.

أن تسعى لأن تكون أمة تصنع، وتزرع، وتنتج.

وأن تمتلك أيضاً ما تحتاج إليه من خبرة، من علم ومعرفة في هذه المجالات.

أن تسعى هي لأن تكون أمة تحقق التقدم التكنولوجي، والتقدم على كل المستويات.

هذا أمرٌ مطلوب، ومن منطلقٍ إيماني، من منطلقٍ إيماني، من أجل أن تكون أمةً قوية:

تجاهد في سبيل الله.

تدفع عن نفسها خطر الأعداء.

تحقق لنفسها الاستقلال الحقيقي، فلا تبقى مرهونةً ورهينةً تحت سيطرة الأعداء وتحكمهم في كل أمورها.

عندما تكون الأمة معتمدةً في توفير غذائها واحتياجاتها الأساسية من بلدان أخرى، هذا نقص حتى في موضوع أمنها القومي، البلدان الأخرى تحسب في حساب أمنها القومي: أن توفر احتياجاتها الأساسية، الضرورية، داخلياً، وأن تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي في ذلك.

فهذا المفهوم هو مفهوم مهم جدًّا، كفيلٌ- إذا استوعبته الأمة وانطلقت على أساسه- أن يكون عاملاً مهماً للنهضة.

لاحظوا، العرب باردون، لم يهتموا بهذا المجال، لم يهتموا بهذا المجال، عندهم برودة عجيبة، ولا مبالاة، ولا اكتراث، في أن يكون كل شيء يحتاجون إليه حتى من الأعداء، من بلدان تحت سيطرة أعدائهم، أو من بلدان بعيدة، يمكن لأعدائهم أن يحاصروهم، ويمنعوا عنهم وصول تلك الاحتياجات في أي لحظة يتخذون القرار بذلك، وبالفعل أصبح من الوسائل الرئيسية التي يستخدمها أعداء الأمة في محاربتها: هو الحظر الاقتصادي، والحصار الاقتصادي؛ لاستهداف أي بلد، ويؤثر هذا على بلداننا، لماذا؟ لأنها فرطت في الاعتماد على هذا المفهوم المهم، والتحرك على أساسه: أن تعد ما تستطيع من قوة، وأن تكون أمة قوية، بلداناً قوية، منتجة، مصنعة، تنتج احتياجاتها كافة، لا تحتاج أن تذهب إلى الصين لتوفر ملخاخاً، إلى إيطاليا لتوفر صلصة، إلى أوروبا لتوفر أبسط الأغراض، أبسط الأشياء، إلى هنا أو هناك، إلى أستراليا، إلى آخر الدنيا، لتوفر لك القمح، لا، لتوفر لك مختلف احتياجاتك من بلدانك.

وهذا للأسف الشديد غاب عن أمتنا، فكان غيابه كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، ومأساة، وارتبطت حركة التجارة بتوفير كل الاحتياجات من خارج هذه البلدان، بالذهاب إلى أوروبا، إلى شرق آسيا، إلى مختلف البلدان البعيدة هناك، لتوفير أبسط الأشياء، وتعطلت عملية الإنتاج حتى لما كان ينتجه الآباء والأجداد، بدلاً من أن نتجه إلى تطوير عملية الإنتاج لدينا، فيما كان منتجاً منذ البداية، لم نعد نوفر في بلداننا حتى ما كان يتوفر لدى الآباء والأجداد، أولئك الذين يقول الكثير عنهم أنهم كانوا متخلفين وبائسين، وأنهم وأنهم، كم كان ينتج في اليمن من أشياء؟

الغذاء كان يتوفر في اليمن، وأكثر الناس يقتنونه، وبالذات أن الغالبية كانوا يقطنون في الأرياف، ويتوفر لهم مختلف الاحتياجات الغذائية، عنده في المنزل، وبجوار منزلة: البقر، الغنم، الدجاج، عنده مزارع ينتج فيها القمح، وهناك تتفاوت هذه المسألة من شخص إلى آخر، وهناك تكامل فيما بين البشر.

الآن كل شيء يأتي من الخارج من الخارج من الخارج، من الملخاخ الذي يحتاجه الإنسان بعد طعامه، إلى الصلصة، إلى أبسط الأشياء، ولا يزال الكثير يتجهون لتوفير كل الأشياء من الخارج، ويلعب التجار- نتيجةً لعوامل كثيرة- دوراً سلبياً في ذلك، بدلاً من الاتجاه للاستثمار في الداخل، وهناك مشاكل كثيرة، يمكن- إن شاء الله- نتحدث عن هذه المسألة في سياق حديثنا- إن شاء الله- في المحاضرات القادمة.

على العموم، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، يجعل من اهتمامنا بالقوة الاقتصادية مسألةً إيمانيةً، ضمن التزاماتنا الإيمانية، وهذا أمر مهم، وشيق، وعظيم؛ لأنك من هذا المنطلق ستتحرك على أساس التكامل، في الجهاد، وأنت تتحرك في الجانب الاقتصادي، وأنت تتحرك في أي مجال من مجالات الجانب الاقتصادي: زراعة، أو غيرها، يمكنك أن تتجه من منطلق تحظى فيه حتى بالفضل والأجر عند الله “سبحانه وتعالى”.

هذه على مستوى القيم الأساسية التي تمثل عاملاً مهماً في حسن التصرف مع نعم الله “سبحانه وتعالى”، أتت في القرآن الكريم، في الشريعة الإسلامية، تشريعات كثيرة، تنظم لنا الجانب الاقتصادي على أساس العدل، على أساس هذه القيم العظيمة، على أساس محاربة الظلم والفساد، كم من التشريعات التي تنظم لنا المعاملات الاقتصادية، والاهتمامات الاقتصادية، وحسن التصرف في الموارد الاقتصادية على نحوٍ صحيح، هذا مجال واسع جدًّا، لا يمكن الحديث عنه في محاضرة، الحديث عنه واسعٌ جدًّا جدًّا، ومعروف هذا في القرآن الكريم.

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الرمضانية  الـ19  1442 هـ

قد يعجبك ايضا